المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - كتاب الرؤيا - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٥

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌22 - كتاب الرؤيا

‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

ص: 101

[22]

كِتَابُ الرُّؤيَا

(كتاب الرُّؤيا)

(الرُّؤيا): ما يُرَى في المنام.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3559 -

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لم يَبْقَ مِن النُّبوَّةِ إلا المُبشَّراتِ"، قالوا: وما المُبشِّراتُ؟ قال: "الرُّؤيا الصَّالحةُ يَراها المسلمُ، أو تُرَى لهُ".

قوله: "أو تُرَى له"؛ يعني: أو يَرى تلك الرُّؤيا أحدٌ لأحدٍ، سُميت الرؤية الصالحة: مبشِّرةً؛ لأنها تحصل للشخص منها بشارةٌ وفرحٌ.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

3560 -

وقال: "الرُّؤيا الصَّالحةُ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأربعينَ جُزْءًا مِن النُّبوَّةِ".

قوله: "الرُّؤيا الصالحةُ جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة": هذا في حق الأنبياء؛ لأن الرُّؤيا لا تكون نبوةً في غير الأنبياء؛ لأنه يلزم حينَئذٍ أن يكون جميعُ الناس أنبياء؛ لأنه لا يخلو أحدٌ عن رؤية رؤيا، بل الرُّؤيا نبوةٌ في حق الأنبياء عليهم السلام.

قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحيٌ، وقيل: معناه: الرُّؤيا الصالحةُ

ص: 103

من علم النبوة؛ أي: كعلم الأنبياء في الصحة والصدق، ويحتمل أن يكون معناه: تعبيرُ الرُّؤيا من النبوة؛ لأن تعبيرَ الرُّؤيا هو الذي قال يوسف نبي الله صلى الله عليه وسلم فيه: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} ؛ أي: تعبيرُ الرُّؤيا مما علَّمَنِيه الله.

وقالوا في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: (جزء من ستة وأربعين جزءًا): إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَرَى الرُّؤيا ستةَ أشهرٍ في بَدْء نبوته، وكان زمانُ نبوته ثلاثةً وعشرين سنةً، فكان زمانُ رؤيته الرُّؤيا بالنسبة إلى جميع زمان وحيه جزءًا من ستةٍ وأربعين جزءًا.

روى هذا الحديثَ أنسٌ.

* * *

3561 -

وقال: "مَن رآني في المنامِ فقد رآني فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ في صورتي".

قوله: "مَن رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطانَ لا يتمثَّل في صورتي"، قال محيي السُّنَّة: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقٌّ، ولا يتمثَّل الشيطان به، وكذلك جميع الأنبياء والملائكة عليهم السلام، وكذلك الشمس والقمر والنجوم والسحاب الذي فيه الغيث؛ لا يتمثَّل الشيطانُ بشيءٍ منها، ومَن رأى نزولَ الملائكة بمكانٍ فهو نصرةٌ لأهل ذلك المكان، وفرجٌ إن كانوا في كربٍ، وخصبٌ إن كانوا في ضيقٍ وقحطٍ، وكذلك رؤيةُ الأنبياء عليهم السلام.

روى هذا الحديثَ أنسٌ.

* * *

3562 -

وقال: "مَن رآني فقد رأى الحَقَّ".

قوله: "مَن رآني فقد رأى الحقَّ".

ص: 104

(الحق) هنا: ضد الباطل وضد الكذب، يعني: مَن رآني في المنام فقد صَدَقَتْ رُؤياه، فإنه قد رآني؛ فإن الشيطانَ لا يتمثَّل بي.

روى هذا الحديثَ أبو قتادة.

* * *

3563 -

وقال: "من رَآني في المنامِ فسَيراني في اليَقَظةِ، ولا يتمثَّلُ الشَّيطانُ بي".

