المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب قصة ابن الصياد - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٥

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌5 - باب قصة ابن الصياد

قوله: "مَهْيَمْ"، (مهيم): كلمة يمانية معناه: ما لك؟ وما شأنك؟ و (أسماء) منادى مفرد معرفة، وحُذِفَ منه حرف النداء تخفيفًا، تقديره: يا أسماء.

قوله: "والله إنا لنعجِنُ عجينَنا فما نقدرُ أن نخبزَهُ حتى نجوعَ" الحديث.

يعني: إنا لنعجن الدقيقَ ونهيئه للخبز، فما نقدر أن نخبزه لأجل هَمٍّ عظيم خلعَ أفئدتنا، وحيَّر عقولَنا بذكر الدجال، فكيف حال من ابتلى بزمانه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يُجزِئهم ما يُجزِئ أهلَ السماءِ من التسبيح والتقديس".

يعني: يكفيهم ما يكفي الملأ الأعلى من التسبيح والتقديس؛ يعني: من ابتلي بزمانه في ذلك اليوم لا يحتاجُ إلى الأكل والشرب، كما لا يحتاجُ الملأ الأعلى إليهما.

* * *

‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

(باب قصة ابن الصياد)

قيل: ابن صيَّاد ليس بدجَّال، بل هو يهودي وُلِدَ في المدينة، ومعروف أبواه، وقيل: هو دجَّال.

مِنَ الصِّحَاحِ:

4248 -

عن عبدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ عُمرَ بن الخَطَابِ انطلقَ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رَهْطٍ منْ أَصْحابهِ قِبَلَ ابن صيَّادٍ حتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ معَ الصِّبيانِ في أُطُمِ بني مَغالةَ، وقدْ قارَبَ ابن صيَّادٍ يَوْمَئذٍ الحُلُمَ، فَلَمْ يَشعُرْ حتَّى ضَرَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بيدِه ثمَّ قالَ:"أتشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟ " فنظرَ إليهِ فقالَ: أَشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الأُمِّيينَ، ثُمَّ قال ابن صيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟

ص: 437

فَرَضَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قالَ:"آمنتُ بالله ورسولِهِ"، ثُمَّ قالَ لابن صيّادٍ:"ماذا تَرَى؟ " قال: يأتِيني صادِقٌ وكاذِبٌ، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"خُلِّطَ عَلَيكَ الأمرُ"، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنِّي خَبأْتُ لكَ خَبيئًا"، وخَبأَ لهُ {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ، فقالَ: هوَ الدُّخُّ، قالَ:"اخْسَأْ، فلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"، قال عُمَرُ: يا رسولَ الله! أتأذَنُ لي فيهِ أضْرِبْ عنُقَه؟ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ يَكُنْ هوَ فلا تُسلَّطُ عليهِ، وإنْ لمْ يكُنْ هوَ فلا خيرَ لكَ في قتلِهِ"، قال ابن عمرَ: انطلقَ بعدَ ذلكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأُبَيُّ بن كَعْبٍ الأَنْصارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ التي فيها ابن صيَّادٍ، فطَفِقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتَّقي بجُذوعِ النَّخْلِ، وهوَ يَخْتِلُ أنْ يسمعَ منْ ابن صيَّادٍ شيئًا قبلَ أنْ يراهُ، وابن صيَّادٍ مُضْطَجِعٌ علَى فِراشِهِ في قَطِيفَةٍ لهُ فيها زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أمُّ ابن صيَّادٍ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهوَ يتَّقي بجُذوعِ النَّخْلِ فقالت: أيْ صَافِ! وهوَ اسمُه، هذا مُحَمَّدٌ، فَتَنَاهَى ابن صيَّادٍ، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لو تَرَكَتْهُ بيَّنَ"، قالَ عبدُ الله بن عُمَرَ: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في النَّاس فأثنَى على الله بما هوَ أَهْلُهُ، ثمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فقالَ:"إنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وما منْ نبَيٍّ إلا وقدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لقد أنذرَهُ نُوحٌ قومهُ، ولكنِّي سأقولُ لكمْ فيهِ قَوْلًا لمْ يقلْهُ نبيٌّ لقومِهِ: تعلمونَ أنَّهُ أَعْوَرُ، وأنَّ الله ليسَ بأَعْوَرَ".

