المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌15 - باب الشفقة والرحمة على الخلق - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٥

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌15 - باب الشفقة والرحمة على الخلق

بالنسبةِ إلى عصيانِ الله عظيمةً كلها، ولكنْ بينهما تفاوتٌ كثيرٌ في الإثم، فسُمِّيَ بعضُها كبائرَ، وبعضُها صغائرَ، وقد ذكر الكبائر في أول الكتاب في (باب الكبائر).

* * *

3842 -

عن أبي أُسَيْدٍ السَّاعدِيِّ قال: بينا نحنُ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءَه رَجُلٌ مِن بني سَلَمَةَ فقالَ: يا رسولَ الله! هل بقيَ مِن برِّ أَبَوَيَّ شيءٌ أَبَرُّهُما بهِ بعدَ مَوْتهِما؟ قال: "نعم، الصَّلاةُ عليهما، والاستِغْفارُ لهما، وإنفاذُ عَهْدِهِما مِن بَعدِهِما، وصِلَةُ الرَّحِم التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صَديقِهِما".

قوله: "وصلةُ الرَّحِم التي لا تُوْصَلُ إلا بهما"؛ يعني: صلة الأقارب التي تتعلَّقُ بالأب والأم؛ يعني: الإحسان إلى أقاربِ الأبِ والأمِّ.

* * *

‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

(باب الشفقة والرحمة على الخلق)

مِنَ الصِّحَاحِ:

3845 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أَتُقَبلونَ الصِّبيانَ؟ فما نُقبلهُم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَوَ أَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ الله مِن قَلْبكَ الرَّحْمَةَ؟ ".

قوله: "أوَ أملِكُ لك أنْ نزعَ الله مِن قلبكِ الرحمةَ"؛ أي: أوَ أملك دفعَ نَزْعِ الله الرحمةَ من قلبك؛ يعني: تقبيلُ الأطفالِ شفقةٌ ورحمةٌ، فإذا لم يكن في قلبك

ص: 212

هذه الشفقةُ والرحمة، فقد نزعَ الله الرحمةَ من قلبك، ولا أقدِرُ أن أضعَ في قلبك شيئًا نزَعَه الله من قلبك.

* * *

3846 -

وعن عائِشَةَ قالت: جاءتني امرَأَةٌ مَعَها ابنتانِ تَسألُني، فلم تَجِدْ عندي غيرَ تمرةٍ واحدةٍ، فأعطيتُها، فقَسَمَتْها بينَ ابنتَيْها، ثُمَّ خَرَجَتْ، فدخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وحدَّثتُه، فقال:"مَن يَلي مِن هذه البناتِ شيئًا فأَحْسَنَ إليهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِن النَّارِ".

قوله: "من بُلِيَ"؛ أي: من ابْتُلِيَ.

* * *

3848 -

وقال: "السَّاعي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكينِ كالسَّاعي في سبيلِ الله"، وأحسِبُه قالَ:"كالقائِم لا يَفْتُرُ، وكالصَّائمِ لا يُفطِرُ".

قوله: "الساعي على الأرملة"، (الأرملة): المرأةُ التي لا زوجَ لها؛ يعني: من أعانَ أرملةً وأحسنَ إليها يكونُ ثوابُه كثوابِ الغازي، وكثوابِ الذي يصومُ النهارَ ولا يُفْطِر، ويقومُ الليل ولا يَفْتُر؛ أي: ولا يتركُ العبادة.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

3849 -

وقال: "أنا وكافِلُ اليَتيمِ، لهُ ولغَيرِهِ، في الجَنَّةِ هكذا"، وأشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفرَّجَ بينَهما شيئًا.

قوله: "أنا وكافلُ اليتيم، له ولغيره"، أراد بكافل اليتيم: الذي يُرَبي يتيمًا ويُحْسِنُ إليه (له ولغيره)؛ يعني: سواءٌ كان اليتيمُ له كابن ابنهِ وإن سَفَلَ، أو ابن

ص: 213

أخيه، أو كانت امرأة تربي ولدَها الذي مات أبوه، أو أحدٌ يربي ولدَ أجنبيِّ مات أبوه، كلُّ ذلك في الأجر سواءٌ.

