الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة المغرب العربي
رحلة قصيرة إلى أفريقيا الشمالية الشهيرة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعدَه.
وبعد: فبمناسبة ترشيح الجامعة الإسلامية إيّاي أنا حمّاد بن محمد الأنصاري والأخ عبد الرحمن بن إبراهيم السيف السفر إلى المغرب العربي بدوله الثلاث تونس، والجزائر، والمغرب الأقصى للبحث عن المخطوطات النادرة وتصويرها باسم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
بهذه المناسبة توجهنا من المدينة النبوية يوم الثلاثاء بعد العصر في 16/7/1396هـ وتوجهنا في الطائرة إلى جدة، فوصلناها قبل غروب الشمس فبتنا فيها منتظرين الحجز إلى تونس الخضراء، بتنا ليلتنا تلك بجدة في فندق الرحاب، وتقيّلنا يوما الأربعاء لعدم إمكان الحجز في ذلك اليوم إلى أن تيسّر الحجز إلى تونس عن طريق رومية بإيطاليا.
فأقلّتنا من جدة طائرة سعودية كبيرة (ترايستار) ، أقلّتنا في نصف ليلة الخميس الموافق 18/7/1396هـ حتى نزلنا في مطار روما عند طلوع الشمس تقريبا أربع ساعات، فأمرنا المسئولون بانتظار طائرة تونس، فبقينا في المطار إلى أن وصلت قبيل الظهر، فامتطيناها إلى تونس الخضراء، فقطعت بنا ساعة فأنزلتنا بمطار قرطاجة بتونس بعد الظهر في يوم الخميس نفسه.
هنا فقدنا شنطتي وشنطة الأخ أبي بكر الجزائري، فاشتغلنا بالبحث عنهما نهار الخميس وليلة الجمعة وفي نصف يوم الجمعة هاتفنا مطار تونس نسأله هل وجدوا الشنطتين فأخبرونا بوصول الشنطتين، فذهبنا إلى المطار فاستلمناهما من
الجمرك بعد مراجعات، لأنا ذهبنا بدون أن تكون معنا جوازاتنا.
وفي يوم السبت الموافق 20/7/1396هـ زرنا السفارة السعودية بنهج النمسا بتونس الخضراء، فوجدنا فيها قائم مقام السفير عباس البصراوي فاستقبلنا استقبالاً حارًّا، فذكرنا له مهمتنا، فرحّب بنا مخبرًا باستعداده للتعاون معنا بكل ما لديه من الإمكانيات، كما زرنا في نفس اليوم الملحق الثقافي في مكتبه بشارع الحرية، فرحّب بنا بالحفاوة والتكريم، ولا غرو فإن الملحق الثقافي في تونس من بيتٍ معروف، وهو أعني الملحق الثقافي الأخ عبد الملك بن عبد الله آل الشيخ. ثم رجعنا إلى مسكننا في نزل فكتوريا أمام ساحة برشلونه بشارع حشّاد، ولم نتمكّن من الاتصال بالمسؤولين عن المكتبات في يوم الأحد لأنه يوم عطلة للدوائر الحكومية ابتداءً من نصف يوم السبت مساءً.
وفي يوم الأحد الموافق 21/7/1396هـ انتقلنا إلى فندق ماجستيك بشارع باريس.
وفي يوم الاثنين الموافق 22/7/1396هـ زرنا كمال الدين التارزي مدير الشئون الدينية بالجمهورية التونسية فأخبرنا أنه مستعدّ للتعاون معنا على مهمتنا، وفعلاً ذهبنا معه إلى المكتبة الوطنية الواقعة في حيّ جامع الزيتونة في الحيّ الأصلي بتونس، فدخلنا في مكتب مدير المكتبة عزت القلوزي، ثم أخذنا إلى المسئول عن المخطوطات في المكتبة عبد الحفيظ بن منصور، فأخبرنا كلّ منهما أنه على أتم الاستعداد للتعاون معنا على ما نريد في المكتبة، وقال المدير وهو يقوم بتصوير ما نريد من الكتب: ولكن تبين لنا أن الآلة التي في المكتبة للتصوير قد أصابها خلل يحتاج إلى انتظار يومين، ولم يتبين لنا ذلك إلاّ في يوم الأربعاء الموافق 24/7/1396هـ.
وفي يوم الثلاثاء والأربعاء اشتغلنا بالنظر في قوائم المكتبة وهي أعني بقوائم المكتبة دفترين مخطوطين وفهرس مطبوع، فهذه الثلاثة تحوي ما في المكتبة من المخطوطات التي أكثرها رسائل في مجاميع عديدة.
