الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
206 - (18) باب: التشهد في الصلاة
791 -
(364)(26) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَال: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ. السَّلامُ عَلَى فُلانٍ
ــ
206 -
(18) باب التشهد في الصلاة
سمي التشهد تشهدًا لاشتماله على الشهادتين، اختار جمهور الفقهاء وأصحاب الحديث تشهد ابن مسعود، واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي، واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب لكونه علَّمه الناسَ على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابةِ والناسِ ولم يُنْكَر ذلك فصار إجماعًا منهم على أصلِ مالك في هذا الباب.
791 -
(364)(26)(حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وعثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران) زهير وعثمان (حدثنا جرير) تورعًا من الكذب على بعضهم لو اقتصر على إحدى الصيغتين أي قال كل من الثلاثة روى لنا جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة وبموحدة الكوفي ثقة ثبت، من (5) مات سنة (132)(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم أحد سادة التابعين (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي الجليل. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون أو أربعة منهم كوفيون وواحد إما نسائي أو مروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) عبد الله (كنا) معاشر الصحابة (نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام على الله) من عباده (السلام على فلان) وفي رواية لابن ماجه زيادة (يعنون الملائكة) كما صرح في رواية البخاري (السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان وفلان) قال الأبي: والأظهر أن قولهم ذلك استحسان منهم، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يسمعه منهم إلا حين أنكره عليهم ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى لأنه عكس ما يجب أن يقال فإن السلام بمعنى السلامة والرحمة وهما له تعالى ومنه وهو مالكهما فكيف يُدعى
فَقَال لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَاتَ يَوْمٍ: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ. فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ
ــ
له بهما وهو المدعو (فإن قلت) قول الصحابي كنا نفعل من قبيل المسند وهو يشعر أيضًا بتكرار ذلك منهم والتكرار مظنة سماعه صلى الله عليه وسلم ذلك فقولهم ذلك ليس استحسانًا بل مسندٌ مُقرٌّ عليه نسَخَه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله هو السلام.
"قلت" كان الشيخ يقول ذلك ويقرر الحديث به ولا يصح لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه ولا يصح هذا لما تقدم فهو تبيين عدم صواب لا نسخ، وإنما الجواب أنه لا يتعين في كنا أن يكون مسندًا وليس تكرر ذلك منهم مظنة سماعه له لأنه في التشهد والتشهد سر. اهـ منه.
(فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام) أي إنه اسم من أسمائه تعالى؛ ومعناه السالم من سمات الحدوث أو المسلم عباده من المهالك أو المسلم على عباده في الجنة أو أن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكهما ومعطيهما فكيف يُدعى له بهما وهو المدعو، وقال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنه (فإذا قعد) أي جلس (أحدكم في) آخر (الصلاة فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني بإسناد صحيح وكنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد (التحيات) جمع تحية وهو السلام أو البقاء أو الملك أو السلامة من الآفات أو العظمة؛ أي أنواع التعظيم مستحقة (لله) سبحانه وتعالى، وفي قوله لله تنبيه على الإخلاص في العبادات أي ذلك كله من الصلوات وما بعدها لا تفعل إلا لله تعالى، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة فقيل جميعها لله وهو المستحق لها حقيقة (والصلوات) أي الخمس واجبة لله لا يجوز أن يُقصد بها غيره تعالى أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى أو العبادات كلها أو الرحمة لأنه المتفضل بها (والطيبات) أي الكلمات التي يصلح أن يُثنى بها على الله دون ما لا يليق به كالأذكار والدعوات وما شاكل ذلك، مستحقة لله أو ذكر لله أو الأقوال الصالحة، أو يقال التحيات العبادات القولية، والصلوات العبادات الفعلية، والطيبات العبادات المالية، وأتى بالصلوات والطيبات معطوفًا بالواو لعطفه على التحيات أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها فالأولى عطف الجملة على الجملة، والثاني عطف المفرد على الجملة قاله البيضاوي، وقال العيني:
السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. فَإِذَا قَالهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ، فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ
ــ
كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره أي الصلوات لله والطيبات لله فالجملتان معطوفتان على الأولى وهي التحيات لله (السلام) أي السلامة من المكاره أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج قال للعهد التقديري أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمن يصدر وعلى من يَنْزِلُ فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (عليك أيها النبي) الأمي العربي (ورحمة الله) تعالى (وبركاته) عليك، وإنما قال عليك فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه اتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه (السلام) الذي وُجِّه إلى الأمم السالفة من الصلحاء (علينا) يريد به المصلي نَفْسَه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) أي القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد وهو عموم بعد خصوص، وجوز النووي رحمه الله تعالى حذف اللام من السلام في الموضعين قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين (فإذا قالها) أحدكم أي قال كلمة وعلى عباد الله الصالحين (أصابت) أي شملت وعمت هذه الكلمة (كل عبد لله صالح) موجود (في السماء والأرض) وغيرهما، وجملة إذا الشرطية جملة معترضة بين قوله الصالحين وما بعده، وفائدة الإتيان بها الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدًا واحدًا ولا يمكن استيفاؤهم، وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم وأن له صيغًا وهذه منها (أشهد أن لا إله لا الله) زاد ابن أبي شيبة "وحده لا شريك له" وسنده ضعيف لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى الآتي في مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير، وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن وأشهد أن محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجحه الشيخان الرافعي والنواوي وأن الإضافة إلى الضمير لا تكفي لكن المختار أنه يجوز ورسوله لما ثبت في مسلم ورواه البخاري هنا (ثم) بعد فراغه من التشهد وما بعده
يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ"
ــ
من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (يتخير) أحدكم (من المسألة) والدعاء (ما شاء) هـ واختاره وأحبه وأعجبه من أمور الدنيا والآخرة، قال الأبي: استثنى بعض الشافعية من مصالح الدنيا الدعاء بما فيه سوء أدب كقوله اللهم ارزقني امرأة جميلة عينها كذا ثم يذكر أوصاف أعضائها.