روى هذا الحديثَ سهل بن سعد.

* * *

3850 -

وقال: "تَرَى المُؤْمنينَ في تَراحُمِهِم وتَوادِّهم وتَعاطُفِهم كمثلِ الجَسَدِ، إذا اشتكَى عُضْوًا تداعَى لهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى".

قوله: "تَدَاعى له سائرُ الجَسَد بالسَّهَر والحُمَّى"، التَّدَاعِي: أن يدعوَ بعضُ القوم بعضًا، ويتَّفِقُوا على فعلِ شيء.

(السَّهَرُ): مفارقةُ النوم؛ يعني: كما أن الرجلَ إذا تألَّمَ بعضُ جسده يَسْرِي ذلك الألمُ إلى جميعِ جَسَدِه، فكذلك المؤمنون؛ ليكونوا كَنْفسٍ واحدةٍ إذا أصابَ أحدًا مصيبةٌ ليغتمَّ بتلك المصيبة جميعُ المؤمنين، وليقْصِدُوا إزالتها عنه.

روى هذا الحديثَ والذي بعدَه النعمانُ بن بشير.

* * *

3852 -

وعن أبي مُوسى، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"المُؤْمِنُ للمُؤْمِنِ كالبنيانِ يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضًا"، ثُمَّ شَبَّكَ بينَ أصابعِه.

قوله: "وشَبَّكَ بين أصابعه"، شَبَّكَ تَشْبيكًا: إذا أدخلَ أصابعَ أحدِ اليدين بين أصابعِ اليد الأخرى؛ أي: كما أن هذه الأصابعَ أُدْخِلتْ بعضُها بين البعض، فكذلك ليكنِ المؤمنون داخلِين بعضُهم في بعض؛ يعني: ليحتَسِبْ بعضُ المؤمنون بعضًا كنَفْس واحدة، وليتَّصِلْ بعضُهم ببعض، وليُعِنْ بعضُهم بعضًا.

* * *

ص: 214

3853 -

وعنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه كانَ إذا أتاهُ السَّائِلُ أو صَاحِبُ الحاجَةِ قال: "اِشفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، ويقضي الله على لسانِ رسولِهِ ما شاءَ".

قوله: "اشفعُوا فلتؤجروا"؛ يعني: إذا عرضَ صاحبُ حاجةٍ حاجتَه عليَّ اشفعوا له إليَّ، فإنكم إذا شَفَعْتُم له إليَّ حصلَ لكم بتلك الشفاعة أجرٌ سواءٌ قَبلْتُ شفاعتَكم أو لم أقبل؟

قوله: "وإنما يقضي الله على لسان رسوله ما شاء"؛ أي: وإنما يُجْرِي الله على لساني ما شاء؛ يعني: إن قضيتُ حاجةَ مَنْ شَفَعْتُم له فهو بتقدير الله، وإن لم أقضِ فهو أيضًا بتقدير الله تعالى.

* * *

3854 -

وقال: "اُنصُرْ أخاكَ ظالمًا أو مَظْلومًا"، فقال رَجُلٌ: يا رسولَ الله! أَنصُرُه مَظْلومًا، فيكفَ أنصُرُه ظالِمًا؟ قال:"تمنعُه مِن الظُّلمِ، فذلك نَصْرُكَ إيَّاهُ".

قوله: "فذلك نَصْرُك إياه"، (ذلك): إشارةٌ إلى المَنعْ؛ أي: مَنْعُكَ أخاك من أن يظلمَ أحدًا نَصْرُك إياه؛ لأنَّ النَّصْرَ دَفْعُ الضَّرَرِ عن أَحَدٍ، وإذا منعتَ أحدًا عن الظلم فقد دفعتَه عن الإثم الذي هو سببُ دخولِه النار، فكأنك دفعتَ النارَ عنه، وأيُّ نُصْرةٍ أكملُ مِنْ دفعِكَ النارَ عن أخيك.

