الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هي أرضُ رَيْعِنا ومِيرتِنا، وإنَّ وباءها شديدٌ؟ فقالَ:"دَعْها عنكَ فإنَّ مِن القَرَفِ التَّلَفَ".
قوله: "أرضٌ عندنا هي أرضُ رَيْعِنا": هذا الحديث مثل الحديث المتقدم.
(الرَّيع): الزيادة؛ يعني: يحصل لنا فيها الثمار والنبات.
و (المِيْرَة): الطعام.
"دَعْها"؛ أي: اتركْها.
"فإن من القَرَفِ التلفَ".
(القَرَف) بفتح القاف والراء: مداناة الوباء، والوباء: البلاء والمكروه الذي يعمُّ؛ يعني: من قارَبَ متلفًا يَتلَفُ؛ يعني: إذا لم يكن هواءُ تلك الأرض موافقًا لكم فاتركوها.
* * *
3 - باب الكهَانَةِ
(باب الكهانة)
قوله: "الكهانة": الإخبار عن علم الغيب؛ يعني: عما كان مستورًا عن الناس، والذين يخبرون عن الغيب أنواع: كاهن، وعرَّاف، ومنجِّم.
فالكاهن: مَن يدَّعي أن له أصحابًا من الجن يخبرونه عما سيكون في الزمان المستقبل، ومِن الكهَّان مَن يقول: أعرفُ الغيبَ بفهمٍ أُعطيته.
والعرَّاف: مَن يقول: إني أعرف المسروقَ ومكانَ الضالَّة.
والمنجِّم: مَن يُخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه وسيره، كلُّ ذلك
مذمومٌ في الشرع، فإن الغيبَ لا يعلمه إلا الله، ويجوز تعلُّم علم النجوم بقَدْر ما يُعرَف به الأيام والليالي، والسَّنة والشهور والساعات، ومواقيت الصلاة واستقبال القِبْلَة.
مِنَ الصِحَاحِ:
3551 -
عن مُعاويةَ بن الحَكَمِ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أمورًا كنا نصنعُها في الجاهليةِ، كنَّا نأتي الكُهَّانَ؟ قال:"فلا تَأتُوا الكُهَّانَ" قال: قلتُ: كُنَّا نتطيَّرُ؟ قال: "ذلكَ شيءٌ يجدُه أحدُكم في نفسِهِ فلا يَصُدَّنَّكم"، قال: قلتُ: وما مِنَّا رِجالٌ يَخُطُّونَ؟ قال: "كانَ نبيٌّ من الأنبياءِ يَخُطُّ فمَنْ وافقَ خطَّهُ فذاكَ".
قوله: "كنَّا نأتي الكهَّان": قد ذُكر هذا الحديث في باب (ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه).
* * *
3552 -
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سألَ أُناسٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الْكُهَّانِ؟ فقالَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بشيءٍ"، قالوا: يا رسولَ الله! فإنَّهم يُحَدِّثونَ أحيانًا بالشَّيءِ يكونُ حَقًّا؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تلكَ الكلِمةُ مِن الحقِّ يخطَفُها الجِنِّيُّ فيَقُرُّها في أُذُنِ وَلِيهِ قَرَّ الدَّجاجةِ، فيخلِطونَ فيها أكثرَ مِن مِئَةِ كَذْبةٍ".
قوله: "ليسوا بشيءٍ"؛ يعني: ليس قولُهم صدقًا.
"يكون حقًّا"؛ أي: صدقًا؛ أي: يظهر مثلَ ما أخبروا به.
"تلك الكلمة من الحق يخطفها"؛ يعني: تلك الكلمةُ من الصدق يخطفُها الجن أي: يسلبها ويسرقها؛ يعني: يصعد الجني إلى أن يَقرُبَ من السماء ويستمع ما تقول الملائكة مما أمر الله تعالى به من الوقائع، مثل أن يقولوا: يكون في
الناحية الفلانية في هذه السَّنة قحطٌ أو مطرٌ أو زلزلةٌ وما أشبه ذلك، فيستمع ذلك الجني تلك الكلمةَ من الملائكة، ويجيء أولياءَه من كهَّان الإنس ويقول لهم تلك الكلمةَ، ويخبر الكهَّانُ الناسَ بتلك الواقعة، فلمَّا يسمع ناسٌ من الكهَّان تلك الواقعةَ ويَظهر صدقُ ما أخبر به الكهَّان، فيعتقدون صدقَ جميع ما أخبر به الكهَّان، فيترددون إلى الكهَّان، ويسألون عما سيكون من الوقائع، ويخبرهم الكهَّان بجميع ما سألوهم، وربما يظهر صدقُ خبرٍ وكذبُ مئة خبرٍ أو أكثر.
فالذي ظهر صدقُه هو الذي سمع من الجني الذي سمع ذلك الخبرَ من الملائكة، والذي ظهر كذبُه هو ما قاله الكهَّان من تلقاء أنفسهم.