قوله: "مَن رآني في المنام فسيراني في اليقظة": فسيراني يومَ القيامة ويكون معي على الحوض والجنة، ويحتمل أن يكون معناه: فسيراني في الدنيا إذا كانت له حالةٌ؛ فإنه قد نُقل عن بعض الصالحين أنه رأى النبيَّ في حالة الشوق والذوق.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

3564 -

وقال: "الرُّؤيا الصَّالحةُ مِن الله، والحُلْمُ مِن الشَّيطانِ، فإذا رَأَى أحدُكم ما يُحِبُّ فلا يحدِّثْ بهِ إلا مَن يُحِبُّ، وإذا رَأَى ما يكرهُ فليتعوَّذْ بالله مِن شرِّها ومِن شرِّ الشَّيطانِ وليتفُلْ ثلاثًا، ولا يُحدِّثْ بها أحدًا فإنَّها لن تَضُرَّهُ".

قوله: "الرُّؤيا الصالحةُ من الله، والحُلْمُ من الشيطان"، أراد بـ (الرُّؤيا الصالحة): أن يرى في المنام شيئًا فيه بشارةٌ له أو تنبيهٌ عن الغفلة، كما يأمره أحدٌ بخيرٍ أو يرى نفسَه مع الصالحين أو في الجنة، أو يرى أن أحدًا يعذِّبه ويقول له: فعلتَ الذنبَ الفلانية، وما أشبه ذلك. وأراد بـ (الحُلْم): ما كان من وساوس الشيطان، مثل أن يرى أنه يشرب الخمرَ، أو يزني، أو يقتل مسلمًا، أو يقول له أحدٌ: اجمَعِ المالَ لتكونَ من الأغنياء، أو يعذِّبه أحدٌ أو يقتله من غير جرمٍ.

ص: 105

قوله: "وَلْيَتفلْ"، يعني: وَلْيَبزقْ، وعلَّة البزق: كراهية تلك الرُّؤيا وتحقيرُ الشيطان.

روى هذا الحديثَ أبو قتادة.

* * *

3565 -

وقال: "إذا رَأَى أحدُكم الرُّؤيا يكرهُها فلَيَبْصُقْ عن يسارِه ثلاثًا، ولِيستَعِذْ بالله مِن الشَّيطانِ ثلاثًا، وليتحوَّلْ عن جنبه الذي كانَ عليهِ".

قوله: "وَلْيَتحوَّلْ عن جنبه الذي كان عليه"؛ يعني: وَلْيَتقلَّبْ من ذلك الجنب إلى جنبه الآخر؛ يعني: يزول عن هيئة الضجعة الأولى لتزولَ عنه رؤيةُ حُلْم الشيطان.

روى هذا الحديثَ جابرٌ.

* * *

3566 -

وقَال: "إِذَا اقتَربَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكذِبُ رؤُيَا المُؤْمنِ، ورُؤيَا المُؤْمنِ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأربَعِينَ جُزْءًا مِن النُّبوَّةِ، ومَا كَانَ مِن النُّبوَّةِ فإنَّه لا يَكْذِبُ"، رواهُ مُحمَّدُ بن سِيرِينَ، عَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَال مُحَمَّدٌ: وأَنا أَقُولُ: الرُّؤيا ثَلاثٌ: حَدِيْثُ النَّفسِ، وتَخْوْيفُ الشَّيطانِ، وبُشرَى مِن الله، فمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُه فلا يقُصَّه عَلى أَحَدٍ، ولْيقُمْ فليُصَلِّ، قَال: وكَانَ يَكرَهُ الغُلَّ في النَّومِ ويُعْجبُه القَيْدُ، ويُقالُ: القَيْدُ ثباتٌ في الدِّينِ. وأَدْرجَ بعضُهم الكُلَّ في الحَديثِ.

قوله: "إذا اقترب الزمانُ لم تَكَدْ تكذب"، قال محيي السُّنَّة في "شرح السُّنَّة": اختلفوا في معناه؛ قيل: أراد به قربَ زمان القيامة ودنوَّ وقتها، كما صرَّح به في حديث آخر، وقيل: اقترابُ الزمانِ اعتدالُه حين يستوي الليل

ص: 106

والنهار، والمعبرون يقولون: أصدقُ الرُّؤيا في وقت الربيع والخريف عند خروج الثمار وعند إدراكها، وهما وقتانِ يتقارب فيهما الزمانُ ويعتدل الليل والنهار.

