الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محذوف، والجملة خبر لـ (يكن) المرفوع؛ يعني: إن يكن ابن الصياد الدجال.
(فلست صاحبه)؛ أي: فلست قاتله.
قوله: "إنما صاحبُهُ عيسى ابن مريم"؛ يعني: إنما قاتله عيسى ابن مريم، و (إنما) تفيد الحصر؛ يعني: لا يقدرُ أحدٌ على قتله إلا عيسى ابن مريم صلوات الله عليه.
قوله: "وإلا يكن هو
…
" إلى آخره.
يعني: إن لم يكن ابن الصياد الدجَّالُ، فلا يجوز لك أن تقتل أحدًا من أهل العهد.
قال في "شرح السنة": فيه دليلٌ على أنه كان من أهل العهد، ولذلك منعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قتله.
"مُشفِقًا"؛ أي: خائفًا.
* * *
6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام
(باب نزول عيسى عليه السلام
مِنَ الصِّحَاحِ:
4259 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "والذِي نفسِي بيدِه، ليُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فيكُمُ ابن مَرْيمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّليبَ، ويقتُلَ الخِنزيرَ، ويَضَعَ الجِزيةَ، ويَفِيضَ المالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حتَّى تكونَ السَّجْدَةُ الواحِدةُ خيرًا منَ الدُّنيا وما فيها"، ثُمَّ يقولُ أبو هُريرةَ رضي الله عنه: واقرَؤوا إنْ شِئْتُم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} الآية.
قوله: "ليوشِكنَّ أن ينزلَ فيكم ابن مريمَ حكمًا عدلًا"، (أوشك): إذا أسرع، واللام مبتدأ للقسم، والنون للتأكيد؛ يعني: والله ليسرعن وليقربن نزولُ عيسى عليه السلام.
(فيكم)؛ أي: في أهل دينكم حاكمًا عادلًا.
(الحَكَم) بالتحريك: الحاكم، و (العَدْل): العادل، وكلاهما منصوبٌ على الحال.
قوله: "فيكسرَ الصليبَ ويقتلَ الخنزير": الصليب في اصطلاح النصارى: خشبةٌ مثلثة يدَّعون أن عيسى عليه السلام صُلِب على خشبة على تلك الصورة، وقد يكون فيه صورة المسيح، وقد لا يكون.
قال في "شرح السنة": يريد إبطالَ النصرانية، والحكمَ بشرع الإسلام.
ومعنى قتل الخنزير: تحريم اقتنائه وأكله، وإباحة قتله، وفيه بيانُ أن أعيانَها نجسةٌ؛ لأن عيسى عليه السلام إنما يقتلها على حكم شرع الإسلام، والشيءُ الطاهرُ المنتفعُ به لا يُباحُ إتلافه.
وقوله: "ويضعُ الجِزيةَ": معناه: أنه يضعها عن أهل الكتاب، ويحملهم على الإسلام، ولا يقبلُ منهم غيرَ دينِ الحق.
فقد رُوِي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى: "وتَهلِكُ في زمانه المللُ كلُّها إلا الإسلام، ويَهلِكُ الدجَّالُ، فيمكثُ في الأرضِ أربعين سنةً، ثم يُتوفَّى، فيصلي عليه المسلمون".
وقيل: معنى وضع الجزية: أن المالَ يكثر حتى لا يوجدَ محتاج ممن تُوضَعُ فيهم الجزية، يدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"فيفيض المال حتى لا يقبله أحد"، هذا كله منقولٌ من "شرح السنة".
فاض الماء فيضًا وفيضوضة: كثر حتى سال على ضفة الوادي، ذكره في
"منتخب الصحاح".
(الضفَّة) بالكسر: الجانب.
"فيفيض المال"؛ أي: يكثر ويتسع بحيث لا يُوجَد فقيرٌ في ذلك الزمان البتة.
وتلخيص المعنى: أنه عبارة عن كثرة الأيادي والنعم في أيدي جميع الناس، وسعة أرزاقهم بحيث لا ضيقَ لأحد، ولا حرصَ فيهم، بل قطعَ كلُّ واحد منهم النظرَ عما في أيدي صاحبه، وذلك فضل ورحمة من الله.
قوله: "حتى تكونَ السجدةُ الواحدةُ خيرًا من الدنيا وما فيها"؛ يعني: يشتغل الناس في ذلك الوقت بالطاعة، ويزهدون في الدنيا بحيث لو وُفِّقَ لأحد منهم سجدة؛ لكانت أحبَّ إليه من وجدانه جميع أموال الدنيا.
