المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌324 - (36) باب: السوال عن خلقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌286 - (1) بابُ: التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌287 - (2) باب: ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌288 - (3) باب: من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌289 - (4) باب: فضل صلاتي الصبح والعصر

- ‌290 - (5) باب: تعجيل صلاة المغرب

- ‌291 - (6) باب: تأخير العشاء الآخرة

- ‌292 - (7) باب: التغليس بصلاة الصبح وبيان قدر القراءة فيها

- ‌293 - (8) باب: الأمر بأداء الصَّلاة في وقتها المختار إذا أخرها الإمام والصلاة معه إذا صَلَّى

- ‌294 - (8) بابٌ: صلاةُ الفَذِّ جائزةٌ والجماعةُ أفضلُ

- ‌295 - (9) باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌296 - (10) باب: وجوب حضور الجمعة والجماعة على من سمع النداء

- ‌297 - (11) باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى

- ‌298 - (12) باب: كراهية الخروج من المسجد إذا أذن المؤذِّن

- ‌299 - (13) باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة

- ‌300 - (14) باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌301 - (15) باب: جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات

- ‌302 - (16) باب: فضل صلاة الجماعة وفضل انتظار الصلاة

- ‌303 - (17) باب: من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌304 - (18) باب: المشي إلى الصلاة المكتوبة تُمْحَى به الخطايا وتُرْفَعُ به الدرجات وبيان مثل الصلوات الخمس

- ‌305 - (19) باب: الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح، وبيان أفضل بقاع البلدة

- ‌306 - (20) باب: في الأمامة ومن أحق بها

- ‌307 - (21) باب: ما جاء في القنوت والدعاء للمعين وعليه في الصلاة

- ‌308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحًا

- ‌309 - (23) باب: قصر الصلاة في السفر

- ‌310 - (24) باب: قصر الصلاة بمنى

- ‌311 - (24) باب: جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لعذر المطر وغيره

- ‌312 - (25) باب: جواز التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌313 - (26) باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌314 - (27) باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والغزو

- ‌315 - (28) باب: جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌316 - (29) باب: استحباب يمين الإمام

- ‌317 - (30) باب: كراهية الشروع في النافلة بعد شروع الموذن في الإقامة

- ‌318 - (30) باب: ما يقول عند دخول المسجد والأمر بتحيته واستحباب ركعتين فيه أول قدومه من سفر

- ‌319 - (31) باب: استحباب صلاة الضحى، وبيان أقلها وكملها وأوسطها والوصية بها

- ‌320 - (32) باب: ما جاء في ركعتي الفجر في استحبابهما ووقتهما وفضلهما وما يقرأ فيهما

- ‌321 - (33) باب: رواتب الفرائض وفضلها وعددها القبلية منها والبعدية وكيفية صلاة الليل

- ‌322 - (34) باب: جواز صلاة النفل قائمًا وقاعدًا مع القدرة على القيام وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌323 - (35) باب: صلاة الليل وعدد ركعات صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة واحدة

- ‌324 - (36) باب: في أي وقت يصلي النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وكيف حاله مع أهله

- ‌324 - (36) باب: السوال عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض

- ‌325 - (37) باب: وقت صلاة الأوّابين

- ‌326 - (38) باب: صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة في آخر الليل

- ‌327 - (39) باب: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله

الفصل: ‌324 - (36) باب: السوال عن خلقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض

‌324 - (36) باب: السوال عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض

1630 -

(712)(122) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا. فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ، وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، لَقِيَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ

ــ

324 -

(36) باب السوال عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض

1630 -

(712)(122)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد (العنَزي) البصري (حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من (9)(عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6)(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4)(عن زرارة) بن أوفى الحرشي البصري، ثقة، من (3)(أن سعد بن هشام بن عامر) بن أمية الأنصاري الخزرجي المدني ابن عم أنس، ثقة، من (3) استشهد بأرض الهند، وهذا السند مع عائشة من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون واثنان مدنيان أي أن سعدًا (أراد أن يغزو) أي أن يتجرد للغزو والجهاد (في سبيل الله) تعالى (فقدم المدينة) أي من نواحيها إلى داخل البلدة (فأراد أن يبيع عقارًا له بها) أي بالمدينة، والعقار ما لا يقبل النقل من المال كالأرض والدار، وفي العون: العقار على وزن سلام؛ كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل، وقال بعض أهل اللغة: ربما أطلق على المتاع (فيجعله) أي فيجعل ثمنه (في السلاح والكراع) بضم الكاف أي فيشتري بثمنه الأسلحة كالسيف والرماح والقوس والأفراس، والكراع كغراب في الأصل ما دون الركبة من الساق كما في حديث "لو دعيت إلى كراع لأجبت" وفي المثل (أعطي العبد كراعًا فطلب ذراعًا) لأن الذراع في اليد وهو أفضل من الكراع في الرِجْل، قال النواوي: والكراع الخيل اهـ (ويجاهد الروم) جيل معروف من البيضان (حتى يموت فلما قدم المدينة لقي أناسًا) أي نفرًا (من أهل المدينة) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنهوه) أي نهى أولئك الناس سعدًا (عن ذلك) أي عن

ص: 390

وَأَخْبَرُوهُ؛ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَال:"أَلَيسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ " فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ. وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا. وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا. فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: مَنْ؟ قَال: عَائِشَةُ. فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا. ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا

ــ

بيع عقاره (وأخبروه) أي أخبروا سعدًا (أن رهطًا) أي قومًا منا (ستة) بدل من رهطًا (أرادوا ذلك) الأمر الذي قصدته أي تطليق النساء وبيع المتاع لإرادة الغزو (في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال) لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم (أليس لكم فيّ أسوة) أي قدوة حسنة ومتابعة جميلة (فلما حدثوه) أي فلما حدث أولئك الأناس لسعد بن هشام (بذلك) النهي الذي نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أولئك الرهط في حياته (راجع امرأنه) أي زوجته المطلقة إلى نكاحه (وقد كان طلقها) أولًا قبل قدومه المدينة ليبيع عقاره بها، وكان كل ذلك لعزمه على التجرد للجهاد، وقوله (وأشهد) معطوف على راجع (على رجعتها) أي على مراجعتها، قال النواوي: هي بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح عند الأكثرين، وقال الأزهري: الكسر أفصح اهـ لأنه يجب الإشهاد عليها كما في ابتداء النكاح أو يندب على الخلاف المذكور في الفروع (فأتى) سعد (ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فسأله) أي فسأل سعد ابن عباس (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عن كيفية وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقته وعدده (فقال) له (ابن عباس ألا أدلك) الهمزة للاستفهام التقريري، ولا نافية، ويحتمل أن تكون (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي هل أدلك (على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شيء ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع (قال) سعد (من) الذي هو أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عباس هو أي ذلك الأعلم (عائشة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فأتها) أي فاذهب إليها يا سعد (فاسألها) عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ما ذهبت إليها وسألتها (ائتني فأخبرني بردها

ص: 391

عَلَيْكَ. فَانْطَلَقْتُ إِلَيهَا. فَأَتَيتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ. فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيهَا. فَقَال: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا. لأَنِّي نَهَيتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَينِ الشِّيعَتَينِ شَيئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا. قَال: فَأَقْسَمْتُ عَلَيهِ. فَجَاءَ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ. فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيهَا، فَأَذِنَتْ لَنَا. فَدَخَلْنَا عَلَيهَا. فَقَالتْ: أَحَكِيمٌ؟ - (فَعَرَفَتْهُ) -. فَقَال: نَعَمْ. فَقَالتْ: مَنْ مَعَكَ؟ قَال: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَال: ابْنُ عَامِرٍ. فَتَرَحَّمَتْ عَلَيهِ. وَقَالتْ خَيرًا. - (قَال قَتَادَةُ: وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ) - فَقُلْتُ:

ــ

عليك) أي بجوابها لك وما قالته لك (فانطلقت) أي أردت الانطلاق والذهاب (إليها) لأسألها كما أمرني ابن عباس (فأتيت) أي فجئت قبل الذهاب إليها ومررت (على حكيم بن أفلح) المدني، وقال في التقريب: هو مقبول، من الثالثة، روى عنه ابن ماجه (فاستلحقته) أي فاستلحقت حكيم بن أفلح أي طلبت منه مرافقته إياي ومصاحبته معي في الذهاب (إليها) أي إلى عائشة (فقال) لي حكيم بن أفلح (ما أنا بقاربها) أي بقارب وذاهب إليها معك يعني لا أريد قربها (لأني نهيتها أن تقول) أي أن تفعل، ففيه إطلاق القول على الفعل بقرينة قوله إلا مضيًا أي أن تفعل (في هاتين الشيعتين) أي الفرقتين تريد شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشيعة أصحاب الجمل، قال النواوي: الشيعتان الفرقتان، والمعنى نهيتها عن الدخول في تلك المحاربة الواقعة بين الشيعتين، وأن تفعل في المعاونة لإحداهما (شيئًا فأبت) أي فامتنعت (في) شأن مساعدة إحدا (هما إلا مضيا) ومداومة في المساعدة لإحداهما؛ أي فامتنعت من غير المضي وهو الذهاب، مصدر مضى، ومنه قوله تعالى {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا} (قال) سعد بن هشام (فأقسمت عليه) أي على حكيم بن أفلح أي ناشدته الذهاب معي إلى عائشة مقسمًا له باسم الله تعالى (فجاء) إليّ حكيم (فانطلقنا) معه (إلى عائشة فاستأذنا) أي طلبنا الإذن في الدخول (عليها فأذنت لنا) في الدخول عليها (فدخلنا عليها فقالت) عائشة لحكيم (أحكيم) أنت بهمزة الاستفهام الاستخباري (فعرفته) بصوته حين سلمنا عليها (فقال) حكيم (نعم) أنا حكيم بن أفلح (فقالت من) الذي (معك؟ قال) حكيم معي (سعد بن هشام، قالت) عائشة (من هشام؟ ) الذي هو والده (قال) حكيم هو هشام (بن عامر) بن أمية (فترحمت عليه) أي على عامر أي سألت له رحمة الله تعالى (وقالت) في عامر (خيرًا) أي أثنت عليه (قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق (وكان) عامر بن أمية (أصيب) أي استشهد وقُتل (يوم) غزوة (أحد) قال سعد بن هشام (فقلت) لها

ص: 392

يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ. قَال: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، وَلَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالتْ: فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا. وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا

ــ

(يا أم المؤمنين أنبئيني) أي أخبريني (عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الخاء واللام ويسكن أي عن أخلاقه وشمائله (قالت ألست) يا سعد (تقرأ القرآن؟ قلت بلى) أقرؤه (قالت) عائشة (فإن خُلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن) أي كان خُلقه جميع ما فصل في القرآن من مكارم الأخلاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان متحليًا به، وقال النواوي: معنى (كان القرآن) أي كان خُلقه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبر معانيه وحسن تلاوته، وقال القرطبي: ومعنى قول عائشة (كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) أي كان يتخلق بما فيه من محمود الأوصاف ويتجنب ما فيه من ممنوعها، ويحتمل أن تريد بقولها القرآن الآيات التي اقتضت الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، وكقوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157] وما في معنى ذلك اهـ من المفهم (قال) سعد بن هشام (فهممت) أي قصدت (أن أقوم) من عندها وأذهب (و) أن (لا أسأل أحدًا) من الناس أبدًا (عن شيء) من خُلقه صلى الله عليه وسلم (حتى أموت) وقال القرطبي: وقول سعد (فهممت أن أقوم) إنما كان ذلك الهم منه استقصارًا لفهمه إذ لم يفهم ذلك من القرآن مع وضوح ذلك المعنى فيه وإنهاضًا لهمته للبحث عن معاني القرآن واكتفاء بذلك عن سؤال أحد من أهل العلم اهـ من المفهم (ثم) بعد ما هممت القيام من عندها (بدا) وظهر (لي) أن أسألها عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) لها (أنبئيني) أي أخبريني يا أم المؤمنين (عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته في الليل (فقالت) لي (ألست تقرأ) سورة (يا أيها المزمل؟ قلت) لها (بلى) أقرأها (قالت: فإن الله عز وجل افترض) وأوجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه (قيام الليل) وصلاته (في أول هذه السورة) بقوله {قُمِ اللَّيلَ إلا قَلِيلًا} (فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي صلوا في الليل (حولًا) كاملًا (وأمسك الله) سبحانه وتعالى عنده (خاتمتها) أي خاتمة