قالوا: ورُؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار، وأصدقُ الساعات الرُّؤيا وقتَ السَّحَر، رُوي عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، يرفعه، قال:"أصدقُ الرُّؤيا بالأسحار".

قول محمد بن سيرين: "الرُّؤيا ثلاثٌ" فيه بيانُ أن ليس كلُّ ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيرُه، إنما الصحيحُ منها ما كان من الله عز وجل، يأتيك به مَلَك الرُّؤيا من نسخة أم الكتاب؛ يعني: اللوح المحفوظ، وما سوى ذلك أضغاثُ أحلامٍ لا تأويلَ لها، وهي على أنواع؛ قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يُريه ما يحزنه، وله مكائدُ يُحزن بها بني آدم كما أَخبرَ الله سبحانه وتعالى عنه:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} ، ومِن لعبِ الشيطانِ به الاحتلامُ الذي يُوجب الغُسلَ، فلا يكون له تأويل.

وقد يكون ذلك من حديث النفس، كمَن يكون في أمرِ أو حرفةٍ يرى نفسَه في ذلك الأمر، والعاشقُ يرى معشوقَه ونحو ذلك، وقد يكون ذلك من مزاج الطبيعة، كمَن غلبَ عليه الدمُ يرى الفصدَ والحِجَامةَ والرُّعافَ والحُمرةَ والرياحينَ والمزاميرَ والنشاطَ ونحوها، ومَن غلبَ عليه الصفراءُ يرى النارَ والشمعَ والسِّراجَ والأشياءَ الصفراءَ والطيرانَ في الهواء ونحوها.

ومَن غلب عليه السوداء يرى الظلمةَ والسوادَ والأشياءَ السُّودَ والصيدَ والوحوشَ والأهوالَ والأمواتَ والقبورَ والمواضعَ الخربةَ، وكونَه في مضيقٍ لا مَنفذَ له أو تحتَ ثقلٍ ونحو ذلك.

ومَن غلب عليه البلغم يرى البياضَ والمياهَ والثلجَ والجمدَ والوحلَ ونحوها؛ فلا تأويلَ لشيءٍ منها.

ص: 107

وقال عبد الوهاب الثقفي: عن أيوب السَّخْتِياني، عن محمد بن سيرين: إن الرُّؤيا ثلاثةُ

إلى آخره، من جملة الحديث، لا من قول محمد بن سيرين. وقال أيوب:

قوله: (أحبُّ القيدَ وأَكرهُ الغُلَّ، والقيدُ ثباتٌ في الدِّين" فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين، وجعلَه مَعمَر عن أيوب من قول أبي هريرة، فإذا عرفت هذا فاعرف أن قوله: (وقال: وكان يكره الغُل) الضمير في (قال) ضمير أيوب، والضمير في (كان) ضمير ابن سيرين، ويجوز أن يكون الضمير في (قال) ضمير ابن سيرين، وفي (كان) ضمير أبي هريرة.

وإنما يُكرَه الغُلُّ في النوم؛ لأن الغُلَّ تقييدُ العنق، وتقييدُ العنق وتثقيلُه يكون بحمل الدَّين أو المظالم، أو كونه محكومًا ورقيقًا ومتعلقًا بشيء.

* * *

3568 -

وعَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ ذاتَ ليلَةٍ فِيْمَا يرَى النَّائمُ كأنَّا في دَارِ عُقبةَ بن رافِعٍ، فأُتِيْنا برُطَبٍ مِن رُطَبِ ابن طَابٍ، فأَوَّلتُ أنَّ الرِّفعةَ لنا في الدُّنيا، والعَاقِبةَ في الآخِرَةِ، وأَنَّ دينَنَا قَدْ طَابَ".

