الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
237 - (49) باب: ما يقال في الركوع والسجود والأمر بإكثار الدعاء فيه
977 -
(442)(102) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
ــ
237 -
(49) باب ما يقال في الركوع والسجود والأمر بإكثار الدعاء فيه
977 -
(442)(102)(وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي البغدادي، ثقة، من (10) مات سنة (231) روى عنه في (6)(وعمرو بن سواد) بشديد الواو بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) مات سنة (245) روى عنه في (2)(قالا حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبي أمية المصري، ثقة فقيه، من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن عمارة بن غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها ياء مشددة بن الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) مات سنة (140) روى عنه في (8) أبواب (عن سمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) مات سنة (130) مقتولًا بقديد موضع قريب إلى مكة، روى عنه في (5) أبواب (أنه سمع أبا صالح) السمان (ذكوان) الزيات مولى جويرية بنت قيس، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب، حالة كون أبي صالح (يحدث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون أو مصريان ومروزي، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والمقارنة.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب) مبتدأ حذف خبره وجوبًا لسد الحال مسده، وهي قوله وهو ساجد فهو مثل قولهم أخطب ما يكون الأمير قائمًا إلا أن الحال هناك مفردة وههنا جملة مقرونة بالواو (ما) مصدرية (يكون العبد) صلة لما
مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ".
978 -
(443)(103) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: أَخْبَرَنَا
ــ
المصدرية (من ربه) متعلق بأقرب (وهو ساجد) حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، والتقدير أقرب أكوان العبد وأحواله من رحمة ربه حاصل في حال كونه ساجدًا لأنه حال يتذلل فيه لربه ويخضع، ومعنى قرب العبد إلى ربه قربه إلى رحمة ربه بفعله ما هو يُرضيه ومعنى قرب الله إلى عبده كما في قوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ) فالقرب في الآية الكريمة صفة ثابتة لثه تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فأكثروا الدعاء) في سجودكم أيها المصلون فإنه حالة قرب العبد إلى ربه فقمن أن يستجاب لكم الدعاء.
قال القاضي: والمراد بالقرب من الله القرب من رحمته عز وجل قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ولذا حض على الدعاء، وقال القرطبي: هذا قرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة والمساحة إذ هو سبحانه منزه عن المكان والزمان، وقال النووي: يحتج بهذا الحديث الترمذي والبغوي القائلان بأن كثرة السجود والركوع أفضل، وفضَّلَ الشافعي رحمه الله تعالى طول القيامَ لحديث: "أفضل الصلاة طول القنوت لا أي القيام ولأن ذكر القيام القرآن وهو أفضل الذكر، وقال إسحاق: أما في النهار فكثرة السجود والركوع أفضل، وأما في الليل فطول القيام أفضل إلا أن يكون لرجل ورد فكثرة الركوع والسجود أفضل، وتوقف أحمد ولم يقض في المسألة بشيء.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 421] وأبو داود [875] والنسائي [2/ 226]. وهذا الحديث استدلال على الجزء الأخير من الترجمة.
ثم استدل على الجزء الأول من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة أيضًا رضي الله عنه فقال:
978 -
(443)(103)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري، ثقة، من (10)(ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثقة، من صغار (10) مات سنة (264) روى عنه في (3) أبواب (قالا أخبرنا)
ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:"اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ. دِقَّهُ وَجِلَّهُ. وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ. وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ"
ــ
عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي أبو العباس المصري، وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من (7) مات سنة (168) روى عنه في (7) أبواب (عن عمارة بن غزية) الأنصاري المدني (عن سمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن المخزومي المدني (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله) هذا تعليم للأمة لأنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو شكر له على نعمة الغفران (دقه) أي صغيره (وجله) أي كبيره وهما بكسر أولهما وتشديد ثانيهما وفسرهما النواوي بالقليل والكثير، قال: وفيه توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه وإن أغنى بعضها عن بعض لأنه من المواضع التي يطلب فيه الإطناب، قيل: وإنما قدم الدق على الجل لأن السائل يتصاعد في مَسْأَلتِه أي يَترقى، ولأن الكبائر تنشأ غالبًا من الإصرار على الصغائر وعدم المبالاة بها فكأنها وسائل إلى الكبائر، ومن حق الوسيلة أن تقدم إثباتًا ورفعًا اهـ ملا علي.
