الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
197 - (8) - باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه
746 -
(349)(12) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ؛ قَال: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاويةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ،
ــ
197 -
(8) باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه
746 -
(349)(12)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي يقال اسمه عبد الرحمن قال ابن سعد: كان ثقة، وقال العجلي: ثقة رجل صالح، وقال في التقريب: ثقة ثبت من صغار الثامنة (8) مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الكوفي مدني الأصل، قال عمرو بن علي: ولد عمر بن عبد العزيز سنة إحدى وستين مقتل الحسين، وولد معه الأعمش وهشام بن عروة وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، روى عن عمه عيسى بن طلحة في الصلاة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بردة في الصلاة والاستئذان، وعمته عائشة بنت طلحة في الصوم والفضائل والقدر، ومجاهد حكاية في الصوم، ويروي عنه (م عم) وعبدة بن سليمان والثوري ووكيع ويحيى بن سعيد وعبد الواحد بن زياد والفضل بن موسى وعلي بن هاشم بن البريد وإسماعيل بن زكريا، وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال أبو زرعة والنسائي: صالح، وقال أبو حاتم: صالح الحديث حسن الحديث صحيح الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (6) السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه في (5) أبواب.
(عن عمه) عيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أبي محمد المدني كان من أفاضل أهل المدينة وعقلائهم، وثقه ابن سعد وابن معين والنسائي والعجلي، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من كبار (3) مات سنة (100) روى عنه في (4) أبواب (قال) عمه عيسى بن طلحة (كنت) يومًا (عند معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي أَبِي عَبْدِ الرحمن الخليفة الشامي صحابي أسلم يوم الفتح وقيل قبل ذلك له (130) مائة وثلاثون حديثًا اتفقا على أربعة وانفرد (خ) بأربعة و (م) بخمسة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وأخته أم حبيبة، ويروي عنه (ع) وعيسى بن طلحة في الصلاة، والسائب بن يزيد في الصلاة، وعبد الله بن عامر اليحصبي في الزكاة، وهمام بن
فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يَدْعُوهُ إِلَى الصَّلاةِ. فَقَال مُعَاويةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
ــ
منبه في الزكاة، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف في الزكاة، وابن عباس في الحج، وعمير بن هانئ في الجهاد، ويزيد بن الأصم وسعيد بن المسيب وجرير بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو ذر مع تقدمه وخلق، مات بالشام يوم الخميس للنصف من رجب سنة (60) ستين، وهو ابن (78) سنة، وصلى عليه الضحاك بن قيس.
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد شامي وواحد مدني.
(فجاءه) أي فجاء إلى معاوية (المؤذن) حالة كون المؤذن (يدعوه) أي يدعو معاوية ويطلبه للخروج (إلى الصلاة) ليصلي بالناس (فقال معاوية) بن أبي سفيان للمؤذن: لك أجر عظيم وفضل جسيم لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول المؤذنون أطول الناس أعناقًا) جمع عنق وهو ما بين الكتف والقفا (يوم القيامة) اختلف السلف والخلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله تعالى وثوابه لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه فهو كناية عن كثرة ما يرونه من الثواب، وقال النضر بن شميل: هو حقيقة لأنه إذا ألجم الناسَ العرقُ يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا يصيبها ذلك العرق، وقال ابن الملك: وطول العنق يدل غَالِبًا على طول القامة، وطولها لا يطلب لذاته بل لدلالته على تميزهم على سائر الناس وارتفاع شأنهم عليهم أي يكونون سادات الناس، ومن أجاب دعوة المؤذن يكون معه، وقيل معناه أنهم رؤساء؛ والعرب تصف السادة بطول الأعناق، قال الشاعر:
يُشَبَّهُونَ ملوكًا في تَجلَّتِهم
…
وطولِ أَنْضِيَةِ الأَعْنَاقِ واللَّمَمِ
وقيل أكثر أتباعًا لأن من أجاب دعوتهم يكون معهم، وقال ابن الأعرابي: أكثر أعمالًا، يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه، ورواه بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة أي إسراعًا إلى الجنة، ومنه الحديث "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص" وحديث "لا يزال الرجل مُعْنِقًا ما لم يُصِب دمًا" أي منبسطًا في سيره يوم القيامة، قال ابن الملك: وهذه الرواية غير مُعتدٍّ بها، قال الأبي: هو كناية عن عدم الخَجَل من الذنوب لأنَّ الخجِلَ يُنكِّسُ رأسَه قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} قال السنوسي: وقيل المعنى أنهم أكثر رجاء لأن من يرجو شيئًا أطال إليه عنقه
747 -
(00)(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاويَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثلِهِ
ــ
فالناس يكونون في الكرب وهم في الرَّوْحِ يَشْرَئِبُّون أَن يُؤذَن لهم في دخولِ الجنة، وقيل غيرُ ذلك من الأقوال المتلاطمة اهـ. قال القرطبي: وقد احتج بهذا الحديث من رأى أن فضل الأذان أكثر من فضل الإمامة واعتذر عن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لما يشتمل عليه الأذان من الشهادة بالرسالة، وقيل إنما ترك الأذان لما فيه من الحيعلة وهي أمر فكان لا يسع أحدًا ممن سمعه التأخر وإن كان كانت له حاجة وضرورة، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم كان في شغل عنه بأمور المسلمين وهذا هو الصحيح، وقد صرح بذلك عمر فقال:(لولا الخِلِّيفَي "أي الخلافةُ" لأَذَّنْتُ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف [1/ 224] بلفظ (لو أطقت الأذان مع الخِلِّيفي لأذَّنْت) اهـ من المفهم.
