المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحا - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌286 - (1) بابُ: التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌287 - (2) باب: ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌288 - (3) باب: من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌289 - (4) باب: فضل صلاتي الصبح والعصر

- ‌290 - (5) باب: تعجيل صلاة المغرب

- ‌291 - (6) باب: تأخير العشاء الآخرة

- ‌292 - (7) باب: التغليس بصلاة الصبح وبيان قدر القراءة فيها

- ‌293 - (8) باب: الأمر بأداء الصَّلاة في وقتها المختار إذا أخرها الإمام والصلاة معه إذا صَلَّى

- ‌294 - (8) بابٌ: صلاةُ الفَذِّ جائزةٌ والجماعةُ أفضلُ

- ‌295 - (9) باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌296 - (10) باب: وجوب حضور الجمعة والجماعة على من سمع النداء

- ‌297 - (11) باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى

- ‌298 - (12) باب: كراهية الخروج من المسجد إذا أذن المؤذِّن

- ‌299 - (13) باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة

- ‌300 - (14) باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌301 - (15) باب: جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات

- ‌302 - (16) باب: فضل صلاة الجماعة وفضل انتظار الصلاة

- ‌303 - (17) باب: من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌304 - (18) باب: المشي إلى الصلاة المكتوبة تُمْحَى به الخطايا وتُرْفَعُ به الدرجات وبيان مثل الصلوات الخمس

- ‌305 - (19) باب: الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح، وبيان أفضل بقاع البلدة

- ‌306 - (20) باب: في الأمامة ومن أحق بها

- ‌307 - (21) باب: ما جاء في القنوت والدعاء للمعين وعليه في الصلاة

- ‌308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحًا

- ‌309 - (23) باب: قصر الصلاة في السفر

- ‌310 - (24) باب: قصر الصلاة بمنى

- ‌311 - (24) باب: جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لعذر المطر وغيره

- ‌312 - (25) باب: جواز التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌313 - (26) باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌314 - (27) باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والغزو

- ‌315 - (28) باب: جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌316 - (29) باب: استحباب يمين الإمام

- ‌317 - (30) باب: كراهية الشروع في النافلة بعد شروع الموذن في الإقامة

- ‌318 - (30) باب: ما يقول عند دخول المسجد والأمر بتحيته واستحباب ركعتين فيه أول قدومه من سفر

- ‌319 - (31) باب: استحباب صلاة الضحى، وبيان أقلها وكملها وأوسطها والوصية بها

- ‌320 - (32) باب: ما جاء في ركعتي الفجر في استحبابهما ووقتهما وفضلهما وما يقرأ فيهما

- ‌321 - (33) باب: رواتب الفرائض وفضلها وعددها القبلية منها والبعدية وكيفية صلاة الليل

- ‌322 - (34) باب: جواز صلاة النفل قائمًا وقاعدًا مع القدرة على القيام وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌323 - (35) باب: صلاة الليل وعدد ركعات صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة واحدة

- ‌324 - (36) باب: في أي وقت يصلي النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وكيف حاله مع أهله

- ‌324 - (36) باب: السوال عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض

- ‌325 - (37) باب: وقت صلاة الأوّابين

- ‌326 - (38) باب: صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة في آخر الليل

- ‌327 - (39) باب: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله

الفصل: ‌308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحا

‌308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحًا

1451 -

(646)(57) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيبَرَ، سَارَ لَيلَةً. حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ. وَقَال لِبَلالٍ:"اكْلأْ لَنَا اللَّيلَ"

ــ

308 -

(22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحًا

1451 -

(646)(57)(حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمَّد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث بالإفراد والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل) ورجع (من غزوة خيبر) إلى المدينة، هذا هو الصواب، وأخطأ من قال إنها حنين كما في النواوي (سار ليلة) أي معظمها (حتى إذا أدركه) وأخذه (الكرى) أي النعاس أو النوم، والكرى النعاس، وقيل النوم، يقال منه كري كرضي يكرى كرى فهو كر، وامرأة كرية (عرس) من التعريس أي نزل واستراح ونام، والتعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة كما في الحديث الذي نحن فيه قاله الخليل والجمهور، وقال أبو زيد هو النزول للاستراحة أي وقت كان من ليل أو نهار، يقال عرس القوم إذا نزلوا أي وقت كان من ليل أو نهار، كما في المصباح أي عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال لبلال: اكلأ لنا الليل) أي آخره لإدراك الصبح، أي ارقبه واحفظه لنا لئلا ننام عن صلاة الفجر، مثل ما يأتي من حديث "احفظوا علينا صلاتنا" يقال كلأ الشيء من باب فتح ومصدره كلأة بالكسر، قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ} [الأنبياء: 42] وهذا إنما

ص: 185

فَصَلَّى بِلالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ. وَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ. فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ اسْتَنَدَ بِلالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ مُوَاجِهَ الْفَجْرِ. فَغَلَبَتْ بِلالًا عَينَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَسْتَيقِظْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا بِلالٌ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِع رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"أَي بِلالُ"! فَقَال بِلالٌ: أَخَذَ بِنَفْسِي

ــ

كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلبوا ذلك منه كما قال البخاري: إنهم طلبوا التعريس منه، فقال: أخاف أن تناموا، فقال بلال: أنا أوقظكم، فحينئذ عرس بهم ووكل بلالًا بحفظ الفجر (فصلى بلال ما قدر له) من صلاة الليل (ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) متكلين على حراسة بلال الليل (فلما تقارب الفجر) أي قرب طلوعه (استند بلال) أي نعس بلال وأسند ظهره (إلى راحلته) أي دابته، حالة كونه (مواجه الفجر) أي مستقبلًا بوجهه إلى جهة طلوع الفجر وهو أفق الشرق (فغلبت بلالًا عيناه) أي غلب النوم عينيه، وهذا كناية عن النوم؛ أي نام من غير اختيار (وهو) أي والحال أن بلالًا (مستند) بظهره (إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه) صلى الله عليه وسلم (حتى ضربتهم الشمس) أي حرارتها وأيقظتهم أي أصابتهم ووقع عليهم حرها، قال القاضي: فيه جواز النوم قبل الصلاة وإن خشي الاستغراق حتى يخرج الوقت لأنها لم تجب بعد (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم) أي أول الأصحاب (استيقاظا) أي تيقظًا من النوم، قال الطيبي: استيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الناس إيماء إلى أن النفوس الزكية وإن غلب عليها في بعض الأحيان شيء من الحجب البشرية لكنها عن قريب ستزول وأن كل من هو أزكى كان زوال حجبه أسرع (ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم) -بكسر الزاي المعجمة وعين مهملة -أي فجع من استيقاظه وقد فاتته الصبح، وقال الخطابي: معناه انتبه من نومه، يقال فزعت الرجل من نومه إذا أيقظته ففزع أي نبهته فانتبه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي بلال) كذا عند أكثر الرواة بأي التي للنداء، وعند العذري والسمرقندي "أين بلال" بأين الظرفية، وفي رواية أبي داود "يا بلال" والعتاب محذوف أو مقدر أي لم نمت حتى فاتتنا الصلاة (فقال بلال) معتذرًا عن نومه (أخذ) وقبض (بنفسي) وروحي

ص: 186

الَّذِي أَخَذَ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، يَا رَسُولَ اللهِ - بِنَفْسِكَ. قَال:"اقْتَادُوا" فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيئًا

ــ

الإله (الذي أخذ) وقبض (بأبي أنت) أي أنت مفدي بأبي (وأمي يا رسول الله بنفسك) أي بروحك متعلق بأخذ، وجملة الفداء معترضة لتأكيد الكلام؛ والمعنى أي كما توفاك الله في النوم توفاني أو يقال معناه غلب على نفسي ما غلب على نفسك من النوم؛ أي كان نومي بطريق الاضطرار لا بالاختيار ليصح الاعتذار، أي قال ذلك على طريق الاعتذار مما كان تكفل به من إيقاظهم من النوم، والنفس هنا هي التي تتوفى بالنوم والموت كما قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] وقد عبر عنها في الموطإ في هذا الحديث بالروح فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذا" فما سماه بلال نفسًا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم روحًا، فهما إذن عبارتان عن معبر واحد، وهذا مذهب أئمتنا والذي يفهم من مجموع ما في الكتاب والسنة وأقاويل علمائنا أن ذلك؛ هو لطيفة مودعة في الأجساد مشاركة لجميع أجزائها التي تحلها الحياة يتأتى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه وقبضها منه أجرى الله العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة وهي القابلة للعلوم والإنسان هو الجسد وتلك اللطيفة، اهـ من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه (اقتادوا) بصيغة الأمر أي قودوا رواحلكم لأنفسكم آخذين بمقاودها (فاقتادوا) بلفظ الماضي أي فقادوا (رواحلهم) جمع راحلة (شيئًا) يسيرًا من الزمان أو اقتيادًا قليلًا من المكان، يعني قال اذهبوا برواحلكم فذهبوا بها من ثمة مسافة قليلة اهـ من العون، أي قاد كل منهم راحلته لنفسه انتقالًا من ذلك المنزل الذي فاتهم فيه أداء صلاة الصبح، ومعلوم أن القود نقيض السوق ففي القود يكون الرجل أمام الدابة، وفي السوق يكون خلفها، فإن قادها لنفسه يقال اقتادها، وقد جاء التصريح بذلك في الرواية الثانية.

