المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌21 - كتاب الطب والرقى - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٥

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌21 - كتاب الطب والرقى

‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

ص: 69

[21]

كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

(كتاب الطب والرُّقى)

مِنَ الصِّحَاحِ:

3486 -

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزلَ الله داءً إلَاّ أنزلَ لهُ شفاءً".

قوله: "ما أنزل الله داءً إلا أَنزلَ له شفاءً"، أراد بـ (الشفاء) هنا: الدواء.

هذا الحديثُ رخصةٌ للأُمة في التداوي واستعمال الطب؛ يعني: ما خلقَ الله علةً إلا خلقَ لها دواءً، وهدى طائفةً من الناس إليه، وألهمَهم كيفيةَ التداوي به. وحصولُ البُرْءِ ليس من الدواء، بل من الله؛ إنْ قدَّر فيه الشفاءَ يحصل الشفاءُ به، وإن لم يُقدِّر لم يحصل، وهذا كما جعل الله الماءَ دافعًا للعطش والطعام دافعًا للجوع؛ فإنْ قدَّر قطعَ العطش والجوع يحصل الدفع، وإن لم يُقدِّر لم يحصل، فإنه كم من جائعٍ يأكل الطعامَ ولم يشبع، ويشربُ الماءَ ولم يَرْوَ.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

3487 -

وقال: "لكلِّ داءٍ دواءٌ فإذا أُصيبَ دواءُ الدَّاءِ بَرَأَ بإذنِ الله".

قوله: "بَرَأَ بإذن الله"؛ أي: حصل له الشفاءُ بأمر الله إن قدَّر الشفاءَ، وإن لم يُقدِّر لم يحصل.

روى هذا الحديثَ جابر.

* * *

ص: 71

3488 -

وقال: "الشِّفاءُ في ثلاثةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أو شَرْبةِ عَسَلٍ، أو كَيَّةٍ بنارٍ، وأنا أَنْهَى أُمَّتي عن الكيِّ".

قوله: "الشفاءُ في ثلاثةٍ: في شَرطة مِحْجَم، أو شَربةِ عسلٍ، أو كَيَّةٍ بنارٍ؛ وأنا أَنْهَى أُمتي عن الكَيَّ".

(الشَّرطة): المشرط، وهو ما يُضرَب على موضع الحِجامة ليخرجَ منه الدمُ بالمِحْجَم.

والمِحْجَمة: قارورة الحجَّام التي يمصُّها، وقيل: الموضع الذي يُحجَم.

(الكَيُّ): أن يُحمَى حديدٌ ويُوضَع على عضوٍ معلولٍ ليحترقَ ويحتبسَ دمُه، ولا يخرج الدم، أو لينقطعَ العِرقُ الذي تنتشر منه العلَّة.

وقد جاء النهي عن الكَيِّ، وقد جاءت الرخصة أيضًا، والرخصةُ لبيان جوازه حيث لا يَقدِر الرجلُ على أن يداويَ تلك العلةَ بدواءٍ آخرَ، والنهي حيث يَقدِر الرجلُ على أن يداويَ العلةَ بدواءٍ آخرَ، وإنما ورد النهيُ حيث يَقدِر الرجلُ على أن يداويَ العلةَ بدواءٍ آخرَ؛ لأن الكَيَّ فيه تعذيبٌ بالنار، ولا يجوز أن يعذِّبَ بالنار إلا ربُّ النار، وهو الله تعالى، ولأنه يبقى من الكَيِّ أثرٌ فاحشٌ، ولأن أهلَ الجاهلية كانوا قد اعتقدوا أن الشفاءَ يحصل من الكَيِّ البتةَ، فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الكَيِّ كي لا يعتقدوا الشفاءَ منه، بل الشافي هو الله.

روى هذا الحديثَ ابن عباس.

* * *

3489 -

عن جابرٍ قال: رُميَ أُبَيٌّ يومَ الأحزابِ على أَكْحَلِه فكَواهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "على أَكْحَلِه"، (الأكحل): عِرق معروف يُفصَد منه.