قوله: "في رهط من أصحابه"، (الرهط): ما دونَ العشرةِ من الرجال، لا يكون فيه امرأةٌ، وهو اسمُ مفرد وُضعَ للجمع.

قوله: "حتى وجدوه يلعب"، (حتى) ها هنا: حرفُ ابتداءٍ يُستأنَفُ بعده الكلام، ويفيدُ انتهاءَ الغاية، و (يلعب) حال من الضمير المنصوب في (وجدوه)، والعامل فيه ما يعمل في ذي الحال، وهو قوله:(وجدوا).

و"الأُطُم": جمع آطام، وهو الحصن.

"رصَّه" بالصاد غير المعجمة؛ أي: ضغطه وضمَّ بعضه إلى بعض، ومنه:

ص: 438

{بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].

قال في "شرح السنة": (رضَّه) بالضاد المعجمة؛ أي: كسره.

قال الخطابي: صوابه: أن يكون بالصاد غير المعجمة.

قوله: "ماذا ترى؟ قال: يأتيني صادقٌ وكاذبٌ"؛ يعني: قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يأتيك ما يقول لك؟ قال: يحدثني بشيء قد يكون صادقًا، وقد يكون كاذبًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خُلِّط عليك الأمرُ"؛ يعني: هو شيطان يغويك، فيخلط عليك الكذب بالصدق.

(خَبَأ): أضمر.

"الدُّخُّ": الدخان.

قال الشاعر:

عندَ رواقِ البيتِ يغشَى الدُّخَّا

أي: تلقي الدخان عنده.

قوله: "اخسَأْ فلنْ تعدوَ قدرَك": (اخسأ): كلمة زجر للكلب، استعمله فيه حقارة له؛ يعني: أبعِدْ عن الإخبار بالمغيبات، أين أنت عن هذا؟

(فإنك لن تعدو قدرك)؛ يعني: لن تقدر على الإخبار عن الغيب، فإنك لست بنبي، ولا الذي يأتيك ملك، بل شيطان أو جني، فإذا كان كذلك، فلا يحصل لك علمُ الغيب لا محالة.

قوله: "إن يكنْ هوَ لا تُسلَّط عليه": (هو) ضمير الدجال؛ يعني: إن يكن الدجَّال ابن صياد، فلا تقدر أن تقتله؛ لأن قاتله يكون عيسى صلى الله عليه وسلم.

قال الخطابي في "المعالم": وقد اختلف الناسُ في أمر ابن الصياد اختلافًا شديدًا، وأشكل أمره حتى قيل فيه كلُّ قول.

ص: 439

وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف بقَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدَّعي النبوة كاذبًا، ويتركه بالمدينة يساكنه في داره، ويجاوره فيها؟ وما معنى ذلك؟ وما وجُه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان؟ وقوله بعد ذلك:"اخسأ فلن تعدو قدرك"؟

قلت: والذي عندي: أن هذه القصة إنما جرت معه أيامَ مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودَ وحلفاءَهم، وذلك أنه بعد مقدمه المدينةَ: كتب بينه وبين اليهود كتابًا صالحهم فيه على أن لا يُهاجوا، وأن يُتركوا على أمرهم، وكان ابن الصياد منهم، أو دخيلًا في جملتهم، وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرُهُ، وما يدَّعيه من الكهانة، ويتعاطاه من الغيب، فامتحنه صلى الله عليه وسلم بذلك؛ ليرُوزَ به أمرَهُ، ويَخبرَ شأنَهُ، فلمَّا كلَّمه علم أنه مبطل، وأنه من جملة السحرة والكهنة، أو ممن يأتيه رِئيٌّ من الجن، أو يتعاهده شيطان، فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قول: الدخ، زَبَرَهُ وقال:"اخسأ فلن تعدوَ قدرك" يريد: أن ذلك شيء اطَّلعَ عليه الشيطان، فألقاه إليه، فأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي السمائي، إذ لم يكن له قدرُ الأنبياء الذين يُوحَى إليهم علم الغيب، ولا درجةُ الأولياء الذين يقيمون العلم، ويصيبون بنور قلوبهم، وإنما كانت له تاراتٌ يصيب في بعضها، ويخطئ في بعض، وذلك معنى قوله:(يأتيني صادق وكاذب)، فقال له عند ذلك:"قد خلط عليك".

