الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
190 - (1) باب بدء الأذان
ــ
صُرِّح له بأنَّ أولَ واجبٍ صلاةُ الظهر ويؤيده أن جبريل عليه السلام لمَّا نزلَ ليعلِّمه الكيفيةَ بدأ بها فهي أول صلاةِ ظهرَتْ في الإسلام، وفيه إشارة إلى أن دِينهُ سيَظْهَرُ على سائرِ الأديان كظهورها على سائرِ الصلوات، وكانت عبادتُه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في غارِ حراء بالتفكُّرِ في مَصْنُوعات الله تعالى وإكرامِ مَنْ يمر عليه من الضيفان فكان يتعبَّدَ فيه اللياليَ ذواتِ العَدَد، واختار التعبُّدَ فيه دون غيره لأنه تُجاهَ الكعبة وهو يُحِبُّ رؤيتَها، ثُمَّ وَجَب عليه وعلينا قيامُ الليل، ثُمَّ نُسخ في حقنا وحقه أيضًا على الأصح بفَرْضِ الصلوات الخمس وهي أفضل العبادات البدنية الظاهرة ثم الصوم ثم الحج ثم الزكاة ففرْضُها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل، وأفضل الصلوات صلاة الجمعة، ثم عصرها ثم عصر غيرها، ثم صبحها ثم صبح غيرها، ثم العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب، وظاهر كلامهم استواء كل من هذه الثلاثة من الجمعة وغيرها وقد يظهر خلافه.
وأفضل الجماعات جماعة الجمعة، ثم جماعة صبحها، ثم جماعة صبح غيرها، ثم جماعة العشاء، ثم جماعة العصر، ثم جماعة الظهر، ثم جماعة المغرب، والعبادات البدنية الباطنة كالتفكر والصبر والرضا بالقضاء والقدر أفضل من العبادات البدنية الظاهرة حتى من الصلاة فقد ورد "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة" وأفضل الجميع الإيمان بالله تعالى.
وهي لغة: الدعاء مأخوذة من صَلَّى إذا دعا، ومنه قوله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وقيل مأخوذة من صَلَّيتُ العُودَ بالنار إذا قَوَّمْتَهُ بها لأن الصلاة تُقَوِّمَ الإنسان للطاعة، ومن ثم ورد في الخبر "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" أي كاملة، ولا يضر كون الصلاة واوية لأن أصلها صَلَوَةُ على وزن فَعَلَةُ تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا فصار صلاة لأنهم يأخذون الواويّ من اليائي والعكس؛ نحو البيع فإنه مأخوذ من الباع. وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة.
190 -
(1) باب بدء الأذان
أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في بيان كيفية بدء الأذان أي استوائه، والأذان لغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى: {مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ
731 (339) - (1) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، (وَاللَّفظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجِ: أَخْبَرَنِي
ــ
الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] وقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} وشرعًا: ألفاظ خصوصة، شرعت للإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة. والإقامة لغة: مصدر أقام الرباعي. وشرعًا: ألفاظ مخصوصة شرعت لاستنهاض الحاضرين إلى الصلاة.
731 -
(339)(1)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة، من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، قال:(حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البُرْساني بضم الموحدة وسكون الراء نسبة إلى برسان قبيلة من الأزد، أبو عثمان البصري، وثقه أبو داود وابن سعد وابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (9) مات سنة (204) أربع ومائتين، روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد، من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني أحد الأئمة الأعلام، صاحب علم وفضل صاحب المصنف الشهير شيخ أحمد بن حنبل، قال ابن عدي: رحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب (قالا) أي قال كل من محمد بن بكر وعبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي، ثقة فقيه مدلس مرسل، من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمَّال بالمهملة، وثقه الدارقطني والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (10) العاشرة، مات سنة (243) روى عنه في (9) أبواب، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لهارون تورعًا من الكذب على غيره (قال) هارون (حدثنا حجاج بن محمد) مولى سليمان بن مجالد الأعورُ أبو محمد، الترمذيُّ الأصلِ ثم البغداديُّ ثم المِصِّيصي، ثقة ثبت لكنه اختلط في آخرِ عمره لما قدم بغداد قبل موته، من (9) مات ببغداد سنة (206) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات لبيان اختلاف مشايخ مشايخه (قال) حجاج بن محمد (قال ابن جريج أخبرني
نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ؛ أنَّهُ قَال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ. فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ. وَلَيسَ يُنَادِي بِهَا أَحَدٌ. فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا في ذلِكَ. فَقَال بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى
ــ
نافع) الفقيه العدوي مولاهم (مولى ابن عمر) أبو عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور، من (3) مات سنة (117) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المدني الصحابي المشهور من المكثرين.
وهذه الأسانيد من خماسياته الأول منها رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، والثاني منها رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، والثالث منها رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان وواحد مدني.
(أنه) أي أن ابن عمر (قال كان المسلمون حين قدموا المدينة) من مكة في الهجرة (يجتمعون فيتحينون) أي يقذرون حِينَ (الصلوات) ووَقْتَها لِيأتُوا إليها في الوقت.