* * *

ص: 72

3490 -

وقال: رُميَ سعدُ بن معاذٍ في أَكْحَلِه فحَسَمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيدهُ بمِشْقَصٍ، ثم وَرِمَتْ فحسمَهُ الثانيةَ.

قوله: "رُمي في أَكْحَلِه"؛ أي: أصاب سهمٌ أكحلَه، وهو العرقُ المذكور.

"فحسمَه"؛ أي: فكَوَاهُ "بمِشْقَص": وهو نصلٌ عريضٌ. روى هذا الحديثَ والذي بعده "جابر" أيضًا.

* * *

3493 -

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أخي استَطْلَقَ بطنُهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اسقِهِ عسلاً" فسقاهُ، ثم جاءَهُ فقال: سقَيْتُه عَسَلاً فلم يزِدْهُ إلا استطْلاقًا!؟ فقال له ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم جاءَ الرَّابعةَ فقال:"اسقِهِ عَسَلاً" فقال: لقد سقيْتُه فلم يزدْهُ إلا استِطْلاقًا!؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صدقَ الله وكذبَ بطنُ أخيكَ"، فسقاهُ فبَرَأَ.

قوله: "استَطلَق"؛ أي: أَسْهَلَ بطنُه؛ يعني: جرى غائطُه.

"صَدَقَ الله"؛ يعني: صدقَ الله في قوله في العسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} .

"وكذَبَ بطنُ أخيك"؛ يعني: عدمُ حصول شفاء بطن أخيك ليس لعدم الشفاء في العسل، بل ما أخبر الله عنه لا يجوز الخُلفُ فيه، وإنما لم يحصل شفاءُ بطن أخيك؛ لأن النيةَ في شربه غيرُ صادقةٍ وغيرُ مخلصةٍ، أو لأنه لم تنقضِ مدةُ المرض؛ فإن الله جعل لكل شيءٍ وقتًا، كما جعل للحيوانات مدةً معلومةً عند الله، فلا يموت حيوانٌ قبل انقضاء أجله، فكذلك لا يُزال مرضٌ قبل انقضاء أجله.

* * *

ص: 73

3494 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَمْثَلَ ما تَداويتُم بهِ الحِجامَةُ، والقُسْطُ البَحرىُّ".

قوله: "إن أَمثلَ ما تداويتُم به الحِجامةُ والقُسْطُ البحري".

(الأمثل): الأَصلَح والأَولَى.

(القُسط البحري)(1) بضم القاف: هو عُود هندي يصلح.

روى هذا الحديثَ أنس.

* * *

3495 -

وقال: "لا تُعذِّبُوا صِبيانَكم بالغَمْزِ مِن العُذْرةِ، وعليكم بالقُسْطِ".

قوله: "الغَمز": العَصر.

"العُذرة": وجعٌ في الحلق يهيج من الدم، وقيل: قرحة، وقيل: اجتماع الدم في قَعر الحَنَك الأعلى بحيث يظهر انتفاخُ ذلك الموضع، وعادة النساء أن يَعصْرنَ بالإصبع ذلك الموضعَ، فنهاهنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عصره، وأمرَهنَّ بأن يُداوِينَها بالقُسط.

روى هذا الحديثَ أنس.

* * *

3496 -

وقال: "عَلَامَ تَدْغَرْنَ أولادَكُنَّ بهذا العِلاقِ؟ عليكُنَّ بهذا العودِ الهِنديِّ، فإنَّ فيهِ سبعةَ أَشفِيَةٍ، منها ذاتُ الجَنْبِ، يُسعَطُ مِن العُذْرَةِ ويُلَدُّ مِن ذاتِ الجَنْبِ".

(1) جاء على هامش "ش": "هو العربي الأبيض؛ لأنه أجود، ومنه الهندي الأسود ومن غيره من أصنافه".

ص: 74

قوله: "على ما تَدْغَرْنُ"؛ أي: لِمَ تَعصرْنَ أحناكَ أولادِكن من العُذرة؟! بل لا تَعصرْنَها وداوِينَها بالقُسط.

(الدَّغْر): العَصْر.

(الأحناك) جمع: حنك.

قوله: "بهذا العِلاق".

