الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه نصوص صحيحة صريحة أنَّ السترة تتخذ في المسجد الحرام. وعلى هذا فلا يجوز الصلاة لغير سترة في الحرم، ولا المرور بين يدي المصلِّي عامة، في الحرم وغيره، ولا أعلم دليلًا يستثني المسجد الحرام عن غيره، والوعيد في الأحاديث عام يستحقه كل من يمر بين يدي مصلٍّ في أي مكان. (1)
فصل
ومن الأمور التي يحرم فعلها في المساجد والتي حذَّر الشرع منها: التشويش على المصلين بكل ما هو من شأنه أنْ يُخرجهم من الخشوع الذي هو روح الصلاة.
(1) وأما ما أخرجه أحمد في مسنده (588) عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعًا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطَّوَاف أحد، وفي رواية:(وليس بينه وبين الطَّوَاف سترة))، فهذا قد استدل به من قال: لا سترة في المسجد الحرام. ولكنَّ هذا الإستدلال غير ناهض؛ وذلك لأنَّ الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده، ففي إسناده مجهول، وهو الواسطة بين كثير وجده، قال سفيان بن عيينه: ذهبت إلى كثير فسألته: حديث تحدثه عن أبيك؟ قال: لم أسمعه من أبي، حدثني بعض أهلي عن جدي المطلب.
قلت: وفيه علة أخرى، وهي الاختلاف في إسناده، لذا فقد أعلَّه ابن حجر والمنذري، انظرفتح الباري (1/ 835) ومعرفة السنن والأثار (2/ 119) والسلسلة الضعيفة (928)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم -في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له، فكشف الستور، وقال: إنَّ كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعنَّ بعضكم على بعض بالقراءة " (1)
فتأمل في هذه الواقعة: فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أصحابه رضي الله عنهم عن التشويش على أهل المسجد من المصلِّين والعاكفين، ولو كان ذلك بعلو أصواتهم بقراءة القرآن، فكيف بمن يشوِّش على المصلِّين بالأحاديث الجانبية والضحكات المرتفعة وما شابه ذلك؟ ! ! (2)
قَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِد بالعلم وغيره؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَقَدْ أَدْرَكْت النَّاسَ قَدِيمًا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَكُونُ بِمَجْلِسِهِ، وَمَنْ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ كَانَ يُعْتَذَرُ مِنْهُ، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا أَرَى فِيهِ خَيْرًا. ا. هـ (3)
(1) أخرجه أحمد (11896) وأبوداود (1332) وصححه النووي والحاكم والذهبي، وانظر الصحيحة (1597)
(2)
ومما نأسف له كثيراً أن تجد مثل هذه المشاهد فى مساجد " الأخوة" بصفة خاصة ،فما أن يسلم الإمام من الصلاة حتى تسمع دوياً كدوى النحل ،من الحوارات والضحكات ،وقلما تجد منهم من يختم الصلاة بالأذكار التي سنَّها النبى صلى الله عليه وسلم لأمته.
ووالله إنَّ هذا لهو من أشد الأمور التي تنفِّر الناس من مساجد الملتزمين ،ولا حول ولا قوه إلا بالله.
(3)
انظرغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 310)
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله:
عَنْ مَسْجِدٍ يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ شُهُودٌ يُكْثِرُونَ الْكَلَامَ وَيَقَعُ التَّشْوِيشُ عَلَى الْقُرَّاءِ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ .
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَيْسَ لِأَحَد أَنْ يُؤْذِيَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ: أَهْلَ الصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لَهُ، ويُشَوِّشُ عَلَى هَؤُلَاءِ. بَلْ قَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَيَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ. فَقَالَ:{أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ} . فَإِذَا كَانَ قَدْ نَهَى الْمُصَلِّيَ أَنْ يَجْهَرَ عَلَى الْمُصَلِّي فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ، وَمَنْ فَعَلَ مَا يُشَوِّشُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ فَعَلَ مَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ا. هـ (1)
وتأمل فيما قاله العلامة الألباني- رحمه الله:
ما يقع اليوم في أكثر المساجد وما يسمع من الصوت الشديد من أثر اندفاع الماء من (الحنفيات) واصطدامه بالبلاط مما يحصل منه ضوضاء وتشويش على المصلين فيه؛ ولذلك نرى أنه من الضروري جعل الميضأة في مكان بجنب المساجد لا داخلها. (2)
أقول: لقد وضع الشرع سياجاً حصيناً يضمن للمرء خشوعه في الصلاة، ويمنع عنه كل ما يشوِّش عليه:
ومن ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه أنِّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إِذَا قُدِّمَ العَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاةَ المَغْرِبِ، وَلا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ» (3)
(1) وانظر مجموع الفتاوى (22/ 205)
(2)
ذكره في الثمر المستطاب (2/ 798)
(3)
أخرجه أحمد (6359) والبخاري (672) ومسلم (557)
ومن ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضى الله عنه- قال: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها -سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاتِي» (1)
ففِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى إزَالَةِ مَا يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ مِمَّا فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ فِي مَحَلِّ صَلَاتِهِ. (2)
ومن الأمور التي حرَّمها الشرع، والتي من شأنها التشويش على المصلِّين: -
ما يؤذى الآذان من النغمات التي تحملها أجهزة الهاتف الجوال " المحمول" الذي يحمله المصلُّون في المساجد، فهي لعمر الله لمن أشد الأذى الذي تسرب إلى المساجد، فهذه الهواتف التي تحمل " النغمات الموسيقية "التي حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تضيِّع الخشوع وتذهب به عن قلوب المصلين، لم نكن نتصور يوماً أنَّ مثل هذه الأغاني تدخل إلى مساجدنا.
(1) أخرجه البخاري (374)
(2)
وانظر سبل السلام (1/ 299)
وهذه النغمات التي نسمعها أثناء الصلاة تجمع بين جملة من المساوىء منها: -
1 -
إذهاب خشوع المصلِّين ، والذي هو -أي الخشوع- رأس مال المصلِّي بين يدي ربه عزوجل.
2 -
علو صوت النغمات بالموسيقى المحرَّمة في بيوت الله التي ما أذن الله - تعالى - أنْ ترفع إلا ليذكر فيها اسمه.
لذا فعلى من يحمل مثل هذه النغمات أن يخشى عاقبة هذا الأمر؛ وذلك حين يتحمل ذنوباً بعدد هؤلاء المصلين الذي كان سبباً في تضيع خشوعهم في الصلاة.
وممَّا يدل على حرمة هذه النغمات الموسيقية وبصفة خاصة في المساجد قوله تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) فالمراد بقوله تعالى (أن ترفع) أي تعظَّم ، فلا يذكر فيها الخنى من الأقوال وأنْ تنظف من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات. (1)
يا صاحبَ المحمولِ رفقاً
…
نرجو الهدوء بمساجد الرحمن
بربنا لا تؤذنا حين الصلاة
…
برنين أجراس وألحان
هذا الرنين يصدُّنا عن طاعة الله
…
وتزيد معه وساوس الشيطان
فاقطع رعاك الله أي علاقة
…
بالخلق حين عبادة الرحمن
فعلى من يحمل هذه الهواتف أنْ:
1 -
يغيِّر هذه النغمات المحرمة، ويستبدلها بـ" مقاطع" لا طرب فيها، أو بأناشيد لا موسيقى فيها. (2)
2 -
يغلق المحمول عند دخوله إلى المسجد، فأنت كما تخلع حذاءك على باب المسجد، فاخلع معه الدنيا وما يصلك بها، ومن ذلك: هذا الهاتف الجوال، فالصلاة صلة بينك وبين ربك، والهاتف صلة بينك وبين الناس، فأيُّهما تقدِّم؟ ؟
(1) وانظر نيل الأوطار (2/ 150) والجامع لأحكام القران (6/ 176)
(2)
أما جعل الأدعية الشرعية آلة تنبيه على الهاتف فهذا مما لا يليق بها، فالدعاء عبادة، فكيف نجعله وسيلة تنبيه على الهاتف؟ ! ! كما أنَّه قد تأتيك مكالمة وأنت في الخلاء، فتكون قد أدخلت ذكْر الله -تعالى-إلى أماكن النجاسات، وهذا مما يحرم فعله.