ص: 393

اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ. حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ، فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، التَّخْفِيفَ. فَصَارَ قِيَامُ اللَّيلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَال: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ وتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ. فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيلِ،

ــ

هذه السورة عن إنزالها تعنى أنها متأخرة النزول عما قبلها وهي قوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيلِ} الآية (اثنى عشر شهرًا في السماء) وقوله (حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف) غاية لقوله (افترض قيام الليل)(فصار قيام الليل) وصلاته (تطوعًا) أي نفلًا (بعد فريضة) أي بعد كونه فرضًا، وظاهر هذا الكلام أنه صار تطوعًا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه، والأصح عندنا نسخه، وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قدر حلب شاة فغلط ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس اهـ نواوي، قال القرطبي: وقول عائشة إن الله فرض قيام الليل إلى قولها فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة ظاهر قولها هذا يدل على أنه كان فرضًا عليه وعلى الناس، قال مكي: وهو قول كافة أهل العلم، وقيل إنه لم يكن فرضًا عليه ولا عليهم حكاه الأبهري عن بعضهم قال: لقوله {نِصْفَهُ أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيهِ} [المزمل: 3 - 4] وليس هذا دأب الفروض، وإنما هو ندب، وقيل كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده مندوبًا لغيره وكأن هذا مأخوذ من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} فخص بالخطاب، وبما روي عن ابن عباس مرفوعًا "ثلاث عليّ فريضة ولكم تطوع؛ الوتر والضحى وركعتا الفجر" وهو ضعيف، والصحيح ما نقلته عائشة، وقولها إن النسخ كان بعد حول خولفت في ذلك، وقيل بعد عشر سنين، قال عياض: وهو الظاهر لأن السورة مكية ومن أول ما نزل من القرآن إلا الآيتين آخرها نزلت بالمدينة، وهذا الذي قاله صحيح؛ فصحيح الأحاديث والنقل المشهور تؤيده على ما قدمناه في كتاب الإيمان اهـ مفهم (قال) سعد بن هشام (قلت) لها (يا أم المومنين أنبئيني) أي أخبريني (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) عائشة (كنا نعد) ونهيئ (له سواكه وطهوره) بفتح أوله ماء يتوضأ به (فيبعثه الله) سبحانه وتعالى أي يوقظه لأن النوم أخو الموت قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيلِ} (ما شاء أن ببعثه) أي أن يوقظه (من الليل) فالموصول عبارة عن المقدار،

ص: 394

فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ. لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ. فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ. ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ. ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ. ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ. ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ. فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يَا بُنَيَّ. فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

ــ

ومن الليل بيان له (فيتسوك) بسواكه (ويوضأ) بطهوره (ويصلي تسع ركعات) موصولات (لا يجلس فيها) أي في تلك التسع التشهد (إلا في الثامنة) أي إلا في الركعة الثامنة (فيذكر الله) تعالى في جلوسه للتشهد (ويحمده) أي يصفه بما يليق به من صفات الكمال (وبدعوه) حوائجه (ثم ينهض) ويقوم من الثامنة (ولا يسلم) بعدها (ثم يقوم) في التاسعة (فيصلي التاسعة ثم يقعد) بعدها للتشهد (فيذكر الله) تعالى في تشهده بعد التاسعة (ويحمده ويدعوه ثم يسلم) بعد التاسعة (تسليمًا يسمعنا) به، فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها، ويقعد في الثامنة ولا يسلم (ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم) من التاسعة (وهو قاعد) قال القرطبي: قوله (وهو قاعد) يعني أنه كان يسلم من وتره وهو قاعد مخبرة بمشروعية السلام في القعود، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتي الفجر قاعدًا، والله أعلم اهـ من المفهم وحَ فالجملة الاسمية حال من فاعل يسلم وهذا هو الصواب، هاتان الركعتان هما سنة الفجر، فإن لم تكونا سنة الفجر فهما لبيان جواز النفل بعد الوتر، وإن كانت السنة الشائعة أن يجعل آخر صلاة الليل وترًا اهـ من بعض الهوامش، وفي العون: أخذ بظاهر هذا الحديث الأوزاعي وأحمد وأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا، وأنكره مالك، قال النواوي: الصواب أن فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرات قليلة، ولفظ كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، قال: وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين أن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وترًا، وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترًا فكيف يظن أنه يدوم على ركعتين بعد الوتر، وما أشار إليه القاضي عياض من رد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع تعين اهـ ملخصًا اهـ (فتلك) الركعات المذكورة من التسع والركعتين مجموعها (إحدى عشرة ركعة يا بني) تصغير ابن، تصغير شفقة وملاطفة (فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم أي دخل في سن الكبر، هكذا في أكثر الأصول (سن) بلا همزة، وفي بعضها (فلما أسن) بالهمز وهو المشهور في اللغة، والمعنى واحد كما ذكرنا

