المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌4 - باب الترجيل

3408 -

عن ابن بُرَيْدةَ، عن أبيه: أنَّ النَّجاشيَّ أهدَى إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خُفَّينِ أسودَيْنِ ساذَجَيْنِ، فلبسَهما ثم توضَّأَ ومسحَ عليهما.

قوله: "ساذجين"؛ أي: غير منقوشَين.

* * *

‌4 - باب التَّرجيلِ

(باب الترجل)

مِنَ الصَّحَاحِ:

3409 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أُرَجِّلُ رأسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائِضٌ.

"الترجُّل": التزيُّن والتطهُّر، والترجيل: تسريح الشَّعر بالمشط؛ أي: استعمال المشط في الشَّعر.

* * *

3410 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الفِطْرةُ خمسٌ: الختانُ، والاستِحدادُ، وقَصُّ الشَّاربِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونَتْفُ الآباطِ".

"الفِطرة خمس"؛ أي: هذه الخمسُ من السُّنَّة.

"الاستحداد": حلق العانة.

"النتف": القلع، "الآباط" جمع: إبط؛ أي: قلع شَعر الإبط.

* * *

ص: 37

3411 -

وقال: "خالِفُوا المُشركينَ: أَوفِروا اللِّحَى، وأَحفُوا الشَّواربَ".

ويُروَى: "أَنهِكوا الشَّواربَ، وأَعفُوا اللحىَ".

قوله: "خالفوا المشركين"؛ يعني: المشركون يقصُّون اللَّحى ويتركون الشواربَ حتى تطولَ، فخالفوهم بأن تتركوا اللَّحى حتى تطولَ ولا تقصُّوها، وقُصُّوا الشواربَ.

"أَوفِرُوا" أمر مخاطبين من (أَوفَر): إذا أتمَّ، و"أَحفُوا" أيضًا أمر مخاطبين من (أَحفَى): إذا قصَّ الشاربَ.

"أَنهِكُوا": أمر مخاطبين من (أَنْهَكَ): إذا نقصَ شيئًا، ومعنى (انهكوا): أَنقِصُوا، ومعنى (أعفوا): أتمُّوا وأكثِروا، من (أعفى): إذا أتمَّ.

"اللِّحى" جمع: لِحْيَة.

* * *

3412 -

وقال أنسٌ رضي الله عنه: وُقِّتَ لنا في قصِّ الشَّاربِ، وتقليم الأظفارِ؛ ونَتْفِ الإِبْطِ، وحَلْقِ العانةِ، أنْ لا نتَرُكَ أكثرَ مِن أربعينَ ليلةً.

قوله: "وُقَّتَ لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة؛ أن لا تترك أكثرَ من أربعين ليلةً"، وقد جاء في توقيت هذه الأشياء أحاديثُ ليست في "المصابيح"، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفارَه وشاربَه كلَّ جمعة، وعن أبي عبد الله الأغرَّ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصُّ شاربَه ويأخذ من أظفاره قبلَ أن يخرجَ إلى صلاة الجمعة، وقد ورد أكثرُ مِن هذه الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم يقصُّ شاربَه ويُقلَّم أظفارَه في كل جمعة، وقيل: يحلق العانةَ في كل عشرين يومًا، وينتف الإبطَ في كل أربعين يومًا، وقيل: في كل شهر.

ص: 38

وذكر في كتاب "إحياء علوم الدين": أن الأدبَ في قلم الأظفار كل اليد أن يبدأَ بمُسبحتها ويختم بإبهامها، وفي أصابع الرَّجلين يبتدئ بِخِنْصِر الرَّجل اليمنى، ويختم بخِنْصِر الرِّجل اليسرى.

* * *

3413 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اليهودَ والنَّصارَى لا يَصبُغُونَ فخالِفوهم".

قوله: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون؛ فخالِفُوهم"؛ يعني: لا يصبغون شَعرهم الأبيضَ؛ فاصبغُوه أنتم.

* * *

3414 -

وعن جَابرٍ رضي الله عنه قال: أُتيَ بِأَبي قُحَافةَ يومَ فتحِ مَكَّةَ، ورأسُه ولحيَتُه كالثُّغامَةِ بَيَاضًا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"غَيروا هذا بشيءٍ، واجتنِبُوا السَّوادَ".

قوله: "أُتي بأبي قحافة": عثمان بن عامر.

"الثغَامة": نبتٌ أبيضُ يشبه بياض الشَّيب، ويقال بلسان بعض الفرس: سبيدخار (1)، وبلسان بعضهم: جاوزد.

"غيروا هذا"؛ أي: اخضبوه بخضابٍ سوى السواد.

* * *

3415 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ موافقةَ أهلِ الكتابِ

(1) في "الصِّحاح"، و"لسان العرب":"إسبيذ".

ص: 39

فيما لم يُؤمرْ فيهِ، وكانَ أهلُ الكتابِ يَسدِلُون أشعارَهم، وكانَ المشركونَ يَفرُقون رؤوسَهم فسَدَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ناصيتَه ثم فَرَقَ بعدُ.

قوله: "يحب موافقةَ أهل الكتاب فيما لم يُؤمَر فيه"؛ أي: فيما لم يُنزل فيه إليه صلى الله عليه وسلم؛ يعني: موافقةُ أهل الكتاب أَولى من موافقة المشركين الذين لا كتابَ لهم؛ لأن أهلَ الكتاب احتمل أن يعملوا بما ذُكر في كتابهم، ولا يُحتمل هذا في المشركين.

قوله: "وكان أهلُ الكتاب يَسدِلون أشعارَهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسَهم": أراد بـ (السَّدل) هنا: إرسال الشَّعر حول الرأس من غير أن يقسمَه نصفَين، وأراد بـ (الفَرق): أن يقسمَه نصفَين ويرسلَ نصفًا من جانب يمينه على الصدر ونصفًا من جانب يساره على الصدر.

