الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى عَصَبيَّةٍ، ولَيْسَ مِنّا مَنْ قاتَلَ عَصَبيَّةً، ولَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبيَّةٍ".
قوله: "من دعا إلى عصبية"، العصبيةُ: معاونةُ الظالمِ؛ يعني: ليس منا من جمعَ جيشًا ليحاربوا قومًا بالباطل.
* * *
3815 -
عَنْ أَبيْ الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "حُبُّكَ الشَّيءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ".
قوله: "حبُّكُ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ"، (يُعْمِي)؛ أي: يَجْعَلُ أَعْمَى، ويُصِمُّ؛ أي: يَجْعَلُ أَصَمَّ؛ يعني: إذا أحببتَ أحدًا لا تبصرُ فيه عيبًا، ولا تسمعُ منه كلامًا قبيحًا، بل تعتقِدُ جميعَ ما يَصْدُرُ منه حسنًا.
* * *
14 - باب البرِّ والصِّلَةِ
(باب البر والصلة)
مِنَ الصِّحَاح:
3817 -
عَنْ أَبِي هُريْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتي؟ قال: "أُمُّكَ"، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: "أُمُّكَ"، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: "أُمُّكَ"، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أبوكَ".
ويُروَى: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَباكَ، ثُمَّ أَدْناكَ أدناك".
قوله: "بحسن صحابتي"؛ أي: بحسن صُحْبتي؛ يعني: من الأَولى بأن أُحْسِنَ إليه.
* * *
3819 -
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ"، قِيْلَ: مَنْ يا رسولَ الله! قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أَحَدَهُما أَوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ".
قوله: "من أَدْرَكَ والديه عند الكِبَر: أحدُهما أو كلاهما"، (عند الكِبَر): ظرفٌ في موضع الحال، والظرفُ إذا كان في موضع الحال يرفعُ ما بعدَه، فأحدُهما مرفوعٌ بالظرفَ، و (كلاهما) معطوفٌ على (أحدهما)؛ يعني: من لم يخدمْ أبويه أو أحدَهما بقدرِ ما يدخلُه الله به الجنة صارَ ذليلاً.
وإنما خصَّ حالَ الكِبَر بالخدمة مع أن خدمة الأبوين محمودةٌ في جميع الأحوال؛ لأن أبويه عنده الكِبَر أحوجُ إلى الخدمة، فالثوابُ في الخدمة عند شِدَّةِ الحاجةَ أكثرُ.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3820 -
وعَنْ أَسْمَاءَ بنتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّها قَالَت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهيَ مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله! إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وهيَ راغِبةٌ، أفَأَصِلُها؟ قالَ:"نَعَمْ، صِليْهَا".
قوله: "وهي راغبة"؛ أي: طالبةٌ لعطائي، ويُرْوَى:(وهي راغمة)، وعلى هذه الرواية معناه: وهي ذليلةٌ محتاجَةٌ لعطائي.
"أفأَصِلُها"؛ يعني: أفأعطيها شيئًا.
"صِلِيها"؛ أي: أَعْطِيها؛ يعني: الإحسان إلى الكفار.
* * *
3820/ م - وعَنْ عَمْرِو بن العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ آلَ أَبِي فُلانٍ لَيْسوا لي بأَوْلِياءَ، إنَّما وَلييَ الله وصَالِحُ المُؤْمِنينَ، ولكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّها ببَلالِها".
قوله: "أَبُلُّها"؛ أي: أصِلُ تلك الرحم.
"ببلالها"، و (البلالُ) - بكسر الباء -: السببُ الذي يوصَلُ الرَّحِمُ به، وهو الإحسان إلى الأقارب، ومعاونتُهم، وخدمتُهم.
* * *
3821 -
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حَرَّمَ عَلَيكُم عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، وَوَأْدَ البناتِ، ومَنْعًا وَهَاتِ، وكَرِهَ لَكُم قِيلَ وقَالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وَإضَاعَةَ المَالِ".
قوله: "عقوقُ الأُمَّهات"؛ أي: عصيانَ الأُمَّهات، ذَكَرَ الأمهات والمراد: الآباء والأُمَّهات وإن عَلَوا.