ص: 395

وَأَخَذَهُ اللَّحْمَ، أَوْتَرَ بِسَبْعٍ. وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَينِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ. فَتِلْكَ تِسْعٌ، يَا بُنَيَّ. وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاومَ عَلَيهَا. وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ، أَوْ وَجَعٌ، عَنْ قِيَامِ اللَّيلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيلَةٍ. وَلَا صَلَّى لَيلَةً إِلَى الصُّبْحِ. وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيرَ رَمَضَانَ. قَال: فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا. فَقَال: صَدَقَتْ. لَوْ كُنْتُ أَقْرَبُهَا أَوْ أَدْخُلُ عَلَيهَا لأَتَيتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي بِهِ. قَال: قُلْتُ: لَوْ

ــ

(وأخذه اللحم) هكذا في بعض النسخ بزيادة الهاء مع رفع اللحم، وفي بعضها (وأخذ اللحم) بنصب اللحم وإسقاط الضمير وهما متقاربان، والظاهر أن معناه كثر لحمه وهو خلاف صفته صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن سمينًا لحيما، نعم جاء في صفته صلى الله عليه وسلم "بادن متماسك" والبادن الضخم، فلما قيل بادن أردف بمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضًا فهو معتدل الخلق فليحرر اهـ من بعض الهوامش (أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول) أي صلاهما بعد ما سلم من السبع وهو قاعد (فتلك) السبع مع الركعتين (تسع) ركعات (يا بني، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة) أو عمل عمل خير (أحب أن يداوم عليها، وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا غلبه) أي شغله (نوم أو وجع) أي مرض (عن قيام الليل) وصلاته (صلى من النهار) أي منه إلى الليل (ثنتي عشرة ركعة) وهي السنن المؤكدة التي سبق ذكرها، وهذا بيان لمداومته صلى الله عليه وسلم ومواظبته عليها، ومن ظن أنها صلاة الضحى قال أي من أول النهار إلى الزوال اهـ من بعض الهوامش، قال النواوي: وفي هذا استحباب المواظبة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضى، وتقدم أن الأرجح الرفق في العبادة لأنه الذي في مظنة الدوام اهـ (ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان، قال) سعد بن هشام (فانطلقت) أي ذهبت ورجعت (إلى ابن عباس فحدثته بحديثها) أي بحديث عائشة (فقال) ابن عباس (صدقت) عائشة فيما حدثته لك (لو كنت أقربها) أي لو كنت أولًا أقربها وأحضرها (أو) قال ابن عباس لو كنت أولًا (أدخل عليها لأتيتها) اليوم، والشك من سعد فيما قاله ابن عباس وممن دونه (حتى تشافهني) أي تخاطبني وتكلمني (به) أي بهذا الحديث بلا واسطة (قال) سعد (قلت) لابن عباس (لو

ص: 396

عَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ عَلَيهَا مَا حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا.