أورد عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده في كتابه المسمى بـ "إكرام الشَّعر": أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينةَ، فرأى اليهودَ يسدلون أشعارَهم، وكان إذا لم يُؤمَر به أحبَّ موافقةَ أهل الكتاب، فسدلَ وسدلَ المسلمون، ثم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبره بالفَرق، ففرقَ وفرقوا رؤوسَهم، وكان أئمةُ الهدى يأمرون بالفَرق.

قد روت أمُّ هانئ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكةَ، وله أربعُ غدائر؛ أي: ذوائب، وكان صلى الله عليه وسلم يُرسل شَعره وقتًا غيرَ مفتولٍ، ووقتًا مفتولًا؛ فاختلافُ الروايات هذا وجهُه.

* * *

3416 -

عن نافعٍ، عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ينهي عن القَزَعِ. قيلَ لنافعٍ: ما القَزَعُ؟ قال: يُحْلَقُ بعضُ رأسِ الصَّبي ويُتْرَكُ البعضُ، وأَلحقَ بعضُهم التفسيرَ بالحديثِ.

ص: 40

قوله: "نَهَى عن القَزَع": بفتح القاف والزاي المعجمة، جمع: قَزعة، وهي قطعة من السحاب، شبَّه كلَّ قطعةٍ من شَعر المحلوق ما حولَه بقطعةٍ من السحاب، وجه كراهية القَزَع: تقبيحُ الصورة؛ فإن في القزع تقبيحًا للصورة؛ لأن القزعَ من عادة الكَفَرة.

* * *

3417 -

ورُوِيَ عن ابن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى صبيًّا قد حُلِقَ بعضُ رأسِه وتُرِكَ بعضُه، فَنَهاهُمْ عن ذلكَ وقال:"اِحلِقُوا كلَّه أو اتُركُوا كلَّه".

قوله: "احلقوا كلَّه أو اتركوا كلَّه": هذا تصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن الحلقَ في غير الحج والعمرة جائزٌ، وتصريحٌ بأن الرجلَ مخيَّر بين الحلق وتركه.

* * *

3418 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "لعنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثينَ مِن الرِّجالِ، والمُترجَّلاتِ من النِّساءِ، وقال: "أَخرِجُوهم مِن بيوتِكم".

قوله: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنَّثين من الرجال"، (خَنِثَ يَخْنَثُ) على وزن (عَلِمَ يَعْلَمُ): إذا انكسرَ الشيءُ ولانَ وفَتَرَ، والمُخنَّث: كلُّ رجلٍ شبَّه نفسَه بالنساء في اللباس وخضاب اليدَين والرَّجلَين، وفي الصوت والتكلم والحركات والسكنات، وهذا الفعلُ منهيٌّ عنه؛ لأنه تغييرٌ لخلق الله، وتغييرُ خلق الله مُضادَّةُ الله، ومَن ليس له شهوةٌ من الرجال ولم يُشبه نفسَه بالنساء فهو عِنِّين، وليس عليه حرجٌ؛ لأن انتفاءَ الشهوة عنه ليس بفعله، وانتفاء الشهوة ليس بعيبٍ مَنهيًّ، بل المَنهيُّ أن يُشبه الرجلُ نفسَه بالنساء.

قوله: "والمترجَّلات من النساء"، (الترجُّل): تشبيه الشخص نفسَه بالرجل،

ص: 41

وكل امرأة شبَّهت نفسَها بالرجال في اللباس واستعمال السلاح فهي ملعونةٌ، ولا يجوز دخولُ المخنَّثين على النساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يومًا بيته ورأى مخنَّثا جالسًا عند بعض نسائه، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا يَدخلَنَّ هذا عليكم"، فحجبوه.

هذا خطابٌ للرجال، أمرَهم ألا يتركوا المخنَّثين أن يدخلوا بيوتَهم، وأخرج رسولُ الله مخنَّثًا من المدينة، وكذلك أَخرجَ عمرُ رضي الله عنه مخنَّثًا من المدينة.

* * *

3420 -

عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَعنَ الله الواصِلةَ والمُسْتَوْصِلَةَ، والواشِمَةَ والمسْتَوْشِمَةَ".

قوله: "لعن الله الواصلة والمستوصلة".

(الواصلة): المرأة التي تَصِل شَعرًا أجنبيًا بشَعر امرأةٍ.

(المستوصلة): المرأة التي تطلب هذا الفعلَ، ووجهُ النهي: أن هذا الفعلَ غرورٌ وكذبٌ؛ لأن المرأةَ تُظهر أن شَعرَها طويلٌ، وليس بطويلٍ، وهذا غرورٌ، وقد رخَّص أهل العلم في القرامل وهو ما يقال له بالفارسي: موى بند.

قوله: "الواشمة": التي تغرز إبرةً على ظهر كفَّها أو ساعدها ليخرجَ منه الدمُ، وتجعل فيه كحلًا ليخضرَّ لونُه ويبقى فيه نقوشٌ، أو يكتب به أسماء.

"والمستوشمة": المرأة التي تطلب أن يُفعَل بها الوَشْمُ.

* * *

3421 -

عن عبدِ الله بن مسعودٍ قال: لعنَ الله الواشِمَاتِ والمُستَوشِماتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجاتِ للحُسْنِ المُغيراتِ خلقَ الله، فجاءتهُ امرأة فقالت: إنَّه بلغَني أنكَ لعنتَ كيتَ وكيتَ؟ فقالَ: ما لي لا ألعنُ مَن لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،

ص: 42

ومَن هو في كتابِ الله! فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللَّوحَينِ، فما وجدتُ فيهِ ما تقولُ؟ قال: لئنْ كنتِ قرأتِهِ لقد وجدْتِه، أَمَا قرأتِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نَهَى عنه.