قال القرطبي: استدل بعض الأحناف على أن الفرائض لا تقضى في هذا الوقت بهذا الحديث لأنه صلى الله عليه وسلم إنما ارتحل عن ذلك الموضع ليخرج الوقت المنهي عنه، وهذا تحكم بل كما يحتمل ما ذكروه يحتمل أنَّه إنما كان ذلك ليعم النشاط جميعهم، وأبين من ذلك كله ما قد نص عليه من كراهية ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "ليأخذ كل رجل بأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" وقد زاد أبو داود في

ص: 187

ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَرَ بِلالًا فَأَقَامَ الصَّلاةَ. فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَال: "مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ. . فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. فَإِنَّ اللهَ قَال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. قَال يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤُهَا: لِلذِّكْرَى

ــ

هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة"(ثمَّ) بعدما تحولوا شيئًا يسيرًا (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا) بالإقامة للصلاة (فأقام) بلال (الصلاة) أي استنهض إليها بألفاظ الإقامة، ولم يذكر الأذان، وقد ذكره في حديث أبي قتادة، وسيأتي تحقيقه هنالك (فصلى بهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصبح) قضاءً (فلما قضى الصلاة) وفرغ منها (قال: من نسي الصلاة) المكتوبة، وفي معنى النسيان النوم أو المعنى من تركها بنوم أو نسيان (فليصلها إذا ذكرها) أو استيقظ فإن في التأخير آفات، وفي لفظ آخر "أو غفل عنها" (فإن الله) عز وجل (قال {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) [طه: 14] قال يونس) بالسند السابق (وكان ابن شهاب يقرؤها) أي يقرأ هذه الكلمة (للذكرى) بلام التعريف وكسر الذال وسكون الكاف وفتح الراء بعدها ألف مقصورة على وزن فعلى مصدر لذكر يذكر، وهذه قراءة شاذة، والقراءة المشهورة (لذكرى) بلام واحدة، قال العيني: وعلى القراءتين اختلفوا في المراد منها فقيل المعنى لتذكرني فيها، وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة، وقال التوربشتي: هذه الآية تحتمل وجوهًا كثيرة من التأويل لكن الواجب أن يصار إلى وجه يوافق الحديث فالمعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا ذكرها فقد ذكر الله تعالى أو يقدر المضاف أي لذكر صلاتي أو أوقع ضمير الله موقع ضمير الصلاة لشرفها وخصوصيتها فكأنه قال: أقم الصلاة لذكرها اهـ، وقال ابن الملك: لذكري من باب إضافة المصدر إلى المفعول واللام بمعنى الوقت أي إذا ذكرت صلاتي بعد النسيان اهـ واستدلاله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه وهو قول أكثر أصحابنا.

قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أنهم لم يصلوا في مكانهم ذلك عندما استيقظوا حتى اقتادوا رواحلهم ثمَّ توضئوا ثمَّ أقام بلال وصلى بهم، وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس فلا يكون في وقت

ص: 188

1452 -

(. . .)(. . .) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى. قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ

ــ

منهي عن الصلاة فيه، وذلك أول ما تبزغ الشمس، قالوا: والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وعلى هذا مذهب أصحاب الرأي، وقال مالك والشافعيُّ والأوزاعي وأحمد وإسحاق: تقضى الفوائت في كل وقت نهي عن الصلاة فيه أو لم ينه عنها إذا كان لها سبب، وذلك إنما نهي عن الصلاة في تلك الأوقات إذا كان تطوعًا، وابتداء من قبل الاختيار دون الواجبات، فأما الفوائت فإنها تقضى فيها إذا ذكرت في أي وقت كان بدليل الحديث، وحملوا تأخير الصلاة عن المكان الذي كانوا فيه على أنَّه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابته الغفلة فيه والنسيان.

فإن قيل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "تنام عيناي ولا ينام قلبي" فكيف ذهل عن الوقت ولم يشعر به؟ قلنا: قد تأوله بعض أهل العلم على أنَّه خاص في أمر الحدث، وذلك أن النائم قد يكون منه الحدث ولا يشعر به، وليس كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قلبه لا ينام حتى يشعر بالحدث اهـ عون، ويحتمل أن يكون نومه وخروجه عن عادته لما أراد الله تعالى من بيان سنة النائم عن الصلاة كما قال:"ولو شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن تكون سنة لمن بعدكم" اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [435 و 436] والترمذي [3162] والنسائيُّ [1/ 295 و 298] وابن ماجه [697].

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

1452 -

(. . .)(. . .)(وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (ويعقوب بن إبراهيم الدورقي) العبدي البغدادي (كلاهما عن يحيى) بن سعيد القطان البصري (قال ابن حاتم: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل الكوفي، صدوق، من (6)(حدثنا أبو حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي، وفيه التحديث إفرادًا

ص: 189

قَال: عَرَّسْنَا مَع نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ نَسْتَيقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ. فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيطَانُ" قَال: فَفَعَلْنَا. ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَأَ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ - وَقَال يَعْقُوبُ: ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَينِ - ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَلاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ

ــ

وجمعًا، والعنعنة والمقارنة، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي حازم لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث مع بيان محل المخالفة بين الروايتين (قال) أبو هريرة (عرسنا) أي استرحنا آخر الليل (مع نبي الله صلى الله عليه وسلم) وغلبنا النوم (فلم نستيقظ) لصلاة الصبح (حتى طلعت الشمس فقال) لنا (النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ) ويمسك (كل رجل) منكم (بـ) زمام (رأس راحلته) أي مركوبه لنتحول إلى مكان آخر (فإن هذا) المنزل (منزل حضرنا فيه الشيطان) ذهب بعض العلماء إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فقال: إن من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر زال عن موضعه، وإن كان واديًا خرج منه واعتضد بقوله صلى الله عليه وسلم:"تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة" وهذه الزيادة ذكرها أبو داود في حديث أبي هريرة، وقال آخرون: إنما يلزم هذا في ذلك الوادي بعينه إن علم ونزلت فيه مثل تلك النازلة فيجب الخروج منه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الجمهور: إن هذا غير مراعىً، وإن من استيقظ عن صلاة فاتته صلاها في ذلك الوقت وحيثما كان لقوله صلى الله عليه وسلم:"فحيثما أدركتك الصلاة فصل" رواه أحمد والنسائيُّ من حديث جابر رضي الله عنه، وهذا الحديث لا يصلح لتخصيصه في غير حق النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يعلم غير النبي صلى الله عليه وسلم من حال ذلك الوادي ولا من غيره من المواضع ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم وبتقدير أن تقع النازلة في ذلك الوادي فلا ندري هل ذلك الشيطان باق فيه أم لا؟ اهـ من المفهم (قال) أبو هريرة (ففعلنا) ذلك التحول (ثمَّ) بعدما خرجنا من الوادي (دعا) النبي صلى الله عليه وسلم وطلب (بالماء) أي بالماء الذي يتوضأ به، فأتي به (فتوضأ) للصلاة (ثمَّ سجد) أي صلى (سجدتين) أي ركعتين سنة الفجر، وفيه تسمية الكل باسم جزئه، قال النواوي: فيه استحباب قضاء النوافل الراتبة (وقال يعقوب) بن إبراهيم في روايته (ثمَّ صلى سجدتين) والمعنى واحد كما عرفت (ثمَّ أقيمت الصلاة فصلى الغداة) أي صلاة الصبح، وفيه جواز تسمية الصبح بالغداة.