قوله: "كأنَّا في دار عقبة بن رافع"، الضمير في (كأنَّا) ضمير النبي ومَن معه مِن أصحابه، وتأويلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثَ دستورٌ في قياس التعبير بغير ما يرى في المنام، كما أوَّلَ صلى الله عليه وسلم (عقبةَ) بأن العاقبةَ الحسنةَ لهم، وأوَّلَ (رافعًا) بأن الرِّفعةَ في الدنيا والآخرة لهم، وأوَّلَ (ابن طابٍ) - وهو نوعٌ من التمر - بأن دِينَهم قد طابَ؛ أي: كملَ وحسنَ.

* * *

3570 -

وعَنْ أبي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "رأيتُ في المَنامِ أنِّي

ص: 108

أُهاجِرُ مِن مكَّةَ إلى أرضٍ بها نَخْلٌ، فذهبَ وَهَلي إلى أنَّها اليَمامةُ، أو هَجَر، فإذا هِيَ المَدِينةُ يَثْرِبُ، ورأيتُ في رُؤيَايَ هذه أنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فانقَطَعَ صَدْرُهُ، فإذا هُوَ ما أُصِيْبَ مِن المُؤْمِنينَ يَومَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزتُه أُخرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فإذا هُوَ مَا جاءَ الله بهِ مِن الفَتْحِ واجتِمَاعِ المُؤْمنينَ".

قوله: "وَهَلي"؛ أي: ظنِّي.

"اليمامة أو هَجَر": اسما بلدَين.

"هَزَزتُ"؛ أي: حرَّكتُ.

* * *

3571 -

وعَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتيْتُ بخزائِنِ الأَرْضِ، فوُضعَ في كَفِّي سِوارَانِ مِن ذَهَبٍ فكبُرا عَلَيَّ، فأُوحِيَ إِليَّ: أن انفُخْهُما، فَنَفَخْتُهُما فذَهَبا، فأَوَّلتُهُما الكذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بينَهمَا: صَاحِبَ صَنعاءَ، وصَاحِبَ اليَمامةِ".

وفي رِوايةٍ: "يُقالُ لأَحدِهِما: مُسَيْلمةُ صَاحِبُ اليمامةِ، والعَنسيُّ صَاحِبُ صَنعاءَ".

قوله: "أُتيت بخزائن الأرض" على بناء المجهول؛ أي: عُرِضَّ عليَّ الكنوزُ وأنواعُ المال، فوُضعَ منها سِوَارانِ في كفِّي، "فكَبُرَا"؛ أي: فَثُقلَا، ومقصود هذا الحديث: أن إسلامَ مُسيلِمة والعَنْسي كان عظيمًا عنده صلى الله عليه وسلم؛ لأن لهما أتباعًا كثيرةً، فقيل له في المنام: انفخ السِّوارَينِ، فنفخ فيهما، فذَهَبَا؛ يعني: ليس لإسلامهما إخلاصٌ، بل سيرتدَّانِ عن الدِّين، وكانا قد ارتدَّا قبل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرُّؤيا.

والرجلُ إذا رأى السِّوارَ في يده تعبيرُه صيرورته ضيقَ اليد؛ أي: قليلَ

ص: 109

المال، والمرأة إذا رأت السِّوارَ في يدها يزيد جمالُها وقَدْرُها، وجميع الحُلِيِّ يكون حسنًا للنساء إذا رَأَيْنَه في المنام.

* * *

3572 -

وقالت أمُّ العَلاءِ الأنصاريَّةُ: رأيتُ لِعُثمانَ بن مَظْعُونٍ رضي الله عنه في النَّومِ عَيْنًا تَجرِي، فقَصَصْتُها على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ذاكَ عَمَلُه يُجْرَى لهُ".

قولها: "رأيتُ لعثمانَ بن مَظعونٍ عَينًا تجري"، أرادت بهذه العَين: عينَ الماء، رأت هذا المنامَ بعد موت عثمان، فعبَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الرُّؤيا بأنه يَصِلُ إلى عثمانَ ثوابُ أعماله الصالحة.