(وأوله) أي ما وقع أولًا يعني ما تقدم (وآخره) أي ما تأخر وقوعه يعني وما تأخر والمقصود الإحاطة بجميعها (وعلانيته) أي ما وقع منها مع العلانية والإظهار للناس (وسره) أي ما وقع منها مع السر والإخفاء عن الناس والعلانية والسر بالنسبة إلى غيره تعالى وإلا فهما سواء عنده سبحانه وتعالى لأنه يعلم السر وأخفى، وفي هذا الحديث دليل على نسبة الذنوب إليه صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف الناس في ذلك فمنهم من يقول الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر، وذهبت شرذمة من الروافض إلى تجويز كل ذلك عليهم إلا ما يناقض مدلول المعجزة كالكذب والكفر، وذهب المقتصدون إلى أنهم معصومون عن الكبائر إجماعًا سابقًا خلافَ الروافض ولا يُعتدُّ بخلافهم إذ قد حَكَم بكفرهم كثير من العلماء اهـ قرطبي.
979 -
(444)(104) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ. اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي" يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [878].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الثاني بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
979 -
(444)(104)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال زهير حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبي عتاب السلمي الكوفي (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح القرشي الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد منهم مدني وواحد منهم إما نسائي أو مروزي (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم) أي أسبحك يا إلهي تسبيحًا وأنزهك تنزيهًا وأبرؤك تبرئة من كل النقائص أي أعتقد نزاهتك من كل نقص يا (ربنا) ويا مالك أمرنا (و) الحال أني ملتبس (بحمدك) وثنائك ووصفك بكل وصف جميل، أو بهدايتك لي سبحتك لا بحولي ولا قوتي (اللهم اغفر لي) جميع ذنوبي ما تقدم منها وما تأخر، وجملة قوله (يتأول القرآن) حال من فاعل يقول أي يكثر أن يقول ذلك حالة كونه يتأول القرآن أي يفعل ويَمتَثلُ ما أمر به في القرآن يعني في قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} والأمر فيه وإن لم يقيد بزمان ولا مكان ولكن الصلاة أفضل محل فلذا خصص كثرته بها؛ أي يقول ذلك متاولًا للقرآن أي مبينًا ما هو المراد من قوله فسبح بحمد ربك واستغفره آتيًا بمقتضاه اهـ نووي مع ملا علي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 49] والبخاري [794] وأبو داود [87] والنسائي [2/ 219] وابن ماجه [889].
قال القرطبي: (سبحانك) سبحان اسم مصدر لسبح الرباعي علم على التسبيح فوقع
980 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ:"سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكَ"
ــ
موقعه فنصب انتصابه وهو لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون كعثمان، ومعناه البراءة لله من كل نقص وسوء، وهو في الغالب مما لا ينفصل عن الإضافة وقد جاء منفصلًا عنها في قول الأعشى شاذًّا:
أقول لما جاءني فخره
…
سبحان من علقمة الفاخر
وقد أشربه في هذا البيت معنى التعجب فكأنه قال: أتعجب تعجبًا من علقمة أي من فخره، هذا قول حذاق النحويين وأئمتهم، وقد ذهب بعضهم إلى أن سبحان جمع سباح كحسبان جمع حساب من سبح في الأرض يسبح إذا ذهب فيها، وقيل جمع سبيح للمبالغة من التسبيح مثل خبير وعليم، ويجمع على سبحان كقضيب وقضبان، وهذان القولان باطلان بدليل عدم صرفه كما ذكرناه من بيت الأعشى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
980 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي كلاهما (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن مسلم) بن صبيح القرشي الكوفي، وعبر هنا عن هذا الراوي بمسلم المبهم، وفيما تقدم بكنيته أبي الضحى، وفيما سيأتي بمسلم بن صبيح مضافًا إلى أبيه، هذه ثلاثة أسماء مسماها واحد ذكره المؤلف أولًا بكنيته فقط ثم باسمه فقط ثم باسمه مع اسم أبيه بدون كنيته، فكأنه بإبهاماته يَمْتَحِنُ قارئَ كتابِه (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) الصديقة رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن أبي الضحى، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت سبحانك وبحمدك أستغفرك) أي أطلب منك غفران ذنوبي (وأتوب إليك) أي أرجع إلى طاعتك بترك المعاصي، قال الأبي: هذا تعليم للأمة أو تواضع منه إذ لا ذنب له أو ترق بحسب
قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّي أَرَاكَ أحْدَثْتَها تَقُولُهَا؟ قَال: "جُعِلَتْ لِي عَلامَةٌ في أُمَّتِي إِذَا رَأَيتُهَا قُلْتُهَا. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
981 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: مَا رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
ــ
المقامات، قال النواوي: ففيه استحباب الإكثار من ذلك في آخر العمر اهـ.
