الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[20]
كِتَابُ اللِّبَاسِ
(كتاب اللباس)
1 - باب
مِنَ الصِّحَاحِ:
3318 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ أحبُّ الثِّيابِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَلْبَسَها الحِبَرة.
قوله: "الحبرة": المُخَطَّط من بُرد اليَمن.
* * *
3319 -
وقالت عائشةُ رضي الله عنها: خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ غَداةٍ وعليهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِن شعرٍ أَسودَ.
قوله: "وعليه مِرط مُرَحَّل"، (المِرط): إزار طويل واسع يُتَّزر به، ويُلقى بعضُه على الكتفين، (المُرَحَّل): ما عليه صورٌ كصور الرَّحْل.
* * *
3321 -
عن أبي بُرْدةَ قال: أخرجَتْ إلينا عائِشَةُ كِساءً مُلَبَّدًا وإزارًا غليظًا
فقالت: قُبضَ روحُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في هذيْنِ.
قوله: "كساء مُلبَّدًّا"؛ أي: مرقَّعًا، يقال للرقعة التي تخاط على صدر القميص: لِبْدَة، والرقعة التي تخاط على ظهر القميص: قَب وقَبيبة.
* * *
3324 -
وقالت عائشةُ: بينا نحنُ جُلوسٌ في بيتِنا في حَرِّ الظَّهيرةِ قالَ: قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُقْبلًا مُتَقَنِّعًا.
قوله: "هذا رسول الله مُقبلًا متقنِّعًا"، (مقبلًا متقنعًا) منصوبان على الحال؛ يعني: قال قائل: قد جاء رسول الله في حال كونه مُقبلًا إلينا متقنِّعًا.
(المتقنِّع): الذي ألقى على رأسه إزارًا لدفع الحَرِّ أو البرد.
* * *
3325 -
وعن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ: فِراشٌ للرَّجلِ، وفِراشٌ لامرأتهِ، والثالثُ للضَّيفِ، والرابعُ لِلشَّيطانِ.
قوله: "الرابع للشيطان"؛ يعني: ما زاد على قدر الحاجة إسراف، والإسرافُ من فعل الشيطان.
* * *
3326 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظرُ الله يومَ القيامةِ إلى مَن جرَّ إزارَه بَطَرًا".
قوله: "من جَرَّ إزارَه"؛ أي: من كان ذَيلُه أو إزاره طويلًا بحيث يجرُّه على الأرض من البَطَر وهو التكبُّر والتبخْتُر.
* * *
3328 -
وقال: "بينَما رَجُلٌ يجرُّ إزارَه مِن الخُيَلاءِ، خُسِفَ بهِ فهو يَتجَلْجَلُ في الأرضِ إلى يومِ القيامةِ".
قوله: "خُسِفَ به"؛ أي: أدخل فيه.
"يتجَلْجَلُ"؛ أي: يدخل في الأرض.
روى هذا الحديثَ ابن عمر.
* * *
3329 -
وقال: "ما أسفلَ مِن الكعبينِ مِن الإزارِ في النَّارِ".
قوله: "ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار"؛ يعني: يجوز تطويلُ الذَّيلِ إلى الكعبين، فما أسفل من الكعبين فهو موجِبٌ لإدخال صاحبه النار.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3330 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يأكلَ الرَّجلُ بشِمالهِ، أو يمشيَ في نعلٍ واحدةٍ، وأنْ يشتملَ الصَّمَّاءَ أو يحتبيَ في ثوبٍ واحدٍ كاشِفًا عن فَرْجهِ.
قوله: "أو يمشي في نعل واحدة"، سبب النهي عن المشي في نعل واحدة وجوه:
أحدها: أن الرَّجُل إذا كانت إحدى رجليه حافيةً فتخرج تلك القدم فيعتمد على القدم المُتنعِّلة فيعسُر عليه المشيُ.
الثاني: أنه إذا اعتمد على القدم المتنعلة تظهر قدمُه الحافية في نظر الناس كأنه أقصر من رجله المتنعلة، فيعِيبُه الناسُ وينسبونه إلى العَرَج، فيكون
تغييرًا لخَلْقِ الله.
الثالث: أن الناس ينسبونه إلى السَّفَه وقلَّة العقل؛ لأن هذا الفعل ليس من فعل العقلاء، وقد ذُكر شرح اشتمال الصَّمَّاء والاحتباء في (باب النهي عنها من البيوع).
* * *
3331 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلْبَسْهُ في الآخرةِ".
قوله: "من لَبسَ الحريرَ في الدنيا لم يَلْبَسْه في الآخرة"، تأويله: من لبس الحرير في الدنيا معتقدًا تحليلَه فهو كافر فلم يدخلِ الجنة، فإذا لم يدخل الجنة لم يلبسْ من حريرها، وإن لبسَ الحرير في الدنيا معتقدًا تحريمَه فتأويلُ الحديث في حقه: أنه لا يدخل الجنة حتى يُطَهَّر من الذنوب؛ إما بالتوبة، أو بأن يعفو الله تعالى عنه بفضله، أو بأن يعذِّبه بقدْر ذنوبه ثم يدخل الجنة ويلبس الحرير.
