الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة واعظة]
22 -
خطبة واعظة الحمد لله الجليل وصفه، الجميل لطفه، الجزيل ثوابه، الشديد عقابه، الحي القيوم، الذي أوجد الكون من عدم ودبره، وخلق الإنسان من نطفة فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقره، ثم إذا شاء انشره، فسبحانه من إله ما أعزه وأقدره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة معترف بوحدانيته، مقر بألوهيته وربوبيته وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل بريته، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه صفوة الله من خلقه وخيرته.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله ولا تغتروا بإمهاله وحلمه، وأصلحوا أعمالكم فإنها محصاة عليكم ومجازون عليها بحكمته وعلمه، واحذروا الدنيا فإنها كثيرة آفاتها وعللها، مدبر مقبلها ومائل معتدلها، إن أضحكت بزخارفها قليلا، أبكت بأكدارها طويلا، انظروا من جمعها ومنعها، كيف انتقلت إلى غيره وصار عليه تعبها ومأثمها، فتفكروا في عواقب من دانت لهم الأمور، وأسكرهم الجهل والغرور، وصنعوا فيها ما اشتهوا وأرادوا، ووصلوا من أرادوا وصله وقطعوا وعادوا، كيف هجم عليهم
الموت بغتة وهم لا يشعرون، وكيف انتزع أرواحهم العزيزة وهم في غفلة نائمون، عوضهم موحشات القبور، بعد منتزهات القصور، وصنع بهم الدود مستبشع الأمور، وتراكيبهم المعتدلة أمالها، ومفاصلهم المتصلة أزالها، وعيونهم المليحة أطفأ نورها وأحالها، ووجوههم الصبحية المليحة غيرها، وألسنتهم الفصيحة أسكتها وقطعها، وشعورهم الحالكة مزقها، وأبدانهم الناعمة لعب البلاء بها وفرقها، يتمنون الرجوع إلى الدنيا وهيهات لهم الرجوع، ويودون أن يردوا ليستدركوا ما يقدرون عليه من التوبة والنزوع، فلو سألتهم عما وصلوا إليه من الأحوال، لقالوا قد لقينا الشدائد والقلاقل والأهوال، ولقد حوسبنا على الدقيق والجليل من الأعمال، فلم نفقد من أعمالنا قليلا ولا كثيرا ولم نجد لنا شافعا ولا وليا ولا نصيرا، فيا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله، ويا ندامتنا على ما تجرأنا عليه من محارم الله، ويا شقاءنا من العذاب الدائم، ويا فضيحتنا من الحزن والخزي المتراكم، لقد جاءتنا الآيات والنصائح فرددناها، ولقد توالت علينا النعم من ربنا فما شكرناها، ولقد قدمنا الدنيا على الآخرة وآثرناها، فالآن أصبحنا بأعمالنا مرتهنين، وعلى ما قدمت أيدينا من الجرائم نادمين. {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشعراء: 205] الآيات. بارك الله لي ولكم.