(قالت) عائشة (قلت يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها) حالة كونك (تقولها قال: جعلت لي علامة) على قرب أجلي (في أمتي) أو على كثرة الاستغفار وهي نصرها على أعدائهم وفتح مكة (إذا رأيتها) أي رأيت تلك العلامة (قلتها) أي قلت هذه الكلمات وتلك العلامة هي التي ذكرت بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} إلى آخر السورة) وأوضح من هذا ما سيذكره من رواية عامر عن مسروق وهو المذكور في تفسير الخازن.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها رضي الله عنها فقال:
981 -
(00)(00)(حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا يحيى بن آم) بن سليمان الأموي أبو زكريا الكوفي، ثقة، من (9)(حدثنا مفضل) بضم الميم وتشديد الضاد المفتوحة على صيغة اسم المفعول -بن مهلهل- بهاءين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة- السعدي أبو عبد الرحمن الكوفي الضبي، روى عن الأعمش في الصلاة، ومنصور في الحج والنذور والديات واللباس، ويروي عنه (م س ق) ويحيى بن آدم وجرير وابن إدريس وأبو أسامة وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال العجلي: كان ثقة ثبتًا في الحديث صاحب سنة وفضل وفقه، وقال في التقريب: ثقة ثبت نبيل عابد، من السابعة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة (عن الأعمش) الكوفي (عن مسلم بن صبيح) الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة مفضل لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) عائشة (ما رأيت النبي صلى الله عليه
وَسَلَّمَ مُنْذُ نَزَلَ عَلَيهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يُصَلِّي صَلاةً إلا دَعَا. أَوْ قَال فِيهَا: "سُبْحَانَكَ رَبِّي وَبِحَمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي".
982 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الأعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ". قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاك تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ:"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ؟ "
ــ
وسلم منذ نزل عليه) أي بعد أن نزل عليه قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} بصلي صلاة إلا دعا) فيها (أو) قالت عائشةُ أو الراوي عَنْهَا إلا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في تلك الصلاة (سبحانك ربي) أي تنزيهًا لك ربي عن كل ما لا يليق بك من النقائض (وبحمدك) متعلق بمحذوف دل عليه التسبيح أي وبحمدك سَبَّحْتُك؛ ومعناه وبتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عَليَّ سبَّحْتُك لا بحولي وقوتي، قال القرطبي: ويظهر وجهٌ آخرُ وهو إبقاء معنى الحمد على أصله وتكون الباء سببية ويكون معناه بسبب أنك موصوف بصفات الكمال والجلال سَبَّحك المسبِّحون وعظَّمك المعظمون، وقد روي بحذف الواو من قوله وبحمدك وبإثباتها اهـ، وقوله (اللهم اغفر لي) يحتج به من يجيز الدعاء في الركوع اهـ أبي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
982 -
(00)(00)(حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثني عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (11) بابا (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي (عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة عامر الشعبي لمسلم بن صبيح في رواية هذا الحديث عن مسروق (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (فقلت: يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه) فلأيِّ سبب أكثرت من
فَقَال: "خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلامَةً فِي أُمَّتِي. فَإِذَا رَأَيتُهَا أَكثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ. فَقَدْ رَأَيتُهَا. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فَتْحُ مَكَّةَ. {وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 1، 3] "
ــ