"ووَأْد البنات"، (الوَأْدُ): دَفْنُ البنتِ حية؛ يعني: قتل البنات كما هو عادة أهل الجاهلية.
"ومنع وهات"؛ يعني: حرم عليكم أخذ ما لا يجوز لكم أخذه.
"وكَرِهَ لكم قيل وقال"، (قيل): ماضٍ مجهول، (وقال): ماضٍ معروف، وكَرِهَ الله لكم التحدُّثَ بالحكايات التي ليس فيها ثوابٌ ولا ضرورةَ لكم فيها؛ لأن كثرةَ الكلام قسوةٌ للقلوب.
"وكثرة السؤال"؛ يعني: كثرة السؤال من العلماء فيما لا حاجةَ لكم فيه من المعاندة والمعارَضة، فأما إذا سألتم ما تحتاجون إليه، وما في تعلُّمهِ خيرٌ وثوابٌ، فلا يُكْرَه كثرةُ السؤال من هذا العلم، بل يُستحَبُّ.
"وإضاعة المال"؛ يعني: صَرْفُ المال فيما ليس في صَرْفهِ خيرٌ لكم.
روى هذا الحديثَ مغيرةُ.
* * *
3822 -
وقَالَ: "مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ"، قالوا: يا رسولَ الله! وهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قال: "نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَباهُ، وَيسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ".
قوله: "من الكبائر شَتْمُ الرجل والديه"؛ يعني: إذا شتمتَ أبا أحدٍ فيشتمُ ذاك الأحدُ أباك، وكأنكَ شتمْتَ أباك، وهل هذا من الكبائر أم لا؟
فانظر، فإنْ كان الشتمُ بنسبة الزِّنا إلى أحد، أو بكفْرٍ، أو بهتانٍ، فهو من الكبائر، وإن كان بلفظ: يا أحمقُ، أو أبوك أحمقُ، أو طويلٌ، أو قصيرٌ، وما أشبه ذلك، فليس من الكبائر الثمانيةَ عشرةَ المعروفة، وقد اختلف في الكبائر اختلافًا كثيرًا، وقد ذكر في أول الكتاب في (باب الكبائر).
روى هذا الحديثَ عبدُ الله بن عمر.
* * *
3823 -
وقَالَ: "إنَّ مِنْ أَبَرِّ البرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أهْلَ وُدِّ أَبيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّي الأَبُ".
قوله: "إن من أبرِّ البرِّ صِلَةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه بعد أن يُوَلِّيَ"؛ يعني: أفضلُ البرِّ أن يُحْسِنَ الرجل إلى أحباءِ أبيه بعد أن يُولِّيَ أبوه.
(وَلَّى يُوَلِّي): إذا أدبر؛ يعني: بعد موت أبيه، هذا إشارةٌ إلى تأكيد حقِّ الأب، فإنه إذا كان الإحسانُ إلى أحباءِ الأب لحرمة الأبِ أفضلَ البرِّ، فالإحسان إلى الأب بطريق الأَولى أن يكون أفضلَ القُرُبات.
روى هذا الحديثَ ابن عمر.
* * *
3824 -
وقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
قوله: "ويُنْسَأَ له في أَثَرِه"؛ أي: يؤخَّر في أجله، النَّسْءُ: التأخير، و (الأَثَر): الأجل.
روى هذا الحديثَ أنس.
* * *
3825 -
وقَالَ: "خَلَقَ الله الخَلْقَ، فَلمَّا فَرَغَ مِنْهُ قامَتْ الرَّحِمُ فأَخَذَتْ بِحِقْوَي الرَّحمَنِ، فقالَ: مَهْ؟ قَالَتْ: هَذَا مَقامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطيعَةِ، قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، يَا رَبُّ! قَالَ: فَذَاكَ لَكِ".
قوله: "بحِقْوَي الرحمن"، الحِقْو: الإِزارُ، (بِحِقْوَيِ الرَّحْمن)؛ أيما: بإزارَي الرحمن، والمراد بالإزارين هنا: ما أراد بقوله: "الكبرياءُ رِدَائي، والعظمةُ إزاري".