"المتنمِّصة": التي تطلب أن يُنمصَ شَعرُ وجهها؛ أي: يُنتَف.

"المتفلَّجة": التي تُرقِّق أسنانَها وتُزينها، ووجه النهي في هذه الأشياء: تغيير خلق الله.

قوله: "فجاءته": ضمير المذكر الغائب ضمير ابن مسعود.

"أنك لعنت كَيتَ وكَيتَ"؛ أي: سمعتُ أنك لعنتَ الواشماتِ والمُستوشِماتِ والمُتنمِّصاتِ والمُتفلِّجات، فقال ابن مسعود: كيف لا أَلعنُ مَن لعنَه رسولُ الله؟! أي: لعنَ رسولُ الله هؤلاء.

قولها: "لقد قرأتُ ما بين اللَّوحَين": أرادت بـ (اللَّوحَين): جلد أول المصحف وجلد آخره؛ يعني: قرأتُ جميعَ القرآن.

قوله: "قرأتِيه": الياء زائدة، حصلت من إشباع كسرة التاء، وكذلك في "وجدتِيه"(1).

قوله: "أما قرأتِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؟! " يعني: إذا كان العبادُ مأمورين بانتهاء ما نهاهم الرسول عنه، وقد نهاهم رسولُ الله عن الأشياء المذكورة في هذا الحديث وغيره من المَنهيات، فكأن جميعَ منهيات الرسول نهيٌ مذكورٌ في القرآن.

* * *

(1) جاء على هامش "ش": "الياء في وجدتيه وكذا قرأتيه لغة بعض العرب من إشباع الكسرة في مثله؛ دفعًا لتوهم أن الخطاب مع المذكر".

ص: 43

3422 -

عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العَينُ حَقٌّ"، ونَهَى عن الوَشْمِ.

قوله: "العينُ حقٌّ، ونهى عن الوَشْمِ"؛ يعني: ذكرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أشياءَ كثيرةً في حديثٍ، منها قوله: العينُ حقٌّ، والوَشْمُ مَنهيٌّ، بهذه العبارة أو بعبارة أخرى بهذا المعنى، ومعنى قوله:(العينُ حقٌّ): أن تأثيرَ العين في الأشياء صدقٌ، وإنما قال صلى الله عليه وسلم هذا الكلام؛ لأن الصحابةَ اختلفوا في تأثيرها؛ فقال بعضهم: العينُ مؤثِّرةٌ، وقال بعضهم: لا تؤثَّر العينُ، فبيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن العينَ مؤثِّرةٌ، ويأتي شرحه في (كتاب الطب والرُّقَى).

* * *

3423 -

وقال ابن عمرَ: لقد رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مُلَبدًا.

قوله: "لقد رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مُلبدًا".

التلبيد: إلصاق شَعر الرأس بعضها من بعض، بأن يجعل فيه صمغًا ليدفعَ القَمْلَ، ولئلا يتفرَّق الشَّعرُ، وهذا يُصنعَ في الإحرام، وأراد بإيراد هذا الحديث في هذا الباب: بيان جواز التلبيد في غير الإحرام أيضًا.

* * *

3424 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يتزعفرَ الرَّجلُ.

قوله: "نهى النبيُّ أن يتَزَعْفَرَ الرجلُ"؛ يعني: أن يستعملَ الرجلُ الزعفرانَ في ثوبه وبدنه، وعلةُ النهي: أن استعمالَ الزعفران عادةُ النساء، فلا يليق بالرجال تشبيهُ أنفسهم بالنساء.

* * *

ص: 44

3425 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أُطَيبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأطيبِ ما نجدُ، حتى أجدَ وبيصَ الطَّيبِ في رأسِه ولحيتِه.

قولها: "حتى أجد وبيص الطَّيب".

(الوبيص): اللمعان، في هذا الحديث إشكالٌ، بيانُه: أنه قد ذكر أن طِيبَ الرجال ما ظهرت ريحُه وخفي لونُه، وفي هذا الحديث كان طِيبُ النبي صلى الله عليه وسلم ما ظهر لونُه، والتوفيق بين الحديثين بأن يقول: كل طِيبٍ له لونٌ، وفي ذلك اللون تشبيهٌ بالنساء، يكون ذلك اللونُ حسنًا مستطابًا مزينًا للجمال كالصُّفرة والحُمرة؛ فذلك الطَّيبُ غيرُ جائزٍ للرجال، وكلُّ طِيبٍ له لونٌ ولم يكن لذلك اللون حُسنٌ واستطابةٌ وتزيينُ الجمال فذلك جائزٌ للرجال، كالمِسك والعَنبر وغيرهما.

* * *

3426 -

وقالَ نافعٌ: كانَ ابن عمرَ إذا استجمرَ استجمرَ بأُلُوَّةٍ غيرِ مُطَرَّاةٍ، وبكَافُورٍ يطرحُه مع الأُلُوَّةِ ثم قال: هكذا كان يَستجمِرُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "استَجْمَر"؛ أي: تعطَّر وتبخَّر.

"الأُلُوَّة": العُود المطرَّاة التي طُليت بأنواع الطَّيب؛ يعني: ألقى في المجمَرة عودًا غيرَ ملطخةٍ وغيرَ معجونةٍ بطيبٍ آخرَ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3428 -

عن زيدِ بن أرقمَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لم يأخذْ مِن شاربه فليس منا".

ص: 45

قوله: "مَن لم يأخذ مِن شاربه فليس منَّا": هذا تهديدٌ لمَن تركَ هذه السُّنَّةَ؛ يعني: فليس مِن موافقينا في هذا الفعل، وليس منا في وجدان ثواب هذه السُّنة.