روى هذا الحديثَ أنسٌ.

* * *

3855 -

وقال: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِم، لا يَظلِمُه ولا يُسلِمُه، ومَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ كانَ الله في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فرَّجَ الله عنه كُرْبةً

ص: 215

مِن كُرُباتِ الآخِرَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَه الله يَوْمَ القِيامَةِ".

قوله: "ولا يُسْلِمُه"، بضم الياء وسكون السين؛ أي: ولا يَخْذُله عن النُّصْرة، ولا يَتركُه في أيدي الأعداء، بل يُخلِّصُه من أيديهم، والنفيُ هنا بمعنى النهي.

روى هذا الحديثَ سالمُ بن عبد الله بن عمرَ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

3856 -

وقال: "المُسْلِمُ أخو المُسْلِم، لا يَظلِمُه، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُه، التَّقْوَى ههنا"، ويُشيرُ إلى صَدْرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ، "بِحَسبِ امرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يحقِرَ أخاهُ المُسْلِمِ، كلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ، دمُه، ومالُه، وعِرْضُه".

قوله: "التَّقْوى ها هنا، ويشيرُ إلى صدره"؛ يعني: لا يجوزُ تحقيرُ المُتَّقِي من الشِّرْك والمعاصي، والتقوى محلُّها القلبُ، وما كان محلُّه القلبَ يكونُ مخفيًا عن أعينِ الناس، وإذا كان مخفيًا، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يحكمَ بعدم تقوى مسلمٍ حتى يحتقره، بل لا يجوزُ تحقيرُ مسلم.

ويحتمل أن يكون معناه: محلُّ التقوى هو القلب، فمن كان في قلبه التقوى فلا يحقِرْ مسلمًا؛ لأن المُتَّقِيَ لا يَحْقِرُ المُسْلِمَ.

"بحسْبِ امرئٍ"، الباء زائدة؛ يعني: حَسْبُ امرئ؛ أي: كفى للمؤمن من الشرِّ تحقيرُ المسلمين؛ يعني: إن لم يكن له مِن الشرَّ سوى تحقيرِ المسلمين يكفيه في دخوله النارَ.

روى هذا الحديثَ أنس.

* * *

ص: 216

3857 -

وقالَ: "أَهْلُ الجَنَّةِ ثلاثةٌ: ذو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، ورَجُلٌ رحيمٌ رقيقُ القَلْبِ لكلَّ ذي قُربَى ومُسْلِمٍ، وعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عيالٍ، وأهلُ النَّارِ خَمْسةٌ: الضَّعيفُ الذي لا زَبْرَ لهُ، الذينَ هم فيكم تَبَعٌ، لا يَبغُونَ أهلًا ولا مالًا، والخائِنُ الذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ وإنْ دَقَّ إلا خانَهُ، ورَجُلٌ لا يُصْبحُ ولا يُمسي إلا وهو يُخادِعُكَ عن أهلِكَ ومالِكَ"، وذكرَ البُخْلَ والكذِبَ، "والشِّنْظيرُ الفَحَّاشُ".

قوله: "أهلُ الجنة ثلاثة: ذو سلطانٍ مُقْسِط متصدِّق موفَّق"؛ يعني: أحدُ الثلاثة: (ذو سلطان)؛ أي: ذو حُكْمٍ وسَلْطنة، (مقسط)؛ أي: عادلٌ، (متصدِّق)؛ أي: مُحْسِن إلى الناس، (موفَّق) بفتح الفاء؛ أي: الذي رُزِقَ طاعةَ الله، والعَدْلَ في الحُكْم.

"ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب لكلِّ ذي قُربى ومسلم"؛ يعني: الثاني: مَن في قلبه رِقَّة؛ أي: شفقةٌ ورحمةٌ على الأقارب والأجانب.