ص: 190

1453 -

(647)(58) وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ)، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيلَتَكُمْ. وَتَأْتُونَ الْمَاءَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، غَدًا"، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. قَال أَبُو قَتَادَةَ: فَبَينَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيلُ

ــ

ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي قتادة رضي الله عنهما فقال:

1453 -

(647)(58)(وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمَّد الأبلي، صدوق، من (9)(حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثقة، من (7)(حدثنا ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبو محمَّد البصري، ثقة، من (4)(عن عبد الله بن رباح) بفتح الراء الأنصاري أبي خالد البصري، روى عن أبي قتادة في الصلاة، وعمران بن حصين وأبي بن كعب في الصلاة، وأبي هريرة في الجهاد، وعبد الله بن عمرو في العلم، ويروي عنه (م عم) وثابت البناني وأبوالسليل ضريب بن نقير وأبو عمران الجوني وخالد الحذاء، قال العجلي: تابعي بصري ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث، وقال ابن المديني والنسائيُّ: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام- الحارث بن ربعي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد أبلي (قال) أبو قتادة (خطبنا) أي وعظنا وذكرنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) في خطبته (إنكم) أيها الغازون معي سـ (تسيرون عشيتكم) هذه وهي ما بعد الزوال (وليلتكم) المستقبلة (وتأتون الماء) أي تردون عليه (إن شاء الله غدًا) أي في اليوم الذي بعد يومكم هذا، وفيه أنَّه يستحب لأمير الجيش إذا رأى مصلحة لقومه في إعلامهم بأمر أن يجمعهم كلهم ويشيع ذلك فيهم ليبلغهم كلهم ويتأهبوا له ولا يخص به بعضهم وكبارهم لأنه ربما خفي على بعضهم فيلحقه الضرر، وفيه استحباب قول إن شاء الله في الأمور المستقبلة وهو موافق لما في القرآن من الأمر به اهـ نواوي (فانطلق الناس) عشيتهم وليلتهم حالة كونهم (لا يلوي أحد) منهم ولا يعطف (على أحد) ولا ينتظره ولا يلتفت إليه بل يمشي بنفسه ويجتهد وأصله من لَيِّ العنق، قال عبد الله بن رباح (قال) لنا (أبو قتادة فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل) -هو

ص: 191

وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ. قَال: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَمَال عَنْ رَاحِلَتِهِ. فَأَتَيتُهُ فَدَعَمْتُهُ. مِنْ غَيرِ أَنْ أُوقِظَهُ. حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَال: ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيلُ مَال عَنْ رَاحِلَتِهِ. قَال: فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَال: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَال مَيلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيلَتَينِ الأُولَيَينِ. حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ

ــ

بالباء الموحدة وتشديد الراء سداسي من مزيد الثلاثي نظير احمارَّ من باب افعال -أي حتى انتصف الليل، وبهرة كل شيء وسطه، وقيل حتى ذهب عامته وبقي نحو من ثلثه، قال أبو سعيد الضرير: ابهرار الليل طلوع نجومه إذا تسامت، وقال غيره: ابهار الليل طال، والباهر الممتلئ نورًا، وقد صحفه بعض الشارحين تصحيفًا قبيحًا، فقال: انهار الليل بالنون، وقال ومنه قوله تعالى:{فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 109](وأنا) ماش (إلى جنبه) أي إلى جانبه، وقوله (قال) أبو قتادة تأكيد لقال الأول، والفاء في قوله (فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح العين، من باب نصر، رابطة لجواب بينما نائبة عن إذا الفجائية، والتقدير فبينما أوقات سيره صلى الله عليه وسلم إلى انتصاف الليل وأنا إلى جانبه فاجأني نعاس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: والنعاس مقدمة النوم وهو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل إلى القلب فإذا وصلت إلى القلب كان نومًا، ولا ينتقض الوضوء بالنعاس من المضطجع، وينتقض بنومه، وقوله (فمال عن راحلته) معطوف على قوله فنعس أي فاجأني نعاسه فميله يمينًا وشمالًا بسبب النعاس حتى قرب إلى السقوط (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فدعمته) أسندته وأقمت ميله من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء عليها وبابه نفع (من غير أن أوقظه) وأنبهه من النوم، وقوله (حتى اعتدل) واستقام (على راحلته) غاية لدعمته (قال) أبو قتادة (ثمَّ) بعدما دعمته (سار حتى) إذا (تهور الليل) أي ذهب أكثره مأخوذ من تهور البناء إذا تهدم يقال تهور الليل وتوهر إذا ذهب أكثره (مال) جواب لإذا المقدرة أي تمايل يمينًا وشمالًا (عن راحلته قال) أبو قتادة (فدعمته) أي أقمته من ميله (من غير أن أوقظه حتى اعتدل) واستقام (على راحلته) غاية لدعمته (قال) أبو قتادة (ثمَّ سار) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا كان من آخر السحر مال) عن راحلته (ميلة) شديدة (هي أشد) وأبلغ (من الميلتين الأوليين حتى كاد) وقرب أن (ينجفل) ويسقط عن راحلته، قال

ص: 192

فَأَتَيتُهُ فَدَعَمْتُهُ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَال: "مَنْ هَذَا؟ " قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَال: "مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي؟ " قُلْتُ: مَا زَال هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيلَةِ. قَال: "حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ" ثُمَّ قَال: "هَلْ تُرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟ " ثُمَّ قَال: "هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ. حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ. قَال: فَمَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّرِيق. فَوَضَعَ رَأْسَهُ. ثُمَّ قَال: "احْفَظُوا عَلَينَا صَلاتَنَا". فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيقَظَ

ــ

ابن الأثير: هو مطاوع جفله إذا طرحه وألقاه اهـ؛ أي حتى قارب أن ينقلب ويقع، ومنه ما جاء في الحديث "إن البحر جفل سمكًا أي ألقاه فرمى به" ذكره الهروي (فأتيته فدعمته) أي أقمت ميله (فرفع رأسه) إلى (فقال من هذا) الذي دعمني (قلت) أنا (أبو قتادة) قال النواوي: فيه أنَّه إذا قيل للمستأذن ونحوه: من هذا يقول فلان باسمه، وأنه لا بأس أن يقول أبو فلان إذا كان مشهورًا بكنيته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (متى كان هذا) السير جنبي (مسيرك مني) أي في أي وقت كان سيرك جنبي مسيرك مني، أي سيرك معي، قال أبو قتادة (قلت) له (ما زال هذا) السير جنبك (مسيري) أي سيري معك (منذ الليلة) أي في هذه الليلة (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (حفظك الله) سبحانه يا أبا قتادة (بما حفظت به نبيه) أي بسبب حفظك نبيه، والباء الأولى سببية، والثانية مع الضمير زائدة إن قلنا ما مصدرية أو للتعدية، والضمير عائد على ما إن قلنا ما موصولة؛ أي بسبب الحفظ الذي حفظت به نبيه، وفيه أنَّه يستحب لمن صنع إليه معروف أن يدعو لفاعله (ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل ترانا) بضم التاء؛ أي هل تظن أنا (نخفى على الناس، ثمَّ قال: هل ترى من أحد؟ قلت) نعم (هذا راكب، ثمَّ قلت: هذا راكب آخر) فجاء الناس إلينا (حتى اجتمعنا) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكنا سبعة ركب) جمع راكب، كصحب وصاحب (قال) أبو قتادة (فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه) على الأرض، وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم مثل قوله "إذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنَّه مأوى الهوام" رواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ثمَّ قال) لمن عنده (احفظوا علينا صلاتنا) أي وقتها يعني الصبح، فنام ونمنا واستغرقنا في النوم حتى طلعت الشمس (فكان أول من استيقظ) وانتبه منا، بنصب أول على أنَّه خبر كان مقدم على اسمها وهو

ص: 193

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ. قَال: فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَال: "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا. فَسِرْنَا. حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ. ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيءٌ مِنْ مَاءٍ. قَال: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ. قَال: وَبَقِيَ فِيهَا شَيءٌ مِنْ مَاءٍ. ثُمَّ قَال لأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَينَا مِيضَأَتَكَ. فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ" ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَينِ. ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ

ــ

قوله (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع على أنَّه اسمها مؤخر أي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -أول من استيقظ منا (والشمس) أي والحال أن الشمس مشرقة (في ظهره) بضوئها (قال) أبو قتادة (فقمنا) أي انتبهنا من النوم حالة كوننا (فزعين) أي فجعين حزنين لفوات الصلاة إيانا (ثمَّ قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (اركبوا) رواحلكم (فركبنا) رواحلنا (فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته ونزلنا معه (ثمَّ دعا) وطلب (بميضأة كانت معي فيها شيء) قليل (من ماء) والميضأة -بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد- وهو الإناء الذي يتوضأ به كالركوة، وفي المصباح الميضأة -بكسر الميم مهموز ويمد ويقصر- المطهرة يتوضأ منها اهـ (قال) أبو قتادة (فتوضأ منها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وضوءًا دون وضوء) أي توضأ وضوءًا خفيفًا مقتصدًا في الإسباغ المعتاد لقلة الماء، ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أن المراد توضأ ولم يستنج بماء بل استجمر بالأحجار، وهذا الذي زعمه هذا القائل غلط ظاهر والصواب ما سبق اهـ لأنَّ الاستجمار لا يطلق عليه وضوء عرفًا ولا لغة لأنه لا نظافة فيه بالغة، ولما روى أبو داود في هذه القصة من حديث ذي مخبر الحبشي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءًا لم يبتل منه التراب رواه أحمد [4/ 91] وأبو داود [445].