ألا تقدِّم صلاتك على اتصالاتك؟ ! ! (1)
فرع: ويُلحق بما سبق: ما نسمعه في بعض المساجد من دقات ساعات الحائط، والتي تحمل الكثير منها أصواتاً موسيقية، فتجمع بين الحرمتين، حرمة الموسيقى وحرمة التشويش على المصلين، ويزيد الطين بلة إذا كان صوت هذه الساعات يشبه أجراس الكنائس. (2)
(1) ولقد رأيت أمراً عجيباً، رأيته مراراً، رأيت رجلاً يقف في الصف الأول وقد استعد الإمام لتكبيرة الإحرام، وإذ بصوت اتصال يخرج من هاتفه، وهنا كبَّر الإمام، أما الرجل فخرج من الصف ولم يكبر؛ ليرد على الهاتف! !
(2)
قال العلامة الألباني: حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) رواه مسلم عن أبي هريرة، قال ابن حجر: الكراهة لصوته لأن فيه شبهاً بصوت الناقوس وشكله أ. هـ
ومما يؤ سف أن هذا النوع من الساعات قد أخذ يغزو المسلمين حتى في مساجدهم!
بسبب جهلهم بشريعتهم وكثيراً ما سمعنا الإمام يقرأ في الصلاة بعض الآيات التي تندد بالشرك والتثليث والناقوس يدق من فوق رأسه مناديا ومذكراً بالتثليث! !
والإمام وجماعته في غفلتهم ساهون ولقد كنت كلما دخلت مسجداً فيه مثل هذه الساعة عطلت ناقوسها دون أن أمس آلتها بسوء لأنني ساعاتي ماهر والحمد لله.
وما كنت أفعل ذلك إلا بعد أن ألقي كلمة أشرح فيها وجهة نظر الشرع في مثل هذا الناقوس وأقنعهم بضرورة تطهير المسجد منه ..
ومع ذلك فقد كانوا أحياناً مع اقتناعهم لا يوافقون على ذلك بحجة أن الشيخ فلان والعالم فلان وفلان صلوا في هذا المسجد وما أحد منهم اعترض! !
هذا في سورية وما كنت أظن أن مثل هذه الساعة التي تذكر بالشرك تغزو يلا د التوحيد السعودية! !
حتى دخلت مسجد قباء في موسم الحج سنة 1382 هـ فدهشت حين سمعت دق الناقوس من ساعتها فكلمت بعض القائمين على المسجد، ولعل إمامه كان فيهم وأقنعتهم بعدم جواز استعمال هذه الساعة، وخصوصا في المسجد وسرعان ما اقتنعوا ولكنا لما طلبنا منهم أن يسمحوا لنا بتعطيل ناقوسها أبوا!
وقالوا: هذا ليس من اختصاصنا وسنرفع المسألة إلى أولي الأمر وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين ا. هـ وانظرحجاب المرأة المسلمة (ص/84)
ومن صور التشويش التي انتشرت في مساجدنا، والتي يغفل عنها الكثير:
التشويش ليس فقط على حاسة السمع ،بل كذلك على حاسة البصر، وهذا من شأنه كذلك أن يُذهب خشوع المصلين ،ألا وهو تزيين جدران المساجد بالألوان الباهرة واللوحات الملفتة للقلب قبل العين ،وكذلك الفرُش التي تبسط في أرضية المساجد، والتي بها رسومات كفيلة بتضيع خشوع المصلِّين.
أقول: إنَّ مثل هذه الأشياء ممَّا نهى عنها الشرع:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَقَالَ:«شَغَلَنِي أَعْلَامُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ» (1)
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، وهذا نصه:
ما حُكم الصلاة على السجادة التي فيها صور المساجد والقباب التي على القبور والمنارات وأمثالها؟
وأجابت اللجنة بما يلي:
إنذَ تصوير ما ليس فيه روح جائز، والصلاة على السجادة التي فيها صور ما لا روح فيها لا تجوز لما في ذلك من شغل المصلي في صلاته لكنها صحيحة لما رواه أحمد، وأبو داود من طريق عثمان بن طلحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه بعد دخوله الكعبة، فقال:"إني كنت رأيت إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلتُ البيت فنسيتُ أن آمرك أن تخمرها فخمرها، فإنه لا ينبغي أن يكون في قبلة البيت شيء يُلهي المصلي".