(العلاق) بكسر العين: الداهية؛ يعني: لِمَ تَعصرْنَ عُذرةَ الأولاد بالشدة وتُعذِّبنهم؟!

و (العُلاق) بضم العين: ما تُعصَر به العُذرة من إصبع وغيرها، فعلى هذا يكون معناه: لِمَ تَعصْرنَ عُذرةَ أولادكن بالإصبع وغيره؟!

"عليكن بهذا العُود الهندي"؛ أي: الزَمْنَ استعمالَ العود الهندي في عُذرة الأولاد.

"ذات الجَنب": هي الدُّبَيْلة، وهي قرحة قبيحة تنقب البطنَ؛ أي: تثقبُه.

رَوَتْ هذا الحديثَ أم قيس بنت مِحْصَن.

* * *

3497 -

وقال: "الحُمَّى مِن فيحِ جَهنَّمَ فأبرِدُوها بالماءِ".

قوله: "الحُمَّى من فَيح جهنم؛ فأَبرِدُوها بالماء"، (من فيح جهنم)؛ أي: من نفح حرارة جهنم، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"السفرُ قطعةٌ من العذاب"؛ يعني هذا: أن الحُمَّى اشتعالُ حرارةِ الطبيعةِ، فهذه الحرارةُ تشبه نارَ جهنم في كونها معذِّبًا للجسد ومُذِيبًا له، فكما أن النارَ تُزال بالماء، فكذلك حرارةُ الحُمَّى تُزال بالماء البارد، وكيفية استعمال الماء ما جاء في الحديث، وهو ما رُوي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 75

قال في مرضه: "هَرِيقُوا عليَّ من سبعِ قِرَبٍ لم تُحلَلْ أَوكيتُهنَّ".

(هَرِيقوا)؛ أي: صُبُّوا، (القِرَب) جمع: قِرْبة، (لم تُحْلَلْ)؛ أي: لم تُفتَح، (الأوكية) جمع: الوِكَاء، وهو ما يُشدُّ به رأسُ الشيء؛ يعني: صُبُّوا عليَّ الماءَ من سبعِ قِرَبٍ لم تُفتَح رؤوسُهن في ذلك اليوم.

روت هذا الحديثَ عائشةُ وأختها أسماء.

* * *

3498 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: رخَّصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقيَةِ مِن العَيْنِ، والحُمَةِ والنَّملةِ.

قوله: "رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقية من العين والحُمَةِ والنَّملة".

(الحُمَة) بالتخفيف: سمُّ ما يَلدَغ من العقرب وغيرها.

و (النملة): قُرُوح، يقال لها بالفارسي: اتش يارسي.

قد جاءت الرخصةُ في الرُّقية من هذه الأشياء، ويُقاس عليها جميع الأمراض والأعلال إذا كانت الرُّقيةُ باسم الله تعالى وصفاته، ولم يكن فيها لفظٌ مَنهيٌّ، مثل: أن يكون اسمَ صنمٍ، أو اسمَ جنيًّ، أو اسمًا من أسماء الله تعالى ولم يكن ذلك اسمًا منقولاً في الأحاديث الصِّحاح والقرآن.

* * *

3500 -

وعن أمِّ سلَمَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى في بيتِها جاريةً في وجهِها سَفْعَةٌ، تعني صُفرةً، فقالَ:"استرقُوا لها، فإنَّ بها النَّظْرَةَ مِن الجِنَّ".

قوله: "فإن بها النَّظرة".

(النَّظرة): العين؛ يعني: فإنَّ بها إصابةَ عينٍ من الجن.

ص: 76

و"الاسترقاء": طلب الرُّقية، فهذا تصريحٌ بأن مَن أصابته عينٌ من الإنس أو الجن يُستحَبُّ أن يُرقَى عليه.

* * *

3503 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"العينُ حقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابقَ القَدَرَ سبقَتْهُ العينُ، فإذا استُغْسِلتُم فاغْسِلُوا".