(قال) أبو قتادة (وبقي فيها) أي في الميضأة (شيء) قليل (من ماء، ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة احفظ علينا) أي احفظ لنا (ميضأتك) هذه (فسيكون لها) إن شاء الله تعالى (نبأ) عظيم وشأن عجيب، هذا علم من أعلام النبوة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، قال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة اهـ (ثمَّ) أمر بلالًا بالأذان فـ (أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين) سنة الفجر (ثمَّ) أمر بلالًا بالإقامة فأقام فـ (صلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة (الغداة) أي

ص: 194

فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَال: وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبْنَا مَعَهُ. قَال: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ: مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاتِنَا؟ ثُمَّ قَال: "أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ "

ــ

صلاة الصبح (فصنع) فيها أي في قضائها (كما كان يصنع كل يوم) في أدائها من غير فرق، قال النواوي: فيه استحباب الأذان للصلاة الفائتة، وفيه قضاء السنة الراتبة لأنَّ الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سنة الصبح، وقوله (كما كان يصنع كل يوم) فيه إشارة إلى أن صفة قضاء الفائتة كصفة أدائها، فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وقد احتج به من يقول يجهر في الصبح التي يقضيها بعد طلوع الشمس، وهذا أحد الوجهين لأصحابنا وأصحهما أنَّه يسر بها، ويحمل قوله كما كان يصنع أي في الأفعال، وفيه إباحة تسمية الصبح غداة، وقد تكرر في الأحاديث.

قال القرطبي: اختلف العلماء في الفوائت هل يؤذن لها ويقام أو لا يؤذن لها ولا يقام أو يقام لها ولا يؤذن؟ ثلاثة أقوال فالأول مذهب أهل الرأي وأحمد وأبي ثور، والثاني مذهب الثوري، والثالث مذهب مالك والأوزاعي والقول الثاني للشافعي، وقد تأول بعض أصحابنا الأذان في حديث أبي قتادة بمعنى الإعلام وهو تكلف، بل الذي يجمع بين الأحاديث أنَّه إن احتيج إلى الأذان بحيث يجمع متفرقهم فعل، وعلى هذا يحمل حديث أبي قتادة وإن كانوا مجموعين لم يحتج إلى ذلك إذ ليس وقتًا راتبًا فيدعى إليه الجميع ويعلمونه ويكون شعارًا، وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة رضي الله عنه اهـ من المفهم.

(قال) أبو قتادة (وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه قال) أبو قتادة (فجعل) أي شرع (بعضنا يهمس إلى بعض) -بفتح الياء وكسر الميم - من باب ضرب من الهمس وهو الكلام الخفي أي يكلمه بصوت خفي ويقول له (ما كفارة ما صنعنا) وارتكبنا (بتفريطنا) أي بتقصيرنا (في صلاتنا) أي بتفويت صلاتنا بالنوم (ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) -بفتح الهمزة وتخفيف الميم - حرف استفتاح أي أما كان (لكم) أيها الأصحاب (في) جار ومجرور متعلق بأسوة أي أما كان لكم (أسوة) حسنة واقتداء بي في أفعالي وأقوالي وأحوالي فلا لوم عليكم في تفريطكم، والأسوة -بضم الهمزة وكسرها- كالقدوة وزنًا ومعنىً، وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن

ص: 195

ثُمَّ قَال: "أَمَا إِنَّهُ لَيسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ. إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى. . فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا. فَإِذَا كَانَ الْغَدُ. . فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا"

ــ

حسنًا وإن قبيحًا وإن سارًّا وإن ضارًا، ولهذا قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فوصفها بالحسنة اهـ مفردات الراغب (ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما إنه) أي إن الشأن والحال (ليس في النوم تفريط) أي تقصير في فوت الصلاة لانعدام الاختيار من النائم، وهذا يدل على أن النائم غير مكلف ولا مؤاخذ، قال النواوي: فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها بأمر جديد هذا هو المذهب الصحيح المختار عند أصحاب الفقه والأصول، ومنهم من قال: يجب القضاء بالخطاب السابق، وهذا القائل يوافق على أنَّه في حال النوم غير مكلف، وأما إذا أتلف النائم بيده أو غيرها من أعضائه شيئًا في حال نومه فيجب ضمانه بالاتفاق، وليس ذلك تكليفًا للنائم لأنَّ غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل أو غيرهم ممن لا تكليف عليه شيئًا وجب ضمانه بالاتفاق ودليله من القرآن قوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فرتب سبحانه وتعالى على القتل خطأ الدية والكفارة مع أنَّه غير آثم بالإجماع اهـ النواوي.

(إنما التفريط) أي إنما إثمه (على من لم يصل الصلاة) أي أخرها عامدًا (حتى يجيء) ويدخل (وقت الصلاة الأخرى) أي على من لم يصلها عامدًا لتركها، وفيه ما يدل على أن أوقات الصلوات كلها موسعة (فمن فعل ذلك) أي نام عن صلاة حتى خرج وقتها (فليصلها) أي فليقضها (حين ينتبه لها) أي حين انتبه من نومه أيَّ وقت كان وفي أيِّ مكان كان، إلا عند أبي حنيفة فإنَّه يمنعها في أوقات كراهة الصلاة (فإذا كان الغد) وجاء، هو اسم لليوم بعد يومك أي إذا جاءت مثل هذه الفائتة في اليوم الثاني (فليصلها عند) دخول (وقتها) فلا يؤخرها عن وقتها عامدًا، فإن الصلاة كانت كتابًا موقوتًا لم يتحول وقت عن وقت، قال النواوي: معناه أنَّه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحول في المستقبل بل يبقى كما كان فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول وليس معناه أنَّه يقضي الفائتة مرتين اهـ قال القرطبي: قال قوم: ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، وقد وافق هذا الظاهر ما

ص: 196

ثُمَّ قَال: "مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا؟ " قَال: ثُمَّ قَال: "أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ. فَقَال أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَال النَّاسُ:

ــ

رواه أبو داود نصًّا من حديث عمران بن حصين وذكر القصة وقال في آخرها "فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحًا فليقض معها مثلها" قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال هذا وجوبًا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابًا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء (قلت) وهذا كله يعارضه ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من حديث الحسن عن عمران بن حصين في هذه القصة أنَّه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم المقضية قالوا: ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: "لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم" رواه ابن أبي شيبة [2/ 64] والصحيح ترك العمل بذلك الظاهر لهذه المعارضة ولما حكى الخطابي، ولأن الطرق الصحاح المشهورة ليس فيها من تلك الزيادة شيء إلا ما ذكر في حديث أبي قتادة وهو محتمل كما قررناه اهـ من المفهم، قال النواوي: في الحديث دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مستمر على عمومه في الصلوات إلا الصبح فإنها لا تمتد إلى الظهر بل يخرج وقتها بطلوع الشمس لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه، والصحيح المختار امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء للأحاديث الصحيحة السابقة في صحيح مسلم اهـ منه.

