الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الشيخ "رحمة الله عليه" للوليد بن محمد العلي
.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع للعلماء قدرهم، وأعلى لهم ذكرهم، وجعلهم ورثة أنبيائه ورسله، وقرن شهادته بالوحدانية بشهادتهم، فقال عز وجل من قائل:{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} .
والحمد لله القائل: "وقوله الحق": {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} .
قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه ذهاب فقهائها وخيار أهلها".
والصلاة والسلام التامان الأكملان على رسول الهدى ومعلم البشرية الخير، الذي لم يُخَلِّف بعده دينارا ولا درهما، وإنما خَلَّف العلم، فمن أخذ بخط وافر.
وبعد:
ففي صبيحة يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر جماد الآخرة سنة ثمان عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية فجع أهل طيبة الطيبة وأقطار العالم الإسلامي وأمصاره تترا بنبأ وفاة محدث الديار الحجازية فضيلة الشيخ العلامة حماد بن محمد الأنصاري، منار العلم والهدى، ونبراس الصلاح والتقى.
وقد سطرت هذه الكلمات اليسيرة، والتي حوتها هذه الأسطر القليلة، وفاء لحق شيخنا، وبرا به سائلا المولى العلي القدير أن يكتب له بعدد أسطرها وكلماتها وحروفها وأضعافا مضاعفة عفوا ورحمة وغفرانا، وقد سميتها:"إتحاف السامع والقاري بترجمة محدث الحجاز الأنصاري".
فأقول: هو أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري، ينحدر أصله الكريم من سلالة الصحابي الجليل سعد بن عبادة الخزرجي "رضي الله عنه".
نسب أضاء عموده في رفعة
…
كالصبح فيه ترفع وضياء
ولد الشيخ "رحمه الله تعالى" عام 1344هـ بـ (تادمكة) ، إحدى مدن بلاد مالي بإفريقيا الغربية.
وقد تلقّى الشيخُ "رحمه الله" تعالى العلوم الشرعية والعربية وغيرها منذ نعومة أظفاره على علماء بلاده، وأكثر من الرحلة والتنقل في طلب العلم في مشارق الأرض ومغاربها، وتتلمذ على مشايخ عدة لا يحصون كثرَة؛ فممن أخذ عنهم بمكة المكرمة: الشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ حسن المشاط.
وممن أخذ منهم بالمدينة النبوية: الشيخ محمد بن تركي، والشيخ عبيد الرحمن المباركفوري الهندي.
وقد اعتنى الشيخ "رحمه الله تعالى" بدراسة المصنفات الحديثية، والكتب الفقهية، وعلوم العربية؛ فقرأ "صحيح مسلم"، و "الهداية" للمرغيني "في الفقه الحنفي"، و "ألفيّة ابن مالك"، و "ديوان المتنبي" على الشيخ عمر بري. كما قرأ "موطأ مالك"، و "المغني لابن قدامة" على الشيخ محمد بن تركي. وقرأ "سنن النسائي" على الشيخ محمد الحافظ.
كما حظي الشيخ "رحمه الله تعالى" بكثير من الإجازات الحديثية؛ فممن أجازه المحدث الشيخ عبد الشكور الهندي، والمحدث الشيخ عبد الحق العمري، وكذا الشيخ محمد بن عيسى الفاداني، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والشيخ قاسم عبد الجبار الأنديجاني الفرغاني.
وقد تبوأ الشيخ "رحمه الله تعالي" عددا من المناصب العلمية؛ حيث
عمل في مدرسة الصولتية بمكة المكرمة، وفي عام 1374هـ انتقل إلى الرياض، حيث عمل فيها مدرسا في المعهد العلمي، وفي عام 1375هـ انتقل إلى معهد إمام الدعوة، وفي عام 1385هـ انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، واستمر بالتدريس فيها إلى عام 1407هـ، وقد أشرف خلالها على عدد كبير من الرسائل العلمية المقدمة لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة في كل من قسمي العقيدة وعلوم الحديث.