قوله: "لو كان شيءٌ سابقَ القَدَرِ سبقتْه العينُ"؛ يعني: لو كان شيءٌ مهلكًا أو مُضرًّا بغير قضاء الله وقَدَره لكان الشيءُ هو العينَ، ولكن لم يكن شيءٌ نافعًا ولا مُضرًّا بغير قضاء الله وقَدَره، وإنما تلفَّظ رسول الله بهذا الحديث تعظيمًا لشأن تأثير العين، والمبالغة في أن يحفظ الناسُ أعينَهم من أن يصيبوا أحدًا بأعينهم، وإذا اتفق لأحدٍ أن يصيبَ شخصًا بعينه فَلْيقُلْ: بارَكَ الله عليك وبسمِ الله عليك، وَلْيَغسِلْ أعضاءَه له، كما يأتي كيفيته.

* * *

3505 -

عن عُقْبةَ بن عامرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهُوا مَرْضاكُم على الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ الله يُطعِمُهم ويَسقيهم"، غريب.

قوله: "لا تُكرِهوا مَرْضَاكم على الطعام"؛ يعني: لا تُطعموا مرضاكم كرهًا إن لم يَطْعَموا عن طوعٍ ورغبةٍ، فإن إكراهَ المرضى على الطعام يضرُّهم ولا ينفعهم، ولا تقولوا: إنهم لو لم يَطْعَموا لَضعفُوا وزالتْ قوتُهم.

"فإن الله يُطعمهم ويَسقيهم"؛ يعني: فإن الله يرزقُهم صبرًا عن الطعام ويرزقُهم قوةً؛ فإن الصبرَ والقوةَ والحياةَ من الله، لا من الطعام والشراب، فإن الله قد يقوِّي الأجسادَ بواسطة الطعام والشراب، وقد يقوِّيها بلا واسطةِ طعامٍ وشرابٍ زمانًا مديدًا.

ص: 77

ألا ترى أن المريضَ ربما لا يَطْعَم ولا يَشْرَب شهرًا أو أكثرَ ولا يموت، وقد يُمنَع صحيحٌ من الطعام زمانًا قريبًا فيموت؟! فموتُ مَن يموت وحياةُ مَن يحيا بأمر الله لا بالطبيعة، فإن الطبيعةَ معزولةٌ عن التأثير بغير أمر الله تعالى.

* * *

3506 -

عن أنسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى أسعدَ بن زُرارةَ مِن الشَّوكةِ. غريب.

قوله: "من الشَّوكة": هي علَّة تحمرُّ منها الأعضاء، يقال بالفارسي: إي ريا بكسر الهمزة.

* * *

3508 -

وعنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينعتُ الزِّيتَ والوَرْسَ مِن ذاتِ الجَنْبِ.

قوله: "يَنْعَتُ الزيتَ والوَرْسَ من ذات الجَنب".

(النعت): وصف الشيء بما فيه من الحسن، ولا يقال: النعت في وصف الشيء بما فيه من الذم، هكذا قال أهل اللغة.

ومعنى الحديث: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الزيتُ والوَرْسُ - وهي شيءٌ يشبه الزعفرانَ - يحسن في مداواة داء ذات الجَنب.

* * *

3509 -

عن أسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سألَها: "بِمَ تَستمشِينَ؟ " قالت: بالشُبْرُمِ، قال:"إنَّه حارٌّ حارٌّ"، قالت: ثُمَّ استمشَيْتُ بالسَّنا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لو أنَّ شيئًا كانَ فيهِ الشِّفاءُ مِن الموتِ لكانَ في السَّنا".

ص: 78

قوله: "بما تَسْتَمْشِينَ"، أصله: تستمشيين، فأُسكنت الياء الأولى لثقل الكسرة عليها، وحُذفت لسكونها وسكون ما بعدها؛ يعني: بأي شيءٍ تطلبينَ إسهالَ البطن.

"الشُّبْرُم": نبت يُسهِّل البطنَ.

"حارٌّ"، وفي بعض الروايات:"حارٌّ حارٌّ"؛ يعني: كرَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لفظ (الحار) للتأكيد، وفي بعض الروايات:"حارٌّ يارٌّ" بالياء المنقوطة من تحتها بنقطتين، و (اليارّ): إتباع (الحارّ)؛ يعني: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الدواء حارٌّ لا يليق بإسهال البطن، فإن إسهالَ البطن ينبغي أن يكون بشيءٍ باردٍ.