وقد أخبرنا مدير المكتبة أن ليس في تونس متخصص بتصوير الكتب إلاّ شخصٌ واحدٌ في معهد الدراسات في نفس العاصمة تونس، والمدير نفسه يزاول هذه الصنعة ولكن لا يحسن طبع الفلم وإخراج نسخة منه على ما قال لنا.
ومن الجديرِ بالذكر: أن العملَ في جميع الدوائر بتونس يبتدئ في الساعة السابعة نهارًا إلى الساعة الواحدة ظهرًا بالتوقيت الافرنجي.
وقد أنهينا استعراض الموجود من القوائم في المكتبة وانتقينا منها بعض الكتب التي أفردناها بقائمة خاصة بها، ومن أهمّها: الجزء الثالث من (الأحكام الكبرى) لابن كثير، وهو جزء من بقية الصلاة ابتداءً من الأذان، و (الجامع الكبير) للسيوطي، وقطعة من (تاريخ دمشق) ، وغير ذلك مما ذكرنا في القائمة المختارة.
أنهينا استعراض وتصفح تلك القوائم في (14) يوما، واتفقنا مع المكتبة على تصوير الكتب التي اخترناها، على أن يصوروها تصوير المستندات، لأن تصوير مكروفيلم غير متيسّر عندهم لعدم وجود مكان في نفس الوقت للأفلام، ولكن وعدونا أنهم سيهيئون مكانًا خاصًّا للأفلام، ثم يباشرون التصوير بعد الانتهاء من تصوير الكتب وتصوير المستندات وتجليدها وبعثها إلى الجامعة الإسلامية، هذا ما تم نحو مهمتنا في تونس.
وقد زرنا كثيرًا من المسؤولين من طلبة العلم بتونس، منهم رئيس الشعائر الدينية كمال الدين التارزي، والحبيب بالخوجة عميد الجامعة بتونس، وأطلعَنا
الأخير على أقسام الجامعة بفصولها ومكتبتها الكبيرة التي تحتوي على أهمّ المطبوعات العربية من مختلف الفنون.
وكذلك اتصلنا بالأديب الكبير محمد الشاذلي النيفر، وقد حظينا من الجميع بالتقدير والاحترام.
وفي تونس كنت أتناوب في إلقاء المحاضرات مع الأخ أبي بكر الجزائري، حيث أني ألقيت في جامع محرز بن خلف، وفي جامع الزيتونة، وفي جامع سبحان الله وغيرها من جوامع تونس الكثير التي لا يعمرها بالصلاة إلاّ التيجانيون من الشيب والشبان.
وقد التقينا في تلك الجوامع بشباب توّاقين إلى الإسلام ومحاسنه بقيادة الأخوين عبد الفتاح مورو، والأخ راشد الغنوشي، وكلاهما على طريقة الإخوان المسلمين في الدعوة إلى الإسلام والتمسّك بأهدافه، ولكن مع الأسف هناك مشايخ لا يوافقون على نشاط هؤلاء الإخوان، فلذا صدر الأمر قبل مغادرتنا لتونس بمنع الأخ عبد الفتاح مورو الشاب النشيط منعه من مزاولة دروسه في المساجد.
ومن الملاحظ: أن المسؤولين عن الشؤون الدينية والتعليمية من الأحناف، مع أن نسبة الأحناف في المالكية خمس في المائة، وهؤلاء الأحناف من بقايا الأتراك الذين كانوا حكّامًا على تونس قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي شوارع تونس تلتقي بأسراب من النساء العاريات تونسيات وغيرهن، مما يدلّ على أن الاستعمار لا يخرج من بلد إلاّ بعد أن يترك تقاليده وعاداته في ذلك البلد، فلذا تجد من النساء العاريات والشباب المتفرنج عددًا لا يستهان به، تشاهد هؤلاء في جميع الشوارع في تلك البلاد التي محى الاستعمار كل أخلاق الإسلام وتقاليده وعاداته منها حتى لا تفرق بين الشاب المسلم والمرأة المسلمة
وبين الشاب والمرأة من الإفرنج.
وفي أيام الآحاد وأيام عطل الاحتفالات التي صادفناها هناك من الاحتفال بالجمهورية وبميلاد الرئيس وبما يسمونه بتحرير المرأة، في كل هذه الأيام تجولنا للاطلاع على أكثر مدن تونس الخضراء ومن أهمها الميناء الكبير بنزرت شمال تونس على مسافة ستين كيلو مترًا، والقيروان العاصمة الأولى للإسلام في أفريقيا الشمالية وغيرها في جنوب تونس، وزرنا جامع أبي زمعة البلوي رضي الله عنه الصحابي الجليل، ووجدنا في داخل الجامع تابوتًا يزعمون أنه قبره، فزرناه ودعونا له بعد السلام عليه، ثم زرنا جامع عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه، وألقيت فيه درسًا نال القبول من الحاضرين.