وعبارةُ المفهم: (فيتحينون) أي يقدرون أحيانَها وأوقاتها ليأتوا إليها في الوقت؛ والحينُ الوقتُ والزمانُ، وتشاورُهم في هذا دليل على مراعاتهم المصالحَ والعملَ بها وذلك أنهم لمَّا شقَّ عليهم التَحَيُّنُ بالتبكير فيفوتُهم عملُهم أو بالتأخير فتفوتُهم الصلاةُ نظَرُوا في ذلك فقال كل واحد منهم ما تيسر له من القول (وليس) الشأن (ينادي) بكسر الدال على صيغة المعلوم (بها) أي بالصلاة أحد، وفي رواية البخاري (لها) باللام (أحد) من المسلمين (فتكلموا) أي تكلمت الصحابة رضي الله عنهم (يومًا) من أيامهم (في ذلك) أي في شأن الاجتماع للصلاة.
قال القاضي عياض: فيه التشاور في مهمات الدين والدنيا، قال النووي: فيبدي المشاورون ما عندهم ثم يفصِّل صاحب الأمر ما ظهرت له مصلحته، والصحيح عندنا وجوب المشاورة في حقه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ} لأن الأمر للوجوب عند المحققين وهي في حقنا سنة اهـ.
(فقال بعضهم اتخذوا) بكسر الخاء على صيغة الأمر (ناقوسًا مثل ناقوس النصارى) الذي يضربونه لوقت صلاتهم من النقْسِ وهو الضرب، يجمع على نواقيس، وفي
وَقَال بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَال عُمَرُ: أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاةِ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ"
ــ
المنجد: الناقوس قطعة طويلة من حديد أو خشب يضربونها لأوقات صلاتهم اهـ.
وفي السندي على ابن ماجه: الناقوس خشبةٌ طويلَةٌ تضرب بخشبة أصغر منها، اهـ.
(وقال بعضهم) بل اتخذوا (قرنًا) أي بوقًا (مثل قرن اليهود) أي مثل بوق اليهود الذي يُنْفَخُ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، ويسمى الشَبُّور بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المضمومة، قال الأبي: وهذا اجتهاد منهم، ولا بد للمجتهد من مستند ومستندهم القياس على فعل اليهود والنصارى، ولولا أن فعل اليهود والنصارى حكم شرعي لم يصح القياس عليه إذ لا يصح القياس على ما ليس بشرعي ففيه: أن شرع من قبلنا شرع لنا.
وقال آخرون: ما نرضى ذلك الذي قلتموه من الناقوس والقرن فإن الناقوس شعار النصارى والقرن شعار اليهود، فإن اتخذنا أحدهما التبست أوقاتنا بأوقاتهم (فقال عمر) بن الخطاب (أو لا تبعثون) الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، فالهمزة نافية لذلك المحذوف ومقررة لما بعدها حثًا وبعثًا اهـ أبي.
والتقدير: أتقولون بموافقة اليهود والنصارى ولا تبعثون (رجلًا ينادي بالصلاة) أي ينادي بلفظٍ يصلُحُ للإعلام بحضور وقت الصلاة بأي لفظ كان لا بلفظ الأذان لأن لفظ الأذان لم يكن حينئذٍ، وإنما ثبت برؤيا عبد الله بن زيد رضي الله عنه فافترقوا على ذلك فرأى عبد الله بن زيد الأذان فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه رؤياه فصدَّقه فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال، وفي رواية البخاري (فقال) بالفاء (يا بلال قم) أي اذهب إلى موضع بارز (فناد) فيه (بالصلاة) أي بالكلمات التي رآها عبد الله بن زيد في منامه ليسمعك الناس فيأتون إلى الصلاة فطلع بلال على سطح بيت أبي أيوب الأنصاري فاذن عليه وهو أول مكان وقع عليه الأذان في الإسلام كما بسطنا ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان، قال (ع): وعدوله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله الرائي إلى بلال؛ بَيَّن وجهه في الترمذي وأبي داود بقوله: "إنه أندى منك صوتًا" أي أرفع، وقيل أطيب، وفي بعض الطرق إنه لفظيع الصوت ففيه استحباب أن يكون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المؤذن حسن الصوت رفيعه، ويكره ما فيه غلظ وتكَلُّف. فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟ أجيب: بأنه إنما خُصص برؤياه لما في ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم والرفع لذكره لأنه إذا كان على لسان غيره كان أرفع لذكره وأفخر لشأنه، على أنه روى أبو داود في المراسيل: أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها الوحي" اهـ قسط.
وهذا التفسير الذي قررناه في حل المتن يزول به الإشكال الواقع في الجمع بين الروايات المتعارضة في أحاديث بدء الأذان، والله أعلم.
قال القرطبي: (قوله قم يا بلال فناد بالصلاة) حجة لمشروعية الأذان والقيام فيه، وأنه لا يجوز أذان القاعد عند العلماء إلا أبا ثور وبه قال أبو الفرج من أصحابنا، وأجازه مالك وغيره لعلةٍ به إذا أذَّن لنفسه. ويحصل من الأذان إعلام بثلاثة أشياء: بدخول الوقت، وبالدعاء إلى الجماعة ومكان صلاتها، وبإظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد.
واختلف في حكمه فقال داود والأوزاعي: وهو ظاهر قول مالك في الموطأ بوجوبه في المساجد والجماعات، وقيل إنه فرض على الكفاية وبه قال بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة في مساجد الجماعات والعشائر وهو المشهور من مذهب مالك وغيره، وسبب الاختلاف اختلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: قم يا بلال فناد بالصلاة هل هو محمول على ظاهره من الوجوب أم هو مصروف عن ذلك بالقرائن أعني قرائن التعليم، وأما من صار إلى أنه على الكفاية فيراعي ما يحصل منه من الفوائد الثلاثة المتقدمة الذكر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [604]، والترمذي [190] والنسائي [2/ 2]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
* * *