* * *

3573 -

عن سَمُرَةَ بن جُنْدبٍ رضي الله عنه قَال: "كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى أقبلَ علينا بوجْهِهِ فَقَال: "مَن رَأَى مِنْكُم اللَّيلةَ رؤيا؟ " قال: فإنْ رَأَى أحدٌ قَصَّها، فيقولُ: "ما شاءَ الله! "، فسأَلَنا يَوْمًا فقال: "هل رَأَى منكُم أَحَدٌ رؤيا؟ " قُلْنَا: لا، قال: "لكنِّي رأيتُ الليلةَ رَجُلَيْنِ أَتَياني، فأَخَذا بيدَيَّ فأَخْرجاني إلى أرْضٍ مُقدَّسةٍ، فإذا رَجُلٌ جَالِسٌ، ورَجُلٌ قائمٌ بيِدِهِ كَلُّوبٌ مِن حَديدٍ، يُدْخِلُه في شِدْقِه فيُشقَّه حتى يبلُغَ قَفاهُ، ثم يفعَلُ بشِدْقِه الآخرِ مِثلَ ذلكَ، ويَلتئمُ شِدْقُه هذا، فيعَودُ فيصْنَعُ مِثلَه، قُلْتُ: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ، فانطلَقْنا حتَّى أتيْنا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ على قفَاهُ، ورَجُلٌ قائمٌ على رأسِهِ بِفِهْرٍ أو صَخْرةٍ يشْدَخُ بِهِ رأسَهُ، فإذا ضَرَبَه تَدَهْدَهَ الحَجرُ، فَانطَلقَ إليهِ لِيأْخُذَه، فلا يرجِعُ إلى هَذا حتَّى يلْتَئِمَ رأسُهُ، وعَادَ رأسُهُ كَمَا كَانَ، فعادَ إليهِ فضرَبَه، فقلْتُ: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ، فانطلَقْنا حتَّى أتيْنا إِلَى نَقْبٍ مِثلِ التَّنُورِ، أَعْلاهُ ضَيقٌ وأسفَلُه واسِعٌ، تتوقَّدُ تحتَه نارٌ، فإذا اتَّقدَتْ ارتفعُوا حتَّى يَكادوا يَخرُجُونَ منها، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها، وفيها