(ثمَّ قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ما ترون الناس صنعوا) أي ما ظنكم فيهم ماذا يقولون فينا، قاله النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة منهم تقدموا في الطريق، وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان معه مستفهمًا على جهة استحضار أفهامهم، ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم مخبرًا بما صنعوا وبما قالوا إلى قوله وقال الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم وهنا انتهى الخبر عنهم (قال) أبو قتادة (ثمَّ قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أصبح الناس) الذين سبقونا (فقدوا نبيهم) أي ما وجدوه (فقال أبو بكر وعمر) للناس وهما مع الناس الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) باق (بعدكم) أي وراءكم، واللام في قوله (لم يكن ليخلفكم) - بكسر اللام المشددة - لام الحجود لوقوعه بعد يكن المنفي بلم أي لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم فيخلفكم أي فيترككم وراءه (وقال الناس) الذين سبقوا النبي

ص: 197

إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ أَيدِيكُمْ، فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا". قَال: فَانْتَهَينَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِيَ كُلُّ شَيءٍ. وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكْنَا. عَطِشْنَا. فَقَال:"لَا هُلْكَ عَلَيكُمْ"

ــ

صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو بكر وعمر (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم) سبقكم فهو (بين أيديكم) أي قدامكم عكس ما قال العمران، ثمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم (فإن يطيعوا) أي يطع الناس الذين سبقونا (أبا بكر وعمر) فيما قالاه من كون النبي صلى الله عليه وسلم وراءهم (يرشدوا) إلى الصواب في شأني فينتظروني لأنهما وافقا الحق فيما قالاه فصوابه إذًا أن يكون (يطيعوا ويرشدوا) بياء الغائبين، والرشد خلاف الغي وبابه نصر وعلم، وقد قيل في بعض النسخ بتاء المخاطبين ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أقبل على الغائبين فخاطبهم ويجري هذا مجرى قول عمر (الجبل يا سارية) وهو بالمدينة، وسارية بمصر أو بالشام فسمعه سارية ولجأ إلى الجبل ونجا هو وأصحابه والله أعلم، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حاكيًا قولهم اهـ من المفهم، وفي هذا من منقبة العمرين ما لا يخفى، وفيه أيضًا علم من أعلام النبوة لأنه أخبر عن أقوالهم وأحوالهم وهو غائب عنهم.

قال النواوي: معنى هذا الكلام أنَّه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم الصبح بعد ارتفاع الشمس وقد سبقهم الناس وانقطع النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده:"ما تظنون الناس يقولون فينا" فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس إن النبي صلى الله عليه وسلم وراءكم ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم، وقال باقي الناس إنه سبقكم فالحقوه فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا فإنهما على الصواب" والله أعلم.

(قال) أبو قتادة (فانتهينا إلى الناس) أي وصلنا إلى الناس الذين سبقونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين امتد النهار) وارتفعت شمسه (وحمي كل شيء) لشدة حرارتها (وهم) أي والحال أن الناس الذين سبقوه (يقولون يا رسول الله هلكنا) أي تعبنا بشدة الحرارة وطول المسير (عطشنا) لفقد الماء (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا هلك) -بضم الهاء وسكون اللام- اسم مصدر لهلك أي لا هلاك (عليكم) إن شاء

ص: 198

ثُمَّ قَال: "أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي" قَال: وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِم. فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْسِنُوا الْمَلأَ. كُلُّكُمْ سَيَرْوَى" قَال: فَفَعَلُوا. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ. حَتَّى مَا بَقِي غَيرِي وَغَيرُ رَسُولِ اللهِ

ــ

الله تعالى (ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطلقوا لي غمري) -بضم الغين وفتح الميم- أي فكوا متاعي وأخرجوا منه غمري وإيتوني به، والغمر القدح الصغير، قال أبو عبيد: يقال للقعب الصغير غمر، وتغمرت شربت قليلًا قليلًا اهـ (قال) أبو قتادة (ودعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالميضأة) أي بالمطهرة التي كانت عندي (فجعل) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب) الماء من الميضأة في القدح (وأبو قتادة يسقيهم) أي يسقي الناس الماء الذي في القدح أي يعطيهم واحدًا فواحدًا (فلم يعد) مضارع عدا من باب دعا بمعنى جاوز، وجملة قوله (أن رأى الناس) في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، وقوله (ماء في الميضأة) قرئ لفظ ما بالمد على أنَّه اسم مائع معروف وبالقصر على أنها موصولة، قال النواوي: وكلاهما صحيح، وقوله (تكابوا عليها) أي على الميضأة، في محل النصب مفعول به ليعد على تقدير أن المصدرية أي لم يتجاوز رؤية الناس الماء في الميضأة تكاببهم وتزاحمهم عليها مكبًا بعضهم على بعض لأخذ الماء (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا الملأ) - بفتح الميم واللام وبالهمز آخره -أي أحسنوا خلقكم وعشرتكم ولا تتزاحموا عليها (كلكم سيروى) -بفتح الواو -أي كلكم يشبع الماء إن شاء الله تعالى، وقوله (أحسنوا الملاء) أي الخلق، وفي حديث آخر "أحسنوا أملاءكم" أي أخلاقكم، قال ابن الأثير: بعد ضبطه الملاء -بفتح الميم واللام والهمز -كما هنا، وأكثر قُراء الحديث يقرؤونه "أحسنوا الملء" -بكسر الميم وسكون اللام - من ملئ الإناء، وليس بشيء اهـ (كلكم سيروى) هو من الري والارتواء، تقول من الرواية روى يروي كرمى يرمي، ومن الري يروى، كرضي يرضي (قال) أبو قتادة (ففعلوا) ما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من إحسان الأخلاق وترك التكابب (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب) الماء (و) أنا (أسقيهم) أي أناولهم القدح واحدًا فواحدًا (حتى ما بقي غيري وغير رسول الله

ص: 199

- صلى الله عليه وسلم. قَال: ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال لِي: "اشْرَبْ" فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا" قَال: فَشَرِبْتُ. وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً. قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ: إِنِّي لأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ. إِذْ قَال عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ: انْظُرْ أيُّهَا الْفَتَى كَيفَ تُحَدِّثُ. فَإِنِّي أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيلَةَ. قَال: قُلْتُ:

ــ

صلى الله عليه وسلم قال) أبو قتادة (ثمَّ) بعد فراغهم من الشرب (صب رسول الله صلى الله عليه وسلم) الماء في القدح (فقال لي اشرب) يا أبا قتادة (فقلت) له (لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن ساقي القوم آخرهم شربا) أي آخر القوم من جهة الشرب، قال النواوي: فيه هذا الأدب من آداب شاربي الماء واللبن ونحوهما، وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول كلحم وفاكهة ومشموم وغير ذلك والله أعلم (قال) أبو قتادة (فشربت) أنا (وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد شربي (قال) أبو قتادة (فأتى الناس الماء) الذي وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم في أول الحديث بقوله "إنكم ستعيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء" حالة كونهم (جامِّين) - بتشديد الميم المكسورة -أي نشاطًا صالحي الأحوال (رواء) -بكسر الراء وبالمد آخره -أي شبعانين من الماء من الري، وهو الامتلاء من الماء، والمعنى مستريحين قد رووا من الماء اهـ نهاية، وهو كما في المصباح جمع ريان وريَّى كعطشان وعطشى، وفي حديث أبي قتادة أعلام كثيرة من أعلام النبوة وأحكام جمة من أحكام الفقه لا تخفى على متأمل كما أشرنا إلى بعضها فيما مر.

(قال) ثابت البناني بالسند السابق (فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث) يعني حديث أبي قتادة (في مسجد الجامع) من إضافة الموصوف إلى صفته، أي في المسجد الجامع بالكوفة (إذ قال عمران بن حصين) إذ فجائية، أي فاجأني قول عمران بن حصين لي (انظر أيها الفتى) أي فكر أيها الفتى وتأمل (كيف تحدث) هذا الحديث، أي تثبت في كيفية تحديثه هل هو على الصواب أم لا (فإني) أنا (أحد الركب) الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم (تلك الليلة) التي تخلف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القوم للتعريس (قال) عبد الله بن رباح (قلت) لعمران بن حصين

ص: 200

فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. فَقَال: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قلْتُ: مِنَ الأَنْصَارِ. قَال: حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَال: فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ. فَقَال عِمْرَانُ: لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ.

1454 -

(648)(59) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ

ــ

(فأنت) يا عمران (أعلم) وأيقن (بالحديث) مني فحدثنا لأنك حاضر الواقعة وليس الخبر كالعيان (فقال) لي عمران (ممن أنت) أيها الفتى (قلت) له أنا (من الأنصار) ثمَّ (قال) لي عمران (حدث) أيها الفتى حديثك (فأنتم) معاشر الأنصار (أعلم بحديثكم) من غيركم (قال) عبد الله بن رباح (فحدثت) هذا الحديث السابق (القوم) الحاضرين وعمران فيهم (فقال عمران) والله (لقد شهدت) وحضرت (تلك الليلة) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظت ما وقع فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم (و) لكن (ما شعرت) ولا ظننت (أن أحدا) من رفقة تلك الليلة (حفظه) أي حفظ هذا الحديث (كما حفظته) قال النواوي: ضبطناه بضم التاء وفتحها وكلاهما حسن. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 298] وأبو داود [5228] رواه مختصرًا في كتاب الصلاة، وابن ماجه [3434] رواه مختصرًا أيضًا.