ذلك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (خبرني) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة أي أخبرني (ربي أني سأرى علامة في أمتي) قال الأبي: الأظهر أنها علامة على طلب كثرة الاستغفار والتسبيح له، وحملها ابن عباس على أنها علامة على اقتراب أجله لأنه أجاب عمر حين سأله عن تفسير الآية فقال: نَعَى له نفسه فيحتمل أنه لم ير الحديث أو رآه فحمله على أنها علامة على اقتراب أجله اهـ (فإذا رأيتها كثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها) أي فقد رأيت تلك العلامة الآن فأنا أكثر الاستغفار والتسبيح لربي شكرًا له على تلك العلامة، وتلك العلامة ما ذكره الله تعالى وخَبَّرنِيهَا بقوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أي حصل نصر الله لك على أعدائك {وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]) أي (فتح مكة) وغلبتها {وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2]) أي زمرًا زمرًا جماعة جماعة ({فَسَبِّحْ}) أي اعتقد بقلبك تنزيه الله عن النقائص؛ حالة كونك ملتبسًا ({بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: 3]) بلسانك أو قل سبحان الله وبحمده ({وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ}) تعالى ({كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]) أي كثير التوبة على عباده، واستغفاره صلى الله عليه وسلم هو تعليم لأمته أو تواضع منه إذ لا ذنب له أو ترق في المقامات فيستغفر من كل مقام ارتقى عنه وإن كان أدناها لا يلحق كما قال بعضهم:
له همم لا منتهى لكبارها
…
وهمته الصغرى أجلُّ من الدهر
ففي استغفاره صلى الله عليه وسلم شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله تعالى، وأن كل الأفعال له، والله أعلم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم أستغفرك وأتوب إليك حجة على أنه يجوز بل يستحب له ذلك، وحكي عن بعض السلف كراهته له لئلا يكون كاذبًا، قال: بل يقول اللهم اغفر لي وتب علي، وهذا الذي قاله من قوله اللهم اغفر وتب علي، حسن لا شك فيه، وأما كراهة قوله أستغفر الله وأتوب إليه فلا يوافق عليها اهـ نواوي، ويستنبط من الحديث استحباب الإكثار من ذلك آخر العمر اهـ.
983 -
(445)(105) وحدَّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَيفَ تَقُولُ أَنْتَ فِي الرُّكُوعِ؟ قَال: أَمَّا سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ. فَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتِ: افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ. فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ يَقُولُ: "سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلهَ إلا أَنْتَ". فَقُلْتُ: بِأبِي أَنْتَ وَأُمِّي،
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الثاني بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال:
983 -
(445)(105)(وحدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11)(ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) كلاهما (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6)(قال) ابن جريج (قلت لعطاء) بن أبي رباح اليماني المكي، ثقة، من (3)(كيف تقول أنت في الركوع قال) عطاء (أما) قولي (سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت) في الركوع (فأخبرني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبو بكر المكي، ثقة فقيه، من (3)(عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مكيون وواحد مدني وواحد صنعاني، ففيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة والقول (قالت) عائشة (افتقدت) أي فقدت (النبي صلى الله عليه وسلم من فراشي (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي ومعنى (افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم أي لم أجده، وهو افتعلت من فقدت الشيء أفقده من باب ضرب إذا غاب عنه وهو المذكور في الرواية الثانية (فظننت أنه) صلى الله عليه وسلم (ذهب إلى) حجرة (بعض نسائه) وأزواجه (فتحسست) بالحاء المهملة وبسينين أولاهما مشددة أي تطلبته، ويقال في هذا المعنى تفقدته أي طلبته عند غيبته، قال تعالى:{وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ} (ثم رجعت) إلى حجرتي فوجدته (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (راكع أو) قالت عائشة أو الراوي عنها فإذا هو (ساجد) حالة كونه (يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقلت) له (بأبي أنت وأمي) يا رسول الله تفدى من المكاره وهو كلام يستعملونه في مقام المحبة والمبالغة في الإكرام
إِنِّي لَفِي شَأْنٍ وَإنَّكَ لَفِي آخَرَ.