يعني: التجأتِ الرَّحِمُ وعاذت بعزة الله وعظمتِه من أن يَقطعَ أحدٌ الرَّحِم.
"مه"؛ أي: اكففْ وامتنعْ عن هذا الفعل؛ أي: التجأ؛ يعني: مالك ولأي سببٍ عُذْتِ بي.
"هذا مقام العائذ بك"؛ يعني: من التجأ إلى أحدٍ وتمسَّكَ بحِقْوهِ؛
يعني: سبب عياذي بحِقْوِكَ تعالى: خشيةُ أن يقطعَني أحدٌ.
"فذاك"؛ أي: أفعلُ ما قلتُ مِن وصْلي مَن وصلَكِ، وقَطْعي مَن قَطَعكِ.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3826 -
وقَالَ: "الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، قالَ الله تَعَالَى: مَنْ وَصَلكِ وَصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".
قوله: "شجْنةٌ"، بضم الشين وكسرها وبالجيم؛ أي: قرابةٌ متَّصِلة؛ أي: الرَّحِمُ مُشتقَّةٌ من الرحمن؛ أي: الرَّحِمُ موجودةٌ في حروف الرحمن، وكلا اسمين من الرحمة؛ يعني: صلةُ الرَّحِم رحمةٌ من الله الكريم على عباده؛ لأنه يحصلُ لواصل الرَّحِم رحمةٌ من الله الكريم على عباده، ويصل إلى بعض الأقارب مِن بعضهم شفقةٌ ورحمةٌ ونُصْرةٌ.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3827 -
وقَالَ: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَقوْلُ: مَنْ وَصَلَني وَصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعَني قَطَعَه الله".
قوله: "الرَّحِمُ معلَّقةٌ بالعَرْش"؛ أي: متمسِّكَةٌ بالعرش، نعوذُ بالله مِن قَطْعِ الرَّحِم.
روت هذا الحديث عائشةُ.
* * *
3828 -
وقَالَ: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعُ رَحِمٍ".
قوله: "لا يدخلُ الجنَّةَ قاطعُ الرحم"، إنْ قَطَعَ الرَّحِمَ عن اعتقادِ جَوَازِ قَطْعِها؛ لأنه كافرٌ باستحلاله الحرامَ، وإن لم يستحِلَّ قَطْعَ الرَّحِم، فمعنى هذا الحديث: أنه لا يدخلُ الجنةَ حتى يَطْهُرَ من ذنبِ قَطْعِ الرَّحمِ، إما بأن يعفوَ الله عنه، أو يعذِّبَه بقَدْر ذنبه.
روى هذا الحديثَ جُبير بن مُطْعِم.
* * *
3829 -
وقَالَ: "لَيْسَ الوَاصِلُ بالمُكَافِئِ، ولَكِنَّ الوَاصِلَ الَّذي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَها".
قوله: "ليس الواصلُ بالمكافِئ"؛ يعني: ليس واصِلُ الرَّحِمِ من يفعلُ بأقاربه ما فعلُوه به؛ أي: إذا وصلوه وصَلَهم، وإذا قَطَعُوه قَطَعَهم، بل الواصلُ من إذا وصَلُوه وصَلَهم، وإذا قَطَعُوه وَصَلَهم.
روى هذا الحديثَ عبد الله بن عمر.
* * *
3830 -
وعَنْ أَبيْ هُريْرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِن لِيْ قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيقْطَعُوني، وأُحْسِنُ إلَيْهِمْ ويُسيؤونَ إلَيَّ، وأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فقالَ:"لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّما تُسِفُّهمُ المَلَّ، ولا يَزالُ مَعَكَ مِنَ الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِك".
قوله: "فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ"، (سفَّ وأَسَفَّ): إذا ألقى الدَّقيقَ في الفم، وفَرَّقَ الترابَ على وجهٍ شيء، (المَلُّ): الجَمْر والرَّمَاد.
