الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
227 - (39) باب الجهر بالقراءة في الصبح واستماع الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
900 -
(412)(72) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمْ. انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ. . . . . . . . . .
…
،
ــ
227 -
(39) باب الجهر بالقراءة في الصبح واستماع الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
900 -
(412)(72)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، ثقة، من صغار (9) مات سنة (238) ثمان أو سبع وثلاثين ومائتين، روى عنه في (10) أبواب تقريبا (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي مشهور بكنيته، ثقة، من السابعة، مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا (عن أبي بشر) جعفر بن إياس اليشكري البصري ثم الواسطي، ثقة، من (5) مات سنة (126)(عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد أبلي (قال) ابن عباس (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة قط (على الجن) كما زعمه بعض الناس (وما رآهم) أي وما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن كما يزعمونه، قال الأبي: يحتمل أنه سئل عن ذلك أو سمع أن أحدًا زعم ذلك فأجاب بذلك أو رد به على زاعمه وهي وإن كانت شهادة على النفي لكنها من ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وناهيك به، ومستنده فيها يحتمل أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ويبعد إذ لو كان لَبَيَّنهُ لأنه في مقام الإنكار، ويحتمل أن مدعي ذلك تَمَسَّك فيه بالآيةِ، فأبْطلَ تمسُّكَهُ بِأنْ بَيَّنَ مَدْلُولها وسببَ نزولِها وليس في شيء من ذلك أنه قرأ عليهم أو رآهم اهـ، ولكن (انطلق) وذهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بثلاث سنين (في طائفة) وهي تطلق على ما فوق الواحد أي مع جماعة (من أصحابه) حالة كونهم (عامدين) أي قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف اخره ظاء معجمة بالصرف وعدمه، قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة، قال
وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشيَاطِينِ وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ. وَأُرْسِلَتْ عَلَيهِمُ الشُّهُبُ. فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ. فَقَالُوا: مَا لكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ. وَأُرْسِلَتْ عَلَينَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيءٍ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأرضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هذَا الذِي حَال بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا. فَمَر النَّفَرُ الذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ
ــ
في المصابيح: لعل العَلَمَ مجموعُ قولنا سوق عكاظ كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا عكاظ فعلى الحذف كقولهم رمضان، وفي القاموس: وعكاظ كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيها فيتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون، قال النواوي: سميت السوق سوقًا لقيام الناس فيها على سوقهم اهـ.
(وقد حيل) أي حجز (بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت) أي أنزلت وبعثت (عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهاب نظير كتب وكتاب؛ وهو شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض، قال الأبي: يحتمل أن يكون علم ذلك بإخباره صلى الله عليه وسلم أو علمه من الآيات الواردة (فرجعت الشياطين) التي تأتي بخبر السماء إلى الكهنة (إلى قومهم) أي بعضهم إلى بعض فتحدثوا في شأن الحيلولة (فقالوا) أي قال بعضهم لبعض (ما لكم) أي أي شيء ثبت وحصل لكم لا تأتون بخبر السماء (قالوا: حيل) وحجز (بيننا وبين) استماع (خبر السماء وأرسلت علينا الشهب) فأي ذنب لنا (قالوا) أي الشياطين بعضهم لبعض (ما ذاك) الحجز والمنع من استماع خبر السماء (إلا من شيء) أي إلا لأجل شيء (حدث) ووجد في الأرض (فاضربوا) أي سيروا (مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما، فالنصب على الظرفية، والضرب في الأرض الذهاب فيها وهو ضربها بالأرجل، وقال النواوي: معناه سيروا فيها كلها من إطلاق الطرفين وإرادة الكل (فانظروا) وابحثوا (ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، وفي بعض أصول البخاري إسقاطه؛ أي فابحثوا ما هذا الأمر الحادث الذي (حال) وحجز (بيننا وبين) استماع (خبر السماء فانطلقوا) أي ذهب وتفرق أولئك الشياطين الذي تشاوروا في حل مشاكلهم، حالة كونهم (يضربون) ويسيرون (مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما (فمر) أولئك (النفر الذين أخذوا) أي ذهبوا (نحو تهامة) أي جهة تهامة بكسر التاء وهي ما انخفض من نجد
وَهُوَ بِنَخْلٍ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ. وَهُوَ يُصَلِّي بِأصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ. وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَال بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ. فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا، {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا
ــ
