الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
خير المساجد على الأرض
"
نقول: إنّ من سنة الله - تعالى - أن يفضِّل أشياءَ على أشياء، وذلك فضل الله- تعالى - يؤتيه من يشاء.
فلقد خلق الله - تعالى - سبعين أمة، فجعل أمة الإسلام خير أمة أُخرجت للناس.
وخلق الله - تعالى - الناس جميعاً، فجعل محمداً- صلى الله عليه وسلم خير البشر أجمعين.
وخلق الله - تعالى -الأيام كلها، فجعل الجمعة خير الأيام جمعياً.
وخلق الله - تعالى - الليالي كلها، فجعل ليلة القدر خير الليالي جمعياً.
وخلق الله - تعالى - الماء جمعياً، فجعل ماء زمزم خير الماء جمعياً.
ومن هذا الباب فلقد أذن الله - تعالى - للكثير من المساجد أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، ولكن من بين هذه المساجد الكثيرة، قد خص الله- تعالى - ثلاثة مساجد، جعل لها فضائل عظيمة ليست في غيرها، وهى "المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى "
1 -
المسجد الحرام: قال تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)(آل عمرن /96)
فهذه الآية تفيد أنَّ أول مسجد بُني على الأرض هو المسجد الحرام بمكة ،والذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
وعنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي الْقُرْآنَ فِي السُّدَّةِ، فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ؟ ! قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ» (1)
وفى هذا الحديث فوائد:
1 -
الأولى: فضيلة هذه الأمة التي منحها الله - تعالى- إياها ،وهى أنّ للمسلم أن يصلي في أي موضع من الأرض ، إلا ما استثناه الشرع ،وهذه من خصائص هذه الأمة ،دون غيرها من الأمم ، حيث كان مَن قبلنا لا يصلُّون إلا في البيع والكنائس.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة. (2)
(1) أخرجه البخارى (3425) ومسلم (520) واللفظ لمسلم، غريب الحديث:(السدة) واحدة السدد وهي المواضع التي تطل حول المسجد وليست منه، وليس للسدة حكم المسجد إذا كانت خارجة عنه وقال الأبي في شرحه على مسلم هي فناء الجامع.
(2)
أخرجه البخاري (335) ومسلم (521)
2 -
الفائدة الثانية: - أنَّ المسجد الأقصى هو ثاني المساجد التي بنيت بعد المسجد الحرام ، وفى قصة بناءه قد ورد حديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام -من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل ثلاثاً أنْ يؤتيه حكماً يُصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وأنه لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتين فقد أُعطيهما، وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة. (1)
(1) أخرجه أحمد (6644) وابن خزيمة (1334) وابن ماجه (1408) ، وصححه الألباني، وانظر صحيح الترغيب (2/ 22)
فوائد: الأولى: وقَدْ أُشْكِل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ فَقَال: مَعْلُومٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ هُوَ الَّذِي بَنَى الأْقْصَى، لهذا الحديث، وقد ورد أنَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قد بني بعد الْمَسْجِدُ الْحرام بأَرْبَعُينَ عَامًا. وَسُلَيْمَانُ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ كَمَا قَال أَهْل التَّارِيخِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ: بِأَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام إِنَّما كَانَ لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى تَجْدِيدُهُ لا تَأْسِيسُهُ، وَالَّذِي أَسَّسَهُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ الْكَعْبَةَ بِهَذَا الْقَدْرِ، والله أعلم، وانظر إعلام الساجد للزركشي (29)
الثانية: ما هومشتهر بين الناس أنَّ المسجد الأقصى هو ثالث الحرمين، فهذا ممَّا لا دليل عليه، بل إنَّ الحرم - والذي لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يقطع شجره ولا يحمل به سلاح - لا يكون إلا في المسجد الحرام والمسجد النبوي لورود النص فيهما فقط.