روى هذا الحديثَ ابن الزبير.
* * *
3332 -
وقال: "إنَّما يلبسُ الحريرَ في الدُّنيا مَن لا خَلاقَ لهُ في الآخرةِ".
قوله: "من لا خلاق له"؛ أي: من لا نَصيبَ له، وتأويل هذا الحديث ما ذُكر.
روى هذا الحديثَ عمر.
* * *
3334 -
وقال عليُّ رضي الله عنه: أُهْدِيَتْ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ سِيَراءَ فبعثَ بها إليَّ فلَبستُها، فعرفْتُ الغضبَ في وجههِ، فقالَ:"إنِّي لم أبعثْ بها إليكَ لِتَلبَسَها، إنما بعثتُ بها إليكَ لتُشَقِّقَها خُمُرًا بينَ النساءِ".
قوله: "حُلَّة سِيَراء"؛ أي: ثوب مُخَطَّط، ووجهُ تحريمِها على الرجال: أنها كانت من إِبْرِيْسَم، أو كان أكثرُها إبرِيسَمًا.
قوله: "لتشقِّقها خُمُرًا"، (الخُمُر): جمع خمار وهي المُقَنَّعة؛ يعني: لتقطعْها قطعة، وكلُّ قطعة قدر خِمار، وتعطي كلَّ امرأة واحدةً منها.
* * *
3336 -
ورُوِيَ عن عمرَ: أنَّه خطبَ بالجابيَةِ فقال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبْسِ الحريرِ إلا في موضعِ إصْبَعَينِ، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ.
قوله: "خطبَ بالجَابية"؛ أي: وعظ الناس بالجابية وهي اسمُ بلدٍ بالشام.
قوله: "إلا موضعَ إصبعَينِ، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ"؛ يعني: يجوز أن يجعل قدر أربع أصابع مضمومة من الحرير علمًا أو فَراويز لثوب، وإنما قلنا: قدر أربع أصابع مضمومة من الحرير لا مُفَرَّجة؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى في هذا الحديث المتقدم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إصبعيه وضَمَّهما.
* * *
3337 -
وعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ: أنها أخرجَتْ جُبَّةَ طَيالِسَةٍ كِسْرَوانِيَّةٍ لها لِبنةُ ديباجٍ، وفرجَيْها مكفوفَيْنِ بالدِّيباجِ، وقالت: هذه جُبَّةُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، كانَتْ عندَ عائشةَ رضي الله عنها، فلمَّا قُبضَتْ، قَبَضْتُها، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يلبَسُها، فنحنُ نغسِلُها للمَرْضَى نستَشْفي بها".
قوله: "جُبَّة طَيالِسة"؛ أي: رَثَّة وهي الخَلَق.
"فَرْجاها"؛ أي: شِقَّاها.
"مكفوفان"؛ أي: مَخِيطان بالحرير؛ يعني: خِيط على طرف كلِّ شق قطعة ثوبِ حرير من الأعلى إلى الأسفل.
* * *
3338 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: رَخَّصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للزُّبيرِ وعبدِ الرحمنِ ابن عوفٍ في لُبْسِ الحريرِ لحِكَّةٍ بهما.
ورُوِيَ: أنهما شَكَوَا القَمْلَ فرخَّصَ لهما في قُمُصِ الحريرِ.
قوله: "فرخص لهما في قمص الحرير"، (القُمُص): جمع قميص؛ يعني: يجوز لبس الحرير إذا دعت ضرورة إلى لبسه؛ كالحرِّ والبرد المُهْلِكَين، وكما إذا فاجأته الحربُ ولم يجدْ غيره، أو دعت إليه حاجةٌ بأن كان به جَرَبٌ أو حِكَّة، أو لَبسه لدفع القَمْل.
* * *
3339 -
عن عبدِ الله بن عمرِو بن العاصِ رضي الله عنه: أنَّه قال: رَأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فقال: "إنَّ هذه مِن ثيابِ الكُفَّارِ فلا تلبسهما".
وفي روايةٍ: "قلتُ: أَغسِلُهما؟ قال: "أَحرِقْهما".
قوله: "رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبينِ مُعَصْفَرينِ فقال: إنَّ هذه مِنْ ثيابِ الكُفَّار"، (المُعصفر): المصبوغ بالعُصْفر وهو شيء أحمر يقال له بالفارسي: خسك، كَرِهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الثوبَ الذي جميعه (1) أحمر للرجال؛ لأن لبسه تشبيهٌ
(1) في "ش": "صبغُه".