وهذا الحديث من أفراد مسلم لم يشاركه فيه غيره وهو دليل على الجزء الأول من الترجمة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:
747 -
(00)(00)(وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث معاوية (إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثقة ثبت من (11) قال (أخبرنا أبو عامر) العقدي مولاهم عبد الملك بن عمرو بن قيس القيسي البصري، قال النسائي: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (205) خمس ومائتين، روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه إمام حجة، من رؤوس الطبقة (7) وكان ربما دلس، مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة الكوفي (عن) عمه (عيسى بن طلحة) المدني (قال سمعت معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا سفيان لأنه العامل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو عبدة بن سليمان أي حدثنا سفيان الثوري عن طلحة بن يحيى بمثل ما حدث عبدة بن سليمان عن طلحة بن يحيى.
748 -
(350)(13) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ)، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ، ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ"
ــ
وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد شامي وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لعبدة بن سليمان في رواية هذا الحديث عن طلحة بن يحيى، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال:
748 -
(350)(13)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني، ثقة، من (10)(وعثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكوفي، قال ابن معين: ثقة، وقال في التقريب: ثقة حافظ شهير له أوهام، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي ثقة، من (10) مات سنة (239) وله (83) سنة، روى عنه في (12) بابا (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، ثقة، من (10) وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهم من شيخهم أي قال كل من الثلاثة: روى لنا (جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة، من (8)(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أَبِي محمد الكوفي ثقة حافظ مدلس من (5)(عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط، قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن عدي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي أو اثنان كوفيان وواحد إما بغلاني أو مروزي.
(قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول: إن الشيطان إذا سمع النداء) أي الأذان (بالصلاة ذهب) أي هرب وشرد وخرج من المدينة (حتى يكون مكان الروحاء) أي في مكان يسمى بالروحاء، أو المعنى: ابتعد الشيطان من مكان النداء
قَال سُلَيمَانُ: فَسَألْتُهُ عَنِ الروْحَاءِ؟ فَقَال: هِيَ مِنَ المدِينَةِ سِتة وَثَلاثُونَ ميلًا.
749 -
(00)(00)(00) وحدَّثناه أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ.
750 -
(351)(14) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
ــ
كي لا يسمعه إلى أن يكون في مثل الروحاء من المدينة في البعد؛ وهو كما في القاموس موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلًا من المدينة، وفسره الراوي بستة وثلاثين ميلًا، وإنما يذهب الشيطان لئلا يسمع نداء داعي الحق، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات، وغرضه بسوقه الاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة (قال سليمان) الأعمش (فسألته) أي سألت أبا سفيان طلحة بن نافع (عن الروحاء) ما هي (فقال) لي أبو سفيان (هي) أي الروحاء أي مسافتها (من المدينة) المنورة (ستة وثلاثون ميلًا) والميل أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير، وقيل أربعة آلاف ذراع.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
749 -
(00)(00)(وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث جابر (أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي ثقة، من (9)(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا أبو معاوية؛ أي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مثل ما روى جرير عن الأعمش.
