الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك
يسن الدعاء بعد الفراغ من هذه الأذكار:
عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما -أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ المؤذنين يَفْضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قُلْ كما يقولون، فإذا انتهيت فَسَلْ تعْطَهْ "(1)
قال ابن القيم: في الأذان خمس سنن: إجابته، وقول "رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً- " وسؤال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والدعاء لنفسه ما شاء. (2)
فائدة: قد اشتهر على الألسنة زيادة (الدرجة الرفيعة) في هذا الدعاء، وهي زيادة لا أصل لها في شيء من الأصول المفيدة، وقد قال الحفاظ السخاوي في (المقاصد الحسنة):(لم أرها في شيء من الروايات) وقال شيخه الحافظ العسقلاني في (التلخيص): (وليس في شيء من طرقه ذكر: الدرجة الرفيعة)(3)
ثم يصلي ركعتي تحية المسجد: عن أبي قتادة - رضى الله عنه - قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين)(4)
وقد اختلف العلماء فى حكم هاتين الركعتين، فقال الظاهرية والشوكاني بوجوبها؛ وذلك للأمر بها كما في حديث أبي قتادة السابق، والأمر للوجوب. (5)
والراجح - والله أعلم - هو استحبابها، وهو قول الأئمة الأربعة وابن حزم. (6)
(1) أخرجه أبوداود (524) وقال الألباني حسن صحيح.
(2)
وانظر الوابل الصيَّب (ص/103) وتحفة الذاكرين (ص/149) وصحيح فقه السنة (1/ 287)
(3)
وانظر الثمر المستطاب (ص /191)
(4)
أخرجه أحمد (22601) ومسلم (714)
(5)
وانظر نيل الأوطار (3/ 68)
(6)
وانظر التيسير شرح الجامع الصغير (1/ 93) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 334) والمحلى (2/ 194)
فالواجب على المسلم هو خمس صلوات لا غير، ودليل ذلك:
1 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك- رضى الله عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر حديث الإسراء، وفيه أنَّ الله - تعالى - قَال (هِي خَمْسٌ، وَهِي خَمْسُونَ، لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ)(1)
2 -
عن طلحة بن عبيد الله - رضى الله عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سأله الأعرابي عن الصلوات، قال له النبي- صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال الرجل: هل على غيرهنَّ؟ قال له النبى صلى الله عليه وسلم -لا، إلا أن تتطوع. (2)
قال ابن حجر: اتفق أئمة الفتوى على أنَّ الأمر في ذلك - أي ركعتين تحية المسجد - للندب. ا. هـ (3)
قال القرطبي: وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالرُّكُوعِ عَلَى النَّدْبِ والترغيب. وَقَدْ ذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَحَرُمَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، وَلَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا أَعْلَمُ ا. هـ (4)
3 -
عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه عَلَى اليَمَنِ، قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ. (5)
(1) أخرجه البخاري (349) ومسلم (162)
(2)
متفق عليه
(3)
وانظر فتح الباري (1/ 779)
(4)
وانظر الجامع لأحكام القرآن (12/ 181) ومعرفة السنن والآثار (2/ 335)
(5)
متفق عليه
وهذا الحديث هو أقوى ما يُستدل به؛ لأنَّ بعث معاذ لليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ولو كانت تحية المسجد واجبة، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأنَّ الله - تعالى - قد فرض عليهم ست صلوات، لا خمساً. (1)
ويؤيد هذا الإستحباب: حديث أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا: فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا. (2)
- لكن إذا كانت تحية المسجد سنة - على الراجح - فهي سنة مؤكدة لا تترك بحال، قال النووي: تحِيَّة الْمَسْجِد لَا تُتْرَكُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ تُبَاحُ فِى كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَالٍ لَكَانَ هَذَا الْحَالُ أَوْلَى بِهَا، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تُرِكَ لَهَا اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم لَهَا الْخُطْبَةَ وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ، وَكَانَ هَذَا الْجَالِسُ جَاهِلًا حُكْمَهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (3)
(1) وانظر صحيح فقه السنة (1/ 383)
(2)
أخرجه البخاري (66)
(3)
ذكره النووي فى شرح مسلم (3/ 430)
*فإن قيل: وهل لهاتين الركعتين حكمة في الشرع؟
فجوابه: لا شك أنَّ تأدية هاتين الركعتين لهما أثر فى نفوس الداخل إلى المسجد؛ إذ أنه يشعرهم أنَّهم قد ولجوا مكاناً ذا خاصية مميزة، فتتهيأ النفوس لذلك الأمر بما يليق به.