قال القرطبي: وهذا حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول لا تدعوا في الصلاة إلا بما جاء في القرآن وحجة على الشافعي حيث أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة بعد التشهد الأخير والصحيح عند الجمهور أن الصلاة عى النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الجملة مندوب إليها في الصلاة وغيرها، متأكدة الندبية في الصلاة حتى إن بعض أصحابنا يطلقون عليها أنها سنة لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي علمه الصلاة فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ولم يذكر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعبارة القاضي هنا: وفي هذا حجة للجماعة على الشافعي في إيجابه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة وإن لم يفعل ذلك بطلت صلاته وهو قول لم يقله أحد قبله وقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم التشهد إلى آخره ثم أباح لهم ما أحبوا من الدعاء ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومذهب الجماعة وجوبه على الجملة واستحبابه في الصلاة، وقد روي في حديث ابن مسعود وزيادة فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وليس فيها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خالف الشافعي في المذهب كثيرٌ من أصحابه ووافقه إسحاق وغيره عليها، قال الشافعي: أوجب اللهُ تعالى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، اهـ منه. واختلف العلماء في حكم التشهدين فهما غير واجبين عند مالك والجمهور بل مندوبان، وذهب فقهاء أصحاب الحديث إلى وجوبهما، وذهب الشافعي إلى وجوبه في الآخرة، وروي عن مالك مثله، والصحيح الأول وسمي التشهد تشهدًا لأنه مأخوذ من لفظ الشهادتين بالوحدانية لله وبالرسالة لرسوله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم.
قال القاضي: واختلف العلماء في المختار من التشهدات الواردة فاختار جمهور الفقهاء والمحدثين تشهد عبد الله بن مسعود لأنه أصح ما في الباب ولأنه اتفق عليه
792 -
(50)(55)(55) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
ــ
الصحيحان، وبأن توسط الواو بين الجمل صير كل جملة ثناء مستقلًا وسقوطها في غيره صَيَّر الجميعَ جملة واحدة وثناء واحدًا، وبأن السلام فيه معرف وفي غيره منكر والمعرف أعم، واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي لأن فيه زيادة والمباركات وبأنه أقرب إلى لفظ القرآن الكريم قال تعالى:{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} واختار مالك في الموطأ تشهد عمر بن الخطاب لأنه وإن كان بطريق استدلالي لا بطريق إسنادي صار كالمجمع عليه فإن دوام تعليمه بمحضر من لا يقر على خطأ وكان يعلمه الناس على المنبر صيره كالمعلوم عندهم اهـ.
ولفظه التحيات لله الزاكيات لله الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، واختاره مالك لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد فدل على تفضيله وتعقب بأنه موقوف فلا يلحق بالمرفوع اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 413] والبخاري [6328] وأبو داود [968 و 969] والترمذي [289] والنسائي [2/ 237].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:
792 -
(00)(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي، وقوله (بهدا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا شعبة لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو جرير وكذا قوله (مثله) منصوب بما عمل في المتابع والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو جرير والتقدير حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله مثل ما روى جرير عن منصور.
وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لجرير في رواية هذا الحديث عن منصور.
وَلَمْ يَذْكُرْ " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ".
793 -
(00)(00)(00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا حُسَينٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ:"ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ (أَوْ مَا أَحَبَّ) ".
794 -
(00)(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا
ــ
(و) لكن (لم يذكر) شعبة قوله (ثم يتخير من المسألة ما شاء).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:
793 -
(00)(00)(00)(حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد صاحب المسند والتفاسير ثقة حافظ، من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا (حدثنا حسين) بن علي بن الوليد (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين نسبة إلى جعف بن سعد العُشَيرةِ من مذحج مولاهم أبو عبد الله الكوفي ثقة عابد، من (9) مات سنة (203) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة ثبت، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (10) أبواب (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود (مثل حديثهما) أي مثل حديث جرير وشعبة (و) لكن (ذكر) زائدة بن قدامة (في الحديث) قوله (ثم ليتخير) المصلي (بعد) أي بعد فراغه من التشهد (من المسألة) والدعاء (ما شاء) وأراد (أو) قال الراوي (ما أحب) وأعجب من أمور الدنيا والآخرة، والشك من عبد الله أو ممن دونه، وهذا استثناء من المماثلة.
وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عبد بن حميد فإنه كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة زائدة بن قدامة لجرير وشعبة في رواية هذا الحديث عن منصور بن المعتمر.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:
794 -
(00)(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا
أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَال: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاةِ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. وَقَال: "ثُمَّ يَتَخَيَّرُ، بَعْدُ، مِنَ الدُّعَاءِ".
795 -
(00)(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ، حَدَّثَنَا سَيفُ بْنُ سُلَيمَانَ
ــ
أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة حافظ قارئ لكنه يدلس، من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله (100) سنة (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي الأعمش عن شقيق، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن شقيق.
(قال) عبد الله (كنا إذا جلسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (في الصلاة) متعلق بجلسنا، وهذا بيان لمحل المخالفة وساق الأعمش (بمثل حديث منصور) السابق (و) لكن (قال) الأعمش في روايته (ثم يتخير) المصلي (بعد) أي بعد فراغه من التشهد (من الدعاء) والمسألة ما شاء وهذا أيضًا بيان لمحل المخالفة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:
795 -
(00)(00)(00)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة ثبت صاحب تصانيف، من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير التميمي مولاهم مشهور بكنيته الكوفي ثقة ثبت، من (9) مات سنة (219) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا سيف بن سليمان) ويقال له سيف بن أبي سليمان المخزومي مولاهم أبو سليمان المكي نزيل البصرة، روى عن مجاهد في الصلاة والحج والأطعمة والأمثال، وقيس بن سعد في الأحكام، وعدي بن عدي،
قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ. كَفِّي بَينَ كَفَّيهِ. كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَاقْتَصَّ التَّشَهُّدَ بِمِثْلِ مَا اقْتَص
ــ
ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو نعيم وابن نمير وزيد بن الحباب وابن المبارك، وثقه القطان والنسائي وأحمد، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو زرعة: ثبت، وقال ابن عدي: ليس حديثه بالكثير وأرجو أنه لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت رُمي بالقدر، من (6) قال ابن معين: مات سنة إحدى وخمسين ومائة (151) روى عنه في (5) أبواب (قال) سيف بن سليمان (سمعت مجاهدًا) بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبا الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ الإمام المفسر، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من (3) مات سنة (104) وله (86) سنة، روى عنه في (9) أبواب، حالة كون مجاهد (يقول حدثني عبد الله بن سخبرة) بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة الأسدي بإسكان المهملة، ويقال الأزدي أبو معمر الكوفي، روى عن عبد الله بن مسعود في الصلاة والنفاق وغيرهما، وأبي مسعود الأنصاري والمقداد بن الأسود في آخر الكتاب في المداحين وعلي وخباب، ويروي عنه (ع) ومجاهد وعمارة بن عمير وإبراهيم النخعي، وثقه ابن معين وابن سعد، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية مات في إمارة عبد الله بن الزبير (قال) عبد الله بن سخبرة (سمعت) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي.
وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مكيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن سخبرة لأبي وائل في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود، وفيه رواية تابعي عن تابعي حالة كون ابن مسعود.
(يقول علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد) في الصلاة، وجملة قوله (كفي) موضوعة (بين كفيه) صلى الله عليه وسلم جملة حالية من ضمير المتكلم في علمني، وهذا كناية عن شدة القرب إليه صلى الله عليه وسلم كما يعلمني السورة من القرآن) حرفًا بحرف (واقتص) عبد الله بن سخبرة (التشهد) السابق أي ذكره عن ابن مسعود (بمثل ما اقتص) وذكر أبو وائل عن عبد الله بن مسعود أي بمماثله لفظًا ومعنى
796 -
(365)(27) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ
ــ
حرفًا بحرف، وما وجد في أكثر النسخ من قوله (واقتصوا) بضمير الجمع تحريف من النساخ والصواب ما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
796 -
(365)(27)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي ثقة، من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7)(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي أبو عبد الله المصري ثقة ثبت، من (10) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه لأن قتيبة قال حدثنا ليث وقال محمد بن المهاجر (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، وثقه ابن معين والنسائي وابن عدي، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه يدلس، من (4)(عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة إمام حجة قتله الحجاج سنة (95) فما أُمهل بعده، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من (3)(وعن طاوس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاوس لقبه ثقة فقيه فاضل، من (3) مات سنة (106) يوم التروية كلاهما (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي أبي العباس الطائفي.
وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد إما كوفي أو يماني وواحد مكي واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي أبي الزبير عن سعيد وطاوس.
(أنه) أي أن ابن عباس (قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد) من فيه إلى فينا (كما يعلمنا السورة من القرآن) من فيه إلى فينا والمراد يهتم بحفظنا إياه كما في السندي على النسائي، وفي البذل يهتم بتعليم التشهد كما يَهْتَمُّ بتعليم القرآن اهـ.
فَكَانَ يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ. السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ".
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ.
797 -
(00)(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ
ــ
(فكان) صلى الله عليه وسلم (يقول التحيات المباركات) جمع مباركة معناها كثيرة الخير، وقيل النماءِ (الصلوات الطيبات لله) قال النواوي: تقديره والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره ولكن حذفت الواو هنا اختصارًا وهو جائز معروف في اللغة (السلام) أي التحية الدائمة اللائقة بك وهو تأمينه مما يخافه على أمته (عليك أيُّها النبي ورحمة الله) أي إنعامه وإحسانه (وبركاته) وهي كَثْرةُ الخيرِ ونماؤه معنًى (السلام علينا) معاشر الحاضرين من مؤمني الإنس والجن ومن الملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) في الأرض والسماء وغيرهما وهو تعميم بعد تخصيص (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وفي رواية ابن رمح) يعلّمنا التشهد (كما يعلمنا القرآن) بإسقاط لفظ السورة، وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتقارنين.