* * *

3431 -

عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يأخذُ مِن لِحيتِه، مِن عرضها وطولِها. غريب.

قوله: "يأخذ من لحيته من عَرضها وطولها"؛ يعني: تسويةُ شَعرِ اللِّحية وتزيينُها سُنَّةٌ، وهي أن يقصَّ كلَّ شعرةٍ أطولَ من غيرها؛ لتستويَ جميعُها.

* * *

3432 -

عن يَعْلَى بن مُرَّةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى عليهِ خَلُوقًا فقال: "أَلَكَ امرأةٌ؟ " قال: لا، قال:"فاغسِلْه، ثم اغسِلْه، ثم اغسِلْهُ، ثم لا تَعُدْ".

قوله: "رأى عليه خَلُوقًا، فقال: ألك امرأة؟ " يعني: إن كان لك امرأةٌ وأصابك الخَلُوق من ثوبها أو بدنها ولم تقصد أنت استعمالَ الخلوق فلا حرجَ عليك، وإن استعملتَ الخلوقَ فاغسِلْه.

"ولا تعد"؛ أي: ولا تَعُدْ إلى استعمال الخَلُوق وتُبْ عنه؛ فإنه لا يليق بالرجال، و (لا تَعُدْ): نهي مخاطب من: العَود.

* * *

3433 -

عن أبي موسى قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبلُ الله صلاةَ رجلٍ في جَسَدِه شيءٌ مِن خَلُوق".

قوله: "لا يَقبَل الله صلاةَ رجلٍ في جسده شيءٌ من خَلُوق": هذا وعيدٌ وزجرٌ عن استعمال الرجال الخَلُوق؛ يعني: لا كمال لصلاةِ رجلٍ شبَّه نفسَه بالنساء.

* * *

ص: 46

3434 -

عن عمَّارِ بن ياسرٍ قال: "قدِمْتُ على أهلي وقد تَشَقَّقتْ يَدَاي فخَلَّقوني بزعفرانَ، فغدوْتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسلَّمتُ عليهِ فلم يردَّ عليَّ، وقال: "اذهبْ فاغسلْ هذا عنك".

قوله: "فخلَّقوني"؛ أي: اجعلوا شيئًا من الزعفران في شقوق يدي للمداواة.

* * *

3436 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ يتطَّيبُ منها.

قوله: "سُكَّة". و (السُّكَّة)(1): معجون من أنواع الطَّيب.

* * *

3437 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ دَهْنَ رأسِه وتسريحَ لحيتِه، ويُكثِرُ القِناعَ، كأنَّ ثوبَه ثوبُ زيَّاتٍ.

قوله: "وتسريح لحيته".

و (التسريح): الترجيل، وقد ذكر في أول هذا الباب.

"القناع": خِرقة تُلقَى على الرأس لتتوقَّى العِمامة من الدُّهن.

"الزيَّات": بائع الزيت، وهو دُهن معروف.

* * *

3438 -

عن أمِّ هانئٍ قالت: قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علينا بمكَّةَ قَدْمةً

(1) جاء على هامش "ش": "والسُكُّ بالضم: نوع من الطَّيب عربي، قاله الجوهري، والسُّكَّة: قطعة منه".

ص: 47

ولهُ أربعُ غَدَائر.

"قَدْمةً" بفتح القاف وسكون الدال: مصدر بمعنى مَرَّة؛ أي: قدم مرةً.

"وله أربع غدائر".

(الغدائر) جمع: غديرة، وهي الضَّفيرة والذُّؤابة.

* * *

3439 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: كنتُ إذا فَرقتُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم رأسَه صَدَعْتُ فرقَهُ عن يَافُوخِهِ، وأرسلتُ ناصيتَهُ بينَ عينيهِ.

قولها: "فرقتُ"؛ أي: قسمتُ شَعره صلى الله عليه وسلم قسمَين: أحدهما من جانب يمينه، والآخر من جانب يساره.

"صَدَعتُ"؛ أي: فرقتُ فرقةً؛ أي: الخط الذي يظهر بين شَعر الرأس إذا قُسِمَ قسمَين، وذلك الخط هو بياضُ بشرةِ الرأس الذي يكون بين الشَّعر.

"اليافوخ": مؤخَّر الرأس عند القفا؛ يعني: كان أحدُ طرفَي ذلك الخط عند اليافوخ، والطرفُ الآخرُ عند جبهته محاذيًا لِمَا بينَ عينَيه.

قولها: "وأرسلتُ ناصيتَه بين عينَيه"؛ أي: جعلتُ رأسَ فرقةٍ محاذيًا لِمَا بين عينَيه، بحيث يكون نصفُ شَعر ناصيته من جانب يمين ذلك الفرق، ونصفُه الآخر من جانب يسار ذلك الفرق.

* * *

3440 -

عن عبدِ الله بن مُغَفَّلٍ قال: نهىَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن التَّرجُّلِ إلا غِبًّا.

قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الترجُّل إلا غِبًّا"؛ يعني: نَهَى عن دوام

ص: 48

تسريح الشَّعر وتدهينه.

"إلَاّ غِبًّا"، والغِبُّ: أن يفعلَ فعلًا حينًا بعد حينٍ.

* * *

3441 -

قال رجلٌ لفُضالةَ بن عُبَيْد: مالي أراكَ شَعِثًا؟ قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ ينهانَا عن كثيرٍ مِن الإِرْفَاهِ، قال: مالي لا أَرَى عليكَ حِذَاءً؟ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرنا أنْ نَحتَفِي أحيانًا.

قوله: "شَعِثًا"؛ أي: متفرِّق الشَّعر.

"الإرفاه": تسريح الشَّعر وتدهينه.

