الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثانى:
ما روي مرفوعاً: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف "، فهذا ممَّا لا يصح سنده عن النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
(1) رواه الترمذي (1089) والبيهقي فى السنن الكبرى (14699) وقال الترمذى: فى سنده عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث لَا يحْتَج بروايته، وعن ابن معين قال: عيسى بن ميمون صاحب القاسم عن عائشة، ليس بشيء ". وعن أبي حاتم قال:" هو متروك الحديث "، عن عبد الرحمن بن مهدي: استعديت على عيسى بن ميمون في هذه الأحاديث عن القاسم بن محمد في النكاح وغيره، فقال: لا أعود، وقد ضعَّف الحديث الزيلعي والبيهقى، وقال الحافظ في الفتح: سنده ضعيف (9/ 226)، وذكره ابن الجوزى فى العلل المتناهية (2/ 138) والشوكانى في الأحاديث الموضوعة (1/ 125) وللحديث لفظ آخر " أَظْهِرُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ" ففيه خَالِد بْن إياس، قال أَحْمَد بْن حنبل: هُوَ متروك الحديث، وقال يَحْيَى: لا يكتب حديثه ليس بشيء، وَقَالَ ابْنُ حَبَّانَ: "يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عن الثقات لا يحل كتب حديثه إلا تعجبًا.
فائدة: أما قول النبي صلى الله عليه وسلم «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» فقد رواه أَحْمد (16130) وابْن حبَان (4066) وَالْحَاكِم (2748) عَن عبد الله بن الزبير مَرْفُوعا، قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. ووافقه الذهبى وصححه ابن حبان، وقال الألباني: أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» فقد صحت بالشواهد، وأما جملة "واضربوا عليه بالدفوف، واجعلوه فى المساجد" فإني لم أجد لها شاهداً فهي لذلك منكرة ا. هـ .. وانظر تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (12/ 283) ونصب الراية (3/ 168) والبدر المنير (9/ 643) والتلخيص الحبير (4/ 487) تهذيب الكمال (4667) وآداب الزفاف (ص/184) وشرح السنة (9/ 47)
فائدة: الراجح - والله أعلم - هو عدم جواز استعمال الدف للرجال، قال ابن حجر: واستدل بقوله (واضربوا عليه) أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن ا. هـ فلا يجوز للرجال استعمال الدف في أصح قولي العلماء، لعموم الأدلة الدالة على تحريم اتخاذ آلة اللهو واستعمالها، كما فى قول النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:" لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ؛ ولأنه من المعازف، وكذلك فقد أجمع العلماء على تحريم المعازف، وممن نقل إجماعهم القرطبي وابن الصلاح وابن حجرالهيتمي وابن القيم وغيرهم. إلا ما استثناه الدليل كالدف بالنسبة للنساء في الأعراس والأعياد، قال شيخ الاسلام ابن تيمية: رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْوَاعٍ مِنْ اللَّهْوِ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ. وَأَمَّا الرِّجَالُ عَلَى عَهْدِهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُ بِدُفِّ وَلَا يُصَفِّقُ بِكَفِّ بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَالتَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ} {. وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. والمتشبهين مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ} ". وَلَمَّا كَانَ الْغِنَاءُ وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَالْكَفِّ مِنْ عَمَلِ النِّسَاءِ كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ مُخَنَّثًا وَيُسَمُّونَ الرِّجَالَ الْمُغَنِّينَ مَخَانِيث وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي كَلَامِهِمْ. ا. هـ. وانظرفتح الباري (9/ 226) ومجموع الفتاوى (11/ 565) وتحفة الأحوذي (4/ 178)
أما حكم عقد النكاح في المساجد: فهو جائز من حيث الأصل، لاسيما إن كان ذلك في بعض الأحيان لا على الديمومة، أو كان أبعد لهم عن فعله في أماكن أخرى بها منكرات.
ودليل مشروعية عقد النكاح في المسجد، من حيث الأصل: حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم -حيث ثبت أنه زوَّجها لأحد أصحابه في المسجد. (1)
وأما الاعتقاد أنَّ عقد النكاح في المساجد سنة مستحبة فهذا ممَّا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، فإنَّ المساجد إنما بنيت لذكر الله - تعالى - والصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك.
وقد سُئلت اللجنة الدائمة عن المواظبة على عقد عقود الزواج في المساجد، هل يعتبر من السنَّة المستحبة، أم يعتبر من البدع؟
فأجابوا:
الأمر في إبرام عقد النكاح في المساجد وغيرها: واسع شرعاً، ولم يثبت فيما نعلم دليل يدل على أنَّ إيقاعها في المساجد خاصة سنَّة، فالتزام إبرامها في المساجد: بدعة، وإن كان يحضر عقد النكاح نساء متبرجات، وأطفال يؤذون من في المسجد، مُنع عقد ذلك النكاح في المسجد؛ لما في ذلك من المفسدة. (2)
(1) أخرجه البخاري (5029) ومسلم (1425) وتأمل: فإنَّ هذه الواقعة جاءت وفاقاً لا قصداً، بمعنى أنه لم يرد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم واعد أحد الصحابة على أن يعقد نكاحه في المسجد؛ ولا يُحفظ أنه كرر ذلك في عقدٍ غير هذه الواقعة، لذا فالقول بأنَّه من السنة إقامة الأفراح في المسجد، فهذا مما لا دليل عليه، والله أعلم.