1631 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبِيعَ عَقَارَهُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

1632 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ،

ــ

علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها) قال القاضي عياض: قال له ذلك على طريق العتب له في ترك الدخول عليها ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها، ويشبه أن يكون ترك الكلام معها لأجل المنازعة كانت بينها وبين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أو لأمر آخر اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1342 - 1352] والنسائي [3/ 199].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1631 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن زرارة بن أوفى) الحرشي البصري (عن سعد بن هشام) بن عامر بن أمية الأنصاري الخزرجي المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان، غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (أنه) أي أن سعد بن هشام (طلق امرأته) ليتجرد للجهاد (ثم انطلق) وذهب (إلى المدينة) أي إلى داخلها (ليبيع عقاره) أي ماله الثابت الذي لا يقبل النقل كالأشجار والدور ليشتري به الأسلحة (فذكر) هشام الدستوائي (نحوه) أي نحو ما حدّث سعيد بن أبي عروبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال:

1632 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (حدثنا قتادة)

ص: 397

عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ قَال: انْطَلَقْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْوتْرِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَقَال فِيهِ: قَالتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَامِرٍ. قَالتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرٌ، أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ.

1633 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ كَانَ جَارًا لَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سَعِيدٍ. وَفِيهِ، قَالتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَال: ابْنُ عَامِرٍ. قَالتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ أُصِيبَ،

ــ

ابن دعامة البصري (عن زرارة بن أوفى) البصري (عن سعد بن هشام) الأنصاري المدني، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن بشر لابن أبي عدي في رواية هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة (أنه) أي أن هشام بن سعد (قال انطلقت إلى عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فسألته عن الوتر) أي عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وساق) محمد بن بشر (الحديث) السابق (بقصته) أي بقصته التامة لم ينقص منها شيئًا (و) لكن (قال) محمد (فيه) أي في الحديث (قالت) عائشة (من هشام) أي هشام من؟ قال حكيم بن أفلح (قلت) لها هشام (ابن عامر) بن أمية الأنصاري الخزرجي (قالت) عائشة (نعم المرء) هو أي عامر (كان عامر أصيب) أي استشهد (يوم) غزوة (أحد) رضي الله عنه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1633 -

(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (كلاهما عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن قتادة) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر بن راشد لسعيد بن أبي عروبة (عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام كان جارًا له) أي لزرارة بن أوفى (فأخبره) أي أخبر سعد لزرارة (أنه) أي أن سعدًا (طلق امرأته واقتص) معمر (الحديث) السابق (بمعنى حديث سعيد) بن أبي عروبة لا بلفظه (و) لكن (فيه) أي في حديث معمر لفظة (قالت) عائشة (من هشام؟ قال) حكيم بن أفلح: هو هشام (بن عامر، قالت) عائشة (نعم المرء) عامر (كان) عامر

ص: 398

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ أُحُدٍ. وَفِيهِ: فَقَال حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ: أَمَا إِنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ عَلَيهَا مَا أَنْبَأْتُكَ بِحَدِيثِهَا.

1634 -

(00)(00) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيلِ مِنْ وَجَعٍ، أَوْ غَيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

1635 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، (وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ) ،

ــ

(أصيب) أي قتل (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وفيه) أي وفي حديث معمر أيضًا لفظة (فقال حكيم بن أفلح: أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (إني لو علمت أنك) يا ابن عباس (لا تدخل عليها) أي على عائشة (ما أنبأتك) أي ما أخبرتك (بحديثها) لأنك قصرت في الاستفادة منها أولًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثها فقال:

1634 -

(00)(00)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني، ثقة مصنف، من (10) روى عنه في (15) بابا (وقتيبة بن سعبد جميعًا عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)(قال سعبد) بن منصور في روايته (حدثنا أبو عوانة) بصيغة السماع (عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لمن روى عن قتادة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة للرواية السابقة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من) نوافل (الليل من وجع) أي لأجل مرض (أو غيره) كنوم (صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) تعني أنه يواظب عليها لا يمنعه منها مانع وقد مر البحث عنه قريبًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها فقال:

1635 -

(00)(00)(وحدثنا علي بن خشرم) -بمعجمتين ثانيتهما ساكنة والأولى مفتوحة بزنة جعفر- بن عبد الرحمن المروزي (أخبرنا عيسى وهو ابن يونس) بن أبي

ص: 399

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيلِ، أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالتْ: وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ.