فالجملةُ من أمره: أنه كان فتنة قد امتحنَ الله به عباده المؤمنين؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيَّ عن بينة، وقد امتُحِنَ قومُ موسى عليه السلام في زمانه بالعجل، فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا من هداه الله، وعصمه منهم. هذا كله لفظ الخطابي.

قوله: "وهو يختل"؛ يعني: يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسترقَ السمع من ابن الصياد على غفلةٍ منه؛ ليعلم أنه على الحق، أو على الباطل.

ص: 440

قال في "شرح السنة": ومنه: ختلُ الصيدِ، وهو أن يؤتى من حيثُ لا يشعر، فيُصاد.

قوله: "له فيها زمزمة": أورد في "شرح السنة": وقال يونس، عن الزهري:(زمزمة) بالزاي.

وقال: عقيل عن الزهري: (رمرمة) بالراء.

وقال معمر عن الزهري: (رَمْزَة) أو (زَمْرَة).

قال الشيخ: هذه الألفاظ معانيها متقاربة؛ (الرمرمة) تكون بمعنى الحركة؛ يعني: إذا كانت بالراءين المهملتين، و (الزمزمة) بالزاي: الصوت، يقال: زَمْزَمَ يزمزِمُ زمزمةً: صوَّت.

وقيل في شأن زمزم: سميت به؛ لصوتٍ كان من جبريل عليه السلام عندها يشبه الزمزمة.

وقيل: لأن هاجر زمَّت الماء؛ لتحجر عليه، وأصلها: زمهم.

ومن قال: (رمزة) فمن الرمز، وهو الإشارة، وقد تكون بالعينين والحاجبين والشفتين، وأصله: الحركة. هذه اللفظة مروية في "شرح السنة" على سبيل الترديد.

"قال: زمزمةٌ، أو رمرمةٌ"؛ يعني: وردت هذه اللفظة؛ إما بالزايين المعجمتين، أو بالراءين المهملتين.

قال الإمام شهاب الدين التُّوِرِبشتي في "شرحه": ورواه بعضهم بالراء المهملة، وهو تصحيف.

"أيْ صافِ"؛ يعني: يا صاف!

"فتناهى"؛ أي: سكت وترك الكلام.

ص: 441

قوله: "لو تركته بيَّن"؛ يعني: لو تركته أمُّه بحاله، ولم تخبره بمجيئي، لبيَّن ما في نفسه، وكنت أسمعُ ما يقول وأعرفه.

* * *

4249 -

عن أبي سعيدٍ الخدْرِيِّ قال: لقِيَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وعُمَرُ في بَعْضِ طُرُقِ المَدينةِ، فقالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أتَشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟ " فقال هو: تَشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "آمنتُ بالله وملائِكتِهِ وكُتُبهِ ورُسُلِهِ، ما تَرَى؟ " قال: أَرَى عَرْشًا على الماءِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تَرَى عَرْشَ إِبْليسَ على البَحْرِ، وما تَرَى؟ " قالَ: أَرَى صادِقَيْنِ وكاذِبًا، أو كاذِبَيْنِ وصَادِقًا، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لُبسَ عليهِ فَدَعوهُ".

قوله: "أرى صادقين وكاذبًا أو كاذبين وصادقًا"؛ يعني: يأتيني شخصان يخبران بما هو صدق، وشخص يخبرني بما هو كذب، أو بالعكس.