و (الإرفاه) أيضًا: التنعُّم وطِيب العيش؛ يعني: نهانا عن كثرة التنعُّم؛ لأن كثرةَ التنعُّم تجعل النفسَ متكبرةً غافلةً، ولأن الرجلَ لو اعتاد دوامَ التنعُّم فربما ينزل عليه فقرٌ وسوءُ عيشٍ فيشقُّ عليه ذلك الفقر؛ لأنه لم يكن معتادًا به، ولهذا أمَرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالاحتفاء؛ أي: بالمشي بغير النعلَين؛ لتتصلَّب أقدامُهم وتعتاد المشيَ بغير النعلَين، حتى لو اتفق لهم انعدامُ النعلَين يمكنهم المشيُ بغير النعلَين.

* * *

3442 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كانَ له شعرٌ فليُكْرِمْهُ".

قوله: "مَن كان له شَعرٌ فَلْيُكرِمْه"؛ يعني: فَلْيُزينْه وَلْيُنظِّفْه بالغسل والتدهين، ولا يتركه متفرقًا متَّسخًا؛ لأن النظافةَ وحسنَ المنظرِ محبوبٌ.

* * *

ص: 49

3443 -

وعن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحسنَ ما غُيرَ بهِ الشَّيْبُ: الحِنَّاءُ والكَتَمُ".

قوله: "إن أحسنَ ما غُيرَ به الشيبُ: الحِنَّاءُ والكَتَمُ"؛ يعني: الشَّعرُ الأبيضُ يُخضَب بالحِنَّاء تارةً فيكون لونُه أحمرَ، وبالكَتَم أخرى فيكون لونُه أخضرَ.

و (الكَتَم) بفتح التاء وتخفيفها: هو الوَسْمَة، وهي ورقُ نبتٍ يُجعَل منه شيءٌ يقال له بالفارسي: نِيلة.

قال الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسنَ ما غُيرَ به الشيبُ: الحِنَّاءُ والكَتَمُ": إنَّ كلَّ واحدٍ من الحِنَّاء والكَتَم يُستعمل مفردًا؛ لأنه إذا خُلِطَ الحِنَّاء بالكَتَم، أو خُضبَ بالحِنَّاء ثم بالكَتَم يكون لونُه أسودَ، واللون الأسود مَنهيٌّ في تغيير الشيب.

* * *

3444 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "يكونُ قومٌ في آخرِ الزَّمانِ يخضبُونَ بهذا السَّوَادِ، كحَوَاصِلِ الحَمَامِ، لا يَجدُون رائحةَ الجنَّةِ".

قوله: "يخضبون بهذا السواد"؛ أي: يخضبون الشَّعرَ الأبيضَ باللون الأسود.

"حواصل الحمام"، (الحواصل) جمع: حَوْصَلة، وهي مَعِدَته، والمراد بـ (الحوصلة) هنا: صدره، وليس جميع الحمائم حواصلها سوداء، بل بعض الحمائم.

"لا يجدون رائحةَ الجَنَّة": هذا تهديدٌ وتشديدٌ لإنكار خضاب الشَّعر الأبيض بالسواد.

* * *

ص: 50

3445 -

عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يلبَسُ النِّعالَ السِّبْتيَّة، ويُصَفِّرُ لحيتَهُ بالوَرْسِ والزَّعفرانِ. وكانَ ابن عمَر رضي الله عنه يفعلُ ذلكَ.

قوله: "النِّعال السِّبْتِيَّة"؛ أي: النِّعال من الجلود السِّبْتِية، والجلد السَّبْتِي: ما نُقِّيَ من الشَّعر، مأخوذ من (سَبَتَ الشَّعرَ): حَلَقَه.

والسِّبتي أيضًا: المدبوغ بالقَرَظ، وهو ورق شجر يقال له: السَّلَم.

* * *

3447 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "غَيرُوا الشَّيْبَ، ولا تَشَبَّهوا باليهودِ".

قوله: "غيروا الشيبَ، ولا تشبَّهوا باليهود"، (ولا تشبهوا) أصله: ولا تتشبهوا، فحُذفت تاء الاستقبال؛ يعني: تركُ خضابِ الشَّعر الأبيض عادةُ اليهود، فاخضبوا الشَّعرَ الأبيضَ حتى لا تكونوا متشبهين باليهود في ترك الخضاب.

* * *

3448 -

عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَنتِفُوا الشَّيْبَ فإنه نورُ المسلمِ، مَن شابَ شيبةً في الإِسلامِ كتبَ الله لهُ بها حسنةً، وكفَّر عنه بها خطيئةً، ورفَعهُ بها درجةً".

قوله: "لا تنتفوا الشيبَ؛ فإنه نورُ المسلم": كان بعضُ الناس يكره ابيضاض شَعره؛ لأنه علامةُ انتقاص الشباب ودخول الشيخوخة ودخول الضعف ونقصان القوة، وبعضُ الناس يكره هذا كي لا يُنسَب إلى الضعف، فينتف الشَّعرَ الأبيضَ من رأسه ولحيته؛ كي لا يَظَنَّ الناسُ زوالَ شبابه، فنَهَى النبي صلى الله عليه وسلم أُمتَه عن نتف الشيب؛ لأن في الشيب وقارًا، وأولُ مَن شابَ من بني آدم كان إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى الشيبَ في لحيته قال: ما هذا يا ربِّ؟ فقال الله له: هذا

ص: 51

الوقار، فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: يا ربِّ! زِدْني وقارًا؛ فالرضا بالشيب موافقةٌ لخليل الرحمن صلى الله عليه وسلم، ولأنه وقارٌ، والوقارُ مَرْضيٌّ عند الله وعند الناس، ولأنه يمنع الشخصَ عن الغرور والتكبُّر والطرب والنشاط، ويميل إلى الطاعة والتوبة، وتنكسر نفسُه عن الشهوات، وكل ذلك مُوجِبٌ للثواب، ومُقرِّبٌ للعبد عند الله، فلهذا يكون الشيبُ في الإسلام نورًا؛ أي: ضياءً ومُخلِّصًا للرجل عن شدة القيامة.

