الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة ما سبق: المساجد بيوت الله - تعالى - في الأرض أُسست لتكون محلاً لذكر الله -تعالى - وشكره وحسن عبادته، فهي بحق سوق الآخرة، فيها فليتنافس المنافسون، وليشمِّر عن سواعدهم القائمون العاكفون الركَّع السجود، عن عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ رحمه الله أنه كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ؟ وَمَا تُرِيدُ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ: عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ. (1)
آخْذاً ذلك مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (سُورَةُ فَاطِرٍ: 29) وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُهَا وَكَذَلِكَ انْتِظَارُهَا. (2)
فصل: حكم دخول الجنب والحائض إلى المسجد:
وهذه المسألة مما قد اختلفت فيها أقوال العلماء على نحو ما يلي:
نقول أولاً: أجمع العلماء على أنَّ المحدث حدثاً أصغر يجوز له الجلوس في المسجد، سواء مكث بغرض شرعي، كانتظار صلاة أو اعتكاف أو تعلم قرآن أوعلم، أو لغير غرض شرعي. (3)
أما عن حكم دخول الحائض إلى المسجد والمكث فيه فهذه المسألة ممَّا قد اختلف فيها العلماء، والراجح فيها - والله أعلم - هو قول الأئمة الأربعة - خلافاً للظاهرية - وهو تحريم مكث الحائض فى المسجد ،وكل ما يُلحق بالمسجد من أدوار قد أعدت للصلاة فيها (4)، وهو مروي عن ابن عباس وابن مسعود، وأدلة هذا القول ما يلى: ــ
(1) أخرجه أبوداود في الزهد (441) وسنده صحيح، وانظر بدائع الفوائد (4/ 93).
(2)
وانظر شرح الموطأ للزرقاني (1/ 603)
(3)
انظر المجموع (2/ 173)
(4)
وانظر بدائع الصنائع (1/ 167) والمحلى (2/ 159) وفيض القدير (2/ 503) والإفصاح (1/ 103)
1 -
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)(النساء /43)
وجه الدلالة: إذا مُنع الجنب من المكث فى المسجد - إلا إذا كان عابراً - رغم كونه أخف حالاً من الحائض، فإنَّ الحائض تمنع من ذلك من باب أولى. (1)
2 -
حديث عائشة - رضى الله عنها - أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال لها لمَّا حاضت: افعلي ما يفعل الحاج، غير أنْ لا تطوفي بالبيت حتى تَغْتَسِلِي. (2)
فِي قَوْلِهِ «لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي» : دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْحَائِضِ وَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُهَا عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ قَالَ وَفِيهِ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ الْأَقْذَارِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ. (3)
3 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي- صلى الله عليه وسلم ناوليني الخُمرة من المسجد ، فقلت إني حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ حيضتك ليست في يدك. (4)
(1) وانظر نيل الأوطار (1/ 230) والفتاوى النسائية لابن باز (ص /55) وتسهيل أحكام الحيض (ص/24)
(2)
متفق عليه
(3)
وانظر طرح التثريب (5/ 105) وتنقيح التحقيق (3/ 507) والشرح الممتع (7/ 262)
فإن قيل: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها -عن الطواف لأنَّ الطواف بالبيت صلاة، والصلاة يشترط لها الطهارة، قلنا: لا يمتنع أن يكون الحكم قد تعلق بالسببين، والمعنى: انَّ النهي عن الطواف سببه كون الطواف صلاة، وكون الطواف يقع في المسجد، الذي أمر الشرع بتطهيره من النجاسات، والله أعلم.