إن قيل: العبادة في نفس الأمر خيرٌ في جميع الأوقات، فلمَ خُصَّت الخيرية في الطاعة بذلك الزمان؟
قيل: لأن في ذلك الزمان الرغبة في الطاعة أكثر، والخضوع فيها أتم وأبلغ، فلهذا خُصَّت خيريتها به.
* * *
4260 -
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "والله لَيَنْزِلنَّ ابن مرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّليبَ، ولَيقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، ولَيَضَعَنَّ الجزيَةَ، ولَيترُكَنَّ القِلَاصَ ولا يَسعَى عَلَيها، ولَتَذْهَبن الشَّحْناءُ والتَّباغُضُ والتَّحاسُدُ، ولَيَدْعُوَنَّ إلى المالِ فلا يقبَلُهُ أَحَدٌ".
قوله: "ولتتركَنَّ القِلاصُ فلا يسعَى عليها"، (القلاص): جمع قلوص، وهي الشابة من النوق.
سَعَى ها هنا: بمعنى عمل.
قال في "الصحاح": وكلُّ من وَلِيَ شيئًا على قوم فهو ساعٍ عليهم، وأكثر ما يقال ذلك في ولاة الصدقة.
يقال: سعى عليها؛ أي: عمل عليها، وهم السعاة.
يعني: والله ليتركن عيسى إبلَ الصدقة، فلا يأمر بأحد أن يسعى على أخذها وتحصيلها، وإنما يترك الصدقة، ولا يرسل أحدًا إلى أخذها؛ لعدم من يقبلها.
و"الشحناء": العداوة.
"والتباغُض": جريانُ البغضِ بين اثنين.
"والتحاسُد": جريان الحسد بين اثنين.
يعني: يزول عن قلوب جميع الناس في ذلك الوقت البغضُ والعداوةُ والحسدُ وغيرُ ذلك من الأخلاق الذميمة؛ لأنها نتيجة حب الدنيا، فإذا زالت محبةُ الدنيا عن قلوبهم، فقد زال ما يتولَّد منها، وهو الأخلاق الذميمة، ومصداقُ هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"حبُّ الدنيا رأسُ كلَّ خطيئة".
* * *
4261 -
وقال: "كَيْفَ أنتُمْ إذا نَزَلَ ابن مَرْيمَ فيكُمْ وإمامُكُمْ منكُمْ؟ ".
قوله: "وإمامُكُم منكم"؛ يعني: إمامُكُم من أهل دينكم، وقيل: من قريش.
قال في "شرح السنة": قال معمر عن الزهري: "وأمكم أو إمامكم منكم". قال ابن شهاب: "فأمكم منكم".
قال ابن أبي ذُؤيبٍ في معناه: فأمَّكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
يعني: يؤمكم في الصلاة من كان من أهل دينكم، ولا يؤمكم عيسى عليه السلام، بل يكون بمنزلة الخليفة، وفيه دليلٌ على أن عيسى عليه السلام لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل يكون مقررًا لدينه، وعونًا على أمته.
* * *
4262 -
وقال: "لا تزالُ طائِفَةٌ منْ أُمَّتي يُقاتِلونَ على الحَقِّ ظاهِرينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ". قال: "فينزِلُ عيسَى بن مَرْيمَ، فيقولُ أميرُهُمْ: تعالَ صَلِّ لنا، فيقولُ: لا، إنَّ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ أُمَراءُ، تَكْرِمَةَ الله هذهِ الأمّةَ".
قوله: "تكرمةَ الله هذهِ الأمةَ": نصب (تكرمة) على أنه مفعول له، وهي علةٌ لفعلٍ مقدَّر دلَّ عليه مضمونُ الجملة المقدرة، كأنه قيل له: يا رسول الله! لم جعلَ الله في ذلك الزمان تأميرَ الأمة بعضها على بعض؟ فأجاب بأنه جعل الله ذلك التأمير تكرمةً لهذه الأمة.
أو مفعول مطلق، كأنه قال: كرَّم الله تعالى هذه الأمة تكرمة من قبله سبحانه.
ولو رُوِي بالرفع، كان خبرَ مبتدأ محذوف، كأنه قال: هذه الفعلة تكرمة الله تعالى.
و (هذه) مفعول به للتكرمة، و (الأمة) صفة لـ (هذه).
يعني: جعل الله بعضكم على بعض الأئمة والأمراء؛ لتكرمته تعالى هذه الأمة، وتفضُّله عليهم.
* * *