من بلاد الحجاز، قال ابن فارس: سميت بذلك من التهم بفتح التاء والهاء وهو شدة الحر وركود الريح، وقيل سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير، وذكر الحازمي أنه قال: يقال في تهامة تهائم اهـ أبي، يعني مكة وكانوا من جن نصيبين على النبي صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (بـ) بطن (نخل) هكذا وقع في صحيح مسلم بنخل بلا تاء وصوابه (بنخلة) بالهاء كما في رواية البخاري وهو موضع معروف هناك على ليلة من مكة، غير منصرف للعلمية والتأنيث؛ أي وهو صلى الله عليه وسلم مع طائفة من أصحابه على ما مر آنفًا نازل ببطن نخل، ولذا قال عامدين بصيغة الجمع أي حالة كونهم (عامدين) أي قاصدين الذهاب (إلى سوق عكاظ) أي مروا عليه صلى الله عليه وسلم (وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر) أي الصبح (فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي قصدوه وأصغوا إليه وهو ظاهر في الجهر والاستماع المترجم لهما (وقالوا هذا) القرآن المسموع لنا هو (الذي حال) وحجز (بيننا وبين خبر السماء) قال النواوي: وفي هذا الحديث الجهر بالقراءة في الصبح، وفيه إثبات صلاة الجماعة وأنها مشروعة في السفر وأنها كانت مشروعة من أول النبوة، قال المازري: ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن ولا بد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول فيكون الجن علموا ذلك من كتب الرسل المتقدمة قبلهم على أنه هو النبي الصادق المبشر به، واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في الآخرة على المعاصي لقوله تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} واختلفوا في أن مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة وينعم بها ثوابًا ومجازاة له على طاعة أم لا يدخلون بل يكون ثوابهم أن ينجوا من النار، ثم يقال كونوا ترابًا كالبهائم وهذا مذهب ابن أبي سليم وجماعة، والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما وهذا قول الحسن البصري والضحاك ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وغيرهم اهـ منه (فرجعوا) أي رجع هؤلاء النفر الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم (إلى قومهم) منذرين (فقالوا يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}) [الجن: 1] أي بديعًا مباينًا لسائر الكتب في
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1 - 2] فَأَنْزلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمدٍ صلى الله عليه وسلم {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1].
109 -
(413)(73) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِر، قَال: سَألْتُ عَلْقَمَةَ:
ــ
حُسْنِ نظمِه وصحةِ معانيه، وهو مصدرٌ وُصِفَ به للمبالغة {يَهْدِي} ويدعو {إِلَى الرُّشْدِ} والحق والصواب {فَآمَنَّا بِهِ} أي بذلك القرآن أنه من عند الله تعالى {وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا} أبدًا {أَحَدًا} من المخلوقات (فأنزل الله) سبحانه عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إعلامًا باستماع الجن له سورة ((قُل) يا محمد لقومك {أُوحِيَ إِلَيَّ} من ربي ({أَنَّهُ}) أي أن الشأن والحال {اسْتَمَعَ} القرآن مني {نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} ) أي طائفة منهم؛ وهم جن نصيبين.
ومفهومه أن الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك أنكرته الشياطين وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب حتى قطع بينهم وبين خبر السماء فكان رميها من دلائل النبوة اهـ قسطلاني.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري أخرجه في الصلاة عن مسدد، وفي التفسير عن موسى بن إسماعيل، والترمذي أخرجه في تفسير سورة الجن عن عبد بن حميد، وقال الترمذي: حسن صحيح، والنسائي أخرجه في التفسير في الكبرى مقطعًا ولم يذكر أوله.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بالنسبة إلى الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم فقال:
901 -
(413)(73)(حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من الثامنة (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري أبي بكر البصري، ثقة، من (5)(عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي، ثقة مشهور، من الثالثة (قال) عامر (سألت علقمة) بن قيس النخعي
هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ الْجِنِّ؟ قَال فَقَال عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُود. فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ الْجِنِّ؟ قَال: لا، وَلكِنا كُنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ. فَفَقَدْنَاهُ. فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ. فَقُلنَا: اسْتُطِيرَ أَو اغْتِيلَ. قَال:
ــ
أبا شبل الكوفي، ثقة ثبت فقيه عابد مخضرم، من الثانية (هل كان) عبد الله (بن مسعود) الهذلي أبو عبد الرحمن الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي الشعبي عن علقمة؛ أي قال الشعبي: سالت علقمة هل (شهد) ابن مسعود وحضر (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) استماع (الجن) قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (قال) الشعبي (فقال) لي (علقمة) حين سألته عن ذلك (أنا سألت ابن مسعود) عن ذلك (فقلت) له تفسير للسؤال (هل شهد أحد منكم) معاشر الأصحاب (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال) ابن مسعود (لا) أي ما شهد أحد منا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وهذا يرد حديثه في الوضوء بالنبيذ وأنه حضر معه لأن هذا أثبت اهـ (ع). وعبارة النووي وهذا صريح في إبطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح، وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول اهـ منه.