قال النواوي: وفي حديث أبي قتادة هذا معجزات ظاهرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إحداهما إخباره بأن الميضأة سيكون لها نبأ وكان كذلك، الثانية تكثير الماء القليل، الثالثة قوله صلى الله عليه وسلم كلكم سيروى وكان كذلك، الرابعة قوله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر وعمر كذا وقال الناس كذا، الخامسة قوله صلى الله عليه وسلم إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء وكان كذلك، ولم يكن أحد من القوم يعلم ذلك، ولهذا قال: فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد إذ لو كان أحد منهم يعلم ذلك لفعلوا ذلك قبل قوله صلى الله عليه وسلم.

ثمَّ استشهد المؤلف رحممه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال:

1454 -

(648)(59)(وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) أبو جعفر السرخسي ثمَّ النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي أبو

ص: 201

حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ الْعُطَارِدِيُّ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: كُنْتُ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ لَهُ. فَأَدْلَجْنَا لَيلَتَنَا. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسْنَا، فَغَلَبَتْنَا أَعْيُنُنَا حَتَّى بَزَغَتِ الشَّمْسُ. قَال:

ــ

علي البصري، صدوق، من (9)(حدثنا سلم بن زرير) -بفتح الزاي وكسر الراء المهملة- (العطاردي) أبو بشر البصري، روى عن أبي رجاء في الصلاة، وبُرَيد بن أبي مريم السلولي، ويروي عنه (خ م س) وعبيد الله بن عبد المجيد وأبوالوليد وأبو داود الطيالسيان، قال أبو داود: ليس بذاك، وقال أبو داود: أحاديثه قليلة، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن معين: صدوق، من السادسة، مات سنة (160) روى عنه في الصلاة (قال سمعت أبا رجاء العطاردي) عمران ابن ملحان -بكسر الميم وسكون اللام- ابن تيم البصري مشهور بكنيته، ثقة مخضرم أسلم بعد فتح مكة، ويقال فيه ابن تيم، ويقال ابن عبد الله، وفي اسم أبيه اختلاف، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة معمر، مات سنة (105) خمس ومائة، كما مر بسط الكلام في ترجمته (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أحمد بن سعيد فإنَّه نيسابوري، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والسماع والعنعنة (قال) عمران بن حصين (كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له) أي في سفر له (فأدلجنا) -بإسكان الدال- أي سرنا الليل كله، وأما أدلجنا - بشديد الدال المفتوحة - فمعناه سرنا آخر الليل وهذا هو الأشهر في اللغة، وقيل هما لغتان بمعنى واحد اهـ نواوي، أي سرنا (ليلتنا) كلها (حتى إذا كان) الليل (في وجه الصبح) أي في إقبال الصبح (عرسنا) أي استرحنا (فغلبتنا أعيننا) أي غلب النوم على أعيننا فنمنا (حتى بزغت الشمس) أي طلع حاجبها، قال ابن الأثير: البزوغ الطلوع، وقال النواوي: هو أول الطلوع، ويؤيده تفسير الزمخشري، قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} [الأنعام: 77] أي مبتدئًا في الطلوع، وقال القرطبي: قوله (فأدلجنا ليلتنا) أي سرنا ليلتنا كلها، يقال - أدلج بقطع الألف وسكون الدال -أي سار الليل كله يدلج إدلاجًا، وأدلج بوصل الألف وتشديد الدال سار من آخره، وقد قيل هما بمعنى واحد، والتعريس في أصله النزول من آخر الليل وقد تقدم، وبزغت الشمس أي بدأ طلوعها اهـ من المفهم (قال)

ص: 202

فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيقَظَ مِنَّا أَبُو بَكْرٍ. وَكُنَّا لَا نُوقِظ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنَامِهِ إِذَا نَامَ حَتَّى يَسْتَيقِظَ. ثُمَّ اسْتَيقَظَ عُمَرُ. فَقَامَ عِنْدَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ. حَتَّى اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ بَزَغَتْ قَال: "ارْتَحِلُوا" فَسَارَ بِنَا. حَتَّى إِذَا ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ نَزَل فَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ. فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ " قَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ. فَصَلَّى. ثُمَّ عَجَّلَنِي، فِي رَكْبٍ

ــ

عمران (فكان أول) بالنصب (من استيقظ منا أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (وكنا) معاشر الصحابة (لا نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه) أي من نومه (إذا نام حتى يستيقظ) هو بنفسه، قال العلماء: كانوا يمتنعون من إيقاظه صلى الله عليه وسلم لما كانوا يتوقعون من الإيحاء إليه في المنام، ومع هذا فكانت الصلاة قد فات وقتها، فلو نام آحاد الناس اليوم وحضرت صلاة وخيف فوتها نبهه من حضره لئلا تفوته الصلاة اهـ نواوي (ثمَّ) بعد أبي بكر (استيقظ عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فقام) عمر (عند نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي قربه (فجعل) عمر (يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم) من نومه (فلما رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) من النوم (ورأى الشمس قد بزغت) أي طلع حاجبها (قال) للناس (ارتحلوا) بنا من هذا المكان (فسار بنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا ابيضت الشمس) أي اشتد بياضها وارتفعت (نزل) بنا (فصلى بنا الغداة) أي صلاة الصبح التي فاتتنا (فاعتزل رجل من القوم) أي تنحى وابتعد وانفصل رجل منا، حالة كونه (لم يصل معنا فلما انصرف) وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة (قال له) أي لذلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فلان ما منعك) وحجزك (أن تصلي معنا؟ قال) الرجل (يا نبي الله أصابتني جنابة) ولا ماء معي كما في تيمم البخاري (فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالتيمم (فتيمم) الرجل (بالصعيد) أي بالتراب الطيب (فصلى) فائتة الصبح بالتيمم، قال عمران بن حصين (ثمَّ عجلني) رسول الله صلى الله عليه وسلم بتشديد الجيم؛ أي أمرني بالتعجيل والإسراع وأكد في السير (في ركب) أي مع جماعة

ص: 203

بَينَ يَدَيهِ، نَطْلُبُ الْمَاءَ. وَقَدْ عَطِشْنْا عَطَشًا شَدِيدًا. فَبَينَما نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيهَا بَينَ مَزَادَتَينِ. فَقُلْنَا لَهَا: أَينَ الْمَاءُ؟ قَالتْ: أَيهَاهْ. أَيهَاهْ. لا مَاءَ لَكُمْ

ــ

من أصحابه (بين يديه) أي قدامه، حالة كوننا (نطلب الماء وقد عطشنا عطشًا شديدًا فبينما نحن) معاشر الركب (نسير) ونمشي لطلب الماء (إذا نحن) راؤون (بامرأة سادلة) مرسلة مدلية نازلة (رجليها) على المزادتين، وفي رواية للعذري سابلة بالباء بدل الدال، والصواب مسبلة رجليها على المزادتين المعروضتين من الإسبال وهو الإرسال، يقال أسبل إزاره إذا أرخاه على القدمين، حالة كونها راكبةً جالسةً (بين مزادتين) أي قربتين عظيمتين معروضتين على جنبي الراحلة، تثنية مزادة، والمزادة القربة الكبيرة التي تحمل على الدابة، ثنتاها حمل بعير سميت بذلك لأنه يزاد فيها جلد من غيرها لتكبر وتتسع، قال عمران (فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهاه أيهاه) هكذا هو في الأصول، وهو بمعنى هيهات هيهات، ومعناه البعد عن المطلوب واليأس منه كما قالت بعده (لا ماء لكم) أي ليس ها هنا ماء قريب لكم، وفي بعض الهوامش قولها أيهاه أيهاه بمعنى هيهات هيهات أي بعد الماء عنكم ليس قريبًا لكم، والثاني توكيد لفظي للأول، قالوا: أيهاه لغة في هيهات، وهي كلمة تبعيد مبنية على الفتح لأنها من أسماء الأفعال، وبعض الناس يكسرونها، فمن فتح التاء وقف عليها بالتاء، ومن كسرها وقف عليها بالهاء كما في الصحاح والنهاية. قال القرطبي: قوله (أيهاه أيهاه) روي هنا بالهمزة في أولهما وبالهاء في آخرهما، وتروى بالتاء أيضًا في آخرهما وهي هيهات المذكورة في قوله تعالى:{هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] أبدلت الهاء همزة ومعناهما البعد، والهاء في آخرهما للوقف، وقيل هي مركبة من (هَي) للتأسف و (هاه) للتأوه، فقلبت الهاء في الوصل تاء ثمَّ حركت بالفتح والضم والكسر، وقد قرئ بها في قوله تعالى:{هَيهَاتَ هَيهَاتَ} وهي اسم من أسماء الأفعال فتارة تقدر ببعد الذي هو الماضي كما في قول الشاعر:

فهيهات هيهات العقيق وأهله

وهيهات خل بالعقيق نواصله

أي بعد العقيق، وتارة تقدر ببعد الذي هو المصدر كما قيل في قوله تعالى:{هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] أي بعدًا بعدًا للذي توعدون هو حكاية عن قول الكفار اهـ من المفهم

ص: 204

قُلْنَا: فَكَمْ بَينَ أَهْلِكِ وَبَينَ الْمَاءِ؟ قَالتْ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ. قُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيئًا حَتَّى انْطَلَقْنَا بِهَا. فَاسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَتْنَا. وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُوتِمَةٌ. لَهَا صِبْيَانٌ أَيتَامٌ. فَأَمَرَ بِرَاويَتِهَا. فَأُنِيخَتْ. فَمَجَّ فِي الْعَزْلاوَينِ الْعُلْيَاوَينِ ثُمَّ بَعَثَ بَرَاويَتِهَا. فَشَرِبْنَا. وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا عِطَاشٌ. حَتَّى رَوينَا. وَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا

ــ

(قلنا) لها (فكم) قدر المسافة (بين أهلك وبين الماء؟ قالت) المرأة: مسافة ما بيننا وبين الماء (مسيرة يوم وليلة) أي مرحلتان (قلنا) لها (انطلقي) أي اذهبي بنا (إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئًا) أي لم نخلها وشأنها حتى تملك أمرها (حتى انطلقنا) وذهبنا (بها) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاستقبلنا بها) أي أتينا بها (رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء كما سألناها (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم (مثل) الخبر (الذي أخبرتنا) با (وأخبرته) صلى الله عليه وسلم أيضًا (أنها موتمة) -بضم الميم وكسر التاء- على صيغة اسم الفاعل، أي ذات أيتام توفي عنها زوجها وترك أولادًا صغارًا، كما يفسره قولها (لها صبيان أيتام) ويقال موتم أيضًا بلا تاء (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بـ) إناخة (راويتها) أي جملها، والراوية عند العرب هي الجمل الذي يحمل الماء، والهاء للمبالغة كما في المصباح، وأهل العرف قد يستعملونه في المزادة استعارة والأصل البعير (فأنيخت) الراوية أي أبرك جملها (فمج) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بزق (في العزلاوين) أي طرح بزاقه المبارك من فمه فيهما بعد فتحهما، وهما تثنية عزلاء بوزن حمراء، ويجمع على العزال بكسر اللام، والعزلاء بالمد فم المزادة الأسفل الذي يفرغ منه الماء بكثرة، ويطلق أيضًا على فمها الأعلى كما هو المراد هنا لأنه قيده بـ (العلياوين) تثنية علياء بوزن حمراء أيضًا مؤنث الأعلى (ثمَّ) بعد ما مج في العزلاوين (بعث) أي حرك وأقام (براويتها) أي بجملها (فشربنا) من مائها (ونحن أربعون رجلًا عطاش) بكسر العين جمع عطشان، صفة أربعون، ورجلًا تمييزٌ له، أي شربنا من ذلك الماء (حتى روينا) أي شبعنا من الماء، وهو بفتح الراء وكسر الواو بوزن رضينا (وملأنا) أي عبينا منه (كل قربة معنا) والقربة -بكسر القاف وسكون الراء- إناء الماء متخذ من

ص: 205

وَإِدَاوَةٍ. وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا. غَيرَ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا. وَهِيَ تَكَادُ تَنْضَرِجُ مِنَ الْمَاءِ، (يَعْنِي الْمَزَادَتَينِ)، ثُمَّ قَال:"هَاتُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ" فَجَمَعْنَا لَهَا مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ. وَصَرَّ لَهَا صُرَّةً. فَقَال لَهَا: "اذْهَبِي فَأَطْعِمِي هَذَا عِيَالكِ. وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ" فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالتْ: لَقَدْ لَقِيتُ أَسْحَرَ الْبَشَرِ. أَوْ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ كَمَا زَعَمَ. كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ذَيتَ وَذَيتَ

ــ

جلد (و) كل (إداوة) المطهرة سواء كانت من جلد أو خشب أو نحاس أو غيرها (وغسلنا صاحبنا) الذي اعتزل لأجل الجنابة، أي أعطيناه ما يغسل به، وفيه دليل على أنّ المتيمم إذا وجد الماء وأمكنه استعماله استعمله (غير أنا) أي لكن أنا (لم نسق بعيرا) واحدًا ولا أكثر من الإبل أي لم نسق واحدًا منها لأنها تصبر على فقد الماء وتركنا مزادتها (وهي) أي والحال أن المزادة (تكاد) أي تقارب أن (تنضرج) وتنشق (من الماء) أي لأجل كثرة الماء الذي فيها، وهو من الانضراج وهو الانشقاق من باب انفعل، وروي تتضرج من باب تفعل، قال النواوي: وهو بمعناه والأول أشهر، وفي علامات النبوة من صحيح البخاري من الملء (يعني) الراوي بقوله وهي تكاد تنضرج (المزادتين) أي ما ذكر من المزادتين وهو من كلام أبي رجاء العطاردي (ثمَّ) بعدما شربنا وقضينا حاجتنا من ذلك الماء وربط العزلاوين (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هاتوا ما كان عندكم) أي ائتوا بما كان عندكم من الأزواد، وهذا منه صلى الله عليه وسلم تطييب لخاطرها، قال عمران بن حصين (فجمعنا لها) ما عندنا (من كسر) خبز جمع كسرة، كسدرة وسدر؛ وهي القطعة من الشيء المكسور (وتمر، وصر) أي شد (لها) ما جمعه في لفافة وجعله (صرة) أي كيسًا كبيرًا (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهبي) وارجعي إلى قومك (فأطعمي هذا) الذي جمعنا لك في صرة (عيالك) أي أيتامك (و) انتبهي و (اعلمي أنا لم نرزأ) أي لم ننقص (من مائك) شيئًا، ومنه قولهم ما رزأته ذبالًا أي ما نقصته (فلما أتت) وجاءت تلك المرأة (أهلها) أي قومها (قالت) لهم حين سألوها عن تأخرها: والله (لقد لقيت) اليوم أي رأيت (أسحر البشر) أي أعلم الناس بالسحر إن كان من الساحرين (أو إنه لنبي) مرسل من ربه (كما زعم) وقال إنه رسول رب العالمين، قال الأبي: والأظهر في أو من كلامها أنها للإضراب أي بل إنه نبي، وهو من حسن فطرتها ولا يبعد حسن الفطرة من نساء الأعراب اهـ، فإنَّه (كان من أمره) وشأنه (ذيت وذيت) أي كذا وكذا كناية عما رأته من معجزات

ص: 206

فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ. فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.

1455 -

(. . .)(. . .) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ الأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَينِ؛

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مثل كيت وكيت كناية عن حديث معلوم، قال الراوي (فهدى) الله تعالى (ذاك الصرم) أي ذاك المجتمع والقوم الذين كانت منهم تلك المرأة، والصرم -بكسر الصاد- هو أبيات مجتمعة، أي هداهم وأرشدهم إلى الإِسلام والتوحيد (بتلك المرأة) أي بسبب ما أخبرتهم تلك المرأة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي جرت في مزادتها (فأسلمت) تلك المرأة (وأسلموا) أي وأسلم قومها أي وفقهم للهداية فأسلمت وأسلموا معها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 434] والبخاري [344]. ولا يخفى ما تضمنه هذا الحديث من الأحكام ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وأن حديث عمران بن حصين نازلة أخرى غير ما تضمنه حديث أبي قتادة رضي الله عنهما اهـ من المفهم.

