الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني: لا يكون لكم قوة وشجاعة، بل تخافون من الأعداء.
* * *
9 - باب
(باب)
مِنَ الصِّحَاحِ:
4135 -
عن عِياضِ بن حِمارٍ المُجَاشِعيِّ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ ذاتَ يَوْمٍ في خُطبتِهِ: "ألا إنَّ ربي أَمَرَني أنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهلتُمْ مِمَّا علَّمني يومي هذا، كُلُّ مالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلالٌ، وإنِّي خَلَقْتُ عِبادِي حُنفاءَ كُلَّهمْ، وإنَّهمْ أَتَتْهُمُ الشَّياطينُ فاجتالَتْهُمْ عنْ دِينِهِمْ، وحَرَّمَتْ عليهمْ ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وأَمَرَتْهُمْ أنْ يُشْرِكوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ بهِ سُلْطانًا، وإنَّ الله نَظَرَ إلى أهلِ الأَرْضِ فمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وعجَمَهُمْ، إلَاّ بَقايا منْ أهلِ الكِتابِ، وقال: إِنَّما بَعَثْتُكَ لأبتَلِيَكَ وأبتَليَ بكَ، وأَنْزَلتُ عليكَ كِتابًا لا يَغْسِلُهُ الماءُ، تَقرَؤُهُ نائِمًا ويَقْظانَ، وإنَّ الله أمَرَني أنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فقلتُ: رَبِّ! إذًا يَثْلَغوا رَأْسي فيَدَعوهُ خُبْزَةً، قال: استَخْرِجْهُمْ كما أَخْرجُوكَ، واغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وأنْفِقْ فسنُنْفِقَ عليكَ، وابعَثْ جَيْشًا نبَعَثْ خَمْسةً مِثلَهُ، وقاتِلْ بمَنْ أَطاعَكَ مَنْ عَصَاكَ".
قوله: "كلُّ مالٍ نحلتُهُ عبدًا حلال"، (نحلْتُهُ)؛ أي: أعطيته؛ يعني بهذا الحديث: أن ما أعطاه الله تعالى عبدًا من المال، فهو حلال له، يجوز له أكله وجميع التصرفات فيه إلا ما نهى الله عنه، فالبَحِيرة والسَّائبة والوَصيلة والحَام ليس فيما نهى الله تعالى عنه، فهنَّ حلالات، وما قال فيهنَّ الكفار من التحريم، فهو كذب.
"حُنفاء": جمع حَنِيْف، وهو المائل عن الباطل.
"فاجتالَتْهُم"، قد يجيء الافتعال بمعنى حمل أحد على فعل كقولهم: اختطب زيدٌ عمرًا على نكاح فلانة؛ أي: حمله على خِطبتها، وهنا (اجتالتهم) معناه: حملتهم الشيطان على حولانهم "عن دينهم"؛ أي: انحرافهم وميلهم عن الدين.
"وحرمت عليهم"؛ أي: حَرَّمَتِ الشياطين عليهم ما أحللْتُ لهم نحو: البحيرة والسَّائبة والوَصيلة والحَام.
"ما لم أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا"؛ أي: ما لم آمرهم به، ولم أنزل على نبي به كتابًا، وذلك مثلُ اتخاذِ بعضهم الأصنام آلهةً، وبعضهم عيسى عليه السلام، وبعضهم الشمس، وبعضهم عُزير.
(أمْقُتُهُمْ)؛ أي: أبغضهم، وإنما أبغضهم لأنهم كانوا قَبْلَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم كفارًا، فقومُ موسى غَيَّروا دينَ موسى، وقومُ عيسى؛ زَعَمَ بعضُهم: أن عيسى ابن الله، وبعضهم: أنه شريك الله وغير ذلك، وباقي الناس كانوا يعبدون الأصنام أو الشمس أو الملائكة أو النار.
"إلا بقايا من أهل الكتاب"؛ يعني: إلا جماعة من قوم عيسى بقوا على متابعته عليه السلام.
"وقال"؛ أي: قال الله تعالى: "إنما بعثتُكَ": يا محمد "لأبتليْكَ"؛ أي: لأختبرك هل تصبر على بلاء إيذاء قومك إياك، وهل تبلغ رسالتي.
"وأبتَليَ بكَ"؛ أي: ولأختبرَ بسببك قومَك، هل يؤمنون بك أم يكفرون بك.
"وأنزلتُ عليك كتابًا"؛ أي: القرآن.
"لا يغسلُهُ الماءُ"؛ يعني: يَسَّرْتُ حفظَهُ عليك وعلى أمتك، وحفظتكم عن النسيان، فإذا كنتم تحفظونه، فكيف يغسله الماء عن صدوركم.