والشكُّ من ابن الصياد في عدد الصادق والكاذب دليلٌ على اختلافه وافترائه؛ لأن مَنْ كان مؤيدًا بالتأييد الرباني والوحي السماوي لا يُخلَّى هو وجهله.

قوله: "لُبسَ عليه فدعوه"، (التلبيس): التخليط.

(فدعوه)؛ أي: اتركوه؛ يعني: أعرضوا عنه، فإنه قد خلط عليه أمره، فحينئذ لا يُعوَّل على قوله وفعله، وهذا دليلٌ على أن مَن زلَّ قدمه عن المنهج القويم والصراط المستقيم، وما أفاق عن نيَّة ضلالته وغوايته بعد أن لاحتْ له البراهينُ الساطعة، والدلائل اللائحة، فينبغي أن نُعرِضَ عنه.

* * *

4250 -

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ: أنَّ ابن صَيَّادٍ سأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ تُربةِ

ص: 442

الجنَّةِ، فقال:"دَرْمَكَةٌ بَيْضاءُ مِسْكٌ خالِصٌ".

قوله: "دَرْمَكَةٌ بيضاء"، (الدرمكة): الدقيقُ الحواريُّ الأبيض، فإذا كان كذلك فقوله:(بيضاء) للتأكيد، كما تقول: أبيضُ يَقَقٌ، وإنما شبَّه تربةَ الجنة بالدرمكة لبياضها، وبالمسك لطيبها.

* * *

4251 -

عن نافعٍ قال: لقيَ ابن عُمرَ ابن صَيَّادٍ في بَعْضِ طُرُقِ المدينةِ، فقالَ لهُ قولًا أَغْضَبَهُ، فانتَفَخَ حتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، فدخلَ ابن عُمرَ على حَفْصَةَ وقدْ بَلَغَها، فقالتْ لهُ: رَحِمَكَ الله، ما أَرَدْتَ منْ ابن صَيَّادٍ؟ أما علِمْتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّما يَخْرُجُ منْ غَضْبَةٍ يغضَبُها".

قوله: "فانتفخ"؛ أي: صار ذا نفخٍ؛ يعني: صار بدنه منتفخًا ذا ريحٍ من الضبِ "حتى ملأ تلك السِّكةً" من بدنه.

قوله: "قد بلغها"؛ أي: بلَّغَ ابن عمر تلك القصة التي جرت بينه وبين ابن الصياد إلى حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له:

"رحمكَ الله ما أردت من ابن صياد؟ "(ما) في (ما أردت) للاستفهام، محله نصب؛ لكونه مفعول (أردت) مقدَّمًا عليه؛ أي: أيَّ شيء أردتَ منه، و (من) مفعول ثانٍ لها، تقول: أردتُ من زيد الخيرَ.

قوله: "إنما يخرجُ من غضبةٍ يغضبها"؛ يعني: إنما يخرج الدجَّال حين يغضب.

* * *

4252 -

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قال: صَحِبْتُ ابن صَيَّادٍ إلى مَكَّةَ، فقالَ

ص: 443

لي: ما لقيتُ من النَّاسِ؟ يَزْعُمونَ أنِّي الدَّجَّالُ، أَلَسْتَ سَمِعْتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: إِنَّهُ لا يُولَدُ لهُ؟ وقدْ وُلِدَ لي، أوَ ليسَ قدْ قالَ: هو كافِرٌ؟ وأنا مُسْلِمٌ، أَوَلَيْسَ قدْ قالَ: لا يَدْخلُ المدينةَ ولا مَكَّةَ؟ وقدْ أَقْبَلْتُ منَ المدينةِ وأنا أُريدُ مَكَّةَ، ثمّ قال لي في آخِر قولهِ: أَمَا والله إنَّي لأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ ومكانَهُ وأيْنَ هوَ، وأعرفُ أباهُ وأُمَّهُ، قال: فَلَبَسَنِي، قال: قلتُ لهُ: تبًّا لكَ سائِرَ اليَوْمِ. قال، وقيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أنَّكَ ذاكَ الرَّجُلُ؟ قال: فقالَ: لوْ عُرِضَ عليَّ ما كَرِهْتُ.

