الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي ختام هذه المسألة إليك هذا الموقف: عن علي بن محمد بن منصور رحمه الله قال: سمعت أبى يقول: كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل- رحمه الله فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض، قَالَ: فرأيت محمد بن إسماعيل "البخاري" رحمه الله ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه، فلمَّا خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض، فَكَأَنَّهُ صان الْمَسْجِد عَمَّا تصان عَنهُ لحيته. (1)
وما أجمل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله: المسجد يُصان حتى عن القذاة، التي تقع في العين. (2)
فصل في: البيع في المسجد:
إنَّ المساجد التى هى بيوت الله تعالى قد أذن الله- تعالى- ببناءها ورفعها لتكون مواطن لذكر الله وعبادته.
قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)) (النور/36)
وقال تعالى (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)(الحج /40) فدل على أنَّ الأصل فى المساجد أنها بُنيت لذكر الله تعالى.
(1) انظر تاريخ بغداد (2/ 322) وسير أعلام النبلاء (12/ 445) وصفة الصفوة (2/ 264)
(2)
وانظر مجموع الفتاوى (22/ 202)
وقال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)(الجن /18)
والْمُرَادُ بِإضَافَةِ المساجد لِلَّهِ - تَعَالَى - في الآية: هِيَ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ لهذه المساجد، التي هي بيوت الله - تعالى - في الأرض، مَعَ ما في هذه الاضافة من الْإِشْعَارِ بِاخْتِصَاصِ المساجد للَّهِ، أَيْ: بِعِبَادَتِهِ وَذِكْرِهِ، كَمَا في قوله تَعَالَى:(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)(النور /36 - 37) وَلِهَذَا مُنِعَتْ مِنَ اتِّخَاذِهَا لِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ بَيْعٍ وَتِجَارَة. (1)
وكذلك ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذا المعنى ،كما في حديث الأعرابي الذي دخل فبال في ناحية المسجد، فلما قضى بوله ،قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ هذه المساجد لم تبن لهذا. (2)
قال القرطبي: قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -للرَجُل للذي قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ: (لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يُعْمَلَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ الصَّلَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. (3)
(1) وانظر أضواء البيان (8/ 321)
(2)
متفق عليه
(3)
وانظر الجامع لأحكام القرآن (12/ 178). والاستذكار (2/ 368) والشرح الممتع (4/ 533)
وتأمل في هذه الواقعة: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ:«أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» ، أَوْ قَالَ:«فِي الصَّلَاةِ» (1)
ففي هذا الحديث قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم -عن التشويش على أهل المسجد من المصلين والقارئين، حتى ولو كان هذا التشويش بصوتٍ يعلو من قارىء للقرآن، فكيف إذا كان هذا التشويش بأمر من أمور الدنيا؟ ! !
لذا وبناءً على ما سبق فقد حرَّم الشرع كل ما من شأنه التشويش على عمَّار المساجد من المصلين أو القارئين؛ وذلك لأنَّ هذا ينافى الوظيفة الرئيسية التى من أجلها بُنيت المساجد، والتى هى تعميرها بذكر الله وعبادته.
ومن هنا ولهذه العلة فقد ورد فى الشرع النهى عن جملة من الأمور أن تُفعل فى المسجد؛ وذلك لأنَّ من شأنها التشويش على المصلين، ومن ذلك النهي عن البيع والشراء في المسجد.
كما أنَّ ممارسة البيع في المسجد تخالف المقصود الذي بُنيت من أجله المساجد.
دليل تحريم البيع والشراء فى المسجد: عن أبي هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك "(2)
(1) أخرجه أحمد (11896) وأبوداود (1332) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1597)
(2)
أخرجه الترمذي (1321) وابن خزيمة (1305) وحسنه الترمذى وصححه الألبانى فى الإرواء (ح/ 1295)
فائدة: الظاهر من الحديث أنَّ الدعاء على من باع فى المسجد يكون قولاً باللسان جهراً ، للحديث الذى رواه مسلم عن بريدة أنَّ رجلاً نشد جملاً فى المسجد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا وجدت، وانظرسبل السلام (1/ 309) وتحفة الأحوذي (4/ 458) والثمر المستطاب (1/ 691)