"تقرؤه نائمًا ويقظان"؛ أي: تقرؤه في حال الاضطجاع والقعود.
وقيل: معناه: يكون في صدرك نائمًا ويقظانَ.
"إذن يَثْلِغُوا رأسي فيدعوه خُبْزَةً"، (الثَّلْغُ): كَسْرُ الرأس، (فيدعُوه)؛ أي: فيتركوه، (خبزة)؛ أي: مثل خبزة.
يعني: إن حَرَقْتُ (1) قريشًا يكسروا رأسي، ويجعلوه كخبزة؛ يعني: جيشي قليلٌ وهم جَمْعٌ كثيرٌ لا أقدر على محاربتهم.
"نُغْزِكَ" بضم النون؛ أي: ننصرُكَ ونقوِّي جيشَكَ؛ يعني: لا تخف من محاربتهم فإنا نشجع جيشك، ونمدك بالملائكة وننصرك، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة.
"نبعثُ خمسةً مثله"؛ يعني: نمدك بالملائكة أكثر من جيشك.
* * *
4136 -
عن ابن عبَّاسٍ قال: لمَّا نَزلتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّفا، فَجَعَلَ يُنادي:"يا بني فِهْرٍ! يا بني عَدِيٍّ! " لِبُطونِ قُرَيْشٍ، حتَّى اجْتَمعُوا، فقالَ: أرأَيْتَكُمْ لوْ أَخْبَرتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوادِي تُريدُ أنْ تُغيرَ عليكُمْ، أكنتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قالوا: نعمْ، ما جَرَّبنا عليكَ إلَاّ صِدْقًا، قال:"فإنِّي نَذيرٌ لكُمْ بينَ يَدَيْ عَذابٍ شديدٍ"، قالَ أبو لَهَبٍ: تبًّا لكَ سائِرَ اليَوْمِ، أَلِهذا جَمَعْتَنا؟ فنزلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} .
ويُروَى: "نادَى: يا بني عبدِ مَنافٍ! إنَّما مَثَلي ومثَلُكُمْ كمثَلِ رَجُلٍ رأَى العَدُوَّ، فانْطَلقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ، فخَشيَ أنْ يَسبقُوهُ، فجَعَلَ يَهتِفُ: يا صَباحاه! ".
قوله: "الصَّفا": اسم جبل بمكة.
(1) في "ق": "خوفت".
"فجعلَ"؛ أي: فطفق.
(بني فهر وبني عدي) بطنان؛ أي: قبيلتان من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم.
"لبطون قريش"؛ يعني: ينادي قبائل قريش.
"أرأيتَكُمْ"؛ أي: أخبروني، (أرأَيْتَكَ)؛ أي: أخبرني، (أرأَيْتَكُمَا)؛ أي: أخبراني، وفي المؤنث:(أرأيتَكِ أرأيتَكُمَا أرأيتَكُنَّ) كلها بفتح التاء.
"أن خيلًا بالوادي"؛ أي: أن جيشًا بالوادي، وهو ها هنا موضع معروف بقرب مكة.
"ما جَرَّبنا عليك إلا صدقًا"؛ يعني: اختَبَرْنَاك وجَرَّبناك، وما رأينا منكَ إلا صدقًا، كانوا يعتقدونه صلى الله عليه وسلم صادقًا في الأمور الدنيوية، وكاذبًا فيما أخبر من أمر الدين والآخرة.
"فإني نذير"؛ أي: منذر "لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ"؛ أي: قبل نزول عذاب شديد.
(لكم)؛ يعني: إن لم تؤمنوا ينزلُ عليكم عذابٌ شديدٌ عن قريب.
" {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} "؛ أي: هَلَكَتْ وخَسرت يدا أبي لهب.
" {وَتَبَّ} "؛ أي: تب هو، والمراد بـ (تباب اليد): أنه لا حاصل له فيما يفعل ويقول من عبادة الأوثان وجمع المال وغيرهما.
"يربوا أهله"؛ أي: يصعد جبلًا، وينظر إلى حوالي قومه كي لا يأتيهم العدو بغتة، وليخبرهم بمجيء العدو إذا رأى العدو من البعد، ويقال لهذا الرجل: الدَّيْدَبَانُ.