1636 -

(713)(123) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَعُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ــ

إسحاق الهمداني السبيعي أبو عمرو الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن زرارة) بن أوفى البصري (عن سعد بن هشام) بن عامر (الأنصاري) المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا) من الأعمال الصالحة (أثبته) أي جعله ثابتًا غير متروك (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا نام من) نوافل (الليل أو مرض) عنها (صلى من) نوافل (النهار) المؤكدة (ثنتي عشرة ركعة قالت) عائشة بالسند السابق (وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة) كاملة (حتى الصباح وما صام شهرًا متتابعًا) كاملًا (إلا رمضان).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال:

1636 -

(713)(123)(حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10)(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب عن يونس بن يزيد) الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي أبي يزيد المدني المعروف بابن أخت نمر الصحابي إين الصحابي (وعبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن

ص: 400

أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ. قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَينَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ .. كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ"

ــ

مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الأعمى (أخبراه) أي أَخْبَرَا لابن شهاب (عن عبد الرحمن بن عبد) بغير إضافة (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى القارة قبيلة مشهورة بجودة الرمي، من خزيمة بن مدركة تسمى بالقارة، ويقال فيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد القاري أبي محمد المدني، يقال إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال له رؤية، روى عن عمر بن الخطاب في الصلاة وأبي طلحة، ويروي عنه (ع) والسائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله وعروة بن الزبير، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، واختلف قول الواقدي فيه تارة قال له صحبة وتارة تابعي، مات سنة (88) ثمان وثمانين (قال) عبد الرحمن (سمعت عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ومروزي وواحد أيلي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن تابعي عن صحابي، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام) يعني غفل (عن حزبه) بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي، والحزب ما يوظفه المرء على نفسه من قراءة أو صلاة في الليل، وقال القرطبي: الحزب الجزء من القرآن يُصَلَّى به اهـ (أو عن شيء منه) أي أو عن بعض من حزبه (فقرأه فيما) أي في زمن (بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) أي كُتب له أجر مثل الأجر الذي يكتب له فيما إذا قرأه أو صلاة في الليل، يعني من فاته حزبه أو بعض منه عن الوقت الذي كان يفعله فيه ففعله في وقت آخر كُتب له من الأجر ما لم يفت لأن تعيين ذلك الوقت بما وظفه لم يكن بتعيين الشرع حتى يكون قضاء بتفويته، وإنما كان باعتياد فعله فيه وجميع الأوقات بالنسبة إليه سواء، فعلى هذا تخصيص الليل بالذكر لأن حزب العابدين يوجد فيه غالبًا، وأما تخصيص ما بين الفجر والظهر فلأنه وقت واسع اهـ من المبارق.

قال الشوكاني: والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل، وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو عذر من الأعذار، وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الظهر كان كمن فعله في الليل، وفيه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل ولم يستحب أصحاب الشافعي قضاءه وإنما استحبوا قضاء السنن الرواتب اهـ منه. قوله (كُتب له) قال القرطبي: هذا الفضل من الله تعالى وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه من القيام مع أن نيته القيام، وفيه دليل على أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار.

وقد ذكر مالك في الموطإ عنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه" رواه مالك في الموطإ [1/ 117] وهذا أتم في التفضل والمجازاة بالنية، وظاهره أن له أجره مكملًا مضاعفًا وذلك لحسن نيته وصدق تلهفه وتأسفه قاله بعض مشايخنا، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون غير مضاعف إذ الذي يصليها أكمل وأفضل، وقد رأى مالك أن يصلي حزبه من فاته بعد طلوع الفجر وهو عنده وفت ضرورة لمن غلب على حزبه وفاته كما يقول في الوتر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1313]، والترمذي [581]، والنسائي [3/ 259]، وابن ماجه [1343]. قال النواوي: وهذا الإسناد والحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وزعم أنه معلل بأن جماعة رووه هكذا مرفوعًا وجماعة رووه موقوفًا، وهذا التعليل لا يقدح فالحديث صحيح وإسناده أيضًا صحيح، والصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققوا المحدثين أنه إذا روي الحديث مرفوعًا وموقوفًا أو موصولًا ومرسلًا حُكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد والله أعلم اهـ.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث عمر ذكره للاستشهاد والله أعلم.

ص: 402