الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
يشرع صلاة الجنازة في المسجد، وَقد أَجَازَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ والشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ، قالوا لا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى
…
عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ ضِيقٍ وَغَيْرِ ضِيقٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وهو قول أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم، (1) فقد ثبت من حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، حِينَ مَاتَ، لِتَدْعُوَ لَهُ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ- رضى الله عنها-: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ. (2)
(1) وانظر التمهيد (8/ 543) والتنقيح (3/ 651) والإفصاح (1/ 280)
(2)
أخرجه مالك (782) ومسلم (973) وابن حبان (3054) وقول عائشة- رضى الله عنها-: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ! : يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ مَا أَسْرَعَهُمْ إلَى الْإِنْكَارِ وَالْعَيْبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ مَا أَسْرَعَ نِسْيَانَهُمْ لِحُكْمِ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَا أَسْرَعَ النَّاسَ تُرِيدُ إلَى الطَّعْنِ وَالْعَيْبِ قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ يَعْنِي مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوهُ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم. وانظرالمنتقى شرح الموطأ (2/ 18)
يؤيده: عن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال: صُلِّي على عمر بن الخطاب في المسجد. (1)
وفعله عمر - رضى الله عنه - في صلاته على أبي بكر - رضى الله عنه- وذلك بمحضر الصحابة من غير نكير ، فيكون إجماعاً سكوتياً. (2)
قال ابن المنذر: وَفِي صَلَاةِ مَنْ حَضَرَ، فَصَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قُدْوَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ، وَحُجَّةٌ، وَكَذَلِكَ صَلَاتُهُمْ عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ. (3)
يؤيده: - عن نافع أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ- رضى الله عنهما - بَالَ بِالسُّوقِ. ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ. ثُمَّ دُعِيَ لِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. (4)
(1) أخرجه مالك (527) وسنده صحيح، انظر البدر المنير (2/ 268)
(2)
وانظرالاستذكار (3/ 46) والتلخيص الحبير (2/ 295) وشرح الزرقاني على الموطأ (2/ 92)
(3)
وانظر الأوسط (5/ 415) ومعرفه السنن والاثار (3/ 179)
(4)
أخرجه مالك (73) والبيهقي في سننه الصغرى (118) وصححه البيهقي والألباني، وانظر الثمر المستطاب (1/ 765)
قَالَ الرَّبِيعُ: قُلْتُ لِلْشَافِعِيِّ: فَإِنَّا نَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرُوِّيتُمْ هَذَا - يقصد حديث سهيل بن البيضاء - وَرُوِّيتُمْ أَنَّهُ، صلَّى عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَيْفَ كَرِهْتُمُ الْأَمْرَ بِهِ؟ ! ! وَهو عِنْدَكُمْ عَمَلٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَأَنَّا لَا نَرَى مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا حَضَرَ مَوْتَ عُمَرَ فَتَخَلَّفَ عَنْ جِنَازَتِهِ فَتَرَكْتُمْ هَذَا لِغَيْرِ شَيْءٍ. (1)
قال أبو داود: رأيت أحمد ما لا أُحصي يصلي على الجنائز في المسجد. (2)
فليس هناك نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الجنازة في المسجد ، ولا يصح في هذا الباب شيء. (3)
ولكن لم يكن من هديه الراتب الصلاة على الجنازة في المسجد.
قال ابن القيم: وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ الرَّاتِبِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَرُبَّمَا كَانَ يُصَلِّي أَحْيَانًا عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا «صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَأَخِيهِ فِي الْمَسْجِدِ» وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سُنَّتَهُ وَعَادَتَه. ا. هـ (4)
(1) وانظر معرفة السنن والآثار (5/ 317)
(2)
وانظر مسائل أبى داود لأحمد (ص/222)
(3)
وانظر المغنى (2/ 493) والتحديث بما لم يصح فيه حديث د. بكرأبو زيد (ص/88)
(4)
انظر زاد المعاد (1/ 481) وتنقيح التحقيق (2/ 652)
فائدة: -
أما ما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له)
فهذا ممَّا اختلف فيه العلماء ،فضعَّفه بعض العلماء وصححه آخرون، وعلى فرض صحة هذا الحديث- وهو الراجح والله أعلم- (1)، فقد تأوَّله العلماء على وجوه:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم (فلا شيء له): أى فلا شيء عليه ،كما فى قوله تعالى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)(الإسراء/7) أي فعليها، والمعنى: أنه لا حرج لمن صلى الجنازة في المسجد، فلا نهي عن ذلك. (2)
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم (فلا شيء له) أي لا أجر كامل له؛ لأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ من صَلَّى الجنازة فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ، فَلا يَشْهَدُ دَفْنَها، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحَرَاءِ بِحَضْرَةِ الْقُبُورِ يَشْهَدُ دَفْنَها، فَيَسْتَكْمِلُ أَجْرَ الْقِيرَاطَيْنِ. (3)
3 -
أنَّ الحديث لبيان أنَّ صلاة الجنازة في المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد، فيكون الحديث مفيداً لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة زائدة على كونها خارجة نَعَمْ يَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَفِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (4)
4 -
أنَّ النسخة المحققة المشهورة المسموعة من سنن أبي داود (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه)(5)
(1) أخرجه احمد (9865) وأبوداود (3191) وقد ضعَّفه ابن المنذر والنووى والبيهقى وأحمد ،وقال أحمد: تفرد به صالح مولى التوأمة وهو مختلف فى عدالته. ا. هـ
قال ابن عبد البر: وَصَالِح مولى التوءمة مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَنْ لَا يَقْبَلُ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِهِ لِضَعْفِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ فَكَانَ لَا يَضْبِطُ وَلَا يَعْرِفُ مَا يَأْتِي بِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ - أي الحديث المذكور أعلاه -مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ الْبَتَّةَ. ا. هـ
ولكن نقول: أنَّ صالحاً وإن كان قد اختلط، فإنَّ هذا الحديث قد رواه عنه ابن أبى ذئب، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، كما نص على ذلك ابن معين وابن عدى والجوزجاني وابن القيم والألباني، وعليه فلا وجه لتضعيف الحديث، ولذلك قال الإمام ابن قيم بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا:"وهذا الحديث حسن، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل اختلاطه، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط "، قال ابن حجر: صدوق، اختلط بآخره، ا. هـ. وعليه فالحديث لا يقل عن درجة الحسن، وانظرتهذيب التهذيب (2/ 541) والتمهيد (8/ 547) ونصب الراية (2/ 283) وزاد المعاد (1/ 199) والسلسلة الصحيحة (5/ 465) ونثل النبال (2/ 688)
(2)
وانظر الاستذكار (3/ 46) وفيض القدير (6/ 171) والسلسلة الصحيحة (4/ 2351)
(3)
وانظر الإفصاح (1/ 280) وحاشية ابن القيم على السنن (6/ 86) وشرح السنة (3/ 246)
(4)
انظر حاشية السندى على ابن ماجه (1/ 463)
(5)
انظر نصب الراية (2/ 283) وفيض القدير (6/ 171) والتعليقات الرضية (1/ 445)