"فخشي أن يسبقوه"؛ أي: فخشي الديدبان إذا رأى العدو أنه لو أتى إلى قومه لسبقه العدو؛ أي: لوصلَ العدو إلى قومه وأغارهم قبل أن يصل الديدبان
إليهم، فلما خشي الديدبان وصول العدو إلى قومه قبل وصوله إليهم، نادى الديدبان قومه من رأس جبل:(يا صَباحاه)، هذا اللفظ يستعمل في مجيء العدو؛ يعني: اهربوا وفروا فإن العدو قد جاء.
والغرض من تلفظ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام: أني أخبركم بقرب نزول العذاب إليكم فاهربوا منه بأن تؤمنوا بي.
"يا صباحاه": تقديره: يا قوم احذروا الإغارة في وقت الصباح، أو قد قرب إغارة في وقت الصباح، وإنما خص قرب الإغارة في وقت الصباح؛ لأن العادة لمن أغار قومًا أن يغيرَهم في وقت الصباح.
* * *
4137 -
عن أبي هُريرةَ قال: لمَّا نَزلتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دَعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا، فاجتَمَعُوا، فعَمَّ وخَصَّ، فقال:"يا بني كَعْبِ بن لُؤَيٍّ! أَنْقِذوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بني مُرَّةَ بن كَعْبٍ أَنْقِذوا أنفُسَكُمْ مِنَ النارِ، يا بني عبدِ شَمْسٍ! أَنْقِذوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بني عبدِ مَنافٍ! أَنْقِذوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بني هاشِمٍ! أَنْقِذوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بني عبدِ المُطَّلِبِ! أَنْقِذوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا فاطِمَةُ! أَنْقِذي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فإنِّي لا أَمْلِكُ لكُمْ مِنَ الله شيئًا، غيرَ أنَّ لكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّها ببلالِها".
وفي رِوايةٍ: "يا مَعْشرَ قُرَيْشٍ! اشتَرُوا أنفُسَكُمْ، لا أُغْني عنكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، يا بني عبدِ مَنافٍ! لا أُغني عنكُمْ مِنَ الله شيئًا، يا عبَّاسُ بن عبدِ المُطَّلِبِ! لا أُغني عَنْكَ مِنَ الله شيئًا، ويا صَفِيَّةُ! عمَّةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لا أُغني عنكِ مِنَ الله شيئًا، ويا فاطِمَةُ بنتَ مُحَمَّدٍ! سَلِيني ما شِئْتِ مِنْ مالي، لا أُغني عنكِ مِنَ الله شيئًا".
قوله: "أنقذوا"؛ أي: خَلِّصُوا.
"فإني لا أملك لكم من الله شيئًا"؛ يعني: لا أقدرُ أن أدفعَ عنكم شيئًا من عذاب الله، إن أراد أن يعذبَكم، فإني أشفع لمن أذن الله تعالى أن أشفعَ له، فأما مَنْ أرادَ الله أن يعذبَهُ، لم يأذن لي في أن أشفع له.
"غيرَ أنَ لكم رَحِمًا" يعني: لا أقدر أن أردَّ عذابَ الله عن أقاربي الكفار غير أن لهم قرابة، "سَأَبُلُّها"؛ أي: سأصِلُ تلك القرابة.
"ببلالِها"؛ أي: بالشيء الذي يتوصل به إلى الأقارب من الإحسان ودفع الظلم عنهم وغيرهما.
قوله: "اشتروا أنفسكم"، أصله (اشترِيُوا) بكسر الراء وضم الياء، فأسكنت الراء ونُقلب ضمةُ الياء إليها، وحذفت الياء لسكونها وسكون الواو؛ أي: خلصوا أنفسَكُم من النار بتركِ الكُفْرِ.
مِنَ الحِسَانِ:
* * *
4138 -
عن أبي مُوسى رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُمَّتي هذهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، ليسَ عَلَيها عَذَابٌ في الآخِرَةِ، عذابُها في الدُّنيا: الفِتَنُ والزَّلازِلُ والقَتْلُ".
قوله: "أمتي هذه أُمَّةٌ مرحومَةٌ ليس عليها عذابٌ في الآخرة" هذا الحديث مشكل؛ لأن مفهومه: أن لا يُعذَّبَ أحدٌ من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فيلزم أن لا يُعذَّبَ مَنْ قتلَ من المسلمين أعدادًا كثيرة، وسرقَ أموالهم وآذاهم وقذفهم وفعلَ الكبائر كلها، ومعلوم أن هذا لم يقل به أحد، وقد جاءت أحاديث بتعذيب الزاني والقاتل بغير الحق والقاذف وغيرهم من أصحاب الكبائر.
وتأويل هذا الحديث: أن قوله: "أمتي هذه أمة مرحومة"، أراد بهم: من
اقتداه صلى الله عليه وسلم كما ينبغي، ويحب الله ورسوله، فأما من فعل كبيرةً فقد استحقَّ العذاب، ثم أَمْرُهُ إلى الله تعالى؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه.