"وعفيفٌ متعفَّفٌ ذو عِيالٍ"؛ يعني: الثالثُ من كان عفيفًا؛ أي: صالحًا، (متعفِّفًا)؛ أي: مانعًا نفسَه عمَّا لا يليقُ مع أنه ذو عِيال؛ يعني: يتركُ المال، ويتباعد عنه، وإن كان له عيال، ولا يحمِلُه حبُّ العيال على تحصيلِ المال الحرام، بل يختار حبَّ الله على حبِّ العيال.

(العفيف): الذي يمنعَ نفسه عن الحرام، و (المتعفِّف): له معنيان:

أحدهما: الذي يحمِلُ على نفسه بالكُرْه العِفَّةَ؛ أي: الامتناع من الحرام.

الثاني: الذي يُظْهِرُ عن نفسه العِفَّة مع أن العِفَّة موجودةٌ فيه، بأن يكون عفيفًا، ويُظْهِرُ العِفَّةَ عن نفسه، بلُبس لِباسِ الصالحين ليقتديَ به في الصلاح من رآه.

وبعضُ الناس فيه العِفَّةُ ولا يُظْهِرُها عن نفسه، بل يلبَسُ لباسَ غيرِ

ص: 217

الصالحين، ويقال لمن له هذه الصفة: ملا ميتا، وهذه الصفة غير مرضيَّةٍ في الشرع، كي لا يغتابَه الناسُ بأن يقولوا فيه: إنه فاسقٌ، وكي لا يغترَّ به بعضُ الناس، ويقول: فإذا كان فلانٌ فاسقًا فأكونُ مثله.

"وأهل النار خمسة: الضعيفُ الذي لا زَبْرَ له"؛ أي: لا عَقْلَ.

"الذين هم فيكم تَبَعٌ لا يَبْغُون أهلًا ومالًا"؛ يعني: أحدُ الخمسة هذه الطائفة.

وأراد بـ (الضعيف): من كانت شهوتُه غالبةً عليه بحيث لا يقدِرُ على دَفْعِ نفسِه، بل يفعلُ ما أمرتْه نفسُه من المعاصي.

وأراد بـ (العقل) هنا: العقل الذي يمنعُ الرجلَ من المعاصي.

وأراد بـ "الذين هم فيكم تبع": الذين يدورون حول الأمراء والرئيس ويخدمونهم، ويأخذون الناس ويضربونهم، ولا يبالون بما يأكلُون ويشربون ويلبَسُون ويجامعون، أمن الحرام هو أم من الحلال؟

"لا يبغون"؛ أي: لا يطلبون "أهلًا"؛ أي: زوجةً، بل كلُّ امرأة يقدِرُون عليها يفعلُون بها ما يريدون، ولا يطلبون مالًا حلالًا، بل كل مال يقدِرون عليه يأخذونه.

ويقال لهؤلاء بالفارسي: سرهنك ويرده دار، وكذلك عادة الجواليق.

"والخائن الذي لا يَخْفَى له طمعٌ وإن دَقَّ إلا خانه"، روى هذا الحديثَ عياض بن حمار.

* * *

3858 -

وقالَ: "والذي نَفْسي بيدِه، لا يؤمنُ عبدٌ حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنَفْسِه".

ص: 218

قوله: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبدٌ حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"، هذا نفيُ كمالِ الإيمان، لا نفيُ أصلِ الإيمان، ولأنَّ أحدَ العدوَّين لا يحبُّ خيرَ العدوِّ، بل يريد وصولَ الضَّرر إليه، ومع هذا لا يكون كافرًا بهذه العداوة.

روى هذا الحديثَ أنس.

* * *

3859 -

وقالَ: "والله لا يُؤْمِنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ"، قيلَ: مَن، يا رسولَ الله؟ قال:"الذي لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه".

قوله: "لا يأمن جارُه بوائِقَه"، (البَوائِقُ): جمع بائقة وهي الداهية، والمراد بها ها هنا الضَّرر والمشقة.

روى هذا الحديثَ أبو شُرَيح الكَعْبي، وأبو هريرة.