للرجال بالنساء، وقيل: النهي مختصٌّ بالمعصفر دون المصبوغ بحُمرة أخرى؛ لأن للمعصفر رائحةً لا تليق بالرجال، ويجوز المصبوغ بالحُمرة من المعصفر وغيره للنساء.
قوله: "إن هذا من ثياب الكفار"؛ يعني: الكفار هم الذين لا يميزون الرجال من النساء في اللبس بخلاف المسلمين، فإن الرجالَ لا يلبسون ثياب النساء.
قوله: "أحرقهما"، هذا مبالغة للزَّجر، وقد جاء في الصِّحاح برواية أخرى: أن عبد الله بن عمرو لمَّا عرف الكراهة في وجه النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلبسه الثياب المعصفر ألقى ذلك الثوبَ في تِنَّور وأحرقَه، فلما أتى إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما فعلتَ بثوبك؟ " فقال: أحرقتُه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أفلا كَسَوتَها بعضَ أهلِك، فإنه لا بأسَ بها للنساء".
* * *
مِنَ الحِسَان:
3340 -
عن أمِّ سَلَمةَ رضي الله عنها: أنَّها قالت: كانَ أحبُّ الثِّيابِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم القميصَ.
فقولها: "كان أحبُّ الثيابِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميصَ"، (الثياب) جمع ثوب، وهو اسم لما يَسْتُر به الرجلُ نفسَه مَخِيطًا كان أو غيرَ مَخِيط.
و (القميص): اسم لما يلبسه الرجل من المَخِيط الذي له كُمَّان وجَيب.
* * *
3341 -
عن أسماءَ بنتِ يزيدَ رضي الله عنها قالت: كانَ كُمُّ قميصِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى الرُّسْغِ. غريب.
قولها: "إلى الرُّسْغ"؛ أي: إلى الكُوع.
* * *
3342 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا لبسَ قميصًا بدأَ بميامِنِهِ.
قوله: "بدأ بميامنه"؛ أي: أخرج يدَه اليمنى في الكُمِّ قبل اليسرى، وكذلك في السَّراويل.
* * *
3343 -
وعن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إزْرَةُ المؤمنِ إلى أنصافِ ساقَيْهِ، لا جُناحَ عليهِ فيما بينَهُ وبينَ الكعبينِ، ما أسفلَ مِن ذلكَ ففي النارِ"، قال ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، "ولا ينظرُ الله يوم القيامةِ إلى مَن جَرَّ إزارَهُ بَطَرًا".
قوله: "إزرة المؤمن"، (الأُزرة): الإزار، (الأنصاف) جمع نِصْف.
* * *
3345 -
عن أبي كبشةَ رضي الله عنه قال: "كانَ كِمامُ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بُطْحًا".
قوله: "كانت كمَامُ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بُطْحًا"، (الكِمام) جمع كُمَّة وهي القَلَنْسُوة.
(البطح): جمع أبطح وبَطْحاء، والأبطح: المُنْبسط، وقَلَنْسُوة بطحاء: التي تُلْصق على الرأسِ غير مرتفعةٍ عن الرأس.
* * *
3346 -
عن أمِّ سلمَةَ قالت لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم حينَ ذَكَرَ الإِزارَ: فالمرأةُ يا رسولَ الله؟ قال: "تُرْخي شِبْرًا"، فقالت: إذًا ينكشفُ عنها - ويُروَى: تنكشفُ أقدامُهنَّ - قال: "فذراعًا، لا تَزيدُ عليهِ".
قوله: "تُرخِي شِبْرًا"؛ أي: تُسْبل ذيلَها أو إزارها قَدْرَ شِبْر؛ يعني: يجوز للنساء إطالةُ أذيالهن بحيثَ يَصِلُ قدرُ ذراعٍ من أذيالهنَّ إلى الأرض لتكون أقدامُهنَّ مستورةً.
* * *
3347 -
عن معاويةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في رَهْطٍ مِن مُزَيْنَةَ، فبايعوهُ وإنه لَمُطْلَقُ الإِزارِ، فأدخلتُ يدَيَّ في جيبِ قميصِهِ، فمَسَسْتُ الخاتمَ.
قوله: "وإنه لَمُطْلَقُ الإزار"، (المطلق): المفتوح، و (الإزار) هنا بمعنى: القميص؛ يعني: كان قميصُه مفتوحًا واسعًا، ولم يكن مشدودَ الأزرار- الأزرار: جمع زِر: وهو ما تَعلَّق بالعُروة، والعُرْوة: حِلَق الجَيب، وكان عادة العرب أن تكون جُيوبُهم واسعةً فربما يشدُّونه وربما يتركونه مفتوحًا -.
* * *
3348 -
عن سَمُرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اِلبَسُوا الثيابَ البيضَ، فإنها أَطْهرُ وأطيبُ، وكفِّنوا فيها مَوْتاكم".