ورزنا أيضًا قبر سحنون، وقبور الفقهاء العشرة الفقهاء الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز لتعليم الافريقيين الدين الإسلامي، وقد ذكرهم صاحب (رياض النفوس) في شرق القيروان عند انتهاء العمران، ووجدنا سدنة يزعمون أنهم من حفدة سحنون، ولكنهم عوام يسكنون في جناح من العمارة التي فيها القبور.
ومما تنبغي الإشارة إليه: أن القبور في تونس وأنحائها يعتنى بها الناس أكثر من اعتنائهم بالمساجد.
وكذلك زرنا قصر الهلال وسوسة، والمنستير، والحمامات، وتابل، وهذه الأربعة الأخيرة من جملة الشطوط التونسية التي تجولنا فيها، ووجدنا عندها من جمال الطبيعة ما يبهر البصر، هذا كله إلى ما نشاهده من جمال البحر الأبيض المتوسط الممتد على شمال تونس، تواكبه غابات من أنواع الأشجار ومن الزيتون والرمّان والتين والسفرجل وغير ذلك، إلاّ أن السوّاح الإفرنج الذين اكتظت بهم تلك الشواطئ الجميلة بخلاعاتهم رجالهم ونسائهم شوّهوا منظر هذه الشطوط الجميلة.
هذا، وقد زرنا بلدًا آخر في غرب العاصمة يدعى (كاف (في طريق المار إلى الجزائر وهو أيضًا جميل كريم أهلُه.
وتونس كلها خضراء أشجارها وجبالها وتلولها طولها وعرضها، وهي تسير بسير الحضارة الأوربية بنسائها وشبابها وشيوخها، وقد سيطرت تلك الحضارة على تقاليد أهلها وعاداتهم، بحيث لا تكاد ترى من بين تلك الجحافل التي تواجهك من المطار أي: مطار قرطاج الدولي إلا أوربيًّا في لبسته وهيئته ولغته، هذا مع أنّ أهل تونس إمّا عربٌ أو متعرِّبون لا يوجد فيها عجمي إلا سائح، ومع هذا فاللغة الفرنسية متغلِّبةٌ على العربية الدارجة التونسية، وهذا هو مراد المستعمر في كل بلد سلخه من كلّ معنوايته حتى من لغته وإحلال لغته الأجنبية محلّ اللغة الوطنية.
هذا، وفي تونس الخضراء أقمنا 28 يومًا، ثم توجهنا إلى المغرب الأقصى رأسًا بطائرة كويتية كبيرة حديثة في مساء يوم الخميس الموافق 16/8/1396هـ إلى الدار البيضاء بالمغرب العربي، فوصلنا إلى مطارها المسمى بمطار النواصر، وبينه وبين الدار البيضاء 30كم تقريبًا، وصلنا في الساعة العاشرة ليلاً بالتوقيت الافرنجي، وقطعنا المسافة بين مطار قرطاج بتونس ومطار النواصر بساعتين ونصف، وبتنا ليلة الجمعة الموافق 17/8/1396هـ في الدار البيضاء، ومع الأسف لم يكن معنا من يدلّنا إلى محلّ مناسب في الدار البيضاء، فدرنا بتاكسي نبحث عن فندق ننام فيه إلى الصباح، وكل فندق نمرّ فيه نجده مسكونا إلى أن وقفنا بعد التعب على فنيدق غير كبير يسمى فندق كمبيطا، وفي هذا الفنيدق وجدنا غرفة صغيرة بسريرين، وبتنا إلى الصباح، حيث قمنا بالتجوّل في الأسواق، ثم صلينا الجمعة في جامع محمد الخامس، والتقينا هناك بأحد تلامذة الدكتور الهلالي اسمه علاّل، فصحبنا إلى منزل الدكتور فالتقينا به، ثم بعث معنا
الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية، فانتقلنا من فندق كمبيطا إلى فندق كبير يسمى بفندق الدار البيضاء، ويعد هذا الفندق أكبر فندق في أفريقيا في الدرجة الأولى في فنادق الدار البيضاء، وأقمنا فيه ثلاث ليال، وفي الصباح من يوم الاثنين الموافق 20/8 توجهنا في تاكسي بصحبة الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية إلى الرباط، ومررنا في طريقنا بقرى كثيرة مغطاة بالأشجار المزدهرة، ومن جملتها مصطاف الملك الحسن الثاني الصخيرات، وقد تلاقينا في طريقنا إلى الرباط مع الملك الحسن الثاني قاصدًا هذا المصيف مع موكبه وهو سائق سيارته بنفسه، فوصلنا إلى الرباط ضحًى عاصمة المملكة المغربية، فلما وضعنا حقائبنا في فندق يسمّى فندق حسان في الرباط الجديد توجهنا إلى الخزانة العامة، فبدأنا باستعراض الفهارس التي وجدناها في المكتبة، فانتقينا منها بعض الكتب المخطوطة، وهم يشتغلون في الصباح والمساء، فلذا تيسر لنا أن ننتقي جملة كبيرة من المخطوطات الموجودة في الخزانة العامة، ومن أهم المكتبات التي توجد فيها تلك المخطوطات مكتبة الكتانيين، واستمرّ عملُنا في الخزانة العامة من يوم الاثنين الموافق 20/8/1396هـ إلى يوم الأحد الموافق 26/8/1396هـ، فتوجهنا بعد ذلك إلى طنجة مدخل الأندلس أو عروس الأندلس على ما يقال، توجهنا إليها في قطار ممتاز في الدرجة الأولى، فوصلنا طنجة في نفس اليوم، واتجهنا إلى المكتبة التي فيها، فلم نجد شيئًا من المخطوطات، وأقمنا فيها ثلاثة أيام، وقد ألقيت فيها ثلاث محاضرات، إحداها ألقيتها في قاعة المحاضرات الدولية سابقًا في طنجة حينما كانت دولية، وتسمى هذه القاعة الآن قصر مارشان لأنها قرب جبل طارق، ولا يوجد بين جبل طارق ومدينة للينية الأسبانية سوى بضع أمتار ومساحة الجبل عشرون كيلو، وسكّانه خمسة وثلاثون ألفا، والعمال المغاربة خمسة آلاف فحسب، زرناه في باخرة كبيرة، وبينه وبين طنجة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبينهما
ثمانية أميال بحرية ما يقدر بثمانين كيلو، فوصلنا جبل طارق قبل الظهر في يوم الأربعاء فوجدنا هناك عجائب وغرائب من الملاجئ التي في الجبل الواقف في البحر، بحيث أن البحر الأبيض المتوسط والبحر المحيط الأطلسي محيطان بذات الجبل إحاطة القلادة بالعنق، فتمكنا ونحن عند الجبل من النظر إلى المدن الأندلسية المجاورة للجبل، منها الجزيرة الخضراء، ومنها طريف، وملاوة، وكذلك سبتة في العدوة الثانية التي تلي بلاد المغرب على البحر الأبيض المتوسط.
وقد قضينا يومًا كاملاً عند جبل طارق فرأينا الدار التي بناها طارق بن زياد على سفح الجبل ما زالت قائمة على جدرانها، ودخلنا في مغارتين عظيمتين في داخل الجبل إحداهما طبيعية والأُخرى مصنوعة، فرأينا في هاتين المغارتين مدافع جيدة كبيرة نصبتها بريطانيا على الجبل في إحدى المغارتين موجهة إلى أسبانيا حيث لم يكن بينهم وبين أسبانيا إلاّ أمتار قليلة، ثم رجعنا إلى طنجة في نفس الباخرة التي أخذتنا إلى الجبل، فوصلناها في ليلة الخميس الموافق 1/9/1396هـ، وفي صباح هذا الخميس توجهنا مع الإخوان من طنجة إلى تطوان، فوصلناها ضحى، فدخلنا في المكتبة العامة للبحث عن المخطوطات فوجدنا في المكتبة العامة بتطوان بعض الفهارس للمخطوطات، فلم ننتق منها إلاّ رسالتين إحداهما لشيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان (الاجتهاد وعدم التقليد)، والأخرى رسالة لابن أبي العز شارح الطحاوية بعنوان:(صحة اقتداء الحنفي بالشافعي) ، فصورناهما في الحال لصغرهما.
ثم بتنا ليلة الجمعة الموافق 2/9/1396هـ، وقد وصلنا مكناس بعد الظهر لكثرة توقف الحافلة في محطّات كثيرة تنزل ناسًا وتأخذ آخرين، وقد أصابنا في هذه الرحلة تعب كبير.