* * *
4139 -
عن أبي عُبَيْدَةَ ومعاذِ بن جَبَلٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ هذا الأمرَ بدأَ نُبوَّةً ورَحْمَةً، ثمَّ يكونُ خِلافةً ورَحْمَةً، ثمَّ مُلكًا عَضُوضًا، ثمَّ كائِنٌ جَبْرِيَّةً وعُتُوًا وفَسادًا في الأَرْضِ، يَستَحِلُّونَ الحَريرَ والفُروجَ والخُمورَ، يُرْزَقونَ على ذلكَ ويُنْصَرونَ، حتَّى يَلْقَوا الله".
قوله: "إنَّ هذا الأمرَ"؛ أي: إن هذا الدين والإسلام وما بُعِثْتُ به.
"بدأ نُبُوَّةً ورحمةً"، (بدأ)؛ أي: ظهر، و (نبوَّةً): منصوبة على التمييز أو على الحال؛ يعني: أول الدين إلى زمان حياته صلى الله عليه وسلم لم يكن فيه باطل، بل كان جميعه زمان نزول الوحي والرحمة، ثم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم زمان الخلافة إلى انقضاء خلافة الخلفاء الراشدين، فزمان خلافتهم رضي الله عنهم كان زمانَ الرحمة والشفقة والعدل، ثم بعد خلافتهم تشوَّشَ الأمرُ وظهرَ بعض الظلم بين الناس، ولم يقتد الخلفاءُ بالنبي صلى الله عليه وسلم اقتداءً تامًا، بل خلطوا العدل بالظلم كما هو معروف من حكاية يزيد، وقتل الحسين، وظلم حجَّاج بن يوسف، وغير ذلك.
قوله: "مُلْكًا عَضُوضًا"، (العَضُوض): مبالغة من العَضِّ، وهو أخذ الشيء بالسِنِّ.
وروي: "ثم ملكُ عُضوض" بإضافة (ملك) إلى (عضوض) - بضم العين - وهي جمع العِض - بكسر العين -، وهو الرجل الخبيث الشرير؛ يعني: يكون الملوك يظلمون الناس ويؤذونهم بغير حق.
"ثم كائن جَبْرِيَّةً"؛ أي: ثم يغلب الظلم والفساد على الملوك بحيث يَقِلُّ
عَدْلُهم، ويكثرُ ظلمُهم وفسادُهم.
* * *
4140 -
عن عائِشَةَ قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أوَّلَ ما يُكْفأُ - قال الرَّاوي: يعني: الإسلامَ - كما يُكْفَأُ الإناءُ"؛ يعني: الخَمْرَ. قيلَ: فكيفَ، يا رسولَ الله! وقدْ بيَّنَ الله فيها ما بيَّن؟ قال:"يُسَمُّونهَا بغَيْرِ اسمِها فيَستحِلُّونَها".
قوله: "إن أول ما يكفأ - قال الراوي: يعني: في الإسلام - كما يُكْفَأُ الإناء؛ يعني: الخمر"، قصَّةُ هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدثُ في الخمر، فقال في أثناء حديثه:"إن أولَ ما يُكْفَأُ الإناء"؛ يعني: أن الخمر التي يتحدث فيها أول شيء يُكفأ "كما يكفأ الإناء"، و (الكَفْءُ): تنكيسُ الإناء لينصبَّ ما فيه، والمراد بـ (الكفء) هنا: صبُّ ظرفِ الخمر في الفم؛ أي: شرب الخمر.
يعني: أولُ معصيةٍ تظهرُ وتُعلَنُ في الإسلام شرب الخمر.
"كيف وقد بَيَّنَ الله فيها ما بين"؛ يعني: كيف يشربون الخمر، وقد بَيَّنَ الله تحريمها.
قال: "يُسمُّونَهَا بغير اسمها"؛ يعني: يتخذون الخمر من الذرة والعسل وغيرها، ويقولون: هذا بِتْعٌ، وهو الخمرُ المُتَّخَذُ من العسل، وهذا جِعَةٌ، وهي من الشعير، وهذا مِزْرٌ، وهو من الذرة، وغير ذلك، ويعتقدون حِلَّ هذه الأشربة، ويقولون: ليست بخمر؛ لأن الخمر ما يُتخذ من العنب.
وهذا باطل؛ لأن الخمر ما خَامَرَ العقل؛ أي: سَتَرَهُ سواء كان من العنب وغيره، والله أعلم.
° ° °