قوله: "البسُوا الثيابَ البيضَ فإنَّها أطهرُ وأطيبُ"، إنما قال:(أطهر)؛ لأنه لم تصل إليه يدُ الصِّبَاغ، فإن الصِّبغ قد يكون نجسًا بتلطُّخه وملاقاته شيئًا نجسًا، فإن الثياب الكثيرة إذا أُلقيت في ظَرف الصِّبغ يمكن أن يكون بين تلك
الثياب ثوبٌ نجس فينجُسُ الصِّبغ، فالاحتياط أن لا يصبغ الثوب، ولأن المصبوغ إذا وقعت عليه نجاسة لا تظهر مثل ظهورها إذا وقعت في ثوب أبيض، فإذا كانت النجاسة أظهرَ في ثوب الأبيض يغسِلُه صاحبه فقد عُلِمَ أن الثوبَ الأبيض أطهرُ من غيره.
قوله: "وأطيب"؛ أي: أحسن؛ لأن الثوب الأبيض بقي على اللون الذي خلقه الله عليه، وتركُ تغييرِ خلق الله أحسن وأحبُّ، إلا إذا جاء نصٌّ باستحباب تغييره كخِضاب المرأة يدَها بالحِنَّاء وخِضاب الشَّعر.
* * *
3349 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اعْتَمَّ سَدَلَ عمامَتَهُ بينَ كتفيْهِ. غريب.
قوله: "سَدَلَ عِمامَته"؛ أي: أسبلَ جُزْءَ عِمامته خلفَ ظهره.
* * *
3350 -
وعن عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ رضي الله عنه: أنه قال: عمَّمَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فسدَلَها بينَ يديَّ ومِن خلفي".
قوله: "فَسدَلها"؛ أي فأسبلَ لعِمَامتي جزأين؛ أحدَهما خلفَ ظهري، والآخرَ على صدري.
* * *
3351 -
وعن رُكانةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"فَرْقُ ما بَينَنا وبينَ المُشركينَ، العَمائمُ على القَلانِسِ"، صحيح.
قوله: "فَرْقُ ما بينَنا وبينَ المشركين العمائمُ على القَلانس"؛ يعني: كان
المشركون يعمِّمون على رؤوسهم من غير أن يكون تحت العمامة قَلَنْسُوة، ونحن نعمِّمُ على القَلَنْسُوة.
* * *
3352 -
عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أُحِلَّ الذَّهبُ والحريرُ للإِناثِ مِن أمَّتي، وحُرِّمَ عن ذكورِها"، صحيح.
قوله: "أُحِلَّ الذهبُ والحريرُ للإناث من أمَّتي، وحُرِّم على ذكورها"، أراد بتحليل الذهب والفضة على النساء الحلي دون الأواني، فإنَّ الأواني من الذهب والفضة حرامٌ على الإناث كالذُّكور.
* * *
3353 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا استَجَدَّ ثوبًا سمَّاهُ باسمهِ، عمامةً، أو قميصًا، أو رداءً"، ثم يقولُ: "اللهمَّ لكَ الحمدُ كما كَسَوْتَنِيهِ، أسألُكَ خيرَه وخيرَ ما صُنِعَ لهُ، وأعوذُ بكَ مِن شرِّه وشرِّ ما صُنِعَ لهُ".
قوله: "استَجَدَّ"؛ أي: إذا لبس ثوبًا جديدًا سمَّاه باسمه؛ مثل أن يقول: رزقني الله هذه العمامةَ، أو هذا القميصَ، أو يقول: كَساني الله هذه العمامةَ، وما أشبه ذلك، ثم يدعو، ويحتمل أن يسمِّي ذلك الثوب عند قوله:(كما كسوتني) بأن يقول: اللهمَّ لك الحمدُ كما كسوتني هذا الثوبَ أو هذه العمامةَ وغيرهما.
* * *
3355 -
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشةُ! إنْ أردتِ اللُّحوقَ بي فليكفِكِ مِن الدُّنيا كزادِ الرَّاكبِ، وإيَّاكِ
ومجالسةَ الأغنياءِ، ولا تستخلقي ثوبًا حتَّى ترقعيهِ"، غريب.
قوله: "ولا تَسْتَخْلِقي ثوبًا"؛ أي: ولا تتركي ثوبًا ولا تُلقيه حتَّى تَخِيطي عليه رُقْعة، ثم تَلبسيه مرةً أخرى، أراد صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث: تحريضَ عائشةَ على ترك الدنيا واختيارِ القَناعة.
* * *
3356 -
وقال: "إنَّ البَذاذَةَ مِن الإيمانِ".
قوله: "إن البَذَاذةَ من الإيمان"، (البذاذة): خُلُوقة الثوب؛ يعني: ترك الزينة واختيار الفقر بلبس الخَلَقِ من الثياب من كمال الإيمان.
روى هذا الحديثَ إياس بن ثعلبة.