(4)
أخرجه مسلم (298) والترمذى (134) الْخُمْرَةُ: السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّى، سُمِّيَتْ خُمْرَةً، لأَنَّهَا تُخَمِّرُ وَجْهَ الْمُصَلِّى عَنِ الأَرْضِ، أَي: تَسْتُرُهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخُمْرَةُ: شَيْءٌ مَنْسُوجٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ تُرْمَلُ بِالْخُيُوطِ، وَهُوَ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّى، أَوْ فُوَيْقَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَظُمَ حَتَّى يَكْفِيَ لِجَسَدِهِ كُلِّهِ فِى صَلاتِهِ أَوْ مَضْجَعِهِ، أَوْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ حِينَئِذٍ حَصِيرٌ وَلَيْسَ بِخُمْرَةٍ.، انظر غريب الحديث (1/ 277) وشرح السنة (2/ 163)
وجه الدلالة: فهمت عائشة - رضى الله عنها - -أنَّ الحائض لا تدخل المسجد فأقرها النبى- صلى الله عليه وسلم -على هذا الفهم ، ولكن بيَّن لها أنَّ دخول يدها بالمناولة لا يعتبر دخولاً لها. (1)
4 -
عن أم عطية- رضى الله عنها- قالت: أُمرنا أن نُخْرِج، في العيدين، العَوَاتق ، وذوات الخدور، وأمر الْحُيَّض أن يعتزِلْنَ مصلى المسلمين. (2)
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَهْجُرُ ذِكْرَ اللَّهِ، وَمَوَاطِنَ الْخَيْرِ، وَمَجَالِسَ الْعِلْمِ، إِلا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، ووجه الدلالة من ذلك أنَّ الحائض إذا كانت تُمنع من دخول المصلى، فمن باب أولى تُمنع من دخول المسجد. (3)
5 -
عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فترجل رأسه وهي حائض (4)
(1) وانظر الفقه الإسلامي وأدلته (1/ 551) ومعالم السنن (1/ 82) وأعلام الموقعين (3/ 16) والثمر المستطاب (1/ 741).
(2)
متفق عليه، العواتق: جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، وقيل هي التي قاربت البلوغ. وقيل هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس. والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن، وأما الخدر فهو الستر يكون في ناحية البيت تصان فيه المرأة، انظر فتح الباري (1/ 424) وشرح مسلم للنووي (6/ 178)
(3)
انظر شرح السنة (2/ 611) وصحيح فقه السنة (1/ 185) والتعليقات الرضية (1/ 281)
(4)
متفق عليه
وفي الحديث فائدة: وهي أنَّ الحائض لا تمكث في المسجد؛ لئلا تلوثه. (1)
فلو كان جائزاً للحائض أن تدخل المسجد لكان الأيسر لعائشة رضي الله عنها أن تدخل المسجد لترجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من أن يخرج رأسه هو صلى الله عليه وسلم إلى حجرتها لترجله، والله أعلم.
تنبيه: ما روى مرفوعاً (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)(2)
(1) وانظر فتح الباري (1/ 401) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 199) وتيسير العلَاّم (1/ 404) وصحيح فقه السنة (1/ 187)
(2)
وقد أخرجه أبو داود (232) فهذا مما لم يصح سنده عن النبى صلى الله عليه وسلم فقد ضعَّفه جملة من العلماء كالبخاري وأحمد والنووي وابن حزم وعبد الحق والبيهقي، وأعلُّوه بجملة من العلل منها:
1 -
فى سنده جسرة بنت دجاجة، قال البخاري في تاريخه: جسرة عندها عجائب. ا. هـ.
وقال ابن حجر: مقبولة، يعني عند المتابعة، وقال البيهقى: فيها نظر ا. هـ فمدار الحديث على جسرة، وهي ممَّن لا يحتمل التفرد.
2 -
كذلك في سنده أفلت بن خليفة، قال عنه ابن حزم:"أفلت غير مشهور ولا معروف بالثقة وحديثه هذا باطل. ا. هـ. قال البغوي: "ضعَّف أحمد هذا الحديث لأنه من رواية أفلت وهو مجهول ا. هـ قال الخطابي: ضعفوا هذا الحديث، وقالوا: أفلت راويه: مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أفلت بن خليفة فقال: شيخ. ((وقول أبي حاتم في الراوي: ((شيخ)) ليس بجرح ولا توثيق، وهو عنوان تليين لا تمتين)).
