الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من جملة أداب انتظار الصلاة في المسجد:
الدعاء بين الأذان والإقامة:
عن أنس - رضى الله عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم:
…
" الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة "(1)
وبعد صلاه ركعتي تحية المسجد والسنة القبلية للصلاة، إن كان لها سنة راتبة، وبعد الدعاء بين الأذان والإقامة، يُقبل المسلم على قراءة ورده اليومي وهو في انتظار الصلاة، فإنَّ المرء بإمكانه أنْ يتم ورده اليومي باستغلال هذه الأوقات الثمينة بين الأذان والإقامة وذلك في الصلوات الخمس.
وإنك لتعجب ممَّن يستثقل هذا الوقت الذي بين الأذان والإقامة، على الرغم من الفضائل الكثيرة لهذا الوقت.
مسألة: - حكم التنفل إذا أقيمت الصلاة:
-
نرى بعض إخواننا المصلين إذا قاموا لصلاة نفل، كتحية المسجد أو سنة راتبة مثلاً، ثم أقيمت صلاة الفريضة، نراهم يُتمُّون هذه النافلة، رغم أنَّ صلاة الفريضة قد أقيمت، بل ترى منهم من يُكمل النافلة ولا يلحق بالإمام إلا وهو راكع، وهذا ممَّا قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم -عنه كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)(2)
(1) أخرجه أحمد (12200) والترمذي (212) وأبوداود (521) أما زيادة: قَالُوا: فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» ، فقد قال عنها الألباني: وهى زيادة ضعيفة منكرة، فيها يحيى بن اليمان، وزيد العمِّى، وهما ضعيفان، وانظر تمام المنة (ص/149)
(2)
أخرجه أحمد (10698) ومسلم (710) وأبوداود (1266) وقوله صلى الله عليه وسلم "فلا صلاة إلا المكتوبة"هو نفي بمعنى النهي، كما في قوله تعالى (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ذكره السندي في حاشيته على صحيح مسلم (ص/269)
- وفي رواية" إذا أخذ المؤذن في الإقامة فلا صلاة إلا المكتوبة"(1)
وفى هذا بيان أنه ممنوع من أي صلاة، ولو كانت ركعتي سنة الفجر وغيرها من السنن، إلا المكتوبه، والْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ هي السُّنَّةُ، فَمَنْ أَدْلَى بِهَا فَقَدْ أَفْلَحَ وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَتَدَارُكُهَا بَعْدَ قَضَاءِ الْفَرْضِ أَقْرَبُ إِلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْإِقَامَة حَيّ على الصلاة مَعْنَاهُ هَلُمُّوا إِلَى الصَّلَاةِ أَيِ الَّتِي يُقَامُ لَهَا فَأَسْعَدُ النَّاسِ بِامْتِثَالِ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ عَنْهُ بِغَيْرِهِ. (2)
وحكمة هذا النهي: أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْفَرِيضَةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَشْرَعُ فِيهَا عَقِبَ شُرُوعِ الْإِمَامِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى مِنَ التَّشَاغُلِ بِالنَّافِلة، ولئلا يفوته فضل تحرمه مع الإمام الذي هو صفوة الصلاة، وما يناله من أجر الفعل لا يفي بما يفوته من صفوة فرضه، ولأنه يشبه المخالفة للجماعة. (3)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ، فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ:«يَا فُلَانُ، أَيَّتُهُمَا صَلَاتُكَ؟ الَّتِي صَلَّيْتَ وَحْدَكَ، أَوِ الَّتِي صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ » (4)
(1) أخرجه ابن حبان (2190) وصححه الألباني، وانظرالثمرالمستطاب (1/ 234)
(2)
وانظر فتح الباري (2/ 150) ومعالم السنن (1/ 274)
(3)
وانظر فيض القدير (1/ 379) وشرح مسلم للنووي (3/ 241)
(4)
أخرجه مسلم (712) أبو داود (1261) وابن ماجه (1152)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْإِقَامَةِ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ؛ لأنَّ قوله "أو التي صليت معنا "يدل على أنه قد أدرك الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الركعتين.
وقوله صلى الله عليه وسلم" أيتهما صلاتك " فيه إنكار يريد بذلك تبكيته على فعله.
والمعنى: أَيِ الصَّلَاتَيْنِ مَقْصُودَةٌ عِنْدَكَ وَخَرَجْتَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِأَجْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَكَيْفَ أَخَّرْتَهَا وَقَدَّمْتَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ هِيَ السُّنَّةُ فَذَاكَ عَكْسُ الْمَعْقُولِ إِذِ الْبَيْتُ أَوْلَى مِنَ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ السُّنَّةِ. (1)
(1) وانظرشرح مسلم (3/ 240) ومعالم السنن (1/ 274) وحاشية السندي على ابن ماجه (1/ 352)
فإن قيل: ما حكم النافلة التي يصلِّيها المرء عند إقامة الصلاة؟
نقول: من أحرم بالنافلة قبل إقامة الصلاة، ثم أقيمت الصلاة وهو في النافلة، فأعدل الأقوال أنْ يقال:
1 -
إن علم أنه يُنهى صلاته النافلة دون أن تفوته تكبيرة الإحرام (1)، أتم صلاته، وَلَمْ يَقْطَعْهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .
2 -
إن علم أنه تفوته تكبيرة الإحرام إذا أكمل النافلة قطعها، لهذه الأحاديث، ويكون الخروج منها بالسلام؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "تحليلها التسليم "، ولحديث الرجل الذي صلَّى مع معاذ رضي الله عنه فلمَّا أطال معاذ الصلاة سلَّم الرجل وخرج ثم صلَّى وحده، فالصلاة التي خرج منها الرجل لم تكن صلاة كاملة، ومع ذلك فقد خرج منها بالتسليم والله أعلم. (2)
أما أن يستمر في صلاة النافلة حتى تفوته تكبيرة الإحرام مع الإمام، فالراجح - والله أعلم - هو عدم إجزاء النافلة التى صلاها؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم. إذا إقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فقوله صلى الله عليه وسلم. (لا صلاة) هو نفي صحة لا نفي كمال، ويؤيد هذا التوجيه قوله صلى الله عليه وسلم لمن صلَّى النافلة بعد إقامة الصلاة: يَا فُلَانُ بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ فدل أنَّ الذي أجزأه هي صلاة واحدة فقط، وهي الفريضة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: فلا صلاة إلا المكتوبة، والله أعلم.
(1) وتكبيرة الإحرام تفوت إذا شرع الإمام في فاتحة الكتاب.
(2)
والرواية التي ورد فيها أن الرجل سلَّم ثم صلَّى وحده، رواها مسلم (465) وانظر المغنى (1/ 456) والتيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 77) وصحيح فقه السنة (1/ 519)
فائدة: ما رُوي مرفوعاً (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، إلا ركعتي الصبح) فهذا ممَّا لا يصح سنده. (1)
وعليه فما ذهب إليه جملة من العلماء، كمالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة، من جواز صلاة ركعتي سنة الفجر إذا أقيمت الصلاة فجر، فهذا ممَّا لا دليل عليه.
قال ابن عبد البر: وَلَيْسَ هَذَا- أي صلاة النافلة عند إقامة الصلاة - عِنْدِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ أَنْ تُصَلَّيَا مَعًا وَأَنْ يُصَلِّيَ إِذَا أُقِيمَتِ الْمَكْتُوبَةُ غَيْرَهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَكْتُوبَةٍ وَيَشْتَغِلَ عَنْهَا بِمَا سِوَاهَا. ا. هـ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَثْرَمِ سُئل أحمد بن حنبل -وأنا أسمع- عن رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَمْ يَرْكَعِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ، وَقَالَ أَيْضًا أَصَلَاتَانِ مَعًا. ا. هـ (2)
(1) قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا وَفِيه حجاج بن نصير وَعباد بن كثير ضعيفان. ا. هـ وقال ابن القيم: هذه الزيادة كاسمها زيادة في الحديث لا أصل لها. ا. هـ
انظر عون المعبود (3/ 82) والموضوعات للشوكاني (1/ 56) وأعلام الموقعين (2/ 270) وشرح السنة (2/ 378)
…
لطيفة: دخل أبو يوسف المسجد النبوي والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الإمام في الصبح فقال رجل عامي يا جاهل الذي فاتك من أجر فرضك أعظم مما أدركت من ثواب نفلك، وانظر فيض القدير (1/ 379)
(2)
وانظر الإستذكار (2/ 131، 132) وشرح الزرقاني للموطأ (1/ 456) ونيل الأوطار (3/ 102) وتحفة الأحوذي (2/ 401)
عدم جواز الخروج من المسجد بعد الأذان: يحرم على من دخل المجسد بعد الأذان أنْ يخرج منه إلا لعذر؛ ودليل ذلك حديث أبي هريرة - رضى الله - عنه أنّه رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد الأذان، فقال رضى الله عنه: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، (ثم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي) (1)
وقول الصحابي عن فعل ما أنَّه معصية للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا ممَّا له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدَلِيلِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ وَكَأَنَّهُ سَمِعَ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْه. ا. هـ (2)
قال الترمذي: وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر مثل أن يكون على غير وضوء ، أو أمر لابد منه. (3)
(1) رواه الجماعة إلا البخاري، والزيادة التي بين القوسين أخرجها أحمد (10934) وصححها ابن حجر والمنذري، وانظر إرواء الغليل (1/ 264)
(2)
وانظر نيل الأوطار (2/ 165)
(3)
وانظر سنن الترمذي (1/ 397) ومنار السبيل (1/ 62) وعون المعبود (1/ 515)
*عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يُوَدِّعُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَالَ لَهُ: لَا تَبْرَحْ حَتَّى تُصَلِّيَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا، مُنَافِقٌ، إِلَّا رَجُلٌ أَخْرَجَتْهُ حاجةُ، وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ» فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابِي بِالْحَرَّةِ قَالَ: فَخَرَجَ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ سَعِيدٌ يَوْلَعُ بِذِكْرِهِ، حَتَّى أُخْبِرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَانْكَسَرَتْ فَخِذُهُ ". (1)
ثمَّ إِن الْأَذَان إِنَّمَا هُوَ استدعاء للغائبين، فَإِذا خرج الْحَاضِر فقد فعل ضد المُرَاد.
وعليه فلا يجوز الخروج من مسجد بعد الأذان بلا عذر، أو نية الرجوع. ا. هـ (2)
ولكن: يجوز لمن كانت له حاجة أن يخرج من المسجد بعد الأذان، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ:«عَلَى مَكَانِكُمْ» فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ. (3)
(1) وانظر سنن الدارمي (460) والسلسلة الصحيحة (6/ 58)
(2)
انظر الفروع (2/ 28) وكشف المشكل (3/ 595) وشرح مسلم للنووي (3/ 170) والمحلى (3/ 122)
(3)
أخرجه البخاري (639) ومسلم (605) واللفظ للبخاري، وقد ترجم له البخاري بقوله: بَاب: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟ ففي هذا دلالة على استدلال البخاري بالحديث على جواز الخروج من المسجد بعد الأذان للحاجة.