وقد خلّف الشيخُ "رحمه الله تعالى" وراءه تصانيف كثيرة، وتعاليق مفيدة في الفروع والأصول، كمل منها جملة وطبعت، وجملة كثيرة كملها ولكنها لم تطبع بعد "يسّر الله إخراجها لعلوم الانتفاع بها" ومن بعض مؤلفاته المطبوعة:
1-
بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني.
2-
رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا.
3-
رفع الاشتباه عن حديث من صلى في مسجدي أربعين صلاة.
4-
تحقيق القول في حديث (من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة أعوام وهو عني ولم يحج ولم يعتمر) .
5-
كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر.
6-
الإعلان بأن لعمري ليست من الإيمان.
7-
عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري.
8-
الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية.
9-
فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب.
10-
إتحاف ذوي الرسوخ بمن عرف بالتدليس من الشيوخ.
11-
يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر.
12-
تحقيق ديوان الضعفاء للذهبي.
13-
تحقيق ذيل الديوان للذهبي.
وقد قام الشيخ "رحمه الله تعالى" بتدريس جملة من المصنفات العلمية "لاسيما ما كان منها في علمي العقيدة والحديث" ومن ذلك:
1-
صحيح الإمام البخاري.
2-
صحيح الإمام مسلم.
3-
جامع الترمذي. وكانت للشيخ "رحمه الله تعالى" عناية بالغة به إبَّان تدريسه له في المسجد النبوي الشريف.
4-
كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب للإمام ابن خزيمة.
5-
شرح العقيدة الطحاوية.
6-
شرح يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر.
وقد تتلمذ على الشيخ كوكبة من كبار الطلبة العلم في العالم الإسلامي وخيارهم "لا تستوعب هذه الترجمة حصرهم" ومن أبرز هم في المملكة العربية السعودية:
1-
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد: عضو هيئة كبار العلماء.
2-
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي: رئيس قسم السنة بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية سابقا.
3-
معالي مدير جامعة الإسلامية فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله العبود.
4-
معالي نائب وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ.
5-
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر فقيهي: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية سابقاً، والمستشار بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
6-
فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي: رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية.
7-
فضيلة الشيخ الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني: مدير مركز خدمة السنة والسيرة النبوية.
8-
فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ: عميد كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية سابقاً.
9-
فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف: عضو هيئة التدريس بقسم علوم الحديث بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية.
10-
فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد الفهد: المزيد عضو هيئة التدريس بقسم الفقه بكلية الشريعة الإسلامية.
11-
فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية.
12-
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية.
13-
فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الراشد الحميد.
ومن أبرزهم خارج المملكة العربية السعودية:
أولاً: شبه الجزيرة العربية:
14-
فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حامد الرفاعي اليمني.
15-
فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن علي عائض الشيخ اليمني.
16-
فضيلة الشيخ الدكتور فلاح بن إسماعيل مندكار الكويتي.
17-
فضيلة الشيخ الدكتور فلاح بن ثان السعيدي الكويتي.
18-
فضيلة الشيخ الدكتور مبارك بن سيف الهاجري الكويتي.
19-
فضيلة الشيخ بدر بن عبد الله البدر الكويتي.
20-
فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العجمي الكويتي.
ثانياً: المغرب:
21-
فضيلة الشيخ الدكتور زين العابدين بلا فريج المغربي.
22-
فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي المغربي.
ثالثاً: القارة الهندية:
23-
فضيلة الشيخ الدكتور شمس الدين بن محمد أشرف السلفي الأفغاني.
24-
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي.
ولشيخنا "رحمه الله تعالى" من الذرية إحدى عشر ولدا، ثمان من الذكور وهم: عبد اللطيف، وعبد الحليم، وأحمد، وعبد الباري، وعبد الغني،
وعبد الأول، وعبد الإله، وعاصم، ومن الإناث ثلاثة. وجميعهم إخوة خلص من ذرية زوجته الصالحة أم عبد اللطيف، وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" كثيرا ما يثني عليها خيراً.
وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" يسكن حارة المصانع، ثم انتقل إلى السكنى في الحارة الشرقية في المدينة النبوية، ثم انتقل به المقام إلى منطقة الفيصلية في الجهة الغربية من المدينة، بجانب الجامعة الإسلامية.
وقد كان شيخنا "رحمه الله تعالى" ممتلكا لمكتبة علمية زاخرة بشتى العلوم الشرعية الفاخرة، وكان يستقبل أبناءه الطلاب في كل يوم الصباح الباكر حتى صلاة الظهر، ومن بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء.
وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" خلال هذه الفترة الطويلة متوسطا لمجلس مكتبته العامرة، منهمكا في القراءة والمطالعة، لا يكاد يرفع رأسه من كتابه، يجيب سؤال العيِّ، ويفتي المستفتي، يقصده العلماء والوجهاء وطلبة العلم من شتى أنحاء المعمورة.
سأبكيك للديني والدنيا إنني
…
رأيت يد المعروف بعدك شُلَّت
ربيع إذا ضن الغمام بمائه
…
وليث إذا ما المشرفية سُلَّت
وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" أسمر البشرة، طويل القامة، نحيف الجسم، مخضوباًِ، وكان رجلا مهيبا.
وقد أفضى شيخنا إلى رحمة مولاه في الساعة السابعة من صبيحة يوم الأربعاء21/6/1418هـ الموافق 22/10/1997م، وله من العمر أربعة وسبعون سنة.
وقد صلى عليه بعد صلاة العصر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم للصلاة إمام
الحرم النبوي الشريف فضيلة الشيخ عبد الباري بن عواض الثبيتي.
وقد خرج الناس زرافات من أبواب المسجد، وتتابعوا على حمل نعشه، وشيّعَه جمٌّ غفير من تلا ميذه ومحبيه، وماكادت أن تدخل جنازته بقيع الغرقد إلا بشق الأنفس، ودفن الشيخ في الشمال الغربي من المقبرة بجانب بوابتها، وقد حجبت الشمس أثناء دفنه بالسحاب دونها.
فكيف احتمالي للسحاب صنيعة
…
بإسقائه قبرا في لحده بحر
وظهر بذلك قول إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الشيبانبي: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز".
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
…
لا يذهب العرف بين الله والناس
وقد استوحشنا سكنى الفيصلية بعد موت شيخنا "رحمه الله تعالى"، فإلى الله نشكو غربتنا، ونسأله الأجر والثواب على عظيم مصيبتنا.
عزَّ التصبر والزمان رماني
…
بسهامه وترادفت أحزاني
أصبحت مكتئبا لفقد أحبة
…
جلبت جبلتهم على الإحسان
لا صبر لي عنهم وكيف تصبري
…
عن ساد ة رحلوا من الأوطان
إن أوحشوا نظري فقلبي موطن
…
وعمارة الأوطان بالسكان
اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نُزله، ووسِّع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خير من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وجازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له
في قبره، ونورا له فيه.
بيض الله وجهه ووقاه
…
فزعا يوم القمطرير وهوله
وأثاب الفردوس من قال آمين
…
وأعطاه يوم يلقاه سؤله
وبعد الفراغ من كتابة هذه الكلمات عرضتها على فضيلة الشيخ عبد الباري بن شيخنا حماد الأنصاري وخاصته من تلامذته وأبنائه عضو هيئة التدريس بقسم علوم الحديث بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية فأقرَّ ما فيها وأضاف إليها بعض الفوائد البهية؛ فله مني وافر الدعاء، وعظيم الثناء.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبها تلميذه المجاور له: الوليد بن محمد بن عبد الله العلي.
على ثرى طيبة الطيبة على ساكنها أتم صلاة وأزكى تحية.
يوم الأربعاء 22/6/1418هـ الموافق 12/10/1997م.