ومن الجدير بالذكر: أن المكتبات في تونس والمغرب التي وقفنا عليها يغلب
عليها طابع الفقه المالكي، ورسائل كثيرة في الأذكار والتصوّف إلاّ قليلاً مما انتقيناه.
وقد تأخّر عملُنا في المغرب لأننا وصلنا وقد كانت المكتبات في إجازة شهر كامل.
وقد أقمنا في مكناس بضعة أيام من يوم الجمعة إل يوم الاثنين الموافق 5/9/1396هـ.
وعند وصولنا لمكناس دخلنا مكتبة الجامع الكبير فاستعرضنا ما فيها من فهارس المخطوطات، ولم نجد في تلك الفهارس شيئًا يستحقّ التقييد، فلذا توجهنا مع فضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي إلى فاس، توجهنا صباح الاثنين 6/9/1396هـ إلى فاس، فوصلناها ضحى في نفس اليوم، وبينها وبين مكناس ستون كيلو، فمن حين وصولنا إلى البلد توجهنا إلى مكتبة جامع القرويين في المدينة القديمة، وفي هذا الجامع ستة آلاف مخطوط وبمكتبة الجامع الكبير بمكناس خمسمائة مخطوط، ولكن مع الأسف فجلُّ تلك المخطوطات متلاش غير صالح قد أكلت الأرضة منها كثيرًا من آثار الإهمال.
وبعد أن استعرضنا كل ما في الجامع من فهارس فلم نجد فيها جديدًا إلاّ (كتاب الزهد) لأبي داود السجستاني، وكتاب (ترتيب الأفراد) للدارقطني لابن طاهر، وما سوى الكتابين من المخطوطات وجدناه في الرباط وتطوان ومكناس.
وقد تجولنا في مدينة فاس القديمة والجديدة هذين، كما تجولنا في تطوان ومكناس في مدينتهما القديمة والحديثة، وقد مررنا في طريقنا من تطوان إلى مكناس بمدينة شاون الجميلة وجوزان وزرهون وقرى كثيرة منتشرة على الطريق، كما أننا مررنا في طريقنا إلى فاس بمنتزهات جميلة مزدهاة بأنواع الأشجار من الزيتون والرمّان والسفرجل والتين وغير ذلك من المناظر الزاهية
الأنيقة التي تكاد تنسينا تلك المناظر الباهرة التي شاهدناها في تونس الخضراء.
ومكثنا في فاس يومين، ثم غادرنا من فاس إلى مكناس مرة ثانية في طريقنا إلى الرباط، فأقمنا فيها يومين، ثم غادرنا مكناس عائدين إلى الرباط لاستكمال ما تبقّى من عملنا في المكتبة الملكية، فوصلنا إلى الرباط صباحاً، فلما بدء العمل ذهبنا إلى المكتبة الملكية بالقصر الملكي، فوجدناها مفتوحة، فاستعرضنا ما فيها من البطاقات والفهرس الكبير، فوجدناها مكتبة هامة ممتلئة بالمخطوطات، ولكن أغلب تلك المخطوطات مطبوع، وعدد المخطوطات المنظمة تبلغ (10.915) مخطوطًا في المكتبة الملكية الأصلية، وفيها المكتبة الزيدانية، وتبلغ (3.986) كتابًا ما بين مخطوط ومطبوع، ويقدّر المخطوط منها بنحو النصف، وفيها أيضًا خزانة مولاي أحمد العلوي المراكشي القاضي، ما زالت هذه المكتبة في الصناديق (1) ، وفيها من الكتب ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف كتاب بين مخطوط ومطبوع.
وللمكتبة الملكية الأصلية فهرسٌ كبير فيه ثلاثة أجزاء مرتب على المؤلفين وأسماء مؤلفاتهم بجانب البطاقات التي وجدناها فيها، وهذا الفهرس الكبير لم يطبع، ولكن يعمل فيه ليخرج إلى الطبع إن شاء الله. وقد انتقينا من هذا الفهرس والبطاقات في المكتبة الملكية بعض المخطوطات التي لم نجدها في المكتبات التي مررنا عليها قبلَها، وفي الحقيقة وجدنا هذه المكتبة صالحةً لأن تكون مرجعًا لتصحيح الكتب التي يعاد طبعها مرة أخرى، لأنها كما ذكرت سابقًا مشتملة على أكثر المخطوطات التي قد سبق أن طبعت في الحديث أو غيره، وأما المخطوطات التي لم يسبق لها الطبع فهي غير كثير، بل إن الخزانة العامة أكثر
(1) لأنها عثر عليها تحت الأرض في هذه الأيام.