(2)
وانظر فتاوى اللجنة الدائمة (18/ 110، 111).
- قلت: وكم رأينا من منكرات تقع في بيوت الله - تعالى - فى مثل هذه الأعراس - كم رأينا من عروس تزف بما يعرف بـ "الفرقة الإسلامية "، والتي تحمل المعازف المحرمة، على أبواب المسجد?
- وكم رأينا عروس تزف بثياب شبه عارية، قد أخذت زخرفها وأزيَّنت تسر الناظرين ،ثم تدخل بمثل هذه الثياب إلى المسجد.
- وكم رأينا من نساء حُيَّض قد دخلن المسجد ومكثن فيه من أجل هذه الأعراس.
- وكم رأينا من نساء- من أقارب الزوجين - يأتين إلى العُرس متعطرات متبرجات، وهنَّ يلبسن ما يعرف بـ " فساتين السهرة " وقد علت أصواتهنَّ بصوت "الزغاريد"، وهذا عين ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:{إذا شهدتْ إحداكنَّ المسجد فلا تمسّ طيّباً} . (1)
(1) أخرجه مسلم (443)
فائدة: في حكم "الزغاريد": فقد وردفي "فتاوى اللجنة الدائمة"(19/ 116) ما نصه:
إن كانت هذه الزغاريد بمحضر من الرجال، أو كانت بصوت مرتفع، بحيث يصل إلى مكان الرجال، : فلا تجوز، لما يحصل فيها من تمطيط الصوت، والخضوع به على وجه يحصل التلذذ بسماعه، والفتنة به، لا سيما إنْ عرف صاحبه،
قال الخرشي "قال النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: رَفْعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُخْشَى التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ لَا يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا فِي الْجِنَازَةِ وَلَا فِي الْأَعْرَاسِ، سَوَاءٌ كَانَ زَغَارِيتَ أَمْ لَا ". ا. هـ.
وورد في "شرح مختصر خليل"(1/ 275). ولأجل صعوبة التحكم في الصوت الخارج بها، بحيث لا يصل إلى مكان الرجال، وما يحصل فيه من تمطيط الصوت، والرنة به، صرح بعض أهل العلم بالمنع منها. ا. هـ
وسُئل ابن جبرين رحمه الله:
في الأفراح والمناسبات السعيدة اعتاد النساء على إطلاق الصيحات التي تسمى بـ (الزغاريد) فما حكم الشرع في هذا؟
فأجاب: "لا تجوز هذه الصيحات، فالمرأة لا ترفع صوتها؛ فهو عورة عند الرجال؛ بدليل منعها من الأذان، ومن رفع الصوت بالتلبية؛ فعلى هذا يجوز لهن عند قدوم العروس التهنئة لها، والسلام عليها، والتبريك، والدعاء للزوجين بالخير والسرور، والسعادة الدائمة، بدون رفع صوت، وبدون زغاريد" انتهى من موقع الشيخ ابن جبرين رحمه الله.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله: "لا يجوز للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال؛ لأن في صوتها فتنة؛ لا بالزغرطة، ولا غيرها، ثم إن الزغرطة ليست معروفة عند كثير من المسلمين لا قديمًا ولا حديثًا؛ فهي من العادات السيئة التي ينبغي تركها، ولما تدل عليه أيضًا من قلة الحياء" انتهى."المنتقى من فتاوى الفوزان"(60/ 10).
وبذلك فقد صارت بيوت الله - تعالى - أشبه ما يكون بقاعات الأفراح.
نقول: فإذا انتفت مثل هذه المفاسد العظيمة جاز إقامة الأعراس في المساجد، وإن كان الأولى أن نجنِّب المساجد مثل هذه الأمور، وأن نجعل ذلك في قاعات مخصصة لذلك، يُفصل فيها الرجال عن النساء ، وللنساء في مثل ذلك أن يستخدمنَّ الدفوف (1)، كما ورد عن عائشة- رضى الله عنها- أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يا عائشة ما كان معكم لهو، فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو. (2)
في رواية بلفظ: "فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ
…
فَحَيُّونَا نُحَيِّكُمْ
وَلَوْلَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ
…
مَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ
(1) والدف: بضم الدال وقد تفتح وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر.
(2)
أخرجه البخاري (5162) والحاكم (2749) قال ابن العربي: والأصل في جوازالغناء في الأفراح الشرعية أنَّ القلوب تضجر من الجد، فأذن لها في شيء من اللعب ا. هـ ذكره في عارضة الأحوذي (4/ 248)
قلت: واللهو المقصود هو المباح كضرب دف وغناء ليس فيه وصف للمفاتن وما يثير الشهوات. وفي هذا دلالة على أنَّ الذي ورد في سنة النبي- صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأعراس هو ادخال الفرح على أهل العرس باللهو المباح من الأناشيد التي لا موسيقى فيها، وأما نراه من تناوب المواعظ والكلمات في هذه الأعراس، فهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لمَّا كانت هذه الأعراس مقامة في المساجد، فقد يصعب استبدال الكلمات والمواعظ بأناشيد العرس المباحة داخل المساجد، لذا فالأفضل أن تقام في قاعات مخصصة لذلك، تعلو بها أصوات الأناشيد، ويُفصل فيها الرجال عن النساء.