(1) متفق عليه. (الخميصة) ثوب خز أو صوف لها أعلام. (بأنبجانيته) هي كساء من صوف لاعلم لها، وهي من أدون الثياب الغليظة.
وروى أحمد، والبخاري من طريق أنس قال: كان قرام لعائشة قد سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أميطي عني قرامك هذا، فإنه لا تزال تعرض لي في صلاتي"ا. هـ
ومن هذه الأحاديث استنبط الفقهاء كراهة تزويق حيطان المساجد ومحاريبها بالأصباغ والنقوش وزخرفتها بالصنائع، فإنَّ الحكم يعم بعموم علته، والعلة الاشتغال عن الصلاة. (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ما أُمرت بتشييد المساجد. (2)
والمراد بالتشييد هنا هو رفع البناء وتطويله ،ومنه قوله تعالى (وبروج مشيدة) ، وهي التي على بناؤها وارتفع.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لتزخرفنَّها كما زخرفت اليهود والنَّصارى. (3)
فإنَّ اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرَّفوا وبدَّلوا، فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم من الزُّخْرُف والنُّقُوش، ووجهُ النَّهى يحتملُ أَنْ يَكُونَ لئَلا تشْغَل المُصَلي. (4)
(1) ذكره ابن الملقن في الإعلام (4/ 69)
(2)
أخرجه أبوداود (448) وعبد الرزاق (5127) وصححه الألباني فى المشكاة (718).
(3)
علَّقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 642) ووصله ابن حجر في التغليق (2/ 238) وسنده صحيح.
(4)
وانظر معالم السنن (1/ 140) وعون المعبود (1/ 435) وشرح السنة (2/ 112) والنهاية في غريب الأثر (2/ 299)
*عن أنس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)(1)
والمعنى: يتفاخر كل أحد بمسجده ويقول: مسجدي أرفع وأوسع وأحسن؛ وذلك رياءً وسمعة، وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عمَّا سيقع بعده ،فإنَّ تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام ، نسأل الله العافية. ا. هـ (2)
وعن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- لمَّا أمر ببناء المساجد قال: أكِنَّ الناس من المطر، وإيَّاك أن تحمِّر أو تصفِّر فتفتن الناس. (3)
(1) أخرجه أحمد (12379) وأبوداود (449) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7421)
(2)
انظرعون المعبود (1/ 435)
(3)
أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (1/ 96)
وتأمل: فإنَّ الدنيا قد فتحت في خلافة عمر رضي الله عنه فلم يغيِّر المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم، ثم جاء الأمر إلى عثمان- رضى الله عنه -، والمال في زمانه أكثر، فلم يزد أن جعل في مكان اللبن حجارة وقصَّة، وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يُقصر هو وعمر عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم -بكراهة ذلك، وليقتدى بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد فى معالي أمورها وإيثار البلغة منها. (1)
(1) قال الألباني: نحن لما كنا في دمشق رأينا المسجد الأموي كعبة الأوربيين والأمريكيين نساءً ورجالاً، لماذا؟ ليصلوا، ليهتدوا؟ لا، لم يكن شيء من هذا، وإنما يتفرجوا على الفسيفساء وعلى النقوش التى نقشت في زمن بني أمية، فالمساجد كما قال عمر رضي الله عنه لما جدَّد المسجد النبوي، قال للبَنَّاء:
…
«أكِنَّ الناس من الحر والقر، ولا تحمِّر ولا تصفِّر» .رضى الله عن عمر، لو جاء اليوم ورأى مسجد «الفيحاء» لرأى العجب العجاب، لرأى أنَّ خبر عبد الله بن عباس تحقق فعلاً ممَّا يدل على أنه تلقَّى ما قاله لفظاً من نبيه معنىً أو لفظاً، حيث جاء في سنن أبى داود بالسند القوى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أمرت بتشييد المساجد»
…
أي: رفع بنيانها، كما قال في القرآن:{وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} قال ابن عباس معقباً على الحديث: «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» ، وزخرفة اليهود والنصارى قد دخلت مساجد المسلمين اليوم، ، ودخول الزخارف إلى المساجد أغرق في الإنكار من دخول الصور إلى البيوت؛ ذلك لأننا اتخذنا المعصية عبادة وتقرباً إلى الله. ا. هـ وانظر الثمر المستطاب (1/ 465)