* * *

3861 -

وقالَ: "ما زالَ جِبْريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظَنَنْتُ أنه سَيُوَرِّثُه".

قوله: "لا يزال جبريلُ يوصيني بالجار"؛ يعني: يأمرني بحفظ حقِّ الجار، والإحسان ودفعِ الضَّرر عنه.

روت الحديثَ عائشة.

* * *

3862 -

وقالَ: "إذا كُنْتم ثلاثةً فلا يَتَنَاجَى اثنانِ دونَ الآخرِ حتى يختلِطُوا بالنَّاسِ مِن أجْلِ أنْ يُحْزِنَه".

قوله: "إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دونَ الآخر"، لو حضرَ ثلاثةٌ موضعًا، ولم يكنْ معهم غيرُهم، فلا يجوز أن يتناجَى اثنان بحيث لا يسمعُ

ص: 219

الثالثُ كلامَهما؛ لأن الثالثَ يظنُّ حينئذ أنهما يقولان فيه شيئًا قبيحًا، فيحزَنُ من قولهما.

"حتى يختَلِطُوا بالناس"؛ يعني: لا يجوز تناجي اثنين حتى يجتمعَ الناسُ أكثرَ من ثلاثة، فإذا كثر الناسُ فلا بأس بتناجي اثنين؛ لأن كلَّ واحدٍ لا يظنُّ أن المتناجِيَينِ يقولان فيه، بل يظنُّ أنهما يقولان في حقَّ شخصٍ آخرَ شيئًا لا في حقِّه.

روى هذا الحديثَ ابن مسعود.

* * *

3863 -

وعن تَميمٍ الدَّارِيِّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّينُ النَّصيحَةُ"، ثلاثًا، قلنا: يا رسولَ الله! لِمَن؟ قال: "للهِ، ولِكِتابه، ولرَسُولِه، ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ، وعامَّتِهم".

قوله: "الدِّين النصيحةُ"، تقدير هذا الكلام: عمادُ أمور الدين، أو أفضلُ أو أكملُ أعمال الدين: النصيحةُ، و (النصيحةُ): إرادة الخيرِ للمنصوحِ له.

أمر صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، النصيحة لله: أن يريدَ الرجلُ ويحبُّ ما يتعلَّقُ بتعظيم الله بطاعته من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإرشادِ المسلمين إلى دينه.

والنصيحة لكتاب الله: أن يكرِمَ الرجلُ القرآنَ، ويأمر الناسَ بإكرامه وإتباعه.

والنصيحةُ لرسول الله: أن يفعلَ الرجلُ ويأمرَ الناسَ بما يتعلَّق بتعظيمه ويأمرهم باقتدائه.

والنصيحة لأئمة المسلمين: أن يطيعَ الرجلُ الخليفةَ ونُوَّابَه، ويأمرَ الناسَ

ص: 220

بطاعتهم، ويدفع الأذيةَ عنهم.

والنصيحة لعامتهم؛ أي: لجميع المسلمين أن يريدَ خيرَ المسلمين، وما فيه صلاحُهم ونجاتُهم من مكروه الدنيا والآخرة.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3865 -

عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ أبا القاسمِ الصَّادقَ المصدوقَ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تُنزَعُ الرَّحْمَةُ إلا مِن شَقيٍّ".

قوله: "الصادق المصدوق"، (الصادق): من صدق فيما قال، و (المصدوق): من صدَّقَه المستمعُ في كلامه.

والمصدوق في حق النبي صلى الله عليه وسلم: أن صدَّق الله فيما قال في كلامه القديم، فقال:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].

"لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شَقِيٍّ"؛ يعني: مَن ليس في قلبه شفقةٌ ورحمةٌ فهو شَقِيٌّ.

* * *

3866 -

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهم الرَّحمنُ، اِرحَمُوا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السماءِ".

قوله: "الرَّاحمون يَرْحَمهم الرحمن"؛ يعني: مَن رَحِمَ عبادَ الله رحمه الله.