* * *

3513 -

وقالت: ما كانَ يكونُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَرْحَةٌ ولا نَكْبَةٌ إلا أمرني أنْ أَضَعَ عليها الحِنَّاءَ.

قوله: "قَرحة أو نَكبة"، (القَرحة): الجِرَاحة التي أصابت الإنسانَ بسيفٍ وغيره من الأسلحة.

و (النَّكبة): الجِرَاحة التي أصابته بحَجَرٍ أو شَوكٍ وغيرهما.

* * *

3514 -

وعن أبي كَبْشَةَ الأَنْمَاريِّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يحتجمُ على هامَتِه وبينَ كَتِفَيْهِ وهو يقولُ: "مَن أَهْراقَ مِن هذهِ الدِّماءِ فلا يَضُرُّهُ أنْ لا يَتَداوى بشيءٍ".

قوله: "على هامَتِه"؛ أي: على وسط رأسه.

* * *

ص: 79

3515 -

وعن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم احتجمَ على وِرْكِهِ مِن وَثْءٍ كانَ بهِ".

قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على وِركه من وَثْءٍ كان به".

(الوِرك): جانب الفخذ من طرف الألْية.

(الوَثْء): اندقاق عضو من سقطةٍ بلا كسرةٍ، والوِرك من العورة، وكشفُه عند الحجَّام إنما كان لعذر المداواة.

* * *

3518 -

عن أنسٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحتَجِمُ في الأَخْدَعَينِ والكاهِلِ، وكانَ يحتجمُ لسبعَ عشرةَ، وتسعَ عشرةَ، وإحدَى وعشرينَ.

قوله: "في الأخدعين".

(الأخدعين) تثنية: الأخدع، وهو عِرق في خلف العنق يُحتجَم منه.

* * *

3521 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن احتجمَ يومَ الثُّلاثاءِ لسبعَ عشرةَ خَلَتْ مِن الشَّهرِ أخرجَ الله منهُ داءَ سنةٍ".

3522 -

وعن كبسة بنتِ أبي بكرة: "أنَّ أباها كانَ يَنْهَى أهلَه عن الحجامةِ يومَ الثلاثاءِ، ويزعمُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ يومَ الثلاثاءِ يومُ الدمِ، وفيهِ ساعةٌ لا يرقَأُ".

قوله: "يوم الثلاثاء يوم الدم"؛ يعني: يومٌ يكثر فيه الدم.

"وفيه ساعةٌ لا يَرقَأ فيها الدم"؛ أي: لا ينقطع فيه إذا احتُجم أو فُصِد فيه، وربما يهلك الإنسان بعدم انقطاع الدم.

* * *

ص: 80

3523 -

ورُوِيَ عن الزُّهرِيِّ مُرْسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَن احتجمَ يومَ الأَربعاءِ ويومَ السَّبتِ فأصابَهُ وَضَحٌ فلا يلومَنَّ إلا نفسَه". وقد أُسنِدَ ولا يصحُّ.

قوله: "وَضَحٌ"؛ أي: بَرَصٌ.

* * *

3524 -

ويُروَى: "مَن احتَجَمَ أو اطَّلَى يومَ السَّبتِ أو الأربعاءِ فلا يلومنَّ إلا نفسَه في الوَضَحِ".

قوله: "اطَّلى"، أصله: اطتلى، قُلبت التاءُ طاءً وأُدغمت التاء في الطاء، ومعنى (اطَّلى)؛ أي: لطخَ عضوًا بدواءٍ.