* * *

3450 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أَغتسِلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن إناءٍ واحدٍ، وكانَ لهُ شعرٌ فوقَ الجُمَّةِ ودونَ الوَفْرةِ.

قولها: "فوق الجُمَّة ودونَ الوَفْرَة"، (الجُمَّة): الشَّعر الذي يكون أطولَ من الوَفْر؛ أي: قَرُبَ من الكتف، و (الوَفرة): إلى شحمة الأذن، وكان شَعرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كلَّ زمانٍ على نوعٍ من الطول والقصر؛ وذلك لأنه كان قصَّر شَعرَه في العمرة، وحلقَه في الحج، وكان شَعرُه في هذا الحديث أطولَ من الوَفْرَة وأقصرَ من الجُمَّة.

* * *

3451 -

وقال ابن الحَنْظَلِيَّةِ - رجلٌ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرَّجلُ خُزَيْم الأَسْديُّ لَوْلَا طولُ جُمَّتِه واسبالُ إزارِه"، فبلغَ ذلكَ خُرَيْمًا فأخذَ شَفْرَةً فقطعَ بها جُمَّتَه إلى أُذُنَيْهِ، ورفعَ إزاره إلى أنصافِ ساقَيْهِ.

قوله: "طول جُمَّته"؛ أي: طول شَعر رأسه، وطولُ شَعر الرأس غيرُ مذمومٍ، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم رأى في ذلك الرجل تبخترًا بطول جُمَّته، فذكر هذا الحديثَ؛ ليحرِّضَه على تقصير شَعره.

ص: 52

قوله: "وإسبال إزاره"؛ أي: وإطالة ذَيله.

"فأخذ شفرةً"؛ أي: سكِّينًا.

* * *

3452 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانت لي ذُؤابَةٌ فقالَت لي أمِّي: لا أَجُزُّهَا، كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمدُّها ويأخذُها.

قوله: "لي ذُؤابة"؛ أي: شَعر.

"لا أجزُّها"؛ أي: لا أقطعها.

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدُّها ويأخذها"؛ أي: يلعب بها؛ يعني: قد وصلَتْ إليها بركةُ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أقطعها؛ كيلا تزولَ تلك البركة.

* * *

3453 -

عن عبدِ الله بن جَعْفَرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمهلَ آلَ جعفرٍ ثلاثًا، ثم أَتاهم فقالَ:"لا تَبْكُوا على أخي بعدَ اليوم"، ثم قال:"ادْعُوا لي بني أخي"، فجيءَ بنا كأننا أفرُخٌ، فقال:"ادْعُوا لي الحلاقَ"، فأمَرَهُ فحلقَ رؤوسَنَا.

قوله: "أمهلَ آلَ جعفر ثلاثًا"؛ يعني: فلمَّا قُتِلَ جعفرُ بن أبي طالب رضي الله عنه تركَ رسولُ الله آلَ جعفر يبكون عليه ثلاثةَ أيامٍ، هذا يدل على أن البكاءَ على الميت من غير ندبٍ ونياحةٍ جائزٌ ثلاثةَ أيامٍ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال بعد ثلاثة أيام:"لا تبكوا على أخي بعد اليوم"، ولم يقل قبل مضي ثلاثة أيام: لا تبكوا.

"كأنَّا أَفْرُخٌ".

(الأَفْرُخ) جمع: فرخ، وهو ولد الطير؛ أي: كنَّا صغارًا، وهذا الحديث يدل على جواز حلق شَعر الرأس.

* * *

ص: 53

3454 -

عن أمِّ عطَّيةَ الأنصاريةَ: أنَّ امرأةً كانت تختِنُ بالمدينةِ، فقالَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا تُنْهِكِي، فإنَّ ذلِكَ أَحْظَى للمرأةِ وأحبَّ إلى البعلِ".

قوله: "لا تُنْهِكِي"؛ أي: لا تقطعي موضعَ الختان قطعًا تامًا، بل اتركي ذلك الموضعَ.

"فإن ذلك"؛ أي: فإن تركَ بعض ذلك الموضع "أحظى"؛ أي: أنفعُ لها.

"البَعْل": الزوج.

* * *

3456 -

عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ هندًا بنتَ عتبةَ قالت: يا نَبيَّ الله بايعْني؟ فقالَ: "لا أُبايُعكِ حتى تُغَيري كفَّيْكِ، فكأنَّهُما كَفَّا سَبُعٍ".

قولها: "حتى تُغيري كفَّيك"؛ أي: حتى تخضبي كفَّيك بالحِنَّاء، وهذا دليلٌ على شدة استحباب الخضاب بالحِنَّاء للنساء.

* * *

3457 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: أَوْمَأَتْ امرأةٌ مِن وراءِ سِتْرٍ، في يدها كتابٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقبضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه! فقال:"ما أَدري أَيَدُ رَجُلٍ؛ أَمْ يدُ امرأةٍ؟ " قالت: بل يدُ امرأةٍ، قال:"لو كنتِ امرأة لغيَّرتِ أظفاركِ" يعني بالحِنَّاء.

قوله: "أَوْمَت"، أصله: أومأت بالهمز بعد الميم، فخُففت الهمزة، فصارت ألفًا، ثم حُذفت الألف لسكونها وسكون التاء، ومعناه: أشارت.

* * *

3458 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: لُعِنَتْ الواصِلةُ والمُستَوْصِلَةُ، والنَّامِصةُ والمُتنمِّصةُ، والواشِمةُ والمُستَوْشمةُ، مِن غيرِ داءٍ.