قوله: "ما لقيتُ من الناس؟ ": (ما) في (ما لقيت) استفهامٌ بمعنى الإنكار، منصوب تقديره: أيَّ شيءٍ لقيت؟ و (من) في (من الناس) بيان موضع اللقيان؛ أي: اللقيانُ صَدَرَ من الناس لا من غيرهم، أو لابتداء الغاية؛ يعني: ابتداء اللقاء من الناس، ولم يُخبر عن المنتهى؛ يعني: اقتصر على اللقيان منهم دون غيرهم.

قوله: "لأعلم مولده ومكانه وأين هو": (لأعلم)؛ أي: لأعرف.

(مولده)؛ أي: زمان ولادته.

و (مكانه)؛ أي: مكان ولادته.

والواو في (وأين) لعطف جملة على جملة؛ أي: وأعلم مكانه الذي الآن فيه؛ إذ الإنسانُ قد لا يلزم المولد.

فإن قيل: (أعلم) بمعنى: أعرف، و (أين هو) معلق، والتعليقُ يكون في أفعال القلوب المتعدية إلى المفعولين، وهنا متعد إلى واحد؟!

قيل: يجوز في الواحد أيضًا، تقول: عرفت متى تخرج؛ أي: زمان خروجك، فترى [أنه] قد عُلِّق، وكذا هنا، ويجوز في المعطوف ما لا يجوزُ في المعطوف عليه، كقول العرب: ربَّ رجل وأخيه، ولا يقال: ربَّ أخيه، ويقال:

ص: 444

لا رجلَ في الدار وأخاه، ولا يجوز: لا أخاه.

قوله: "فلبَّسني" يحتمل معانٍ:

الأول: أنه صلى الله عليه وسلم لم يُعينْ مولده ومكانه، بل تركه مُلتبسًا، فصار مُلْتَبسًا على الصحابي.

الثاني: أنه أوقعني في الشكِّ بقوله: قد وُلِدَ لي، وبدخوله مكة والمدينة، وقد يكون يظن الصحابي: أنه الدجَّال، فلمَّا خلط فيما قال، التبسَ عليه.

والثالث: أنه حين ادَّعى نفيَ صفات الدجال عنه، وادعى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، توهَّمَ الصحابي أنه مسلم، وبعد ذلك لمَّا ادعى علم الغيب باعترافه: أنه يعرف الدجَّال وموضعه وخروجه وأوانه، فقد ادَّعى علمَ الغيب، ومن ادعى علم الغيب كفرَ، فالتبس على الصحابي إسلامُهُ وكفرُهُ، فلهذا قال: لبسني.

فإن قيل: (لَبَسْتَ) يتعدَّى، تقول: لَبَسْتَ الأمرَ على فلان، فإذا ضُوعِف تعدَّى إلى اثنين، فأين الثاني هنا؟

قيل: يكون محذوفًا؛ أي: لَبَّسني حالَهُ؛ أي: جعلَ حالَهُ يلتبسُ عليَّ، أو نسبني إلى اللبس، فتوهَّمَ أنه يلتبسُ عليَّ، كما تقول: فسَّقته؛ أي: نسبته إلى الفسق.

قوله: "تبًا لك سائر اليوم"؛ أي: خُسرانًا لك جميع اليوم، أو باقي اليوم؛ يعني: ما تقدم من اليوم قد خسرت فيه، فكذا في باقيه، ونصب (سائر) على الظرف، اكتسب الظرفية من المضاف إليه، كما تقول: جميع اليوم، وبعض اليوم.

و (تبًا): من المصادر الواجب إضمارُ عاملها؛ لأنه صار بدلًا من اللفظِ بالفعل، وحاصلُهُ عُلِم بانتصابه على المفعولية، ومعناه معنى الفعل، فاستغنى عن الفعل.