* * *
3357 -
وقال: "مَن لبسَ ثوبَ شُهْرةٍ في الدُّنيا، ألبسَهُ الله ثوبَ مَذَلَّةٍ يومَ القيامةِ".
قوله: "مَنْ لَبسَ ثوبَ شُهْرة"؛ يعني: من لبس ثوبًا مُزيَّنًا للتفاخر والتكبُّر ألبسه الله ثوبَ مَذَلَّة يوم القيامة.
* * *
3358 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَشبَّهَ بقومٍ فهو منهم".
قوله: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"؛ يعني: من شَبَّه نفسَه بالكفار في اللباس وغيره من المحرَّمات، فإن اعتقد تحليلَه فهو كافر، وإن اعتقد تحريمَه فقد أَثِمَ،
وكذلك من شَبَّه نفسه بالفُسَّاق، ومن شبَّه نفسَه بالنساء في اللباس وغيره فقد أَثِم.
* * *
3359 -
وقال: "مَن تركَ لُبْسَ ثوبِ جَمالٍ وهو يقدرُ عليهِ - ويُروَى: تَواضعًا - كساهُ الله حُلَّةَ الكرامةِ".
وقال: "مَن زَوَّجَ للهِ توَّجَهُ الله تاجَ الملكِ".
قوله: "كسَاه الله حُلَّة الكَرامة"؛ يعني: من ترك ثوبَ زينة مع القدرة عليه أكرمه الله وألبسَه من ثياب الجنة.
روى هذا الحديث معاذ بن أنس.
* * *
3360 -
عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يُحِبُّ أن يَرى أثرَ نِعمَتِهِ على عبدِه".
قوله: "أن يرى أثرَ نعمتِه على عَبْدِه"؛ يعني: إذا آتى الله عبدًا من عباده نعمةً من نِعَم الدنيا فليُظْهِرْها من نفسه بلبس لباسٍ يليق بحاله إذا لم يكن ذلك اللباسُ محرَّمًا، ولتكنْ نيتُه في لبس ذلك اللباس إظهارَ نِعَمِ الله ليقصِدَه المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات، ولا يجوز أن يكتُم نِعَمَ الله بحيث لا يعرفُه المحتاجون، ولا يَصِلُ منه خيرٌ إلى الناس، وكذلك العلماء لِيُظْهروا علمَهم ليعرفَهم الناسُ ليستفيدوا من علمهم.
* * *
3361 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: أتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زائِرًا، فرأَى رجلًا شَعِثًا قد تفرَّقَ شَعرُهُ فقال:"أَما كانَ يجدُ هذا ما يُسَكِّنُ بهِ رأسَهُ"، ورأَى رَجُلًا عليهِ ثيابٌ وَسِخةٌ فقال:"أَما كانَ يجدُ هذا ما يغسلُ بهِ ثوبَهُ".
قوله: "رأى رجلًا شَعِثًا"؛ أي: متفرقَ شعرِ الرأس، أراد بهذا الحديث: أنه لا ينبغي للرجل أن يشبه نفسَه بالحيوان غيرِ الآدمي، بل ليتطَهَّر وليتطيَّب وليتزيَّن، فإن الله تعالى قال:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىَ آدَمَ} [الإسراء: 70] وقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِرينَ} [البقرة: 222].
* * *
3362 -
عن أبي الأَحْوَصِ الجُشَميِّ رضي الله عنه، عن أبيهِ قال: رآني النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعليَّ أَطمارٌ فقال: "هل لكَ مِنْ مالٍ؟ " قلتُ: نعم، قال:"مِن أيِّ المالِ؟ " قلتُ: مِن كلٍّ قد آتاني الله، مِن الشَّاءِ والإِبلِ، قال:"إذا آتاكَ الله مالًا فلتُرَ أثرُ نعمةِ الله وكرامتِهِ عليكَ".
قوله: "وعليَّ أَطْمار"، الواو للحال، (أطمار): جمع طُمر، وهو الثوب الخَلَق.
"فلتر نعمة الله وكرامته عليك"؛ يعني: البس ثوبًا يليق بحالك ليعرف الناس أنك غني، وأن الله قد أنعم عليك بأنواع النعم.
* * *
3363 -
وعن عبدِ الله بن عَمرٍو رضي الله عنه قال: مَرَّ رجلٌ وعليهِ ثَوْبانِ أحمرانِ، فسلَّم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلَمْ يَرُدَّ عليهِ.
قوله: "مرَّ رجلٌ وعليه ثوبانِ أحمرانِ فسلَّم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يَرُدَّ عليه"، هذا الحديث يدل على أن مَنْ كان مشغولًا بمَنْهيٍّ في وقت تسليمه لا يستحقُّ جوابَ السلام، ويستحب أن يقول المُسلَّم عليه: إنما لم أردَّ عليك السلامَ لأنكَ مشغولٌ بالمنهي.