ثم ذكر المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
797 -
(00)(00)(00)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة، من (10) قال (حدثنا يحبى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم مولى خالد بن خالد بن عقبة بن أبي معيط أبو زكرياء الكوفي، روى عن عبد الرحمن بن حميد في الصلاة، وزهير بن معاوية ومفضل بن مهلهل في الصلاة والحج والحدود والجهاد واللباس، وفضيل بن مرزوق وعمار بن زريق في الصلاة وغيرها، والحسن بن عياش في الصلاة، ووهيب في الحج، وإبراهيم بن سعد في النكاح، وجرير بن حازم في النكاح، والحسن بن صالح في الطلاق، وإسرائيل بن يونس في الحدود، ويزيد بن عبد العزيز في الجهاد، ومسعر في الجهاد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة وقطبة بن عبد العزيز في الفضائل والتوبة، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة ومحمد بن رافع وإسحاق الحنظلي وأبو كريب وعبد بن حميد والحسن الحلواني وعبيد بن يعيش ويحيى بن معين وآخرون، وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة كثير الحديث، وقال العجلي:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيدٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ.
798 -
(366)(28) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَويُّ
ــ
كان ثقة جامعًا للعلم عاقلًا ثبتًا، وقال في التقريب: ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين (203) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن الرؤاسي نسبة إلى رؤاس بن كلاب من قيس عيلان الكوفي، روى عن أبي الزبير في الصلاة، والأسود بن قيس ومنصور، ويروي عنه (م د س) ويحيى بن آدم وابنه حميد بن عبد الرحمن، وثقه النسائي وابن سعد، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، روى عنه في (1) باب الصلاة، قال (حدثني أبو الزبير) المكي الأسدي (عن طاوس) بن كيسان الحميري مولاهم اليماني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن حميد لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير المكي، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
(قال) ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد) في الصلاة أي يهتم بتعليمه إيانا (كما يعلمنا السورة من القرآن) فوافق رواية قتيبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال:
798 -
(366)(28)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني ثم المكي، ثقة متقن مصنف، كان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به، من (10) مات سنة (227) روى عنه في (15) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني، من (10)(وأبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده البصري، ثقة من (10)(ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان القرشي (الأموي) أبو عبد الله البصري، قال النسائي: لا بأس به، وقال مسلمة: بصري
(وَاللَّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ؛ قَال: صَلَّيتُ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ صَلاةً. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ قَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أُقِرَّتِ الصَّلاةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ
ــ
ثقة، وقال ابن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة شيخ صدوق لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق، من كبار (10) مات سنة (244) روى عنه في (5) وأتى بقوله (واللفظ لأبي كامل) تورعًا من الكذب على غيره (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن يونس بن جبير) الباهلي أبي غَلَّاب البصري بالمعجمة المفتوحة واللام المشددة وبموحدة أحد بني معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس، روى عن حطان بن عبد الله الرقاشي في الصلاة، وعبد الله بن عمر في الطلاق، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص في الشعر، والشعبي وجماعة، ويروي عنه (ع) وقتادة وابن سيرين وابن عون وجماعة، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة مات بعد (90) التسعين، روى عنه في (3) أبواب (عن حطان) بكسر أوله وتشديد ثانيه المهملين (بن عبد الله الرقاشي) البصري، روى عن أبي موسى في الصلاة، وعبادة بن الصامت في الحدود والدلائل، وقرأ على أبي موسى، ويروي عنه (م عم) ويونس بن جبير والحسن البصري وأبو مجلز، قال ابن المديني: ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، مات في ولاية بشر بن مروان على العراق بعد (70) السبعين، روى عنه في (3) أبواب (قال) حطان بن عبد الله (صليت مع أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد واسطي أو ثلاثة بصريون وواحد إما خراساني أو بغلاني أي صليت مع أبي موسى الأشعري (صلاة) من الصلوات الخمس (فلما كان) أبو موسى (عند القعدة) أي في الجلسة الأخيرة من صلاته، وفي رواية أبي داود "فلما جلس في آخر صلاته"(قال رجل) لم أر من ذكر اسمه (من القوم) الذين صلوا معه في صلاته (أقرت) بالبناء للمجهول أي قرنت (الصلاة بالبر والزكاة) أي قرنت معهما وأقرت وصار
قَال: فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَى الصَّلاةَ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ فَقَال: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَال: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. ثُمَّ قَال: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَال: لَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ قُلْتَهَا؟ قَال: مَا قُلْتُهَا. وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا قُلْتُهَا. وَلَمْ أُرِدْ
ــ
الجميع مأمورًا به أي تكلم الرجل بهذا الكلام، وغرضه بهذا الكلام مدح الصلاة. وعبارة المفهم هنا قوله (أقرت الصلاة) أي قرنت والباء بمعنى مع أي قرنت مع البر والزكاة فصارت معهما مستوية في أحكامهما وتأكيدهما، ويحتمل أن يراد بالبر هنا المبرة، والزكاة الطهارة؛ ويكون المعنى أن من داوم على الصلاة بر وتطهر من الآثام والله أعلم.