ص: 445

قوله: "لو عُرِض عليَّ ما كرهت"؛ يعني: لو عرض عليَّ ما جعل في الدجال من الإغواء والخديعة والتلبيس وغير ذلك؛ لما كرهت، بل قبلت، هذا دليلٌ واضح على كفره.

* * *

4253 -

وقالَ ابن عُمَرَ: لقِيتُهُ وقد نَفَرَتْ عَيْنُه، فَقُلْتُ: متَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ ما أَرَى؟ قال: لا أَدْرِي، قلتُ: لا تَدرِي وهيَ في رَأْسِكَ؟ قال: إنْ شاءَ الله خلَقَها في عَصاكَ، قال: فنخَر كأشَدِّ نَخِيرِ حِمارٍ سَمِعْتُ.

قوله: "لقيتُهُ وقد نَفَرَتْ عينُهُ": الضمير المنصوب في (لقيته) لابن الصياد.

قال في "الغريبين": (نَفَرت)؛ أي: وَرِمت، وهو مأخوذ من (نفار الشيء عن الشيء) وهو: تجافيه عنه، (وقد نفرت عينه) جملة وقعت حالًا من الضمير المنصوب في (لقيته)، والماضي إذا وقع حالًا لا بد من (قد) ظاهرة أو مقدرة؛ لأن (قد) ظاهرة أو مقدرة تقرِّبُ الماضي من زمن الحال.

قوله: "فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ "(متى): موضوع للسؤال عن الزمان، و (ما) في (ما أرى) موصول تقديره: ما أراه، والضميرُ العائدُ من الصلة إلى الموصول إذا كان منصوبًا حذفُهُ حسنٌ.

ومعناه: متى فعلت عينُكَ الألمَ الذي أراه بك وتشويهَ الخِلقَةِ؟ أراد: متى فعلت العينُ بنفسها هذا الورمَ القبيحَ؟ أو أراد نسب الفعل إلى العين مجازًا، والمراد غيره، وكأنه لبَّس على ابن صياد، فنسبَ الفعلَ إلى العين يمتحنه، هل يوافق أم يخالف؟

قوله: "إن شاء الله خلقها في عصاك": قال الإمام التُّورِبِشتي في "شرحه":

ص: 446

يريد أن كون العين في رأي لا يقتضي أن أكونَ منها على خبر، فإن الله قادر أن يخلق مثلها في عصاك، والعصا لا تكون منها على خبر، وكأنه ادعى بذلك الاستغراقَ وعدم الإحساس، هذا كله لفظه.

والتحقيقُ: أن ابن الصياد كان رجلًا ناقصَ العقل، ويدلُّ عليه قوله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتيني صادق وكاذبان، فيدلُّ على أن الغالبَ عليه إلقاءُ الجن الكذب في قلبه، فلا اعتبار بكلامه، وإنما نقل ما سَمِعَ منه؛ ليُعلَمَ أنه كان مخبط العقل، وإن تُكُلِّفَ له تأويلٌ فيمكنُ أن يقال: إن ابن عمر استبعدَ منه كونه غافلًا عن نفور عينه متى كان، فقال ابن الصياد: إن الله سبحانه قادر على أن يجعل العضوَ المتصل بالإنسان غيرَ مشعور به كالمخلوق في غيره، وهو قوله: إن شاء الله خلقها في عصاك.

قوله: "فنخرَ كأشدِّ نخيرِ حمارٍ سمعت"، (النخير): صوت بالأنف، تقول منه: نخر ينخر نخيرًا، و (النُّخَرَة) مثل (الهُمَزة): مقدم أنف الفرس والحمار والخنزير، ذكره في "الصحاح".

يعني: مَدَّ النَّفَسَ في الخيشوم بحيث سمعتُ منه صوتًا منكرًا.

* * *

4254 -

عن مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِر رضي الله عنه قال: رَأَيتُ جابرَ بن عبدِ الله يَحْلِفُ بالله أنَّ ابن الصَيَّادَ الدَّجَّالُ، قلتُ: تَحلِفُ بالله؟ قال: إنِّي سَمِعْتُ عُمرَ يَحلِفُ على ذلكَ عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلمْ يُنكِرْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.

