الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الموريتاني: (تادا مكة) ، وقال العامة (تادا مكة)، أي: هذه مكة؛ فلما كثُر إطلاقها على هذه البلدة نُسي الاسم الأول (السوق) .
قال شيخنا الأنصاري: (وقيل: سمِّيت بذلك تشبيهًا لها بمكة؛ لأن (تادا مكة) كانت في وادٍ بين أربعة جبال؛ فهي تشبه مكة المحاطة بالجبال (1) .
وفي هذه البلدة المباركة عاشت الأسرة الأنصارية في حياةٍ آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغدًا من كلِّ مكان، شاكرة نعم الله عابدةً له على صراطٍ مستقيم؛ إلى أن جاء القرن التاسع الهجري فغزاها رجلٌ تكروري من مالي اسمه (سِنْغلي) ؛ فقام بقتل أهلها وتشريدهم في الصحراء، وهدم تلك البلدة، حتى لم يبق لها أيّ أثر يذكر وبقيت بعد الغزو الآثم على هذا الحال ولم تُبن بعد ذلك.
(1) حديث خاصٌّ مع شيخنا الأنصاري.
لقاء أحد أجداد شيخنا الأعلى بالسيوطي "رحمهما الله
":
كان من الفارِّين بدينِهم الذين نالهم أذى الغزو التكروري أحد أجداد شيخنا (محمد بن يوسف الأنصاري) ، وكان من العلماء الكبار آنذاك، ومعه تلميذه:(الشريف: محمد إسحاق أبو الهدى الدَّغوغي (2) .
وقد هربا إلى (النيجر) إلى بلدة اسمها (آير) شرق (النيجر) على حدود ليبيا، وهناك اجتمعا مع الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، وعبد الكريم المغيلي التواتي، وكان قد قدما من القاهرة إلى (النيجر) للدعوة والتعليم، بدعوة من قاضي (آير) محمود البغدادي؛ وهناك اجتمع الثلاثة من غير
(2) الدغوغي: نسبة إلى بلدة في المغرب، تسمّى (دغوغ) : قريبة من مرّاكش ا. هـ.
مواعدةٍ بينهم، ففتحوا دروسًا في المنطقة تحت إشراف القاضي البغدادي والحافظ السيوطي "رحمهما الله".
ولما انتهت الدَّورة الدراسية وعزم كلُّ واحد من الثلاثة (السيوطين والمغيلي، وجدُّ شيخنا) على الرحيل ذهب السيوطي إلى عاصمة نيجيريا (كانوا) بدعوة من رئيسها للتدريس هناك، وذهب معه تلميذه جدُّ شيخنا، وأبو الهدى الشريف، ورجع عبد الكريم المغيلي إلى مسقط رأسه، ونشأتُه منطقة (أدرار) التي عاصمتها (توات) جنوب الجزائر، ورجع جدُّ شيخنا الأعلى محمد بن يوسف الأنصاري إلى وسط مالي في المنطقة الشرقية التي عاصمتها (تنبكتو) جنوب (تادا مكة) التي هُدمت (1) .
هذا، وفي (تادا مكة) كان مولد الأنصاري ونشأته؛ حيث نشأ في بيت علم وفتوى وقضاء، وتوفي والده وهو ابن ثمان سنين فكفله عمُّه البحر محمد أحمد "وهو أولُ شيوخه"، ثم أخذه خاله محمد أحمد بن تقي الأنصاري، وعنه أخذ بعض العلوم والمعارف سيّما اللغة.
ومن شيوخه في أفريقيا: موسى بن الكسائي، والشريف الإدريسي، والشيخ محمد عبد الله المدني؛ وقد درس عليهم حتى أتمَّ سائرَ الفنون من تفسيرٍ ونحو وفقه وحديث وأدبٍ وشعر وغير ذلك، ثم ترقّى الأنصاري في مراقي العلوم حتى شبَّ عن الطوق وصار صاحب فنٍّ وذوق.
ومِن هنا أزمع على الهجرة بعد مجيء الاستعمار الفرنسي بتشجيعٍ من شيخه محمد عبد الله المدني "رحمه الله" الذي أخذ عنه علم التوحيد السلفي،
(1) من إجابات شيخنا الأنصاري ـ رحمه الله تعالى ـ على أسئلة له في رمضان المبارك قُبيل مرضه بأيّام عام 1417هـ.