* * *

3526 -

عن زينبَ امرأةِ عبدِ الله بن مسعودٍ: أنَّ عبدَ الله رأَى في عُنُقي خيطًا فقال: ما هذا؟ فقلتُ: خيطٌ رُقِيَ لي فيهِ، قالت: فأخذه فقَطَعَه ثم قال: أنتم آلَ عبدِ الله لأغنياءُ عن الشِّرْكِ! سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ الرُّقَى والتَّمائمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ"، فقلتُ: لِمَ تقولُ هكذا؟ لقد كانَت عيني تُقْذَفُ، فكنتُ أَختلِفُ إلى فلانٍ اليهوديِّ فإذا رَقاها سكنَت! فقالَ عبدُ الله: إنَّما ذلكَ عملُ الشيطانِ، كانَ ينخَسُها بيدِه، فإذا رُقي كَفَّ عنها، إنَّما كانَ يَكفيكِ أنْ تقولي كما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أَذهِبِ البأسَ ربَّ الناسِ واشفِ أنتَ الشافي لا شفاءَ إلا شفاؤُكَ، شفاءً لا يغادِرُ سَقَمًا".

قوله: "إن الرُّقَى" هي جمع: رقية، يريد بها: رقية فيها اسمُ صنمٍ أو شيطانٍ أو غيرهما مما لا يجوز في الشرع.

"التمائم" جمع: تميمة، وهي خَرَزات تعلِّقها النساءُ بعنق أولادهن يَزعمْنَ أنها تدفع العينَ.

ص: 81

"التِّوَلَة": خيطٌ يُقرَأ فيه من السحر والنيرنجات، أو قرطاسٌ يُكتَب فيه شيءٌ من السحر والنيرنجات لتحبيب النساء بقلوب الرجال أو تحبيب الرجال بقلوب النساء، فأَبطلَ الشرعُ هذه الأشياءَ.

قوله: "تُقذَف"؛ أي: كانت عيني وجعةً تُلقي الرَّمَصَ، وهو ما تُخرجه العين من الوسخِ عند رَمَدِها.

"أَختلِفُ"؛ أي: أتردَّد.

"يَنْخَسُها"؛ أي: يضربُها بيده ويوسوسها لتجيءَ إلى ذلك اليهودي، فلما رَقَى اليهوديُّ عينَك كفَّ الشيطانُ؛ أي: تركَ ضربَ عينِك بيده؛ لتعتقدي أن تلك الرُّقيةَ من اليهودي حقٌّ.

* * *

3527 -

عن جابرٍ قال: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرَةِ، فقال:"هو مِن عملِ الشَّيطانِ".

قوله: "سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن النُّشرة".

(النُّشرة) بضم النون: رُقية تُقرَأ على مَن أصابه مَسُّ الجن، كرهها غيرُ واحدٍ من الأئمة.

وقال سعيد بن المسيب: لا بأسَ بها، والمَنهيُّ من الرُّقى: ما كان فيه شركٌ أو يُذكَر فيه مَرَدَةُ الشياطين، أو ما كان منها بغير لسان العرب ولا يُدْرَى ما هو، ولعل يَدخله سحرٌ أو كفرٌ، فأما ما كان بالقرآن وذِكر الله فإنه جائزٌ.

* * *

3528 -

عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أُبالي ما أَتيتُ إنْ أنا شربتُ تِرْياقًا، أو تعلَّقتُ تَميمةً، أو قلتُ الشِّعرَ مِن قِبَلِ نفسي".

ص: 82

قوله: "ما أُبالي إنْ أنا شربتُ ترياقًا، أو تعلَّقتُ تميمةً، أو قلتُ الشِّعرَ مِن قِبَلِ نفسي": ذُكر شرح (التميمة) قُبيلَ هذا، وكان إنشاءُ الشِّعر حرامًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني: كما أن إنشاءَ الشِّعر حرامٌ عليَّ، فكذلك شربُ التِّرياق وتعليقُ التمائم حَرَامانِ عليَّ؛ هذا في حقَّه، وأما في حقِّ الأُمة: التمائمُ حرامٌ، وإنشاءُ الشِّعر غيرُ حرامٍ عليهم إذا لم يكن فيه كذبٌ أو هجوُ مسلمٍ وغيرهما من المعاصي، وأما الترياق فيُجوِّز بعضُ العلماء شربَه للمداواة، ومنعَه بعضُهم؛ لأنها نجسٌ، لأن التِّرياقَ إن اتُّخذ من الحية أو من العقرب أو غيرهما مما لا يحلُّ لحمُه حرامٌ، وإن اتُّخذ من شيءٍ طاهرٍ فلا بأسَ بشربه.