(ولكنا كنا) نحن (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (ففقدناه) صلى الله عليه وسلم من بيننا (فالتمسناه في الأودية) جمع واد؛ وهو كل منفرج بين جبال يكون منفذًا للسيل (والشعاب) جمع شعب بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة وهو الطريق، وقيل الطريق في الجبل (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض هل (استطير) به أي طارت به الجن (أو اغتيل) أي قتل غيلة وسرًّا، والغيلة بكسر المعجمة القتل خفية، قال الأبي: واستطارةُ الجن هو من الأمراض الحسية التي هو فيها كغيره كالقتل، ولعل هذا قبل نزول قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أو بعده ونسوا ذلك لدهشتهم وجوزوا الأمرين ولم يقولوا رفع صلى الله عليه وسلم كعيسى عليه السلام ولا ذهب ليناجي ربه سبحانه كموسى عليه السلام لأن المحب مولَّع بسوء الظن (قال) ابن
فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَلَما أصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءِ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ، قَال فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْم. فَقَال:"أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ. فَذَهَبتُ مَعَهُ. فَقَرَأْتُ عَلَيهِمُ الْقُرْآنَ" قَال: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. وَسَأَلُوهُ الزَّادَ
ــ
مسعود (فبِتْنَا) أي اتصفنا في تلك الليلة التي فقدناه فيها والتبسنا (بشرِّ ليلة) أي بحزن ليلة أي كنا ملتبسين بأقبح ليلة (بات بها) أي التبس بها (قوم) فقدوا فقيدهم ووصف الليلة بالشر بالنظر إلى ما وقع فيها من الحزن والأسف، والإضافة فيه بمعنى في كالإضافة في قولهم مكر الليل (فلما أصبحنا) أي دخلنا في الصباح (إذا) فجائية رابطة لجواب لما (هو) مبتدأ (جَاءٍ) خبره أصلهُ جَائِي عُومل معاملةَ قاض أي فلما أصبحنا فاجأنا مجيئُه (من قبل) جبل (حراء) أي من جهته وهو جبل معروف بمكة (قال) ابن مسعود (فقلنا) له (يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم) فقدوا فقيدهم (فقال) لنا (أتاني داعي الجن) أي داع من الجن لأقرأ عليهم القرآن (فذهبت معه) إلى قومه (فقرأت عليهم) أي على قومه (القرآن) وفي حديث ابن عباس المتقدم أنه لم يقرأ عليهم، قال القاضي: فيجمع بين الحديثين بأنهما قضيتان الأولى في بدء الأمر حين أتوا يبحثون عن أمره واستمعوا له، والثانية حين أتوا ليقرأ عليهم، قال الأبي: يبعد أن يكون ابن عباس لم يعلم بحديث ابن مسعود اهـ أبي.
(قال) ابن مسعود (فانطلق) رسول رسول الله (بنا) إلى المكان الذي اجتمعت فيه الجن وقرأ عليهم (فأرانا اثارهم) أي آثار نزولهم هناك من موضع جلوسهم وموطئ أقدامهم وأرواث دوابهم وعلفها (وآثار نيرانهم) التي أوقدوها للطبخ من رمادها وبقية حطبها، قال النواوي: قال الدارقطني: إلى هنا انتهى حديث ابن مسعود يعني عند قوله (وآثار نيرانهم) وما بعده من قول الشعبي، كذا رواه أصحابُ داود بن أبي هند الراوي عن الشعبي وابنُ علية وابنُ زُريع وابنُ أبي زائدة وغَيرهُم هكذا قاله الدارقطني وغيرُه، ومعنى قوله أنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا اللفظ وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
والظاهر أن قوله (وسألوه الزاد) أي سألت الجن النبي صلى الله عليه وسلم ما يتزودون به لقوتهم ولعلف دوابهم
…
الخ فمن حديثه أي من حديث ابن مسعود على ما يظهر. من مرقاة ملا علي اهـ من بعض هامش المتن.