ومعنى الكلام حينئذٍ اصطحبت الصلاة وقرنت بالأجر والثواب والطهارة من الذنوب ولم يأمره أبو موسى بإعادة الصلاة لأن ذلك ذكر، وفي العتبية: فيمن سمع الإمام يقول: قل هو الله أحد فقال: صدق الله ورسوله، قال: لا شيء عليه لأنه ذكر اهـ أبي.
(قال فلما قضى أبو موسى الصلاة) وفرغ منها (وسلم انصرف) أي التفت وأقبل على الجماعة المقتدين به (فقال) لهم (أيكم القائل كلمة كذا وكذا) كناية عن الكلمة التي قالها الرجل (قال) حطان بن عبد الله (فأرم القوم) أي سكتوا ولم يجيبوا له، وفي القاموس: أرم بفتح الراء وتشديد الميم سكت وهو المعروف، ويروى (فأزم القوم) بالزاي المنقوطة ومعناهما واحد وهو السكوت أي لم ينطقوا بشيء ولا حركوا مَرمّاتِهم وهي شِفاههم؛ والشفة هي المِرَمّةُ والمِقَمَّةُ وبالزاي من الزَّمِّ أي لم يَفْتَحُوها بكلمةٍ (ثم قال) أبو موسى مرة ثانية (أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم فقال) لي أبو موسى (لعلك يا حطان قلتها) أي أظنك يا حطان قلت تلك الكلمة، وتخصيصه حطان لعله لما يعلم من جسارته، وقد علم أنه يخصه بالسؤال لقوله لقد رهبت (قال) حطان (ما قلتها) أي لم أقلها أنا يا أبا موسى (و) الله (لقد رهبت) وخفت أنا (أن تبكعني) بفتح أوله وثالثه من باب فتح لأنه حلقيُّ اللام أي أن تستقبلني بمكروه (بها) أي بسبب تلك الكلمة؛ أي لقد خفت أن تقول لي كلامًا غليظًا لو قلت أنا قلتها كالسب لي، يقال بكعت الرجل بكعًا من باب فتح إذا استقبلته بما يكره وهو بمعنى التبكيت والتقريع والتوبيخ ورهبت خفت والرهب الخوف، وفي القاموس بكعه استقبله بما يكره، قال حطان كما في رواية أبي داود (فقال) له (رجل من القوم) الحاضرين (أنا قلتها) أي قلت تلك الكلمة (ولم أرد)
بِهَا إِلَّا الْخَيرَ. فَقَال أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيفَ تَقُولُونَ فِي صَلاتِكُمْ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاتَنَا. فَقَال: "إِذَا صَلَّيتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ. ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ. فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا
ــ
بضم الهمزة أي ولم أقصد (بها) أي بتلك القولة (إلا الخير) وهو مدح الصلاة (فقال أبو موسى أما) بهمزة الاستفهام التقريري الداخلة على ما النافية أي ألا (تعلمون) مفسدات صلاتكم (كيف تقولون) مثل هذه المقولة (في صلاتكم) فإن التكلم بمثل هذه الكلمات مفسد للصلاة فـ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا) أي ذكَّرنا بذكر الوعد والوعيد في أيام حياته (فبين لنا سنتنا) أي طريقنا من الدين (وعلمنا صلاتنا) أي فرائضها وشروطها ومبطلاتها (فقال) في تعليمنا (إذا صليتم) أي أردتم الصلاة بالجماعة (فأقيموا) أي سووا (صفوفكم) أمر بإقامة الصفوف، وهو من سنن الصلاة بلا خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:"فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه، وعبارة النواوي: أمر بإقامة الصفوف وهو مأمور به بإجماع الأمة وهو أمر ندب والمراد تسويتها والاعتدال فيها وتتميم الأول فالأول منها والتراص فيها اهـ.
(ثم ليؤمكم أحدكم) اختلفوا في أنه أمر ندب أو إيجاب على أربعة أقوال قاله ابن رسلان، وعبارة النواوي هنا: فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات ولا خلاف في ذلك ولكن اختلفوا في أنه أمر ندب أم إيجاب على أربعة مذاهب، والراجح في مذهبنا وهو نص الشافعي رحمه الله تعالى وقول أكثر أصحابنا: أنها فرض كفاية إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار سقط الحرج عن الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم، وقالت طائفة من أصحابنا: هي سنة، وقال ابن خزيمة من أصحابنا: هي فرض عين لكن ليست بشرط في الصلاة فمن تركها وصلى منفردًا بلا عذر أثم وصحت صلاته، وقال بعض أهل الظاهر: هي شرط لصحة الصلاة، وقال بكل قول من الثلاثة المتقدمة طوائف من العلماء وتأتي المسألة في بابها إن شاء الله تعالى (فإذا كبر) أي الإمام أي فرغ من تكبيره (فكبروا) أيها المأمومون بفاء التعقيب فلو كبر وقد بقي من إحرام الإمام حرف لم يصح الاقتداء بلا خلاف قاله ابن رسلان.