ص: 54

قوله: "من غير داء"؛ أي: من غير علَّة؛ يعني: إن كانت بها علةٌ؛ فاحتاجت إلى أن تكويَ يدَها للمداواة جازَ، ولم يكن هذا من الوشمِ المَنهيِّ عنه، وإن بقي منه أثرٌ.

* * *

3460 -

وقيلَ لعائشةَ رضي الله عنها: إنَّ إمرأة تلبَسُ النَّعلَ! قالت: لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّجلَة مِن النِّساءِ.

قولها: "الرَّجلَة من النساء"؛ أي: المرأة التي تشبه نفسَها بالرجال في اللباس.

* * *

3461 -

عن ثوبانَ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرَ كان آخرُ عهدِه بإنسانٍ مِن أهلِه فاطمةَ، وأولُ مَن يدخلُ عليها فاطمةَ، فقَدِمَ مِن غزَاةٍ وقد عَلَّقتْ مِسْحًا أو سِتْرًا على بابها، وحَلَّتِ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ قُلْبَينِ مِن فِضَّةٍ، فقَدِمَ فلم يدخلْ، فظنَّت أنَّما منعَه أنْ يدخلَ ما رَأَى، فَهتكَتْ السِّترَ وفكَّتِ القُلْبينِ عن الصَّبيَّيْنِ وقطعَتهُ منهما، فانطلقَا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يبكيانِ، فأخذه منهما وقال:"يا ثوبانُ! اذهبْ بهذا إلى آلِ فلانٍ، إنَّ هؤلاء أهلي أَكْرَهُ أنْ يأكلوا طيباتِهم في حياتِهم الدُّنيا، يا ثوبانُ اشترِ لفاطمةَ قِلادَةً مِن عَصَبٍ وسِوَارَيْنِ من عاجٍ".

قولها: "من غزَاةٍ"، أصلها: من غزوة، فنُقلت فتحة الواو إلى الزاي وقُلبت الواو ألفًا؛ لأن سكونَها عارضٌ، والسكون العارض كالمتحرك، فكأنها متحركةٌ وما قبلها مفتوح.

"علَّقت مِسْحًا".

ص: 55

(المِسح): كساء معروف، يقال له بالفارسي: بِلاس، وإنما هتكت السترَ؛ لأنها ظنَّتْ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تأذَّى منه لكونه منقَّشًا بصُوَرٍ، أو لأن فيها جملاً وزينةً.

"حلَّتْ"، أصله: حلَّيَتْ، فقُلبت الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، فحُذفت الألف لسكونها وسكون التاء، ومعناه: جَعلَتْ حُلِيًّا على الحسن والحسين.

"قُلْبَين" تثنية: قُلْب، وهو سِوَارٌ بلا نقشٍ.

"فكَّت"؛ أي: فَصَلَتْ.

"أكرهُ أن يأكلوا طيباتهم"؛ يعني: أن يتلذَّذُوا ويتطيَّبُوا عيشَهم بأكل الأطعمة اللذيذة ولبس الملابس النفيسة، بل أختار لهم الفقرَ والرياضة في الدنيا.

"قلادة من عَصْب".

(القلادة): شيء من الذهب أو الفضة تعلِّقه النساء برقابهن، قال الحافظ أبو موسى: يحتمل عندي أن الرواية إنما هو (العَصَب) بفتح الصاد، وهو أطناب مفاصل الحيوانات، وهو شيء مدوَّر، ويحتمل أنهم كانوا يأخذون عَصَبَ بعض الحيوانات فيقطعونه ويجعلونه شبه الخَرَز إذا يبس، فيتخذون منه القلائد، فإذا أمكنَ أن يُتخذ من عظام السلحفاة وغيرها السوارَ أمكنَ أن يكون من عَصَب أشباهها خَرَزٌ يُنظَم منها قلائدُ، ثم ذَكر لي بعضُ أهل اليمن أن العَصَب سِنُّ دابةٍ بحريةٍ يُسمى: فرس فرعون، يُتخذ منها الخَرَزُ يكون أبيضَ، ويُتخذ منها غيرُ الخَرَز، هذا كلام أبي موسى.

وقال الخطابي: في هذا الحديث شيءٌ حاصله: أني لا ندري (العَصْب) بسكون الصاد غير البُرد اليمني، وأما العاج فعظم ظهر السلحفاة البحرية، ويقال له: الذيل أيضًا، ويجوز استعماله؛ لأنه طاهرٌ، لأنه حيوانٌ بحريٌّ.

والعاج أيضًا: عظم الفيل، وهو نَجِسٌ عند الشافعي، وفيه قولٌ للشافعي أنه

ص: 56

طاهرٌ، ومذهب أبي حنيفة: أنه طاهرٌ، وكذلك البحث في عظمِ ما لا يُؤكَل لحمُه [وفي عظم ما يُؤكَل لحمُه إذا مات، فأما ما يُؤكل لحمُه] إذا ذُبح حلَّ لحمُه وطهر جلدُه وعظمُه وشَعرُه بلا خلافٍ.

* * *

3462 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اكتحِلُوا بالإِثمدِ فإنه يَجْلُو البَصرَ، ويُنْبتُ الشَّعرَ" وزعم: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانتْ لهُ مُكْحُلَةٌ يكتحلُ بها كلَّ ليلةٍ ثلاثةً في هذه، وثلاثةً في هذه.

قوله: "يَجْلُو البصرَ"؛ يعني يزيد نورَ العين.

"ويُنبت الشَّعر"؛ يعني: يُنبت أهدابَ العين، والأهدابُ زينةٌ للإنسان.