واعلم أن الجنَّ كانوا يصعدون ويسمعون ما قالت الملائكة بعضهم مع بعض، ولا يمنعهم أحدٌ قبلَ ولادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلمَّا وُلد نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كانت الجنُّ يصعدون السماءَ فيُرجَمُون بكواكبَ أمثالِ النار، فيُحرقون.
قوله: "قَرَّ الدجاجة"؛ يعني: قرًّا مثل قَرِّ الدجاجة.
(القَرُّ): صبُّ الماء البارد على أحدٍ، وتقريرُ الكلام وتثبيتُه في أذن المستمع؛ يعني: يقول الجني ما سمعَه من الملائكة لوليه من الكهَّان.
(قَرَّ الدجاجة)؛ يعني: كما يُصوِّت الدجاج بصوتٍ لا يُفهَم، فكذلك الجني يَقَرُّ في أذن الكهَّان بحيث لا يطَّلع عليه غيره، وقيل: معنى (قَرَّ الدجاجة): إنزاء الدِّيك على الدجاج؛ يعني: كما يلاصق الديك بالدجاجة، وَيصبُّ مَنِيَّه عليها ويتولَّد من مَنِيه بيضاتٌ كثيرةٌ، فكذلك الجنيُّ يُلاصِقُ فمَه على أذن الكاهن ويصبُّ كلامَه في فمه، ويتولَّد منه كلماتٌ، فيَصدُق في بعضها ويَكذِب في أكثرها.
ويُروى: "قَزَّ الدجاج" بالزاي المعجمة، فعلى هذه الرواية معناه: كما يُصَبُّ الماءُ في قارورةٍ من قارورةٍ أخرى، فكذلك الجنيُّ يصبُّ كلامَه في الكاهن.
* * *
3554 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أَتَى عَرَّافًا فسألَه عن شيءٍ لم تُقبَلْ له صلاةٌ أربعينَ ليلةً".
قوله: "مَن أتى عرَّافًا، فسأله عن شيء لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين ليلةً": قد ذُكر شرح (العرَّاف) قُبيلَ هذا، فإن أتى أحدٌ عرَّافًا، فسأله شيئًا، فأخبره عن عيبٍ، فإن صدَّقه في ذلك الخبر فهو كافرٌ حتى يجدِّد الإيمانَ، ولا تُقبَل له صلاةٌ ولا غيرُها من الطاعات قبل أن يجدِّدَ الإيمانَ.
وإن لم يُصدِّقه فلم يكفر، ولكن لا تُقبَل كمالُ صلاتِه وغيرِها من الطاعة أربعين يومًا كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
رَوَتْ هذا الحديثَ صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
3555 -
عن زيدِ بن خالدٍ الجُهنيَّ قال: صلَّى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبحِ بالحُديبيةِ على إثرِ سماءٍ كانت من اللَّيلِ، فلمَّا انصرفَ أقبلَ على النَّاسِ فقال:"هلْ تدرونَ ماذا قالَ ربُّكم؟ " قالوا: الله ورسولُه أعلمُ، قالَ:"أصبحَ مِن عبادِي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأمَّا من قال: مُطِرنا بفضلِ الله وبرحمتِه فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكواكبِ، وأمَّا مَن قالَ: مُطِرنا بنوْءِ كذا وكذا فذلكَ كافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بالكواكبِ".
قوله: "على إثر السماء"؛ أي: بعد نزول مطرٍ، كان قد نزل ذلك المطر في الليل.
"أصبح مِن عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ"، (مِن) هنا: للتبعيض؛ أي: أصبح بعضُ عبادي مؤمنًا بي وكافرًا بالكواكب، وبعضُهم كافرًا بي ومؤمنًا بالكواكب بسبب نزول المطر.
* * *
3556 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما أنزل الله مِن السَّماءِ من بركةٍ إلا أصبحَ فريقٌ مِن النَّاسِ بها كافرينَ، يُنَزِلُ الله الغيثَ فيقولونَ: بكوكبِ كذا وكذا".
قوله: "من بركة"؛ أي: من مطر.
* * *
مِنَ الحِسَانِ:
3557 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَن اقتبسَ عِلْمًا مِن النُّجومِ؛ اقتبسَ شُعبَةً مِن السَّحْرِ، زادَ ما زادَ".
قوله: "مَنِ اقتبسَ علمًا من النجوم اقتبسَ شُعبةً من السِّحر".
(اقتبس)؛ أي: تعلَّم، (الشُّعبة): البعض، والمراد بها ها هنا: القطعة والبعض؛ يعني: كما أن تعلُّمَ السِّحر والعملَ به حرامٌ، فكذلك تعلُّم علم النجوم والتكلُّم به حرامٌ، وقد ذُكر ما يجوز تعلُّمه من علوم النجوم.
* * *
3558 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أَتَى كاهِنًا فصدَّقه بما يقولُ، أو أَتَى امرأتَه حائِضًا، أو أتى امرأتَه في دُبُرِها فقد بَرِئَ مما أُنزِلَ على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم".
قوله: "مَن أتى كاهنًا": ذكر شرح هذا الحديث في (باب الحيض).
° ° °