قوله: "يحلفُ على ذلك عندَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلمْ ينكرُهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم"، (ذلك) إشارةٌ إلى قول جابر: إن ابن الصياد هو الدجال، ووجهُ حلفِ عمرَ رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في أن ابن الصياد هو الدجال، ولم ينكر عليه: أن الدجال معناه:

ص: 447

الدجالي؛ يعني: فيه صفة الدجال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يكون ثلاثون دجَّالًا"، معناه: سيظهر دجالون كذابون يزعمون النبوة، ويضلون الناس، ويفتتونهم.

* * *

مِنَ الحِسَان:

4256 -

وعن جابر رضي الله عنه قالَ: "فُقِدَ ابن صيّادٍ يومَ الحَرَّةِ".

"يوم الحَرَّةِ": يومٌ مشهورٌ بين العرب.

* * *

4257 -

عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَمْكُثُ أبَوا الدَّجَّالِ ثلاثينَ عامًا لا يُولَدُ لهما ولَدٌ، ثمَّ يُولَدُ لهُما غُلامٌ أَعْوَرُ أَضْرَسُ، وأقلُّهُ مَنْفَعَةً، تنامُ عَيْناهُ ولا يَنامُ قلبُهُ"، ثمَّ نَعَتَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ فقالَ:"أبوه طُوَالٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ، كأنَّ أنفَهُ مِنْقارٌ، وأُمُّهُ امرأَةٌ فِرضَاخِيَّةٌ طَويلةُ اليدَيْنِ"، فقالَ أبو بَكْرَةَ رضي الله عنه: فَسَمِعْنا بمَولودٍ في اليهودِ بالمدينةِ، فذهبتُ أنا والزُّبَيْرُ بن العَوّامِ حتَّى دخَلْنَا على أبَوَيْهِ، فإذا نَعْتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِيهما، فقُلْنا: هلْ لكُما وَلَدٌ؟ فقالا: مَكَثْنا ثلاثينَ عامًا لا يُولَدُ لنا وَلَدٌ، ثمَّ وُلِدَ لنا غُلامٌ أَعْوَرُ أَضْرَسُ وأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً، تنامُ عَيْناهُ ولا ينَامُ قلبُهُ، قال: فَخَرَجْنا منْ عِنْدِهِما فإذا هو مُنْجَدِلٌ في الشَّمْسِ في قَطيفَةٍ ولهُ هَمْهَمَةٌ، فكَشَفَ عنْ رأسِهِ فقالَ: ما قُلتُما؟ قُلْنا: وهلْ سَمِعْتَ ما قُلناه؟ قال: "نَعَمْ، تنامُ عَيْنايَ ولا ينَامُ قلبي".

قوله: "تنامُ عيناهُ، ولا ينامُ قلبُهُ"؛ يعني: لا يسكنُ قلبه، بل يطيشُ ويضطربُ، وإنما كان كذلك؛ لأنَّ ما جُبلَ فيه مثلَ نارٍ ذات لهب، فحينئذ تزعجُهُ عن التؤدة والقرار، فذلك الاضطرابُ موجبٌ لعدم الهدوء في النوم، فإذا ثبت هذا وتقرر، كأن طائرَ الفؤاد منزعجَ القلب.

ص: 448

أما قوله صلى الله عليه وسلم: "فنامت عيني، وسمعت أذناني، وعقل قلبي" فهو عبارة عن طمأنينة قلبه صلى الله عليه وسلم، واهتدائه إلى المعارف الإلهية، والحقائق الربانية، والعقائد الحقة، وكذا قلوب جميع الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -، فإنها قُدُّوسيةٌ مَلَكوتية مجبولةٌ على الطُّهر والقدس، فحينئذ كيف يجري النومُ فيها، فإنه من آثار السُّفليات، ولأن قلوبهم مهابطُ للوحي، فما كان مهبطًا للوحي لا يكون محلًا للنوم.