وهذا الإسناد أيضًا من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي معاوية لجرير في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
750 -
(351)(14)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني (وزهير بن حرب) الحرشي أبو خثيمة النسائي (واسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي،
(وَاللَّفْظ لِقُتَيبَةَ)، قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِير، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِن الشيطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصلاةِ أَحَال لَهُ ضُرَاط. حَتى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ
ــ
وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لقتيبة) لا لزهير ولا لإسحاق تورعًا من الكذب عليهما وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا) جرير (وقال الآخران) أي قتيبة وزهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي لبيان اختلاف كيفية سماع مشايخه (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات المدني مولى جويرية بنت أحمد القيسية (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني.
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان (أحال) بالحاء المهملة أي ذهب هاربًا، من أحال إلى الشيء إذا أقبل إليه هاربًا؛ أي ذهب وأدبر الشيطان من موضع الأذان هاربًا؛ أي إبليس أو جنس الشيطان أو كل متمرد اهـ ابن رسلان.
و(له ضراط) بزيادة واو الحال كما في رواية أبي داود، والضراط بوزن غراب ريح يخرج من أسفل الإنسان وغيره وهذا لثقل الأذان عليه كما للحمار من ثقل الحمل، قال القاضي عياض: والضراط يحتمل أنه حقيقة لأنه جسم متغذ فيصح خروج الريح منه، وقيل كناية عن شدة الغيظ والنفار لما يرى من الإعلان بكلمة الإيمان، قال الأبي: وقيل استعارة شبه إشغاله نفسه بالهروب عن سماع الأذان بالصوت الذي يمنع السمع عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له، وقد تقدم أن الأولى الكناية عن المعاني المستقبح سماع لفظها إلا أن تدعو ضرورة لذكر اللفظ أو لتضمن ذكره مصلحة كالتقبيح المتقدم ذكره اهـ.
أي ذهب هاربًا من موضع الأذان، والحال أن له ضراطًا (حتى لا يسمع صوته) أي لكي لا يسمع صوت المؤذن بالأذان، وهذا تعليل لإدباره وإحالته، قال القاري: قيل هذا محمول على الحقيقة لأن الشياطين يأكلون ويشربون فلا يمتنع وجود ذلك منهم خوفًا من ذكر الله تعالى، أو المراد استخفاف اللعين بذكر الله تعالى من قولهم ضرط به فلان إذا استخفه اهـ.
فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ، فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ".
751 -
(00)(00)(00) حدثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِي
ــ
(فإذا سكت) المؤذن وفرغ من أذانه وأتمه (رجع) الشيطان وأقبل إلى موضع الصلاة قبل هروبه لانقطاع طمعه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد إذ لا يقدر أن يصرف الناس عنه حينئذٍ فإذا سكت المؤذن رجع (فوَسْوَس) أي أَلْقى الوسوسةَ والتَّشوُّشَ عن الصلاة في قلوبهم، قال الأبي: الشيطان المذكور يحتمل أن يكون شيطانَ المؤذن أو شيطان سامع الأذان أو جنسَ الشيطان، وبعضُ التوجيهات السابقة إنما تتوجه على أنه شيطان المؤذن وبعضُها على أنه الجنس (فإذا) أقام المؤذن و (سمع) الشيطان (الإقامة) أي صَوْتها (ذهب) الشيطان هاربًا (حتى لا يسمع) أي لكي لا يسمع الشيطان (صوتَه) أي صوتَ المؤذن بالإقامة (فإذا) فرغ المؤذن من الإقامة و (سكت رجع) الشيطان إلى موضعِ الصلاة (فوسوس) بين المرء وقلبِه ويقول اذكر كذا اذكر كذا لمَا لم يكن يذكر قبل الصلاة.
قال الأبي: لِم هَربَ من الأذان ولم يَهْرب من الصلاة مع أنها أشرفُ لاختصاص الأذان بموجِب الهرب على ما سبق، وأيضًا قال هنا فإذا سكت رجع، وقال في كتاب الأطعمة إذا دخل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامِه قال الشيطان لا مَبِيتَ لكم ولا عَشاءَ، فظاهره أنه يذهب ولا يرجع، فما الفرق بينهما؟ (قلت) الفرق أن هُروبَه في الأذان لئلا يسمع موجِب هربه فإذا انقضى رَجَع وذِكْرُ اللهِ عز وجل عند دخولِ البيت جَعَله الشرع مانعًا من الكونِ في البيت فإذا ذَهَب لا يرجع، وأجاب غيره بأنَّ المبيت في البيت أخص من مطلق الكون فيها، ولا يلزم من نَفْيِ الأخص نَفْيُ الأعم فقد يرجع إلى الوسوسة ولا يَبِيت فيستوي الحديثان اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [21/ 313 و 460] والبخاري [1231] وأبو داود [516] والنسائي [2/ 21 - 22].