984 -
(446)(106) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةً مِنَ الْفِرَاشِ. فَالْتَمَسْتُهُ. فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيهِ
ــ
والاحترام، وقد صرحوا بذلك المعنى المقدر فقالوا:"فداك أبي وأمي" و"جعلني الله فداك" ويقولونه بكسر الفاء والمد وبفتح الفاء والقصر (إني لفي شأن) وحال تعني من أمر الغيرة (وإنك) يا رسول الله (لفي) شأن (آخر) تعني من نبذ متعة الدنيا وشهواتها والإقبال على الله عز وجل بكليته اهـ أبي والنبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد والاهتمام به.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 190] والترمذي [3491] والنسائي [2/ 223 و 225].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة المذكور بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
984 -
(446)(106)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حدثني عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، ثقة، من (5)(عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة الأنصاري المدني، ثقة فقيه، من (4)(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة عن عائشة) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وفيه التحديث والعنعنة ورواية صحابي عن صحابي (قالت) عائشة (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) من الليالي (من الفراش) أي من محل نومه ولم أجده (فالتمسته) أي طلبته باليد في نواحي مضجعي، والحجرة يومئذٍ ظلام (فوقعت يدي) بالإفراد (على بطن قدميه) ولمستهما، قوله (فوقعت يدي على بطن قدميه) قال المازري: قال قوم لا ينقض اللمس، وحملوه في الآية على الجماع، وقال قوم: ينقض وحملوا الآية على أنه باليد، ثم اختلف هؤلاء، فقال الشافعي: ينقض وإن لم يلتذ، وقال مالك:
وَهُوَ فِي الْمَسْجَدِ. وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثنَاءً عَلَيكَ
ــ
إنما ينقض إذا التذ، وقال أبو حنيفة: إنما ينقض إذا انتشر اهـ، وقال النواوي: استدل بهذا الحديث من يقول لمس المرأة لا ينقض وهو مذهب أبي حنيفة وآخرين، وقال مالك والشافعي وأحمد والأكثرون: ينقض، واختلفوا في تفصيل ذلك، وأجيب عن هذا الحديث بأن الملموس لا ينتقض على قول الشافعي وغيره وعلى قول من قال ينتقض وهو الراجح عند أصحابنا، يحمل هذا اللمس على أنه كان فوق حائل فلا يضر اهـ (وهو) صلى الله عليه وسلم (في المسجد) بفتح الجيم أي في السجود فهو مصدر ميمي أو في الموضع الذي كان يصلي فيه من حجرتي فيكون ظرف مكان لأن الفتح هو القياس في مصدره وظرفه لأنه من باب فعل يفعل بالضم في مضارعه، وروي بكسرها على الشذوذ فيهما، كما بسطنا الكلام فيه في كتابنا مناهل الرجال شرح لامية الأفعال (وهما) أي والحال أن قدميه المباركتين (منصوبتان) كما هو هيئة الرجلين في السجود (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) في سجوده (اللهم أعوذ برضاك من سخطك) أي من غضبك (وبمعافاتك) أي بأمنك من كل المكاره (من عقوبتك) وبلائك، قال القرطبي:(اللهم) هي كلمة الله زيدت عليها الميم المشددة عوضًا عن حرف النداء فمعناه يا الله، ولذلك لا يجمع بينهما إلا شذوذًا كما في قول الشاعر:
وما عليكِ أن تقولي كلما
…
سبحتِ أو هللتِ يا اللهمَّ ما
وقول الآخر:
إني إذا ما حدث ألَمَّا
…
أقول اللهم يا اللهما
وهذا قول جمهور النحويين، وقيل معنى اللهم يا الله آمنا بخير فأبدل من همزة آمنا ميمًا وأدغمت في ميم آمنا وهذا الحكم لا يشهد له دليل ولا صحيح تعليل اهـ، قال القاضي رحمه الله: ومعافاته وعقوبته من صفات أفعاله فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب ومن الشر إلى الخير، قال الشيخ رحمه الله: ثم ترقى عن الأفعال إلى منشئ الأفعال، فقال (وأعوذ بك) أي أتحصن بذاتك (منك) أي من عقوبتك مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق، وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول ولا تضبطه صفة إلا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه أي لا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته، وروي عن
أَنْتَ كَمَا أَثْنَيتَ عَلَى نَفْسِكَ".