"ارحموا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السماء"، ليس لله مكانٌ حتى يُنْسَبَ إليه.

ص: 221

(من في السماء) له تأويلان:

أحدهما: من مُلْكُه وقدرته في السماء؛ يعني: السماء أعظمُ وأرفعُ من الأرض، ومع أنه أعظمُ وأرفع من الأرض قدرةُ الله غالبةٌ على السماء.

والثاني: أن يكونَ المرادُ بمن في السماء الملائكة؛ يعني: ارحموا مَن في الأرض من الناس يرحمْكم مَن في السماء من الملائكة، تحفظُكم الملائكةُ من الأعداء والمُؤْذِيات بأمر الله، ويستغفروا لكم، ويطلبوا لكم الرحمة من الله الكريم.

روى هذا الحديثَ عبد الله بن عمرو.

* * *

3867 -

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ منا مَن لم يَرْحَمْ صَغيرَنا، ويُوَقِّرْ كبيرَنا، ويَأْمُرْ بالمَعْروفِ، ويَنْهَ عن المُنْكَرِ"، غريب.

وقوله: "ليس منا مَن لم يَرْحَمْ صغيرَنا"؛ أي: ليس مِن متابعينا في هذا الفعل.

روى هذا الحديثَ ابن عباس.

* * *

3868 -

وقال: "ما أكرمَ شابٌّ شَيْخًا مِن أجلِ سِنِّهِ إلا قَيَّضَ الله لهُ عندَ سِنِّهِ مَن يُكْرمُهِ".

قوله: "قَيَّضَ الله"؛ أي: وكَّلَ الله.

روى هذا الحديثَ أنسٌ.

* * *

ص: 222

3870 -

وقالَ: "خيرُ بيتٍ في المُسلِمينَ بيتٌ فيهِ يتيمٌ يُحسَنُ إليه، وشرُّ بيتٍ في المُسْلِمينَ بيتٌ فيهِ يتيمٌ يُسَاءُ إليهِ".

قوله: "يُساءُ إليه"؛ أي: يؤذيه بالباطل، فإن ضربَه كافلُه للتأديب وتعليمِ الدين لم يكن آثمًا.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

3871 -

وقال: "مَن مَسَحَ رَأْسَ يتيمٍ لم يَمْسَحْهُ إلا للهِ، كانَ لهُ بِكُلِّ شَعْرةٍ تَمُرُّ عليها يدُه حَسَنَاتٌ، ومَن أَحْسَنَ إلى يتيمةٍ أو يَتِيمٍ عندَهُ كنتُ أنا وهوَ في الجَنَّةِ كهاتينِ، وقَرَنَ بينَ أُصْبُعَيْهِ"، غريب.

قوله: "من مَسَحَ رأسَ يتيم"؛ يعني: من مسح يدَه على رأسِ يتيم للتلطُّفِ به والرحمة إليه، أو دَهَنَ رأسَه أو سترَ رأسَه لله يكون ثوابُه ما ذُكِر.

روى هذا الحديثَ أبو أمامة.

* * *

3872 -

وقال: "مَن آوَى يتيمًا إلى طَعامِه وشَرابهِ أوجَبَ الله لهُ الجَنَّةَ البتَّةَ، إلا أنْ يَعْمَلَ ذنبًا لا يُغفَرُ، ومَن عالَ ثلاثَ بناتٍ أو مِثْلَهن مِن الأَخَواتِ، فأدَّبَهُنَّ وَرَحِمَهُنَّ حتى يُغنِيَهُنَّ الله، أَوْجَبَ الله له الجَنَّةَ"، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله! أو اثنتَينِ؟ قال: "أو اثنتينِ"، حتى لو قالُوا: أو واحدةً، لقالَ: واحِدَةً، "ومَن أَذْهَبَ الله كريمتَيْهِ وجبَتْ له الجنةُ"، فقيلَ: يا رسولَ الله! وما كريمَتاهُ؟ قال: "عيناهُ".