ثم ذكر المؤلف المتابعةَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
751 -
(00)(00)(حدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكرياء اليشكري أبو الحسن (الواسطي) العطار، قال مسلمة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب:
حَدَّثَنَا خَالِد، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَذنَ الْمُؤَذنُ أَدْبَرَ الشيطَانُ وَلَهُ حُصَاص".
752 -
(00)(00)(00) حدثني أمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ،
ــ
صدوق، من (10) مات سنة (244) روى عنه في (2) بابين، قال (حدثنا خالد) بن عبد الله الطحان المزني أبو القاسم الواسطي، وثقه أحمد وأبو زرعة والنسائي وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (8) مات سنة (182) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن عبد الله) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن سهيل) بن أبي صالح السمان مولى جويرية بنت أحمد الغطفانية أبي يزيد المدني، وثقه ابن عيينة والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة).
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان واسطيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة سهيل بن أبي صالح لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة.
(قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان) أي ذهب هاربًا من موضع الأذان غيظًا من سماع كلمة الإيمان (وله حصاص) جملة حالية من فاعل أدبر أي أدبر والحال أن له حصاصًا أي ضراطًا، قال النواوي: الحصاص بضم الحاء المهملة وصادين مهملتين الضراط وقيل شدة العدو، وقال ابن أبي النجود: إذا ضرب بأذنيه ومصع بذنبه وعدا فذلك الحصاص، وفي مرقاة المفاتيح شبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
752 -
(00)(00)(حدثني أمية بن بسطام) بكسر الباء وفتحها بمنع الصرف للعلمية والعجمة ابن المنتشر العيشي أبو بكر البصري، قال أبو حاتم: محله الصدق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (10) مات سنة (231)
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيع)، حَدَّثَنَا رَوْح، عَنْ سُهَيل. قَال: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ. قَال: وَمَعِي غُلام لَنَا، (أَوْ صَاحِب لَنَا)، فَنَادَاهُ مُنَاب مِنْ حَائِطِ بِاسْمِهِ. قَال: وَأَشْرَفَ الذي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيئًا، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لأبِي فَقَال: لَوْ شَعَرْتُ أَنكَ تَلْقَي هذَا لَمْ أُرْسِلْكَ،
ــ
روى عنه في (3) أبواب، قال أمية (حدثنا يزيد) بن زريع التيمي العيشي أبو معاوية البصري، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) لما مر آنفًا فلا تغفل، وإنما كررنا التنبيه عليه لئلا يغفل الطالب عنه فربما يكون موضع العناية بداية درسه فيصعب عليه، قال يزيد (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث البصري، وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وأحمد، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (6) مات سنة (141) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة روح بن القاسم لخالد بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة.
(قال) سهيل (أرسلني) أي بعثني (أبي) أبو صالح (إلى) منازل (بني حارثة) بالحاء المهملة بطن مشهور من الأنصار لحاجة (قال) سهيل (ومعي كلام) أي عبد (لنا أو) قال سهيل: ومعي (صاحب لنا) والشك من روح بن القاسم (فناداه) أي فنادى سهيلًا (مناد) أي دعاه داع (من) جوف (حائط) أي بستان جانب الطريق (باسمه) أي باسم سهيل بصوت رفيع (قال) سهيل (وأشرف) أي اطلع الصاحب (الذي معي على) داخل (الحائط) والبستان لينظر من يناديني باسمي (فلم ير) المطلع (شيئًا) من الحيوانات إنسًا ولا غيره في داخل البستان فرجعنا إلى أَبي أبِي صالح (فذكرت) أي أخبرت (ذلك) النداء الذي وقع لي الأبي) أي أبي صالح السمان (فقال) أبي أبو صالح (لو شعرت) وعلمت أولًا (أنك تلقى) وتنال (هذا) الهاتف الذي لا يرى شخصه (لم أرسلك) أي لم أبعثك في حاجتي إلى بني حارثة لأنه ربما يكون متمردًا من الجن يريد أن يؤذيك لو أجبت نداءه
وَلكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصلاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يُحَدثُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنهُ قَال:"إِن الشيطَانَ، إِذَا نُودِيَ بِالصلاةِ، وَلى وَلَهُ حُصَاص".
