الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
59 - كتاب بدء الخلق
1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ)
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالْحَسَنُ كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. هَيْنٌ وَهَيِّنٌ مِثْلُ لَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ، وَضَيْقٍ وَضَيِّقٍ. (أَفَعَيِينَا) أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ، لُغُوبٌ النَّصَبُ. (أَطْوَارًا) طَوْرًا كَذَا، وَطَوْرًا كَذَا، عَدَا طَوْرَهُ أَىْ قَدْرَهُ.
3190 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «يَا بَنِى تَمِيمٍ، أَبْشِرُوا» . قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ «يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا
ــ
كتاب بدء الخلق
باب ما جاء في قول الله: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27]
(قال الربيع) ضد الخريف (خثيم) بضم المعجمة وفتح الثاء مصغر (والحسن) هو البصري (كل عليه هين) تفسير لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وأشار إلى أن اسم التفضيل ليس على ظاهره، وذلك أن الممكنات نسبتها إلى قدرته [....] والجمهور على أنه على ظاهره على طريقة المثل إلزامًا لمنكر البعث، فإن الإتيان بالفعل [
…
] عندهم.
3190 -
(كثير) ضد القليل (محرز) بضم الميم آخره زاي معجمة (حُصين) بضم الحاء مصغر (جاء نفر من تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بني تميم أبشروا) أي: بما أعده الله للمؤمنين (قالوا: بشرتنا فأعطنا) قيل: القائل هو الأقرع بن حابس، وإنما نسب القول إلى الكل لوقوعه
قَبِلْنَا. فَأَخَذَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ، رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ، لَيْتَنِى لَمْ أَقُمْ. أطرافه 3191، 4365، 4386، 7418
3191 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلْتُ نَاقَتِى بِالْبَابِ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ فَقَالَ «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِى تَمِيمٍ» . قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ قَالَ «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» . فَنَادَى مُنَادٍ ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ. فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِىَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ تَرَكْتُهَا. طرفه 3190
ــ
بينهم (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق) أي: يذكر، أي: شرع في ذلك (والعرش) بالجر عطف على الخلق.
3191 -
(غياث) بكسر الغين آخره ثاء مثلثة (جامع بن شّداد) بفتح الدال المشددة (محرز) بضم الميم آخره زاي معجمة (جئناك لنسألك عن هذا الأمر) أي: بدء الخلق، ولذلك قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره [
…
] بالقِدَم، وفيه دليل لأهل الحق في أنه تعالى فاعل بالاختيار (وكان عرشه على الماء) أي: قبل خلق السموات، ليس معناه أن العرش كان على سطح الماء بعد خلق السموات والأرض ارتفع، بل معناه أنه كان بموازاته ليس بينهما حائل وقد روى الترمذي أنّ أول مخلوق هو الماء ثم العرش وقيل بعد الماء خلق القلم، وأما حديث:"أول ما خلقه هو العقل" فليس له صحة.
(وكتب في الذكر كل شيء) الذكر هنا اللّوح المحفوظ وكأن يسمى بذلك؛ لأن فيه ذكر كل شيء (فنادى مناد ذهبت ناقتك [يا] ابن الحصين فإذا هي يقطع دونها السّراب) هو ما في أثناء النهار على الأرض السبخة من شبه الماء، والمعنى أنها بعدت حتى يرى دونها السّحاب، ويقطع يروى مضارع قطع، وبلفظ الماضي على وزن تكسر.
3192 -
وَرَوَى عِيسَى عَنْ رَقَبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَامَ فِينَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.
3193 -
حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ عَنْ أَبِى أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أُرَاهُ «يَقُولُ اللَّهُ شَتَمَنِى ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِى، وَتَكَذَّبَنِى وَمَا يَنْبَغِى لَهُ، أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِى وَلَدًا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِى كَمَا بَدَأَنِى» . طرفاه 4974، 4975
ــ
3192 -
(وروى عيسى) هو أبو موسى البخاري، يلقب غنجار بضم الغين المعجمة والجيم (عن رَقَبة) بثلاث فتحات وباء موحّدة، قال الغسّائي: ليس لعيسى هذا رواية عن رقبة وإنما يروي عن رقبة أبو حمزة السكري، ويروي عيسى عن أبي حمزة، كذا وقع من غير طريق الفربري، وقد رواه حمّاد بن شاكر على الصّواب (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا) إما أن يكون محمولًا على ظاهره، أو هو من قام بالأمر إذا أتى به (فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم) أي: أخبر بأحوال المبدأ والمعاد على الوجه الأكمل.
3193 -
(عن أبي أحمد) محمد بن عبد الله الأسدي (عن أبي الزناد) بكسر الزّاي المعجمة عبد الله بن ذكوان (قال الله: شتمني ابن آدم) الشتم: نسبة الشخص إلى ما فيه عار ونقص، وفسَّره بأن له ولدًا وذلك نقص، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون له مجانس وصاحبة (وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني) هذا نقض قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104].
فإن قلت: لم آثر في الشتم صيغة الماضي، وفي التكذيب المضارع؟ قلت: نسبة الولد إليه كان في اليهود والنصارى، وأما إنكار الإعادة قول الذهرية، فذلك أمر مستمر فيهم.
واعلم أن أمثال هذا يسمى بالحديث القدسي؛ لأن لفظه من الله تعالى، لكنه غير معجز كالتوراة والإنجيل، هذا القدر هو الفارق بينه وبين القرآن، وما يقال إن الحديث القدسي ما
3194 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِىُّ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِى غَلَبَتْ غَضَبِى» . أطرافه 7404، 7412، 7453، 7553، 7554
ــ
ألهمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم هو عبّر عنه بعبارة نفسه فليس بشيء؛ لأن كل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بإلهام من الله.
3194 -
(لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت على غضبي) وفي رواية: "سبقت".
قال بعضهم: فإن قلت: الغضب غليان دم القلب، فكيف صح إسناده إليه تعالى؟ قلت: المراد لازمه وهو إرادة الانتقام، فإن قلت: صفاته قديمة فكيف يقول: سبق بعضها؟ قلت: السبق باعتبار التعلق، وتعلق الرحمة مقدم على تعلق الغضب، على أن الغضب والرحمة فعلان يجوز تقدم أحدهما على الآخر.
هذا كلامه وفيه خبط من وجوه:
الأول: أنه قدم أن المراد من الغضب إرادة الإنتقام، وهي صفة ذاتية، فقوله بعده: ليست صفة بل فعل، متناقض.
الثاني: قوله: تعلق الرحمة سابق ممنوع، فإن أهل النار يدخلونها قبل أهل الجنة كما سيأتي في البخاري.
الثالث: أن هذا فهم أن المراد بالسبق التقدم الزماني، وليس كذلك، بل المراد سعة رحمته، فسَّره الرواية الأخرى:"غلبت"، والمراد من قوله:"قضى الله الخلق" أي: أظهره في اللّوح كتب في كتاب أضافه إليه لعدم اطلاع الملائكة على ما فيه ولذلك قال: "فهو عنده" إذ ليس المراد العندية المكانية، وقوله:"فوق العرش" قيل: أراد دون العرش، كقوله تعالى:{بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي: دون البعوضة، وهذا تكلف، والظاهر حمله على الحقيقة؛ إذ لا صارف عنه وتعليلهم بأن العرش أعظم من أن يكون فوقه شيء ذهول عن قوله:"في كتابه فهو عنده".