وفي المفهم: قوله (فإذا كبر فكبروا) يقتضي أن تكبير المأموم لا يكون إلا بعد
وَإِذَا قَال: {غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ. يُجِبْكُمُ اللَّهُ. فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا. فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ" فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. يَسْمَعُ اللَّهُ
ــ
تكبير الإمام لأنه جاء بفاء التعقيب، وهذا مذهب كافة العلماء ولا خلاف أن المأموم لا يسبقه بالتكبير والسلام إلا عند الشافعي ومن لا يرى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، والحديث حجة عليهم، واختلفوا إذا ساواه في التكبير أو السلام فلأصحابنا فيه قولان: الإجزاء وعدمه، واتفقوا على أنه لا يجوز أن يسابقه بكل أفعاله وسائر أقواله ولا يقارنه فيها، وأن السنة اتباعه فيها اهـ.
وقال النواوي: (قوله فإذا كبر فكبروا) فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام ويتضمن مسألتين إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه بل بعده، فلو شرع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويًا الاقتداء بالإمام وقد بقي للإمام منها حرف لم يصح إحرام المأموم بلا خلاف لأنه نوى الاقتداء بمن لم يصر إمامًا بل سيصير إمامًا إذا فرغ من التكبير، والثانية أنه يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيرة الإمام ولا يتأخر فلو تأخر جاز وفاته كمال فضيلة تعجيل التكبير اهـ.
(وإذا قال) أي قرأ كما في رواية أبي داود ({غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا) أنتم (آمين) معه (يجبكم الله) سبحانه وتعالى، مجزوم في جواب الطلب السابق أي يستجب ويتقبل دعاءكم، وفيه حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به (فإذا كبر) الإمام للركوع (وركع) أي انحنى للركوع (فكبروا) أنتم (واركعوا) بعده (فإن الإمام يركع) أي ينحني للركوع (قبلكم ويرفع) رأسه من الركوع (قبلكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك) أي تأخركم عن الإمام في الخُرُور للركوع (بتلك) أي بمقابلة تأخركم في الرفع عن الركوع فكأنه ساوى ركوعكم ركوع الإمام، والتأنيث على تأويل الخصلة، وقال بعضهم: معنى تلك بتلك أي فتلك اللحظة التي سبقكم بها الإمام إلى الركوع مدركة لكم بتلك اللحظة التي تأخرتم بها عنه في الركوع فساوى ركوعكم ركوعه (وإذا قال) الإمام (سمع الله لمن حمده) أي تقبل الله حمد من حمده هذه الجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى فكأنه قال: اللهم تقبل حمدنا إياك (فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله
لَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَال عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا. فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ". فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ. وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمُ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ. السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"
ــ
لكم) أي لحمدكم سماع قبول أي يستجيب لكم (فإن الله تبارك) أي تزايد خيره وإحسانه لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من سمات الحدوث (قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أي ليعلمكم (سمع الله لمن حمده) أي قضى في سابق قضائه بإجابة دعاء من حمده، فأصل هذه الكلمة إخبار من الله تعالى بسماع حمد عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أجراها على لسان عباده بواسطة نبيه صلى الله عليه وسلم (وإذا كبر) الإمام للسجود (وسجد) أي هوى للسجود (فكبروا واسجدوا) عقبه (فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك) أي ساعة تأخركم في الرفع عن السجود (بتلك) أي بمقابلة ساعة تأخركم في الخُرور للسجود (وإذا كان) المصلي (عند القعدة) أي في القعدة الأولى أو الثانية (فليكن من أول قول أحدكم) أي لا يتقدم منكم قول في القعدة قبل هذا القول ويكون هذا القول في القعدة مقدمًا على جميع الأقوال (التحيات) جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل الملك، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جُمعت فكأن المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله تعالى (الطيبات) أي كل ما طاب من الكلام وحسن أن يثني به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به (الصلوات) الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة، وقيل المراد العبادات كلها مستحقة (لله) سبحانه وتعالى (السلام عليك أيها النبي) الأمي العربي (ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) والمراد بقوله ورحمة الله إحسانه، وقوله وبركاته وهو اسم لكل خير فائض منه تعالى على الدوام، وقيل البركة الزيادة في الخير، وإنما جمعت البركة دون السلام والرحمة لأنهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مصدران.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 399] وأبو داود [972، 973] والنسائي [2/ 96 - 97].
قال النواوي: (قوله وإذا قال غير المغضوب) الخ فيه دلالة ظاهرة لما قاله أصحابنا وغيرهم أن تأمين المأموم يكون مقارنًا لتأمين الإمام لا بعده فإذا قال الإمام ولا الضالين، قال الإمام والمأموم: آمين، وتأولوا قوله:"إذا أمن الإمام فأمنوا" قالوا معناه إذا أراد الإمام التأمين ليجمع بينه وبين هذا الحديث وهو يريد التأمين في آخر قوله: "ولا الضالين" فيعقب إرادته تأمينه وتأمينكم معًا، وفي آمين لغتان المد والقصر، والمد أفصح والميم خفيفة فيهما ومعناه استجب.
وقوله (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا) معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه، ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه، وقال مثله في السجود أيضًا اهـ.