يعني: إذا لم يشكُروا إحسانَك إليهم، فكأنما تلقي إليهم النار؛ لأنَّ
عطاءك عليهم حرامٌ، فيحصلُ لهم النارُ بسببِ تركِ شُكْرِهم نِعَمَك.
* * *
مِنَ الحِسَانِ:
3831 -
عَنْ ثَوبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَاّ الدُّعاءُ، ولا يَزيدُ في العُمُرِ إلَاّ البرُّ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بالذَّنْبِ يُصِيبُهُ".
قوله: "وإنَّ الرجل لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بالذنب يصيبُه"؛ يعني: وإن الرجلَ ليصيرُ محرومًا من الرزق بشؤمِ اكتسابهِ ذنبًا.
وهذا يؤوَّل على تأويلين:
أحدهما: أن يرادَ بالرزق هنا الثوابُ ودرجة الأُخْروية، ولا شكَّ أن الرجلَ متى ما يقِلُّ ذنبُه تكثرُ درجته الأخروية، ومتى ما يكثرُ ذنبه تَقِلُّ درجتُه الأُخْرَوية.
والتأويل الثاني: أن يرادَ بالرزق الرزقُ الدنيوي من المال والصحة والعافية، وعلى هذا التأويل يُشْكِلُ الحديثُ، وإنما ترى الكفارَ والفُسَّاقَ أكثر مالًا وصحةً من الصُّلَحَاء.
ورُفِعَ هذا الإشكالُ بأن يقول: هذا الحديثُ ليس بعامٍّ، بل هو خاصٌّ في حقِّ بعض الناس، فإن الله تعالى إذا أراد أن يحفظَ مسلمًا عن الذنب، وأن يريدَ دخولَه الجنةَ بلا تعذيبٍ يُصفِّيه من الذنوب في الدنيا، بأن يعاقبَه في الدنيا بسبب ذنبٍ يفعلُه، فإذا أذنبَ ذلك المسلمُ ذنبًا أصابَه عَقِيبَ ذلك الذنب فقرٌ وضيقُ قلبٍ ومرضٌ وجراحةٌ وغيرُ ذلك، وأَلهمَه أن هذا الفقرَ وضيقَ القلب وغيرَها بسبب شؤم ذلك الذنب؛ لينتبَه ذلك المسلمُ، ويتوبَ عن الذنب.
فهذا المسلم هو المرادُ بهذا الحديث لا الكُفَّارُ وبعضُ الفُسَّاق، فإنَّ الله
قال في كلامه القديم: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].
الإملاءُ: الإمهالُ والتأخيْر في الأجل؛ يعني: نطوِّل أعمارَهم، ونكثَّرُ أرزاقهم، ونُطَيب معايشَهم في الدنيا؛ لتكثيرِ عذابهم في الآخرة، وكذلك في حقٍّ بعضِ الفُسَّاق.
* * *
3833 -
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رِضا الرَّبِّ في رِضَا الوَالِدِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوَالِدِ".
قوله: "رضا الرب في رضا الوالد"؛ يعني: إذا رضيَ الوالدُ رضيَ الرَّبُّ عنه، وكذلك السُّخْطُ، وذَكَرَ الوالدَ، والمرادُ منه: الوالدةُ أيضًا، بل حقُّ الوالدة آكَدُ، وكذلك جميعُ الآباء والأمهات وإن عَلَوا داخلون في هذا الحديث، إلا أنَّ مَن هو أقربُ حَقُّه آكَدُ.
روى هذا الحديثَ عبد الله بن عمر.
* * *
3834 -
عَنْ أَبيْ الدَّرْدَاءَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَحَافِظْ عَلَى البَابِ أَوْ ضَيعْ".
قوله: "أَوْسَطُ أبواب الجَنَّة"؛ يعني: للجنَّةِ أبوابٌ أَحْسَنُها دخولاً: أَوْسَطُها، وسببُ دخول ذلك الباب المتوسَّط: حقوقُ الوالدين، فمن حَفِظَ حقوقَهما يسهلْ عليه دخولُ ذلك الباب، ومن ضَيَّعَ - أي: تركَ - حقوقَهما لم يدخل ذلك الباب، وهذا الحديث تحريضٌ على محافظة حقوق الوالدين.
