الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في وجوب معرفة الله وتوحيده]
24 -
خطبة في وجوب معرفة الله وتوحيده الحمد لله المتوحد بصفات العظمة والجلال، المتفرد بالكبرياء والكمال، المولي على خلقه النعم السابغة الجزال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل في كل الخصال، اللهم صل وسلم، على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله واعبدوه، فإن الله خلقكم لذلك قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] خلقهم ليعبدوه ويدينوا بعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه والتوجه في كل الأمور إليه، خلقهم ليعرفوا ويعترفوا أنه الرب الذي أوجد جميع المخلوقات، وأعدها وأمدها بكل ما تحتاج إليه من كل الجهات، وهي الفقيرة إليه بالذات وكل الصفات، خلقهم ليعرفوا ويعترفوا أنه الملك المالك لجميع الموجودات والعوالم والممالك، الذي له الحكم والحمد في الأولى والآخرة وإليه يرجعون، وإليه تنتهي الأقدار ومنه تبتدئ، وإذا أراد شيئا قال له كن فيكون، خلقهم ليعرفوا أحكامه الشرعية والقدرية
والجزائية، ولها يخضعون، فيعلمون أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، هو مولانا وعليه فليتوكل المؤمنون، فنرضى بالله ربا وسيدا ومدبرا وحاكما، وبمحمد نبيا رسولا ومبشرا ومنذرا، وبالإسلام دينا وطريقا ومسلكا، خلقهم ليعرفوا ويعترفوا أنه الله الذي لا إله إلا هو، فليس له شريك في ألوهيته، كما ليس له شريك في ربوبيته وملكه، فكما أنه الخالق الرزاق المدبر لجميع الأمور فهو الإله المعبود، المحمود المشكور، وكما أن جميع النعم الظاهرة والباطنة منه لطفا وإحسانا، فهو المستحق لكمال الشكر إخلاصا ومحبة له وخضوعا وإذعانا، وكما أنه الذي لطف بكم وعدلكم وسواكم، فليكن وحده معبودكم ومرجوكم ومولاكم، وكما شرع لكم دينا حنيفا ميسرا موصلا للفلاح، فاسلكوا الصراط المستقيم متقربين إليه في الغدو والرواح، فليس لكم رب سواه، ولا معبود ومقصود إلا الله، ولا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، ولا معول في الأمور إلا عليه، فقوموا بعبوديته ظاهرا وباطنا لعلكم تفلحون، واستعينوا به وتوكلوا عليه لعلكم ترحمون، إذ سألتم فلا تسألوا إلا الله، وإذا استعنتم فلا تستعينوا بأحد سواه، فإن الخلق كلهم فقراء عاجزون، وجميعهم إلى ربهم مضطرون مفتقرون، أعانني الله وإياكم على
ذكره وشكره وحسن عبادته، ووفقنا لمحبته ومعرفته والقيام بطاعته، ولا حرمنا خير ما عنده من الإحسان بشر ما عندنا من الإساءة والعصيان. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.