* * *

3463 -

وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كانَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يكتحلُ قبلَ أنْ ينامَ بالإِثمدِ ثلاثًا في كلِّ عينٍ، قال: وقال: "إنَّ خيرَ ما تَدَاوَيْتُم به اللَّدُودُ، والسَّعُوطُ، والحِجَامَةُ، والمَشِيُّ، وخيرَ ما اكتحَلْتُم بهِ الإِثمدُ، فإنه يجلُو البصرَ ويُنْبتُ الشعرَ، وإنَّ خيرَ ما تَحتجِمونَ فيهِ يومُ سبعَ عشرةَ، ويومُ تسعَ عشرةَ، ويومُ إحدى وعشرينَ"، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حيثُ عُرِجَ بهِ ما مَرَّ على ملأٍ مِن الملائكةِ إلا قالوا: عليكَ بالحِجَامةِ. غريب.

قوله: "إن خير ما تداويتم به اللَّدُود والسَّعُوط".

و (اللَّدُود): ما يلقي الإنسانُ في أحد شقَّي الفم للمداواة.

و (السَّعُوط): ما يُلقَى في الأنف للتداوي.

"المَشِيُّ" بكسر الشين وتشديد الياء، ويجوز فتح الميم وضمُّها وكسرها: وهو ما يُشرَب أو يُؤكَل لإطلاق البطن أو إسهاله.

ص: 57

قوله: "حيث عُرِجَ به"؛ أي: حين عُرِجَ به إلى السماء ليلةَ المعراج.

"على ملأ"؛ أي: جماعة.

"عليك بالحِجَامة"؛ أي: الزَمِ الحجامةَ.

* * *

3464 -

عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى الرِّجالَ والنَّساءَ عن دخولِ الحَمَّاماتِ، ثم رخَّصَ للرِّجالِ أنْ يدخلُوا بالميازرِ.

قولها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجالَ والنساءَ عن دخول الحمَّامات، ثم رخَّص للرجال أن يدخلوها بالمَيَازر".

(الميازر) جمع: مِئزر، وهو الإزار، وانما لم يرخَّص للنساء في دخول الحمَّام؛ لأن النساءَ جميعُ أعضائهن عورةٌ، وكشفُ العورة غيرُ جائزٍ إلا عند الضرورة، كغُسل الجنابة وقضاء الحاجة، ولا ضرورةَ لهن في دخول الحمَّام؛ لأن الغُسلَ ممكنٌ في بيتها.

ألا ترى أن صلاةَ المرأة في بيتها أفضلُ من صلاتها في المسجد، بخلاف الرجال، فإذا اقتضت حاجةُ النساء إلى دخول الحمَّام، مثل: أن تكون مريضةً؛ تدخل الحمَّام للتداوي، أو يكون قد انقطع نفاسها؛ تدخل الحمَّام للتنظيف، أو تكون قد انقطع حيضُها، أو تكون جنبًا، والبردُ شديدُ، ولا تَقدِر أن تُسخَّنَ الماءَ، فتخاف استعمالَ الماء البارد ضررًا؛ ففي هذه الأعذار جازَ لهن دخول الحمَّام.

ولا يجوز للرجال دخول الحمَّام ودخول الماء بغير إزارٍ ساترٍ ما بين سُرَّته ورُكبته.

يُحكَى عن أحمد بن حنبل رحمة الله عليه أنه قال: كنتُ يومًا مع جماعةٍ يتجرَّدون ويدخلون الماء، فاستعملتُ خبرَ النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن كان يؤمن بالله واليوم

ص: 58

الآخر فلا يدخل الحمَّامَ إلا بمِئزرٍ"، ولم أتجرَّد، فرأيت تلك الليلةَ في المنام كأن قائلاً يقول لي: أبشِرْ يا أحمدُ؛ فإن الله تعالى قد غفرَ لك باستعمال السُّنَّة، فقلت: مَن أنت؟ فقال: أنا جبريلُ، فقد جعلك إمامًا يُقتدَى بك.

* * *

3465 -

عن أبي المَليحِ قال: قَدِمَ على عائشَةَ رضي الله عنها نِسوةٌ مِن أهلِ حمْصَ فقالت: مِن أينَ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَ: مِن الشامِ، قالت: فلعلَّكُنَّ مِن الكُورَةِ التي تدخلُ نِسَاؤها الحمَّامَاتِ؟ قُلْنَ: بلى، قالت: فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تخلعُ امرأةٌ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجِها إلا هَتَكَتْ السِّترَ بينَها وبينَ ربها".

وفي روايةٍ: "في غيرِ بيتِها إلا هتكَتْ سِترَها فيما بينَها وبينَ الله عز وجل".

قوله: "من أهل حِمْص": وهو بلد من الشام.

"من الكُورة"؛ أي: من البلد والناحية.

"إلا هَتَكَتِ السِّترَ بينها وبين ربها عز وجل"؛ يعني: جعل الله سِترًا على النساء؛ أي: حفظَهنَّ من أن يَرَهنَّ أجنبيٌّ، وأمرَهن بسِتر أنفسهن، حتى لا يجوز لهن كشفُ عورتهن في الخلوة أيضًا إلا عند أزواجهن، فإنه جازَ لهن كشفُ جميع أعضائهن عند الأزواج، ويجوز لهن كشفُ ما ظهر منهن عند العمل، كاليدَين إلى العضد والرَّجلَين إلى الساق عند محارمهن، فإذا كشفتِ المرأةُ أعضاءَها في الحمَّام من غير ضرورةٍ فقد هتكت السترَ الذي أمرها الله تعالى به، وصارت عاصيةً بهتك سِترها.

* * *

3467 -

عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخرِ فلا يدخل الحَمَّامَ بغيرِ إزارٍ، ومَن كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ فلا يُدْخِلْ

ص: 59