985 -
(447)(107) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بِشْرٍ
ــ
مالك لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت) أي أنت موصوف بالثناء الذي أثنيت به (على نفسك) كقوله نعم المولى ونعم النصير؛ ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عن أداء وفهم ما يريده الله تعالى من الثناء على نفسه، وبيان صمديته وقدوسيته وعظمته وكبريائه وجبروته مما لا ينتهي إلى عده ولا يوصل إلى حده ولا يحصله عقل ولا يحيط به فكر وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام، ولذلك قال الصديق الأكبر: العجز عن درك الإدراك إدراك، وروي عن بعض العارفين في تسبيحه (سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته).
قال الخطابي: وفي قوله (أعوذ برضاك) الخ معنى لطيف وذلك أنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرِّضَا والسخط ضدان لا يتقابلان، وكذلك المعافاة والعقوبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير؛ ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه، وقوله (لا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه ولا آتي، وقيل لا أحيط به، وقوله (أنت كما أثنيت على نفسك) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وأنه لا يقدر على بلوغ غايته ورد للثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين فوكل ذلك إلى الله تعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم مع أنه مُتعَالٍ عن القدر، وسلطانه أعز، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ اهـ من النواوي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 201] وأبو داود [879] وابن ماجه [3841].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال:
985 -
(447)(107)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا محمد بن بشر
الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ؛ أَن عَائِشَةَ نَبَّأَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ:"سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ. رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ"
ــ
العبدي) الكوفي (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6)(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن مطرف) بتشديد الراء المكسورة على صيغة اسم الفاعل (بن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء العامري الحرشي أبي عبد الله البصري أحد سادة التابعين، ثقة عابد، من (2) مات سنة (95) روى عنه في (9) أبواب (أن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (نبأته) أي أخبرت مطرفًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح).
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 35 و 94] وأبو داود [872] والنسائي [2/ 224].
وقوله: (سبوح قدوس) بضم السين والقاف وبفتحهما والضم أفصح، قال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر، والمراد بالسبوح القدوس المسبح المقدس فكأنه قال مسبح أي مبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية مقدس أي مطهر من كل ما لا يليق بالخالق كالزوجة والولد اهـ نووي. وهما مرفوعان على أنهما خبران لمبتدأ محذوف أي أنت سبوح قدوس، وقد قيلا بالنصب فيهما على إضمار فعل أي أعظم أو أذكر أو أعبد أو أمدح، وعُدِلا عن التسبيح والتقديس للمبالغة، وقد تقدم معنى سبحان، وأما القدوس فهو من القدس وهي الطهارة، والقدس في الأصل السطل الذي يستقى به، ومنه البيت المقدس أي المطهر من أن يعبد فيه الأصنام (رب الملائكة) أي مالكهم وخالقهم ومدبرهم ومصلح أحوالهم، وقد تقدم أول الكتاب أن الملائكة أجسام نورانية فراجعه، و (الروح) هنا جبريل عليه السلام كما قال:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} وخصه بالذكر وإن كان من الملائكة تشريفًا له، وتخصيصًا كما قال تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} فخصهما بالذكر تشريفًا لهما اهـ قرطبي. وقيل الروح ملك
986 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ. قَال: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ. قَال أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ
ــ
عظيم، وقيل خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
986 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري، ثقة حافظ، من (9) مات سنة (204) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (أخبرني قتادة قال: سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (قال أبو داود) بالسند السابق (وحدثني) أيضًا (هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة عن مطرف عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) الذي رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأولُ حديثُ أبي هريرة الأولُ ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثالث حديث عائشة الأولُ ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني، والخامس حديثُ أبي هريرة الثالثُ ذكره للاستشهاد به لحديثِ أبي هريرة الثاني، والسادس حديث عائشة الأخير ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه متابعة واحدة.
***