753 -
(00)(00)(00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَاميَّ)، عَنْ أَبِي الزنَادِ،
ــ
(ولكن إذا سمعت) بعد اليوم (صوتًا) أي نداء لا يرى صاحبه (فناد بالصلاة) أي أذن أذانًا مثل أذان الصلاة (فإني سمعت أبا هريرة يحدث) ويروي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (قال إن الشيطان) أي إن جنس الشيطان أو إبليس (إذا نودي) بالبناء للمفعول أي إذا نودي وأذن إعلامًا (بالصلاة) أي بدخول وقتها (ولى) أي أدبر وذهب هاربًا من موضع الأذان (وله حصاص) أي والحال أن له ضراطًا أي صوتًا رفيعًا يخرج من دبر الإنسان يشغل به نفسه عن سماع الأذان لعظم أمره عليه لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شعار الإسلام وإنما رجع عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق إلى إفسادها على فاعلها وإفساد خشوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلان به ونزول الرحمة العامة عليهم مع يأسه عن أن يردهم عما أعلنوا به ويوقِنُ بالخيبة بما تفضل الله عليهم من ثواب ذلك ويَذْكُر معصيةَ اللهِ ومَضادَّتَه أمْرَهُ فلا يملك الحدث لما حصل له من الخوف، وقيل لأنه دعاء إلى الصلاة التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لما أمِر به، ففيه تصميمُه على مخالفة أمر النص تعالى واستمراره على معصية الله فإذا دعا داعي الله فَر منه. وفي الحديث فضلُ الأذانِ وعِظمُ قَدرِه لأن الشيطان يَهْرَب منه ولا يهرب عند قراءة القرآن في الصلاة التي هي أفضلُ اهـ قسطلاني.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
753 -
(00)(00) حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي ثقة، من (10) قال (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني لقَبُه قُصَي، قال أبو داود وأحمد: ما بحديثه بأس، وقال ابن معين والنسائي: ليس بشيء، وقال في التقريب: ثقة له غرائب، من (7) وأتى بالعناية في قوله (يعني الحزامي) لما مر مرارًا (عن أبي الزناد) عبد الله بن
عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ أَدْبَرَ الشيطَانُ لَه ضُرَاط حَتَّى لا يَسْمَعَ التأْذِينَ. فَإِذَا قُضِيَ التأذِينُ أَقْبَلَ. حَتى إِذَا ثُوبَ بِالصلاةِ أَدْبَرَ، حَتى إِذَا قُضِيَ التَّثْويبُ أَقْبَلَ. حَتى يَخطِرَ بَينَ المرْءِ وَنَفْسِهِ
ــ
ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة فقيه من (5) مات سنة (130) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي، مولاهم أبي داود المدني القارئ، وثقه جماعة من النقاد، وقال في التقريب: ثقة ثبت عالم، من (3) مات سنة (117) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي صالح السمان في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي للصلاة) وأذن لها (أدبر الشيطان) أي إبليس أو شيطان المؤذن أو جنسه على الخلاف المار أي ذهب هاربًا و (له ضراط) بوزن غراب صوتُ الريحِ المنتنُ يخرج من الدبر (حتى لا يسمع) أي لكي لا يسمع (التأذينَ) أي يُخْرِج الضراطَ شغلًا لسمعِه عن سماع الأذان، والتأذين مصدر قياسي لأذن الرباعي، والأذان اسم مصدر له ومعناهما واحد وهو إعلام دخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ مخصوصة ينادى بها (فإذا قضي) بضم القاف مبنيًا للمفعول (التأذين) بالرفع نائب فاعل لقضي أي فإذا فرغ المؤذن من الأذان (أقبل) أي الشيطان أي جاء الشيطان إلى موضع الصلاة فوسوس الناس (حتى إذا ثوب) بضم أوله على صيغة المجهول وكسر الواو المشددة أي حتى إذا أعيد النداء (بالصلاة) مرة ثانية، والمراد به الإقامة لا قوله في الصبح "الصلاة خير من النوم" لأنه خاص به، وأصله من ثاب إذا رجع، ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها فإن الأذان دعاء إلى الصلاة بإعلام دخول وقتها، والإقامة دعاء إليها باستنهاض الحاضرين إلى الصلاة (أدبر) الشيطان وذهب هاربًا (حتى إذا قضي التثويب) وفرغ من الإقامة (أقبل) الشيطان (حتى يخطر) بفتح أوله وكسر الطاء كما ضبطه القاضي عياض في المشارق عن المتقنين وهو الأفصح، وحكي ضمها أيضًا أي يوسوس من قولهم خطر الفحل بذنبه إذا حركه فضرب فخذيه، وأما بالضم فمن السلوك والمرور أي يدنو من المصلي فيمر (بين المرء) أي الإنسان (ونفسه) أي قلبه
يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ. حَتَّى يَظَل الرجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صلَّى".