قال القاضي: (قوله فتلك بتلك) حجة للقول بأن المأموم إنما يفعل ذلك بعد فراغ الإمام، وتنبيه على أن فعل المأموم ذلك بعد الإمام لم يفته به الإمام لأنه كان ينتظره فوقعت الأفعال مطابقة أي تلك الانتظارية بتلك السبقية، وقيل الإشارة إلى ربط صحة الصلاة بالمتابعة أي صحة تلك الأفعال منكم بتلك المتابعة، وقيل إلى ربط آمين بولا الضالين، وربنا ولك الحمد بسمع الله لمن حمده أي تلك الكلمة أو الدعوة التي في السورة متعلقة بآمين وبربنا ولك الحمد لارتباط إحداهما بمعنى الأخرى، قال القرطبي: وفي قوله (فتلك بتلك) إشارة إلى أن حق الإمام السبق فإذا فرغ تلاه المأموم معقبًا، والباء في بتلك للإلصاق والتعقيب، وقيل ليس عليه أن ينتظره حتى يفرغ بل يكفي شروع الإمام في أول الفعل، والصحيح الأول للحديث، وقد روي عن مالك قول ثالث أنه فرق فقال: يجوز مشاركة المأموم الإمام إلا في القيام من الركعتين فلا يقوم حتى يستوي قائمًا ويكبر، وعلى القول الآخر له أن يقوم بقيامه، وقيل في (تلك بتلك) أن معناه أن الحالة من صلاتكم وأعمالكم إنما تصح بتلك الحالة من اقتدائكم به اهـ.
799 -
(00)(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
ــ
قال النواوي: قوله (وإذا قال سمع الله لمن حمده) إلخ فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب للإمام الجهر بقوله سمع الله لمن حمده وحينئذٍ يسمعونه يقولون ربنا لك الحمد، وفيه دلالة لمذهب من يقول لا يزيد المأموم على قوله ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع الله لمن حمده.
قال الأبي: إلا أن يقال المقصود من الحديث تعليم الدعاء لا المنع من غيره وأيضًا فصدر الحديث دل على المتابعة، ومن المتابعة أن يقول ما يقوله الإمام اهـ.
قال النواوي: ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي" وسيأتي بسط الكلام فيه في بابه إن شاء الله تعالى.
ومعنى (سمع الله لمن حمده) أي أجاب دعاء من حمده، ومعنى (يسمع الله لكم) يستجيب دعاءكم، وقوله (ربنا لك الحمد) هكذا هو هنا بلا واو، وفي غير هذا الموضع (ربنا ولك الحمد) وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها، قال القرطبي: وقد اختلف اختيار العلماء فيها فمرة اختار مالك إثبات الواو لأن قوله ربنا إجابة قوله سمع الله لمن حمده أي ربنا استجب دعاءنا واسمع حمدنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك، وأيضًا فإن الواو زيادة حرف ولكل حرف حظ من الثواب، واختار مرة حذف الواو إذ الحمد هو المقصود، قوله (فليكن من أول قول أحدكم) قال القاضي: فيه حجة لكراهة الدعاء قبل التشهد، وقال النواوي: استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوسه التحيات ولا يقول باسم الله وليس هذا الاستدلال بواضح لأنه قال فليكن من أول ولم يقل أول، قال القاضي: ولم يذكر في هذا الحديث السلام وقد يحتج به من لا يرى السلام من الصلاة وقد ذكر هنا جميع ما يفعل الإمام والمأموم وهو موضع تعليم، وسيأتي الكلام على مسألة السلام إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
799 -
(00)(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة ثبت ربما دلس، من (9) قال
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ. كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ قَتَادَةَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ ، وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، مِنَ الزِّيَادَةِ:"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ
ــ
(حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري أبو النضر البصري ثقة كثير التدليس، من (6)(ح وحدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى جده مسمع البصري ثقة، من (10)(حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري صدوق ربما وهم، من (9) قال (حدثنا أبي) هشام بن سنبر الدستوائي أبو بكر البصري ثقة ثبت رمي بالقدر، من (7)(خ وحدثئا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المعروف بابن راهويه أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ، من (10) قال (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8)(عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة عابد، من (4)(كل هولاء) الثلاثة يعني سعيدًا وهشامًا وسليمان رووا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة مدلس، من (4) والجار والمجرور في قوله (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد، وكذا قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهم هؤلاء الثلاثة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو أبو عوانة، وكذا الضمير في بمثله عائد إلى المتابع المذكور أي روى هؤلاء الثلاثة عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى الأشعري بمثل ما روى أبو عوانة عن قتادة.