* * *
3836 -
عن عبدِ الرَّحمنِ بن عَوْفٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قالَ الله تبارك وتعالى: أنا الله، وأنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لها من اسمي، وَمَنْ وَصَلَها وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعها بَتَتُّهُ".
قوله: "شققَتُ لها من اسمي"؛ ذكر هذا في قوله: "الرَّحِمُ شَجْنَةٌ من الرحمن".
"بَتَتُّه"؛ أي: قَطَعْتُه؛ أي: جعلْتُه محرومًا من رحمتي.
* * *
3838 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ الله لِصاحِبهِ العُقوبَةَ في الدُّنْيا مَعَ ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخِرَةِ مِنَ البَغْيِ وقَطيعَةِ الرَّحِمِ".
قوله: "أَحْرَى"؛ أي: أَجْدَرُ وأقرب.
"مع ما يَدَّخِرُ"؛ أي: مع ما يُعِدُّ ويهيئُ من عذاب الآخرة.
(والبغيُ): الظلمُ والتكبر.
* * *
3839 -
وقال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنَّانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مُدْمِنُ خَمْرٍ".
قوله: "مَنَّانٌ"؛ أي: الذي يَمُنُّ على الناس بما يُعْطِيهم.
"العاقُّ": الذي يعصِي والديه.
"المُدْمِنُ": المداوم.
* * *
3840 -
وقال: "تَعَلَّمُوا من أَنْسابكَمْ ما تَصِلُونَ بِهِ أَرْحامَكُمْ، فإنَّ صِلَةَ
الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ في الأَهْلِ، مَثْراةٌ في المالِ، مَنْسَأَةٌ في الأَثَرِ"، غريب.
قوله: "تعلَّموا من أنسابكم ما تَصِلُون به أرحامَكم"؛ يعني: تعلَّموا أسماء آبائكم وأجدادِكم وأعمامِكم وأخوالِكم وجميعِ آبائكم؛ لتعرِفُوا أقاربكم؛ ليمكنكم صلةُ الرَّحِم، فإنَّ معنى صلةِ الرَّحِم معاونةُ الأقاربِ والإحسانُ إليهم والتلطُّفُ بهم، ومجالسَتُهم ومكالمَتُهم ومداخلَتُهم وما أشبهَ ذلك مما يتعلَّق بالتقرب إليهم والشفقةِ عليهم، وما لم يَعْرِفِ الرَّجُلُ أقاربَه لم يُمْكِنْه صلةُ الرَّحِم.
"محبةٌ في الأهل"؛ يعني: إذا كان بين الآباء تواصلٌ وتعارفٌ تكون بين الأولاد محبةٌ مثوبات في المال.
* * *
3841 -
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله! إِنِّي أَصَبْتُ ذَنبًا عَظيمًا، فهل لي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قالَ:"هل لكَ مِنْ أُمًّ"؟ قالَ: لا، قالَ:"وهَلْ لكَ مِنْ خالَةٍ"؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ:"فَبرَّها".
قوله: "فبرَّها"، هذا أمر مخاطب من (بَّر يَبَرُّ) بوزن (عَلِمَ يَعْلَم): إذا أحسنَ إلى أحدٍ، كان ذلك الذنب ذنبًا.
عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم أن صِلَةَ الرَّحِم تكون كفارةً لها، وكان ذلك الذنبُ من الصغائر لا من الكبائر، وإن كان من الكبائر كان مخصوصًا بذلك الرجل.
فإن قيل: قال الرجل: أصبتُ ذنبًا عظيمًا، فلم قُلْتم إنه ليس من الكبائر؟
قلنا: ظنَّ ذلك الرجلُ ذلك الذنبَ عظيمًا، وإن كان من الصغائر وهكذا؛ ليعتقدَ كلُّ مسلمٍ، فإنه لا يجوزُ أن يَحْتَقِرَ المسلمُ الذنبَ وإن كان صغيرًا، فإنَّ عصيانَ الله تعالى ليس بصغيرٍ، وإن كان ذنبًا يسيرًا، ولكنَّ الذنوبَ وإن كانتْ