قوله: "إلا أن يَعْمَلَ ذنبًا لا يُغْفَر"؛ يعني: إلا أن يُشْرِكَ بالله، فإن الذنبَ

ص: 223

الذي لا يُغفَرُ هو الشِّركُ ومظالمُ الخَلْق، وإن مات على الشِّرْك لا يدخل الجنةَ أبدًا، وإن مات وعليه مَظْلَمَةُ أحدٍ يؤخذْ منه القصاصُ بأن يدفعَ من حسناته إلى المظلومِ بقدْرِ حقَّه، فإن لم يكن له حسنةٌ يؤخَذْ من سيئات المظلوم، وتوضع على الظالم، فلمَّا عُذِّبَ بقدْرِ مَظْلَمتهِ يدخل الجنة.

روى هذا الحديثَ ابن عباس.

* * *

3874 -

ورُوِيَ: "ما نَحَلَ الوالِدُ وَلَدَهُ مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أدَبٍ حَسَنٍ"، مرسل.

قوله: "ما نَحَلَ الوالدُ"؛ أي: ما أعطى الأبُ.

"مِن نَحْلٍ"، هي جمع نِحْلَة، وهي ما يُعْطَى على سبيل التبرُّع.

* * *

3875 -

عن عَوْفِ بن مالكٍ الأَشْجَعيِّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وامرَأةٌ سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ كهاتينِ يومَ القيامةِ - وأَوْمَأَ الرَّاوِي بالسَّبابةِ والوُسْطى - امرأةٌ آمَتْ مِن زَوْجِها ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، حَبَسَتْ نفسَها على يتامَاهَا حتى بانُوا أو مَاتُوا".

قوله: "سَفْعَاء الخَدَّين"؛ أي: متغيرةُ الخَدَّين من غاية المشقَّة.

"أومأ"؛ أي: أشار.

"آمَتْ"؛ أي: صارتْ أَيمًا، وهي التي مات زوجُها.

"حَبَسَتْ نَفْسَها"؛ أي: تركت التزوجَ بزوجٍ آخر، واشتغلت بخدمة أولادها الذين من الزوج الذي مات.

ص: 224

"حتى بانُوا"، وهذا مِن بانَ يبُونُ بونًا: إذا زاد على غيره في شيءٍ من العلم وغيره؛ أي: حتى زادوا على الأطفال بكثرةِ قوةٍ وعقلٍ ورشدٍ بحيث يقدِرُ كلُّ واحدٍ على خدمة نفسه، وتحصيل قوته.

* * *

3876 -

وعن ابن عبَّاسٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانت لهُ أُنثَى فلم يَئِدْها، ولم يُهِنْها، ولم يُؤْثِرْ ولدَه عَلَيها - يعني الذُّكورَ - أَدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ".

قوله: "فلم يَئْدِها"، وأَد يَئِدْ: إذا دَفَنَ حيًّا؛ أي ولم يقتلْها كما هو عادة أهل الجاهلية فإنهم كانوا يقتلون البناتِ؛ إما فرارًا من العار أو من الفقر.

"ولم يُهِنْها"؛ أي: ولم يُذِلَّها، "ولم يُؤْثِرْ"؛ أي: ولم يَخْتَرْ "ولدَه" على البنت.

* * *

3877 -

عن أنسٍ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَن اغتيبَ عندَه أخوهُ المُسْلِمُ وهوَ يقدِرُ على نَصْرِه فنَصَرَهُ نصرَهْ الله في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فإنْ لم يَنْصُرْه وهو يَقْدِرُ على نَصْرِه أدرَكَه الله بهِ في الدُّنيا والآخِرةِ".

قوله: "أَدْرَكَه الله"؛ أي: انتقمَ الله منه؛ يعني: يقول له: لم لم تنصرْ أخاك المغتاب مع قدرتك على أن تدفعَ المغتاب من أن يغتابَه.

* * *

3878 -

وقال: "مَن ذَبَّ عَن لَحْمِ أخيهِ بالمغيبَةِ كانَ حَقًّا على الله أنْ يُعتِقَه مِن النَّارِ".