فَقَال: "لَكُمْ كُلُّ عَظْم ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ يَقَعُ فِي أَيدِيكُمْ، أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ".
فَقَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ"
ــ
قال الأبي: قوله (وسألوه الزاد) أي ما هو المباح لهم، وانظر هل ذلك في سفرهم وإقامتهم أو في سفرهم فقط (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لهم (لكم) زاد (كل عظم ذكر اسم الله عليه) قال الأبي: الأظهر في ذكر اسم الله عليه أنه عند الأكل منه لا عند الذبح، وكل مبتدأ خبره (يقع) ذلك العظم (في أيديكم) حالة كونه (أوفر) أي أكثر (ما يكون) ويوجد (لحمًا) وما مصدرية ويكون تامة، ولحما تمييز أي يقع في أيديكم، حالة كونه أكثر لحما مما قبلُ، قال الأبي: والأظهر أنه مما يبقى عليه بعد الأكل، ويحتمل أن الله سبحانه يخلق ذلك لهم عليها، وانظر عليه هل يستحب أن لا تستقصى العظام بتقشير ما عليها وهل يثاب من ترك مثل ذلك لذلك، ثم الأظهر أن انتفاعهم بذلك إنما هو بالشم لأنه لا يبقى عليه ما يقوت إلا أَنْ يكونوا في القُوْتِ خبر يكونوا بخلاف الإنس اهـ منه.
(وكل بعرة) من بعار إبل الإنس (علف لدوابكم) قال النواوي: قال بعض العلماء هذا لمؤمنيهم، وأما غيرهم فجاء في حديث اخر أن طعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه اهـ.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما) أي بالعظام والبعار (فإنهما) أي فإن العظام (طعام إخوانكم) الجن يعني أخوة الدين فلا يدخل فيه كافرهم كما مر آنفًا، وإن الأرواث علف دوابهم فإنهم كما ورد لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أخذ ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت، ومعنى (فلا تستنجوا بهما) أي بالعظم والبعر فإن الأول طعام الجن، والثاني علف لدوابهم اهـ ملا علي.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات كما في تحفة الأشراف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:
902 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السعْدِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، قَال الشَّعْبِي: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ. وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِي. مُفَصَّلًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ.
903 -
(00)(00) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ،
ــ
903 -
(00)(00)(وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور يعني حديث ابن مسعود (علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي، ثقة، من صغار (9) مات سنة (244)(حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية، ثقة، من (8) مات سنة (193)(عن داود) بن أبي هند القشيري البصري (بهذا الإسناد) يعني عن عامر الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود، وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن إبراهيم لعبد الأعلى بن عبد الأعلى في رواية هذا الحديث عن داود بن أبي هند أي حدثنا إسماعيل بهذا الإسناد عن داود مثل ما حدث عبد الأعلى عن داود، ولكن (إلى قوله) أي إلى قول الراوي (وآثار نيرانهم) لا ما بعده (قال الشعبي) راويا عن غير ابن مسعود مرفوعا لا موقوفا عليه (وسألوه الزاد) لأن مثل هذا لا يكون إلا توقيفيا (وكانوا) أي وكان أولئك الجن (من جن الجزيرة) أي من سكان جزيرة من جزائر البحر وهي الصحراء المتخللة بين خلال البحر، قال المؤلف: وهذا يعني من قوله وسألوه الزاد (إلى آخر الحديث من قول الشعبي) حالة كونه (مفصلًا) أي مفصولا (من حديث عبد الله) بن مسعود راويا عن غيره.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:
903 -
(00)(00) وحدثنا) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن مسعود (أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8)(عن داود) بن أبي هند (عن الشعبي عن علقمة) بن قيس الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي. وهذا السند أيضًا من
عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. إِلَى قَوْلِهِ: وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. وَلَمْ يَذكُرْ مَا بَعْدَهُ.