وهذه الأسانيد الثلاثة من سباعياته رجال الأول منها أربعة منهم بصريون وثلاثة منهم كوفيون، ورجال الثاني منها كلهم بصريون إلا أبا موسى فإنه كوفي، ورجال الثالث منها أرْبَعَةٌ منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مروزي، وغرضه بسوقها بيان متابعة أولئك الثلاثة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
(و) لكن (في حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة) على رواية غيره كلمة (وإذا قرأ) الإمام القرآن (فأنصتوا) أي فاسكتوا من الإنصات وهو السكوت مع الاستماع وهي حجة لمن لا يقرأ خلف الإمام في الجهر (وليس في حديث أحد منهم) أي في
فَإِنَّ اللَّهَ قَال عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: قَال أَبُو بَكْرِ ابْنُ أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. فَقَال مُسْلِمٌ: تُرِيدُ أَحْفَظَ مِنْ سُلَيمَانَ؟ فَقَال لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ هُوَ صَحِيحٌ؟ (فقال) يَعْنِي: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا. فَقَال هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ. فَقَال:
ــ
رواية واحد من هؤلاء المتابعين الثلاثة جملة قوله (فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده) أي ليست هذه الكلمات موجودة في رواية أحد منهم (إلا في رواية أبي كامل) الجحدري (وحده) أي دون غيره ممن رووا (عن أبي عوانة) وعن غيره من المتابعين له، قال الدارقطني: هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة، وخالفه الحفاظ فلم يذكروها، قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه، وقد ذكر ابن سفيان عن مسلم في رواية الجلودي ما يدل على تصحيح مسلم لهذه الزيادة من قوله، وقال أبو بكر بن أخت أبي النضر أي طعن فيه ورد عليه مسلم (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه الزاهد المجتهد العابد، قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع: سمعت محمد بن يزيد العدل يقول: كان إبراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة، ومن العباد المجتهدين ومن الملازمين لمسلم بن الحجاج، ومن رواة هذا الجامع عنه، قال إبراهيم: فرغ لنا مسلم من قراءة هذا الكتاب في شهر رمضان سنة (259) تسع وخمسين ومائتين (قال أبو بكر) أي قدح وطعن أبو بكر (ابن أخت أبي النضر في) صحة (هذا الحديث) أي في صحة ما زاده سليمان بن طرخان عن قتادة يعني قوله (وإذا قرأ فأنصتوا)(فقال) له (مسلم) في الرد عليه أ (تريد) وتطلب (أحفظ) وأوثق (من سليمان) فإنه من أوثق الناس فزيادته مقبولة يعني أن سليمان كامل الحفظ والضبط فلا تضره مخالفة هؤلاء إياه (فقال له) أي لمسلم، فقال فعل ماض فاعله (أبو بكر) أي فقال أبو بكر ابن أخت أبي النضر لمسلم بن الحجاج (فحديث أبي هريرة) الذي فيه الأمر بالإنصات عند قراءة الإمام وهو مبتدأ خبره قوله هل (هو صحيح) أم ضعيف، وقوله (فقال) أبو بكر توكيد لفظي لقال الأول وإسقاطه أوضح في المعنى (يعني) أبو بكر بحديث أبي هريرة الذي سأل عنه حديث (وإذا قرأ فأنصتوا فقال) له مسلم بن الحجاج (هو) أي حديث أبي هريرة الذي ذكرته (عندي صحيح فقال) أبو بكر
لِمَ لَمْ تَضَعْهُ هَا هُنَا؟ قَال: لَيسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي، صَحِيحٍ وَضَعْتُهُ هَا هُنَا. إِنَّمَا وَضَعْتُ هَا هُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيهِ.
805 -
(00)(00)(00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ
ــ
لمسلم (لم) بكسر اللام وفتح الميم لأن اللام حرف جر وم اسم استفهام حذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها أي لم تركته و (لم تضعه ها هنا) أي في هذا الجامع إذا كان صحيحًا عندك (قال) مسلم (ليس كل شيء) اسم ليس، وقوله (عندي) ظرف متعلق بقوله (صحيح) وصحيح بالجر صفة لشيء، وجملة قوله (وضعته ها هنا) خبر ليس ولكنه خبر سببي أي قال مسلم في جواب أبي بكر ليس كل شيء صحيح عندي من الأحاديث وضعته أي كتبته في هذا الجامع أي واضعًا أنا إياه في هذا الجامع (إنما وضعت) وكتبت (ها هنا) أي في هذا الجامع (ما أجمعوا عليه) أي حديثًا أجمع واتفق على صحته أهل الحديث، قال القاضي: قوله (قال أبو إسحاق) هذه الزيادة ثابتة في رواية الجلودي وهي تدل على تصحيح مسلم لتلك الزيادة، وإجماع هؤلاء الحفاظ على تضعيف هذه الزيادة مقدم على تصحيح مسلم لها اهـ أبي، فتأمل فإن في المحل دقة هذا ما ظهر لفهمي السقيم والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:
850 -
(00)(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي (عن عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصنعاني ثقة، من (9)(عن معمر) بن راشد الأزدي أبي عروة البصري شهد جنازة الحسن البصري ثقة، من (7)(عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو معمر أي حدثنا معمر عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى مثل ما روى أبو عوانة عن قتادة.
وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد صنعاني وواحد مروزي أو مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر بن راشد لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة.
وَقَال فِي الْحَدِيثِ: "فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَضَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"
ــ
(و) لكن (قال) معمر (في الحديث) أي في روايته (فإن الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (قضى) في سابق علمه وأظهر (على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لفظة (سمع الله لمن حمده) ليعلمها الناس بدل قول أبي عوانة فيما سبق (فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث:
الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال وذكر فيه أَرْبَعَ مُتابعاتٍ.
والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.
والثالث حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله أعلم.
***