ص: 225

قوله: "من ذبَّ عن لحمِ أخيه"، (الذَّبُّ): الدفعُ؛ يعني: من منعَ مغتابًا عن غيبة مسلم.

روت هذا الحديثَ أسماء بنت يزيد.

* * *

3879 -

وعن أبي الدَّرْداءِ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ما مِن مُسْلِمٍ يَرُدُّ عن عِرْضِ أخيهِ، إلَاّ كان حَقًّا على الله أنْ يَرُدَّ عنهُ نارَ جَهَنَّمَ يومَ القيامةِ، ثم تلا هذه الآيةَ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ".

قوله: "يردُّ عن عِرْض أخيه"؛ أي: يمنعُ مغتابًا من غِيبة مسلم.

* * *

3881 -

وقال: "مَن رَأَى عَوْرَةً فستَرها كانَ كمَن أحيا مَوْؤُودَةً".

"مَن رأى عورةً"، (العَوْرَةُ): الشيءُ القبيحُ؛ يعني: من رأى عيبًا أو فِعْلًا قبيحًا في مسلم، "فسَتَرَها" عليه كان ثوابُه كثوابِ "مَن أحيى موؤودةً"؛ أي: من رأى حيًا مدفونًا في قبر فأخرج ذلك المدفون من القبر كيلا يموت.

ووجه تشبيه الستر على عيوب الناس، بإحياء المَوْؤودة أنَّ من انهتك سترُه يكون من الخجالة كميت، ويحبُّ الموتَ من الخجالة، فإذا سترَ أحدٌ على عيبه فقد دفعَ عنه الخجالةَ التي هي عنده كالموت.

روى هذا الحديثَ عقبة بن عامر.

* * *

3886 -

عن أبي هريرة قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَدَكم مِرْآةُ أخيهِ، فإنْ رَأى به أَذًى فَلْيُمِطْ عنه"، ضعيف.

ص: 226

وفي رِوايةٍ: "المُؤْمِنُ مِرْآةُ المُؤمِنِ، والمُؤْمِن أخو المؤمنِ، يَكُفُّ عنهُ ضَيْعتَهُ، ويَحُوطُه مِن وَرائِهِ".

قوله: "إن أحدُكم مرآةُ أخيه"؛ يعني: كما أنَّ الرجلَ إذا نظرَ إلى المرآة فيرى صورتَه فيها، فإن كان في صورته عيبٌ، فأزال ذلك العيبَ عن نفسه إن قدرَ على إزالته، فكذلك إذا رأى عيبًا في أخيه المسلم.

"فليُمِطْ"؛ أي: فليُبْعِدْ ذلك العيبَ عنه، وليشتغلْ بإصلاح حالهِ بأي طريق أمكنَه، وليعلمْ نفسَه كنفسه.

قوله: "يَكُفُّ عنه ضيعتَه"، (الكَفُّ): المَنْعُ، (الضَّيعةُ): التَّلَفُ والخُسْران؛ يعني: ليدفع عنه ما فيه عليه ضَرَرٌ.

"ويحوطه من ورائه"؛ أي: ليحفظه في غيبته، وليدفع عنه مَن يغتابه ويلحقه ضررًا.

روى هذا الحديث أبو هريرة.

* * *

3888 -

عن ابن مَسْعودٍ قال: قال رَجُلٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: كيفَ لي أنْ أَعْلَمَ إذا أحسنتُ أو إذا أسَأْتُ؟ فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا سَمِعتَ جيرانَك يقولونَ: قد أحسَنْتَ؛ فقد أحسَنْتَ، وإذا سَمِعتَهم يقولونَ: قد أسأتَ؛ فقد أَسَأْتَ".

قوله: "كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت" أراد بهذا الحديث: أن المُحْسِن مَن سلم الناس من يده ولسانه، والمسيء: مَن لم يسلم الناس من يده ولسانه.

* * *

3883 -

عن عائِشَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أنزِلُوا النَّاسَ مَنازِلَهم".

ص: 227