* * *
3364 -
عن عِمرانَ بن حُصَينٍ رضي الله عنه: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أركبُ الأُرْجُوانَ، ولا أَلبَسُ المُعَصْفَر، ولا أَلبسُ القميصَ المكفَّفَ بالحريرِ"، وقال:"ألا وَطِيبُ الرِّجالِ ريحٌ لا لونَ لهُ، وطيبُ النِّساءِ لونٌ لا ريحَ لهُ".
قوله: "لا أركبُ الأرْجُوان"، (الأرجوان): ورد أحمر؛ يعني: لا أجلس على ثوب أحمر، ولا أركب دابة على سَرْجِها مِيثرة حمراء، والمِيثرة: وسادة صغيرة توضع في السَّرج.
قوله: "ولا ألبسُ القميصَ المكُفَّفَ بالحرير"، هذا الحديث يناقض حديث أسماء بنت أبي بكر فإنها أخرجت جُبَّة طَيالِسَة كِسْرَوانيَّة فَرْجَاها مَكْفُوفان بالدِّيباج، وتأويل هذا الحديث: أن ما كُفِّف بالحرير من الثوب أكثر من قَدْرِ ما رُخِّص وهو قدر أربع أصابع، أو يُتأول هذا الحديث على الوَرَع وذلك الحديث على الرُّخصة.
قوله: "وطِيبُ الرجالِ ريحٌ لا لونَ له، وطِيبُ النساءِ لونٌ لا ريحَ له"، (الطِّيب): اسمٌ لِمَا يَجِدُ الرجلُ منه تلذُّذًا؛ إما بالفَمِ كالأطعمة اللذيذة، أو بالعين كالألوان المُسْتَمْلَحة، أو بالأنف كالرائحة الطَّيبة؛ يعني: ليكن طيبُ الرجال رائحةً دون اللون كرائحة ماء الورد والعود وغيرها من الروائح الطيبة، وليكن طيبُ النساء لونًا دون رائحة كخِضاب اليد والرِّجل بالحِنَّاء، ولا يجوز لهنَّ التطيُّبُ بما له رائحة طيبة عند الخروج من بيوتهنَّ إلى صلاة أو عبادة أو غيرها، فيجوز لهنَّ التطيبُ عند أزواجهنَّ إذا لم يخرجْنَ من بيوتهنَّ.
روى هذا الحديثَ عِمْران بن حُصَين.
* * *
3365 -
وعن أبي ريحانةَ رضي الله عنه قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عشرٍ: عن
الوَشْرِ، والوَشْمِ، والنَّتْفِ، وعن مُكامَعةِ الرَّجُلِ الرَّجلَ بغيرِ شِعارٍ، ومُكامعةِ المَرأةِ المَرأةَ بغيرِ شِعارٍ، وأنْ يَجعَلَ الرَّجلُ في أسفلِ ثيابهِ حريرًا مثلَ الأعاجِمِ، أو يَجعلَ على مَنْكِبَيْهِ حريرًا مثلَ الأعاجمِ، وعن النُّهْبَى، ورُكوبِ النُّمورِ، ولُبوسِ الخاتم إلا لِذِي سُلطانٍ.
قوله: "عن الوَشْر": وهو ترقيق السِّنان بحَديدة.
و (الوشم): وهو أن يَغْرِز إبرة على ظهر الكف أو غيره ويجعل فيه شيئًا ليبقى نقشُه.
و (النتف) أراد بهذا النتفِ نتفَ الشعر من الوجه كعادة النساء، ونتف الشعر الأبيض من اللحية كيلا يظن الرجل أنه صار أشيب، ونتف الشعر عند المصيبة من الرأس.
"ومُكامَعة الرجلِ الرجلَ بغير شِعَار"، (المكامعة): المضاجعة، الشعار: اللباس؛ يعني: لا يجوز أن يضطجع رجل عند رجل عارِيَين، وكذلك المرأتان.
"وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا"؛ يعني: لبس الحرير حرام على الرجال سواء كان تحت الثياب أو فوقها، وعادةُ جُهَّال العَجَم أن يلبسوا تحت الثياب ثوبًا قصيرًا من الحرير لتَلْيين أعضاءهم.
"أو يجعل على منكبه حريرًا مثل الأعاجم"؛ يعني: نهى أن يجعل الرجل علم حرير على قميصه، وتأويل هذا النهي: أنه يكون أكثر من قدر ما رُخِّص فيه كما ذكر قبل هذا.
"وعن النُهبى"؛ يعني: عن إغارة أموال المسلمين.
وعن "ركوب النمور"، (النمور): جمع نمر؛ يعني: عن الجلوس على جلد النمر، ووجه النهي: أنه نجس إن لم يكن مدبوغًا، وإن كان مدبوغًا فطاهر، إلا أن الجلوس عليه رُعُونة وتكبر.