قلت: قد ورد الحديث من طريق آخر راوه ابن ماجه برقم (645) من رواية جسرة، وهو أيضاً لا يصح سنده، ففى سنده محدوج الذهلى، وهو ساقط يروي المعضلات، وفي اللآلىء عن البيهقي قال (محدوج)، قال البخاري عنه: محدوج عن جسرة فيه نظرا. هـ ((قلت: وإذا قال البخاري: ((فيه نظر)) فهو يريد الجرح في الأعم الغالب))
3 -
كذلك في سنده أبو الخطاب الهجري، وهو مجهول ، وانظر الجرح والتعديل (2/ 346) والمحلى (2/ 160) والمجموع (2/ 182) والفوائد المجموعة (2/ 459) ولسان الميزان (1/ 399) وصحيح ابن خزيمة (1/ 695) والسلسلة الضعيفة (13/ 620)
هو حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فتوى هامة: سُئل العلامة ابن باز رحمه الله عن مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته فصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضاً، فهل يجوز للنساء الحُيَّض دخول هذا الدور السفلي؟
[الْجَوَابُ]
الحمد لله: إذا كان المبنى المذكور قد أُعد مسجداً ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحَّت صلاة الجميع، ولَم يجُز للحُيّض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل؛ لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني لا أُحل المسجد لحائض ولا جنب)(1).
…
أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك، لقوله سبحانه:{ولا جنباً إلا عابري سبيل} .
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد، فقالت إنها حائض فقال صلى الله عليه وسلم (إنَّ حيضتك ليست في يدك).
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزناً فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه، ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه، لكن من صلَّى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين؛ لأنه ليس تابعاً للمسجد في الأرجح من قولي العلماء. (2)
وسُئل الشيخ ابن العثيمين رحمه الله هل يجوز لمعلمة القرآن في الحِلَق أنْ تجلس في المسجد لتعليم الفتيات وهي حائض؟
(1) وهذا الحديث مما لا يصح سنده، وقد سبق تخريجه.
(2)
وانظر الأحكام الشرعية في الفتاوى النسائية (ص/55)
الجواب
لا، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيَّض أنْ يعتزلن مصلى العيد مع أنه خير ودعوة، وكذلك منع الحائض من أن تطوف بالبيت. ا. هـ
فوائد:
1 -
الْحَائِضُ وَالنفَسَاء يجوز مرورُهمَا في المسجد إِنْ أَمِنَتا كل وَاحِدَة مِنْهُمَا التلوِيثَ فِي حَالِ الْمُرُورِ، ، وَإِلَّا فَلَا. فقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَاوِلِينِى الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ» فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِى يَدِكِ» (1)، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ مُرُورِ الْحَائِضِ فِى الْمَسْجِدِ، وَالنُّفَسَاءُ فِى مَعْنَاهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (2)
2 -
المستحاصة يجوز لها دخول المسجد والمكث فيه ، وذلك إذا تلجَّمت بإحكام، ودليل ذلك: حديث عائشة - رضى الله عنها -قالت: اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدم والصفرة، والطست تحتها وهي تصلي. (3)
ففِي هذا الْحَدِيثِ دلالة على جَوَاز مُكْث الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَصِحة اعْتِكَافِهَا وَصَلَاتِهَا وَجَوَازُ حَدَثِهَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ وَيَلْتَحِقُ بِهَا دَائِمُ الْحَدَثِ وَمَنْ بِهِ جُرح يَسِيلُ. (4)
قال ابن القيم: وَالْمُسْتَحَاضَةُ يَجُوزُ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ إذَا تَلَجَّمَت اتِّفَاقًا. ا. هـ. (5)
(1) سبق تخريجه
(2)
وانظر أعلام الموقعين (3/ 24)
(3)
أخرجه البخاري (309) وأبوداود (2476) وترجم له البخاري بقوله "اعتكاف المستحاضة "
(4)
انظر فتح الباري (1/ 598) والفقه الإسلامى وأدلته (1/ 558) وعون المعبود (4/ 554)
(5)
انظرأعلام الموقعين (3/ 24) وتسهيل أحكام الحيض (ص/27)