754 -
(00)(00)(00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ، حَدَّثَنَا معمر،
ــ
فيشغله ويحول بينه وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها، وحتى هنا تعليلية أي أقبل كي يحول بين المرء وقلبه بالوسوسة فلا يمكن من الحضور في الصلاة، قال ملا علي: ولا ينافي إسناد الحيلولة إلى الشيطان إسنادها إليه تعالى في قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَينَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} لأن هذا الإسناد حقيقة عند أهل السنة، والأول باعتبار أن الله تعالى مكنه منها حتى تم ابتلاء العبد به، وأيضًا الأول أضيف إلى الشيطان فإنه مقام الشر ولذا عبر عن قلبه بنفسه، والثاني مقام الإطلاق كما يقال: الله خالق كل شيء، ولا يقال: خالق الكلب والخنزير أدبًا مع الله تعالى، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"الخير بيديك والشر ليس إليك" مع اعتقاد أن الأمر كله لله، وُكِلَ من الله إلى الله (يقول) أي الشيطان في وسوسته للمصلي (اذكر) أيها المصلي (كذا) من حساب مالك (واذكر كذا) من نفقات عيالك، ومن غوامض ما أشكل عليك من العلم، ذاكرًا له (لما) أي لشيء (لم يكن يذكر من قبل) أي من قبل الصلاة فيشغل قلبه عن الصلاة (حتى يظل) بفتح الظاءِ المعجمةِ المُشالةِ أي حتى يصير (الرجل ما يدري) فما نافية بمعنى لا كما في رواية البخاري؛ أي حتى يصير الإنسان لا يدري (كم صلى) أي أي عدد صلى من الركعات أصلَّى ثلاثًا أم أربعًا فكم استفهامية بمعنى أي عدد أي لا يدري جواب كم صليت، ولم يذكر هنا في إدبار الشيطان ما ذكره في الأول من الضراط اكتفاء بذكره فيه أو لأن الشدةَ في الأول تأتيه غَفْلَةً فتكونُ أَهْولَ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
754 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري أبو عبد الله النيسابوري ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره فتغير، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، قال العجلي: ثقة صالح، وقال النسائي: ثقة مأمون، وضعفه ابن معين في
عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، غَيرَ أَنهُ قَال:"حَتَّى يَظَلَّ الرجُلُ إِنْ يَدْرِي كَيفَ صَلى"
ــ
ثابت، وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار (7) مات سنة (154)(عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن النبي صلى الله عليه وسلم والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو هنا همام، والضمير في بمثله عائد إلى الأعرج لأنه المتابع بفتح الباء، والتقدير حدثنا همام بن منبه عن أبي هريرة بمثل ما حدث الأعرج عن أبي هريرة أي بمماثله لفظ ومعنى، وقوله (غير أنه) استثناء من المماثلة أي لكن أن همامًا (قال) في روايته (حتى يظل الرجل) أي حتى يصير الرجل المصلي (إن يدري) أي ما يدري (كيف صلى) أي على أي حال صلى أصلى على حالة الحضور أم لا أصلى على حالة الخشوع والإخلاص أم لا، فأتى همام في روايته بإن النافية وبكيف الاستفهامية بدل ما النافية وكم الاستفهامية في رواية الأعرج.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث:
الأول حديث معاوية ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، وذكر فيه متابعة واحدة.
والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، وذكر فيه متابعة واحدة.
والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث جابر، وذكر فيه أربعة متابعات رضي الله عنهم أجمعين آمين.
***