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال:

1455 -

(. . .)(. . .)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني النحوي أبو الحسن البصري ثمَّ الكوفي ثمَّ المروزي قاضيها وشيخها، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عوف بن أبي جميلة) -بفتح الجيم- العبدي أبو الحسن الهجري البصري المعروف بـ (الأعرابي) ولم يكن بالأعرابي، واسم أبي جميلة رزينة، ويقال بندويه، روى عن أبي رجاء العطاردي في الصلاة، وأبي العالية وأبي عثمان النهدي، ويروي عنه (ع) والنضر بن شميل وشعبة وغندر وخلق، وثقه النسائي وجماعة، وقال في التقريب: ثقة، رمي بالقدر وبالتشيع، من السادسة، مات سنة (147) ست أو سبع وأربعين ومائة (عن أبي رجاء العطاردي) عمران بن ملحان البصري (عن عمران بن الحصين) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مروزيان، غرضه بسوقه بيان متابعة عوف بن أبي جميلة لسلم بن زرير في رواية هذا الحديث عن أبي رجاء العطاردي مع بيان محل المخالفة بينهما

ص: 207

قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَسَرَينَا لَيلَةً. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ، قُبَيلَ الصُّبْحِ، وَقَعْنَا تِلْكَ الْوَقْعَةَ الَّتِي لَا وَقْعَةَ عِنْدَ الْمُسَافِرِ أَحْلَى مِنْهَا. فَمَا أَيقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ. وَزَادَ وَنَقَصَ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ؛ فَلَمَّا اسْتَيقَظَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ. وَكَانَ أَجْوَفَ جَلِيدًا. فَكبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ. حَتَّى اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِشدَّةِ صَوْتِهِ، بِالتَّكْبِيرِ. فَلَمَّا اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا إِلَيهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا ضَيرَ. ارْتَحِلُوا". وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ

ــ

(قال) عمران بن حصين (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسرينا) أي مشينا (ليلة) من الليالي (حتى إذا كان) الزمن (من آخر الليل قبيل الصبح) بضم القاف، هو أخص من قبل وأصرح في القرب (وقعنا) أي نمنا (تلك الوقعة) أي تلك النومة (التي لا وقعة) أي لا نومة (عند المسافر أحلى منها فما أيقظنا) منها (إلا حر الشمس، وساق الحديث) عوف بن أبي جميلة (بنحو حديث سلم بن زرير، وزاد) عوف على سلم بعض زيادة (ونقص) عوف من حديث سلم بعض نقصان (وقال) عوف (في الحديث) معطوف على زاد عطف تفسير (فلما استيقظ عمر بن الخطاب ورأى ما أصاب الناس) من مصيبة فوات الصلاة بالنوم (وكان) عمر (أجوف) الناس أي كبير الجوف رفيع الصوت جهرويًا (جليدا) أي قوي القلب والجسم، وقال القاضي عياض: ومعنى أجوف جليد قوي الصوت يخرج صوته من جوفه، وجوف كل شيء داخله، والجليد القوي اهـ. وقوله (فكبر) جواب لما، والفاء زائدة في جوابها؛ أي فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس كبر (ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة صوته بالتكبير فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه) صلى الله عليه وسلم (الذي أصابهم) من مصيبة فوات الصلاة بالنوم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضير) أي لا ضرر عليكم في هذا النوم وتأخير الصلاة به، والضير والضر والضرر بمعنى واحد أي لا مؤاخذة عليكم بذلك لأنكم معذورون بالنوم (ارتحلوا) بنا من هذا المكان لأنه مكان غفلة (واقتص) عوف بن أبي جميلة (الحديث) السابق.

ص: 208

1456 -

(649)(60) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بِلَيلٍ، اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ. وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيلَ الصُّبْحِ، نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ.

1457 -

(650)(61) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ

ــ

ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لأبي قتادة فقال:

1456 -

(649)(60)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي نسبة إلى واشح بطن من الأزد أبو أيوب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار التميمي أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن حميد) بن أبي حميد تير أبي عبيدة الطويل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو بن هلال المزني أبي عبد الله البصري، ثقة ثبت، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن رباح) الأنصاري المدني ثمَّ البصري، ثقة، من (3)(عن أبي قتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي المدني. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مروزي (قال) أبو قتادة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرس) أي استراح (بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعيه) أي ساعده الأيمن على المرفق (ووضع رأسه على كفه) الأيمن لئلا تفوته صلاة الصبح. وهذا الحديث متنًا وسندًا لم يوجد في بعض نسخ المتن، ولا في النسخة التي شرح عليها النواوي مع وجوده في المتن المصري، ولو قدمه على حديث عمران بن حصين وذكره بعد حديث أبي قتادة لكان أنسب وعلى كل حال فهو من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف.

ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

1457 -

(650)(61)(حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي أبو

ص: 209

حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً. . فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ". قَال قَتَادَةُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

1458 -

(. . .)(. . .) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ:"لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ"

ــ

خالد البصري، ثقة، من (9)(حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7)(حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4)(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نسي صلاة) من الصلوات أو نام عنها حتى يخرج وقتها (فليصلها إذا ذكرها) أو استيقظ من نومه أي وقتٍ كان ولو وقت كراهة الصلاة كما مر (لا كفارة لها) أي للصلاة الفائتة (إلا ذلك) أي إلا قضاءها وقت تذكره، قال النواوي: معناه لا يجزئه إلا الصلاة مثلها، ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر (قال قتادة) بالسند السابق أي ذكر مصداق ذلك قوله تعالى ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري كما في تحفة الأشراف. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

1458 -

(. . .)(. . .)(وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث أنس (يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة مصنف، من (10)(وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (جميعا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)(عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس) بن مالك (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة (و) لكن (لم يذكر) أبو عوانة لفظة (لا كفارة لها إلا ذلك) بل اقتصر على ما قبلها.

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

ص: 210

1459 -

(. . .)(. . .) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا. . فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا".

1460 -

(. . .)(. . .) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيّ الْجَهضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي

ــ

1459 -

(. . .)(. . .)(وحدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمَّد البصري، ثقة، من (8)(حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة، من (6)(عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (من نسي صلاة) من الصلوات الخمس (أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) قال القاضي: لم يختلف أحد في أن الناسي يقضي، وشذ بعض الناس وقال: لا يقضي ما كثر كالست، ولعله لمشقة قضاء الكثير كوجه الفرق في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لمشقتها لتكررها، وكذلك لم يختلف في أن المتعمد يقضي، وحكي عن مالك أنَّه لا يقضي، ولا يصح عنه ولا عن أحد ممن ينتسب إلى العلم إلا عن داود وأبي عبد الرحمن الشافعي، ولا حجة لهما في الحديث، لأنَّ الحديث من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا قضى الناسي مع عدم الإثم فأحرى بالمتعمد اهـ باختصار.

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

1460 -

(. . .)(. . .)(وحدثنا نصر بن علي) الأزدي البصري (الجهضمي، حدثنا أبي) علي بن نصر بن علي بن صهبان الكبير الأزدي أبو الحسن البصري الجهضمي، روى عن قرة بن خالد في الإيمان، والمثنى بن سعيد في الصلاة والأشربة والأطعمة وغيرها، وشعبة في الحج وغيره، وخالد بن قيس في الجهاد، والليث بن سعد في الأشربة، وعبد الرحمن بن سليمان الغسيل في الطب، ومحمد بن جويرية في الرؤيا وآخر الكتاب، وهشام الدستوائي، ويروي عنه (ع) وابنه نصر ومعلي بن أسد وجماعة، وثقه ابن معين والنسائيُّ، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من كبار

ص: 211

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]

ــ

التاسعة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة (حدثنا المثنى) بن سعيد الضبعي، نزل في ضبيعة ولم يكن منهم الذراع القسام أبو سعيد القصير البصري، روى عن قتادة في الصلاة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي المتوكل في الأشربة، وأبي سفيان طلحة بن نافع في الأطعمة، وأبي جمرة في الفضائل، ويروي عنه (ع) وعلي بن نصر الجهضمي وإسماعيل بن علية وابن مهدي وغيرهم، وثقه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والعجلي، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال: وكان يخطئ، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن قتادة، عن أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة المثنى بن سعيد لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رقد أحدكم) ونام (عن الصلاة) المكتوبة (أو غفل) ونسي (عن) أدائـ (ـها فليصلها إذا ذكرها) في أي وقت كان (فإن الله) سبحانه وتعالى (يقول) في كتابه العزيز ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) وقد مر بسط الكلام فيه في أول الباب فراجعه والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: واعلم أن أحاديث هذا الباب قد جرت في سفرين أو أسفار لا في سفرة واحدة كما يقتضي ذلك ظاهر ألفاظها.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي قتادة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي قتادة الثاني ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أنس ذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 212