فرع: هل للبيت الحرام تحية كغيره من المساجد؟
قال شيخ الإسلام: الْمُحْرِمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِشَيءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، ومَن قَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى الطَّوَافِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فقوله هذا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ تَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَهِيَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ، وَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لَمْ يَبْدَءُوا بِشَيءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، أما من كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ ذَكَرَهَا حِينَ الدُّخُولِ، بَدَأَ بِهَا قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهَا وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ حِينَ يَذْكُرُهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَدْرَكَ مَكْتُوبَةً فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَخْشَى فَوَاتَ الطَّوَافِ. ا. هـ (1)
(1) بتصرف يسير من شرح عمدة الفقه (3/ 417)
قال الحافظ العرافي: وَإِنَّمَا تُترك تحية المسجد لمن دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ دَخَلَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَرْضَ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِ الطَّوَافُ وَتَتَأَدَّى التَّحِيَّةُ بِالْفَرْضِ وَرَكْعَتَى الطَّوَافِ، فَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَدْ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الطَّوَافِ لِقُرْبِ الصَّلَاةِ أَوْ خُرُوجِ الْخَطِيبِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ حِينَئِذٍ رَكْعَتَا التَّحِيَّةِ. (1)
سؤال: - من دخل المسجد في وقت النهي، هل يصلي ركعتي تحية المسجد في وقت النهي؟ ؟
الجواب: الراجح والله أعلم- هو قول الشافعي رواية لأحمد، بجواز ذلك، يدل عليه:
1 -
ثبت جواز ركعتي الطواف في كل وقت كما في حديث جبير بن مطعم - رضى الله عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. (2)
(1) وانظر طرح التثريب (2/ 125)
(2)
أخرجه أحمد (16736) الترمذى (869) والنسائى (1/ 284) وصححه الألباني.
2 -
عن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -فَلَمَّا صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِئَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلُوا، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» (1) وفي قوله "فإنها له نافلة ": دليل على أنَّ صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس، إذا كان لها سبب. (2)
3 -
عن أبي هريرة- رضى الله عنه - قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: " يا بلال، أخبرني بأرجى عمل عملته منفعة في الإسلام، فإني قد سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة "، قال: ما عملت يا رسول الله في الإسلام عملاً أرجى عندي منفعة، من أني لم أتطهر طهورا تاما قط في ساعة من ليل أو نهار، إلا صلَّيت بذلك الطهور لربي، ما كتب لي أنْ أصلي. (3)
(1) أخرجه أحمد (17474) والترمذى (219) وأبوداود (575) وصححه الألباني.
(2)
ذكره الخطابي فى معالم السنن (1/ 165) وانظر صحيح فقه السنة (1/ 268)
(3)
أخرجه أحمد (8403) والبخاري (1149) ومسلم (2458)
- سُئل شيخ الإسلام رحمه الله عن تحيَّةِ الْمَسْجِدِ هَلْ تُفْعَلُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْي، أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: قوله صلى الله عليه وسلم} إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ} فَهَذَا فِيهِ الْأَمْرُ بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، وَالنَّهْي عَنْ أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يَرْكَعَهُمَا، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ عُمُومًا مَحْفُوظًا لَمْ يَخُصَّ مِنْهُ صُورَةً بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ.
وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ طَرَفَي النَّهَارِ، وَلَوْ كَانُوا مَنْهِيِّينَ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ لَكَانَ هَذَا مِمَّا يَظْهَرُ نَهْي الرَّسُولِ عَنْهُ، كما أَنَّ النَّهْي عن الصلاة في هذه الأوقات كَانَ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ الشِّرْكِ وَذَوَاتِ الْأَسْبَابِ فِيهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، وَالْفَاعِلُ يَفْعَلُهَا لِأَجْلِ السَّبَبِ لَا يَفْعَلُهَا مُطْلَقًا فَتَمْتَنِعُ فِيهِ الْمُشَابَهَةُ. إذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم -أَمَرَ بِالتَّحِيَّةِ إذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْمَسْجِدَ وَالْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ وَقْتُ نَهْى عَنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَشْغَلُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ، فَأَوْقَاتُ النَّهْى الْبَاقِيَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، والله أعلم. (1)
(1) وانظر مجموع الفتاوى (23/ 200) وصحيح فقه السنة (1/ 268)