* * *

3529 -

عن المغيرةِ بن شُعبةَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَن اكتوَى أو استرقَى فقد بَرِئَ مِن التَّوَكُّلِ".

ويُروَى: "مَن تَعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه".

قوله: "مَنِ اكتَوى أو استَرقَى فقد بَرِئ من التوكُّل".

(اكتَوى) بمعنى: كَوَى.

و (استَرْقَى)؛ أي: طلبَ أن يُقرَأ عليه الرُّقية؛ يعني: الكَيُّ والرُّقيةُ جائزانِ لمَن لم يكن من أهل التوكُّل، وأما مَن كان من أهل التوكُّل لو فعل شيئًا من المداواة بطلَ توكُّلُه؛ لأن التوكُّلَ عبارةٌ عن تفويض الرجل أمورَه مما ينزل عليه من البلاء والأمراض والفقر وغيرها إلى الله، لا يشتغل هو بدفعها، بل فوَّض دفعَها إلى الله تعالى، ورسولُه صلى الله عليه وسلم داوَى وأمرَ بالمداواة؛ ليكون فعلُه رخصةً للضعفاء، مع أنه قدوةُ الأنبياء والأولياء، وتوكُّلُ جميعِ أهل التوكُّل بالنسبة إلى توكُّله عليه كإِبرةٍ تدخل في البحر.

ص: 83

قوله: "مَن تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه"؛ يعني: مَن تمسَّك بشيءٍ من المداواة واعتقد أن الشفاءَ منه لا من الله تعالى لم يَشفِه الله، بل وُكِلَ شفاؤُه إلى ذلك الشيء، وحينَئذٍ لا يحصل شفاؤُه؛ لأن الأشياءَ لا تنفعُ ولا تضرُّ بغير أمر الله تعالى، ولذلك مَن اعتقد حصولَ الرزق أو دفعَ البلاء أو تحصيلَ مطلوبٍ من شيءٍ بغير أمر الله تعالى فهو داخلٌ في هذا الحديث.

* * *

3530 -

عن عِمْرانَ بن حُصَينٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا رُقيةَ إلا من عينٍ أو حُمَةٍ".

قوله: "لا رُقيةَ إلا من عينٍ أو حُمَةٍ".

(الحُمَة): السمُّ؛ معناه: لا رقيةَ أنفعُ من رقية تُقرَأ على مَن أصابته عينٌ أو حُمَةٌ، وليس معنى هذا الحديث نفي جواز الرُّقية عن داء غير العين والحُمَة، بل يجوز في جميع الأمراض إذا كانت الرُّقية بالقرآن واسم الله.

* * *

3532 -

عن أسماءَ بنتِ عُمَيسٍ قالت: يا رسولَ الله! إنَّ وَلَدَ جعفرٍ تسرعُ إليهم العينُ، أَفاسترقي لهم؟ قال:"نعم، فإنَّه لو كانَ شيءٌ سابَقَ القَدَرَ لسبَقَتْهُ العينُ".

ورُوِيَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للشِّفاءِ بنتِ عبدِ الله، وهي عندَ حَفْصَةَ:"أَلا تُعَلِّمينَ هذهِ رُقيةَ النَّمْلَةِ كما علَّمتِيها الكتابةَ".

قولها: "تُسرع إليهم العينُ"؛ أي: تُؤثِّر فيهم العينُ عن قريبٍ.

قوله: "ألا تُعلِّمين هذه"، (هذه): إشارة إلى حفصة.

ص: 84

"رُقية النَّملة"، (النَّمْلة): قُروح تُرقَى وتَبْرَأ بإذن الله.

"كما علَّمتِيها الكتابة"، الياء في (علمتيها) زائدة، تولدت من إشباع كسرة التاء.