قوله: "أبوه طُوال ضَرْبَ اللحمِ": (الطُّوال) - بضم الطاء - من بناء المبالغة؛ يعني: كان طويلًا غايةَ الطولِ مثل: كبير وكُبار.

و (ضَرْب اللحم): عبارة عن خفيف اللحم.

قوله: "كأن أنفه منقار"؛ يعني: في أنفه طولٌ بحيث يشبه منقارَ طائر. "الفِرضاخيَّة": الضخمة العظيمة، ذكره في "الغريبين".

قوله: "فذهبتُ أنا والزبير"، و (الزبير) عطف على ضمير المتكلم في (ذهبت)، و (أنا) تأكيدٌ لذلك الضمير؛ لأنه يُشترَط في العطف على الضمير المرفوع أن يكونَ مؤكَّدًا، كقوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35].

قوله: "فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما"، (إذا) للمفاجأة، و (النعت) مبتدأ، و (إذا) خبرٌ مقدم، و (فيهما) يجوزُ أن يكون حالًا من الضمير الكائن في (إذا)، وهو ضمير (النعت)، أو في متعلقه، والعامل في (فيهما) يجوز أن يكونَ هو الاستقرار، ويجوز أن يكون نائبه، فتقديره: النعتُ ثَمَّ كائنًا فيهما، ويجوزُ أن يكون (فيهما) خبر المبتدأ، و (إذا) ظرف، ويجوز أن يكون خبرًا بعد خبر، ويجوز أن يكون خبرَ مبتدأ محذوفٍ، ويجوز أن يكون هو مبتدأ، وخبره محذوفٌ.

يعني: إذا دخلنا على أبويه فاجأنا ما وصفَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبويه؛

ص: 449

يعني: وجدنا فيهما جميع الصفات التي سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "فإذا هو مُنجدَلٌ في الشمس"، (منجدل)؛ أي: ساقط.

قال في "الصحاح": (انجدل): إذا سقط.

قوله: "وله هَمْهَمةٌ": (الهمهمة): ترديدُ الصوت في الصدر، يقال: همهمت المرأة في رأس الصبي، وذلك إذا نوَّمته بصوت رقيق، ترقِّقه له، ذكره في "الصحاح".

وهي ها هنا عبارةٌ عن كلام خفي غير مفهوم.

* * *

4258 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ امرأةً منَ اليهودِ بالمَدينةِ ولَدَتْ غُلامًا مَمْسُوحَةً عَيْنُهُ طالعَةٌ نابُهُ، فأَشْفَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يكونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فآذنَتْهُ أُمّهُ فقالت: يا عبدَ الله! هذا أبو القاسِم، فَخَرَجَ منَ القَطِيْفَةِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما لها؟ قاتَلَها الله، لو تَرَكتْهُ لبَيَّنَ"، فَذَكَرَ مِثلَ مَعْنَى حديثِ ابن عُمَرَ، فقالَ عُمرُ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه: ائذَنْ لي يا رسولَ الله! فأقتُلَهُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنْ يكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صاحبَهُ، وإنَّما صاحِبُهُ عيسَى ابن مَرْيَمَ عليه السلام، وإلا يكُنْ هوَ فَلَيسَ لكَ أنْ تقتُلَ رَجُلًا منْ أَهْلِ العَهْدِ"، فلمْ يزَلْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُشْفِقًا أنَّهُ الدَّجَّالُ.

"فأشفق"؛ أي: خاف.

"فآذنته أمُّهُ"؛ أي: أعلمته أمه.

قوله: "ما لها": (ما) للاستفهام مبتدأ، و (لها) خبره.

قوله: "إن يكن هو فلستَ صاحبَهُ": كان قياسه: إيَّاه، فيجوز أن يكون أوقع ضمير المرفوع موقعَ المنصوب تأكيدًا، ويجوز أن يكون (هو) مبتدأٌ خبرُهُ

ص: 450