904 -
(00)(00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبدِ اللهِ. قَال: لَمْ أَكُنْ لَيلَةَ الْجِن مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَوَدِدْتُ أَني كُنْتُ مَعَهُ
ــ
سداسياته، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعبد الأعلى أيضًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق عبد الله بن إدريس الحديث (إلى قوله وآثار نيرانهم، ولم يذكر) عبد الله بن إدريس (ما بعده) أي ما بعد قوله وآثار نيرانهم فوافق إسماعيل بن إبراهيم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:
904 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري، قال (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة ثبت، من (8)(عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل البصري الحذاء، ثقة يرسل، من الخامسة (عن أبي معشر) زياد بن كليب التميمي أو التيمي الحنظلي الكوفي، روى عن إبراهيم في الوضوء والصلاة، ويروي عنه (م دت س) وخالد الحذاء وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، ثقة، من الرابعة، مات سنة (119)(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي، الفقيه ثقة، من الثالثة، مات سنة (96)(عن علقمة) بن قيس الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد بصري وواحد واسطي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم النخعي للشعبي في رواية هذا الحديث عن علقمة (قال) عبد الله (لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و) لكن (وددت) أي تمنيت وأحببت (أني كنت معه) صلى الله عليه وسلم ليلتئذٍ لأرى ما أجرى الله على يده من المعجزات.
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:
905 -
(00)(00) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمدٍ الْجَرْميُّ وَعُبَيدُ اللهِ بن سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْنٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبِي. قَال: سَألتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِنِّ لَيلَةَ اسْتَمَعُوا القُرْآنَ؟ فَقَال: حَدَّثَنِي أَبُوكَ -يَعْنِي
ــ
905 -
(00)(00)(00)(حدثنا سعيد بن محمد) بن سعد (الجرمي) بفتح أوله وسكون ثانيه نسبة إلى جرم بن ريان بن ثعلبة الكوفي، روى عن أبي أسامة في الصلاة، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر في الزكاة، وأبي تميلة يحيى بن واضح في الجهاد، ويروي عَنْهُ (خ م دق) وإبراهيم المخرمي، قال أحمد: صدوق، وقال أبو داود: ثقة، وقال ابن معين: صدوق، وقال في التقريب: صدوق رمي بالتشيع، من كبار الحادية عشرة، روى عنه في (3) أبواب (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة مأمون سني، من (10) مات سنة (241) كلاهما (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت، من كبار (9) مات سنة (201) روى عنه في (17) بابًا (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (عن معن) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة، وجعفر بن عمرو بن حريث في الصلاة، وأخيه القاسم، ويروي عنه (خ م) ومسعر والثوري وليث بن أبي سليم وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: من كبار السادسة (6)(قال) معن (سمعت أبي) عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، روى عن مسروق في الصلاة، وعن أبيه وعلي، ويروي عنه (ع) وابناه معن والقاسم وأبو إسحاق، قال ابن معين: ثقة لم يسمع من أبيه، وقال في التقريب: ثقة، من صغار الثانية (2) مات سنة (79) تسع وسبعين، وقد سمع من أبيه، ولكن شيئًا يسيرًا (قال) أبي عبد الرحمن بن عبد الله (سألت مسروقًا) ابن الأجدع بن مالك الهمداني أبا عائشة الكوفي الإمام القدوة الفقيه، قال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا على وجهه، وقال ابن معين: لا يسأل عن مثله، وقال في التقريب: ثقة مخضرم عابد، من الثانية، مات سنة (63) ثلاث وستين، روى عنه في (11) بابا (من آذن) وأعلم (النبي صلى الله عليه وسلم بـ) حضور (الجن ليلة استمعوا القرآن) من النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) مسروق لعبد الرحمن بن عبد الله السائل له (حدثني أبوك يعني) مسروق بأبيه
ابن مسعود -أنه آذنته بهم شجرةٌ
ــ
عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي (أنه) أي أن الشأن والحال (آذنته) صلى الله عليه وسلم (بـ) حضور (هم شجرة) أي أعلمته إياهم معجزة له صلى الله عليه وسلم بقدرة خلقها الله تعالى فيها، فالإيذان كالتأذين هو الإعلام بالشيء، والثاني مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة مسروق لعلقمة بن قيس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود.
وذكر المؤلف في هذا الباب حديثين الأول منهما حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.
***