قال الخطابي: هذا الحديث يدل على أن تعلُّمَ النساءِ الكتابةَ غيرُ مكروهٍ؛ لأن حفصةَ تعلَّمت الكتابةَ من الشفاء بنت عبد الله، ولم يَمنعْها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

* * *

3533 -

عن أبي أُمامةَ بن سَهْلٍ بن حُنيفٍ قال: رأَى عامرُ بن ربيعة سهلَ ابن حُنيفٍ يغتسلُ فقالَ: والله ما رأيتُ كاليومِ، ولا جِلْدَ مخبَّأَةٍ! قال: فلُبطَ سَهْلٌ، فأُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقيلَ له: يا رسولَ الله! هل لكَ في سَهْلِ بن حُنَيفٍ، والله ما يرفَعُ رأسَه! فقالَ:"هل تَتَّهمونَ لهُ أحدًا؟ "، قالوا: نتَّهمُ عامرَ بن ربيعةَ، قال فدَعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامرًا فتَغَلَّظَ عليهِ وقال:"عَلامَ يقتلُ أحدُكم أخاهُ، أَلا بَرَّكْتَ؟ اغتسِلْ لهُ"، فغَسلَ عامرٌ وجهَهُ ويدَيهِ ومِرفَقيهِ ورُكْبَتيه وأطرافَ رِجلَيهِ وداخِلةَ إزارِه في قدَح ثم صُبَّ عليه، فراحَ مع النَّاس ليسَ بهِ بأسٌ.

قوله: "ما رأيتُ كاليوم، ولا جلدَ مُخبَّأة"، تقدير هذا الكلام: ما رأيتُ جِلدَ رجلٍ ولا جِلدَ مخبَّأةٍ مثلَ الجلد الذي رأيتُه اليومَ؛ يعني: جِلدَ سهل بن حُنيف، فإن جِلدَه كان لطيفًا.

(المخبَّأة): المرأة المخدَّرة، وهي التي تجلس في البيت خلف السِّتر.

"فلُبطَ سهلٌ"؛ أي: سقط على الأرض من تأثير عين عامر.

"هل لك في سهل بن حُنيف؟ "؛ أي: هل لك خبرٌ في شأن سهل بن حُنيف؟ أو هل خِلْتَ مداواةً فيه؟

"هل تتهمون"؛ أي: هل تظنُّون مَن أصابَه بالعين؟

ص: 85

"علامَ"؛ أي: لِمَ، وأصله: علاما، سقطت الألف لأن (ما) للاستفهام إذا دخلت على حروف الجر جازَ إسقاطُ ألفِها.

"ألا برَّكت؟ "؛ يعني: هلَّا قلتَ: بارَكَ الله عليك؛ يعني: مَن رأى شيئًا يحسن في نظره فليقل: بارَكَ الله عليك؛ كي لا تؤثَّر فيه.

"فراحَ مع الناس"؛ أي: فلمَّا صُبَّ على سهلٍ ذلك الماءُ شُفِيَ وذهبَ مع الناس.

وهذا الحديثُ يدل على أن مَن أصاب أحدًا بعينه فالسُّنَّةُ فيه: أن يغسلَ هذه الأعضاءَ المذكورةَ ويصبَّ الماءَ المغسولَ به أعضاءَه على الذي أصابته العينُ ليَبْرَأ بإذن الله تعالى.

واختُلف في داخلة الإزار؛ قيل: المراد منه: الذَّكَر، وقيل: المراد منه: الفخذ.

قال أبو عبيد: المراد منه الجانب الذي يلي الجسدَ من الإزار، يُغسَل منه الطرفُ الأيمنُ.

* * *

3534 -

عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذُ من الجانِّ وعينِ الإِنسانِ حتى نزلَتْ المُعَوِّذتانِ، فلمَّا نزلَتا أخذَ بهما وتركَ ما سِواهما. غريب.

قوله: "يتعوَّذ من الجانِّ وعين الإنسان"؛ يعني: كان يقول: أعوذ بالله من الجانِّ وعين الإنسان، قبل أن تنزل عليه المعوِّذتان، فلمَّا نزلَتَا كان يقرؤهما على نفسه وعلى كل مَن احتاج إلى رقية، وتركَ قراءةَ التعوُّذ من الجانِّ وعين الإنسان وما أشبه ذلك.

* * *

ص: 86