"ولبس الخاتم إلا لذي سلطان"؛ يعني: لا يجوز لبس الخاتم من الفضة إلا لسلطان فإنه يحتاج إليه لختم الكتاب وغيره، وهذا النهي منسوخٌ، بل يجوز لجميع الرجال التختُّمُ بالفضة، كما يأتي في بابه.
* * *
3366 -
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن خاتمِ الذَّهَبِ، وعن لُبْسِ القَسِّيِّ والمياثِر".
وفي روايةٍ: عن مَياثِر الأُرْجُوان.
قوله: "وعن لُبْسِ القَسِّيِّ"، (القسي): ثوب من حرير.
قوله: "المياثر" جمع مِيْثَرة، وهي وسادة صغيرة توضع في السَّرج، وإنما سمِّيت مِيثرة لوَثَارتها كما ذُكر.
* * *
3367 -
وعن معاويةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَركبُوا الخَزَّ ولا النِّمارَ".
قوله: "لا تركبوا الخَزَّ"، (الخز): ثوب من إِبْرِيْسَم وصُوف، وقد يُستعمل في الثوب من الإبريسَم والقُطْن والكَتَّان، والمراد به ها هنا: الثوب الَّذي كلُّه من إبريسَم، أو أكثرُه من إبريسَم.
و"النمار": جمع نمر، وقد ذُكر.
* * *
3369 -
عن أبي رِمْثَةَ التَّيمِيِّ رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعليهِ ثَوْبانِ أخضرانِ، ولهُ شعرٌ قد علاهُ الشَّيبُ وشَيبُهُ أحمرُ.
وفي روايةٍ: وهو ذو وَفْرَةٍ، وبها رَدْعٌ من حِنَّاءٍ.
قوله: "قد علاه الشَّيبُ"؛ أي: صار أشيبَ وشيبُه أحمر؛ يعني: كان قد خَضَّب شعره الأبيض بالحِنَّاء.
"ذو وَفْرة"، (الوفرة): شعر الرأس الذي وصل إلى شَحْمة الأذن.
"وبها"؛ أي: وبالوفرة "رَدْغ"؛ أي: أَثَرٌ من الحِنَّاء.
* * *
3370 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ شاكِيًا، فخرج يَتَوكَّأُ على أسامةَ، وعليهِ ثوبٌ قِطْريٌّ قد تَوَشَّحَ به، فصَلَّى بهم.
قوله: "كانَ شَاكيًا"؛ أي: مريضًا.
"يتوكأ"؛ أي: يتكأ.
"ثوب قطر"، (القطر) - بفتح القاف وكسرها -: نوع من البُرود فيه حُمرة، القطر موضع بين عمان وسَيف البحر، وسيف الساحل: القِطر؛ أي: من الثوب المنسوب إليه.
"توشَّحَ به"؛ أي ألقى ذلك الثوبَ على عاتقيه؛ لأنه كان شِبْهَ رداء.
* * *
3371 -
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثوبانِ قِطْرِيَّانِ غَليظانِ، فكانَ إذا قعدَ فعرِقَ ثَقُلا عليهِ، فقدِمَ بَزٌّ مِن الشَّامِ لفلانٍ اليهوديِّ، فقلتُ: لو بعثتَ إليه فاشتريتَ منهُ ثَوْبينِ إلى المَيْسَرَةِ، فأَرسلَ إليه فقالَ: قد علمتُ ما يريدُ، إنما يريدُ أنْ يذهبَ بمالي، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"كذبَ؟ قد علمَ أنِّي من أتقاهُم وآدَاهُمْ للأَمانةِ".
قولها: "قَدِمَ بَزٌّ من الشام"، (البز): الثوب؛ يعني: أتى تاجرٌ بثوب من الشام.
قولها: "لو بعثتَ إليه فاشتريتَ منه ثوبينِ إلى المَيْسرة"، (الميسرة)؛ أي: الغِنَى، جواب (لو) محذوف؛ يعني: لو أرسلت إلى ذلك اليهودي واشتريتَ ثوبين بثمن مؤجَّل إلى أن يحصل لك شيء من المال لَكانَ حسنًا حتى لا يتأذى بهذين الثوبين القِطْريين، وكان القِطْريان من الصُّوف، وهذا البَزُّ كان من القُطْن، فاستحسنت عائشةُ هذا البَزَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون القِطْر.
قوله: "قد علمتُ ما يريدُ"؛ يعني: قال ذلك اليهوديُّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: علمتُ ما تريد، إنما تريد أن تأخذ مني الثوبَ ولا تؤدي ثمنه إليَّ.
قوله: "قد عَلِمَ"؛ يعني: علم ذلك اليهوديُّ أنِّي أتقى الناسِ وأحسنِهم وفاءً بالعهد والأمانة؛ لأنه قد قرأ في التوراة صفتي، ولكن إنما يقول:(يريد أن يذهبَ بمالي) مِنَ الحسد.
* * *
3372 -
عن عبدِ الله بن عمرِو بن العاصِ رضي الله عنه قال: "رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعليَّ ثوبٌ مَصْبوغٌ بعُصْفُرٍ مُوَرَّدًا فقال: "ما هذا؟ " فعَرَفْتُ ما كرِهَ، فانطلقتُ فأحرقْتُه، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما صنعتَ بثوبكَ؟ " فقلتُ: أحرقتُه، قال: "أَفَلَا كَسَوْتَهُ بعضَ أهلِكَ، فإنه لا بأسَ بهِ للنِّساءِ".
قوله: "مُوَرَّدًا"؛ أي: أحمر كلون الورد.
* * *
3373 -
عن هلالِ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن أبيه قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بمِنَى يخطُبُ على بغلةٍ وعليهِ بُرْدٌ أحمرُ وعليٌّ يُعَبرُ عنه.
قوله: "وعليه بُرْدٌ أحمر"، تأويل هذا: أن ذلك البُرد لم يكن أحمر كلَّه، بل كان عليه خُطوط حُمْر.
قوله: "وعليٌّ يعبرُ عنه"؛ يعني: علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قائمًا يفسِّر ويُوصل كلامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى الناس؛ لأنه من كَثْرةِ الخَلْق لا يَصِلُ صوتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى جميعهم.
* * *
3374 -
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: صُنِعَتْ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بُرْدَةٌ سوداءُ فلَبسَها، فلمَّا عَرِقَ فيها وجدَ ريحَ الصُّوفِ فقَذَفَها.
قولها: "فقذفها"؛ أي: ألقاها.
* * *
3375 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: أَتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مُحْتَبٍ بشَمْلَةٍ قد وقع هُدْبُهَا على قدمَيْهِ.
قوله: "وهو يحتبي". (الاحتباء): أن يجلس الرجل على وَرِكَيه وينصِبَ ركبتيه بحيث يكون بَطْنا قدميه موضوعَين على الأرض.
قوله: "ويحتبي بشَمْلَة"، يحتمل أن يكون معناه: كان جالسًا على هيئة الاحتباء، وألقى شملة خلفَ ركبتيه، وأخذ بكلِّ يدٍ طرفًا من تلك الشَّملةِ ليكون كالمتَّكئ على شيء، وهكذا تكون عادةُ العرب إذا لم يتكئوا على شيء أخذوا رُكَبَهم بأيديهم، وألقوا حبلًا أو مِنْطَقة أو غيرهما خلفَ ركبهم، ويشدُّونه خلف ظهرهم.
ويحتمل أن يكون معناه: أنه كان جالسًا على هيئة الاحتباء وعليه شملة قد ائتزرَ بها.
قوله: "قد وقع هدبها على قدميه"، (الهدب): حاشية الإزار، وهذا يدل على أنَّ إطالة الذَّيل والإزارِ أسفل من الكعبين في الجلوس جائزٌ، والمنهي في إطالة الذيل أسفل من الكعبين إنما كان عند المشي والقيامِ دون القعود.
* * *
3376 -
عن دِحْيَةَ بن خليفةَ رضي الله عنه قال: أُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَباطيَّ فأعطاني منها قُبطِيَّةً فقال: "اصدَعْها صَدْعَينِ، فاقطعْ أحدَهما قميصًا وأعطِ الآخرَ امرأتَكَ تختمرُ بهِ"، فلما أدبرَ قال:"وأْمُرِ امرأتَكَ أنْ تجعلَ تَحْتَهُ ثوبًا لا يصِفُها".
قوله: "بقُبَاطي": هي جمع قُبْطِيَّة وهي الثوب الأبيض المصري.
"اصْدَعْها"؛ أي: اقطَعْها.
"صَدْعين"؛ أي: قطعتين.
قوله: "تختَمِرُ به"؛ أي: تجعله خِمارًا.
قوله: "لا يصِفُها"؛ يعني: كان ذلك القُبْطي رقيقًا بحيث يظهر منه لونُ البشرة، فأمرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل تحته مقنعة أخرى كيلا يظهر لون شعرها وجسدها، وكان ذلك القُبطي من الكَتَّان ولم يكن من الإِبْرِيْسَم؛ لأنه لو كان من الإبريسَم لم يجوِّزْ لدِحْية أن يلبَسَه.
* * *
3377 -
عن أمِّ سلَمَةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ عليها وهي تختمِرُ فقال: "لَيَّةٌ لا لَيَّتَيْنِ".
قوله: "لَيَّةٌ لا لَيَّتين"؛ أي: أَدِيري خِمَارَك على رأسك دَورة واحدة لا دورتين كيلا يشتبه اختمارك بلَيَّ عمامة الرجال، فإنه لا يجوز للنساء تشبيهُ أنفسهنَّ بالرجال ولا الرجال بالنساء.
* * *