ص: 110

رِجَالٌ ونِسَاءٌ عُراةٌ، فَقُلتُ: ما هذا؟ قَالا: انطلِقْ، فانْطَلَقْنا حتَّى أتيْنا على نَهرٍ مِن دَمٍ، فيهِ رَجُلٌ قائمٌ، وعلى شَطِّ النَّهرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيهِ حِجارَةٌ، فأقبلَ الرَّجُلُ الذي في النَّهرِ، فإذا أرادَ أنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلَ بحَجَرٍ في فِيْهِ، فردَّه حيثُ كان، فجعَلَ كُلَّما جَاءَ ليخرُجَ رَمَى في فِيْهِ بحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَان، فَقُلتُ: مَا هذا؟ قَالا: انْطَلقْ، فانطلَقْنا حتَّى انتهَيْنا إلى رَوضةٍ خَضراءَ فيها شَجرةٌ عظيمةٌ، وفي أَصْلِها شَيْخٌ وصِبْيانٌ، وإذا رَجُلٌ قريبٌ مِن الشَّجَرةِ بَيْنَ يَدَيهِ نارٌ يوقِدُها، فصَعَدا بيَ الشَّجَرةَ فأَدخَلاني دَارًا أَوْسَطَ الشَّجرةِ لم أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ منها، فيها رِجَالٌ شُيوخٌ وشُبَّانٌ ونِساءٌ وصِبيَانٌ، ثم أخرَجاني منها فصَعَدا بيَ الشَّجرةَ، فأدخلاني دارًا هي أفضلُ وأحسنُ، فيها شُيوخٌ وشبَّانٌ، فقلتُ لهما: إنَّكما قد طَوَّفتُمانِي اللَّيلةَ فأخبراني عمَّا رأيتُ، قالا: نَعَم، أمَّا الّذي رأيتَه يُشَقُّ شِدقُه فكذَّابٌ يُحدِّث بالْكَذْبَةِ فتُحْمَلُ عَنْهُ حتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ، فيُصنَعُ بهِ ما تَرَى إلى يومِ القيامةِ، والَّذي رأيتَه يُشدَخُ رأسُه فرجلٌ علَّمَه الله القُرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ ولم يعملْ بما فيه بالنَّهارِ، يُفعَلُ بهِ مَا رأيتَ إلى يومِ القيامةِ، والذي رأيتَه في النَّقْبِ فهم الزُّناةُ، والذي رأيتَهُ في النَّهرِ آكِلُ الرِّبا، والشَّيخُ الَّذي رأيتَه في أصلِ الشَّجرةِ إبراهيمُ عليه السلام والصِّبيانُ حَوْلَه فأولادُ النَّاسِ، والَّذي يوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، والدَّارُ الأُولَى التي دَخْلَتَ دارُ عامَّةِ المؤمنينَ، وأمَّا هذه الدَّارُ فدارُ الشُّهداءِ، وأَنَا جِبْريلُ، وهذا مِيْكائِيْلُ، فارفعْ رأسَكَ، فرفعْتُ رأسي فإذا فوقي مثلُ السَّحاب - وفي رِوَايةٍ: مثلُ الرَّبابةِ البَيْضَاءِ - قالا: ذاكَ منزلُكَ، قلتُ: دَعاني أَدْخُلْ منزِلِي، قالا: إنَّه بَقِيَ لكَ عُمُرٌ لَمْ تَستكمِلْهُ فلو استكمَلْتَهُ أتيتَ منْزِلَك".

قوله: "إذا صلَّى"؛ يعني: إذا صلَّى الصبحَ.

"قصَّها"؛ أي: أَخبرَ ذاك الرجلُ رسولَ الله ما رأى في منامه.

ص: 111

"فيقول"؛ أي: فيقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في تعبيره "ما شاء الله"؛ أي: ما أجرى الله على لسانه.

"مقدَّسة"؛ أي: مطهَّرة مطيَّبة.

"كَلُّوب"؛ أي: حديدة معوجة الرأس.

"في شِدْقِه"؛ أي: في طرف شَفَته من جانب أذنه.

"ويلتئم"؛ أي: يَبْرَأ وتعود شَفَتُه المشقوقة كما كانت ليفعلَ به مرةً بعد أخرى.

قوله: "انطلِقْ"؛ أي: اذهَبْ.

"بفِهْر"، الفِهْر: الحَجَر ملء الكف، ومنهم مَن يُطلقه على أيِّ حَجَر كان.

"تَدَهْدَهَ"؛ أي: تردَّى الحَجَر من علو إلى أسفل.

"نَقَب": بفتح النون، أي: ثقبة.

"خَمَدَتْ"؛ أي: طُفئت.

"فصعدَا بي الشجرةَ"؛ أي: دَفَعَاني إلى الشجرة.

"الشباب" جمع: شاب.

"طوَّفتُماني"، (طوَّف): إذا أدارَ وأجالَ أحدًا.

"فتُحمَل عنه"؛ أي: يُنقَل عنه ما يحدِّث به من الكذب حتى ينتشرَ منه ذلك الكذب.

"يُشدَخ"؛ أي: يُكسَر.

"فنام عنه بالليل"؛ أي: لم يكن يقرؤه بالليل.

"الربابة": السَّحَاب.

* * *

ص: 112

مِنَ الحِسَانِ:

3574 -

عن أبي رَزيْنٍ العُقَيْلِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رُؤيا المؤمن جُزءٌ مِن سِتةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزءًا مِن النَّبوُّةِ، وهي على رِجْلِ طائرٍ ما لم يُحدَّثْ بها، فإذا حدَّثَ بها وقعَتْ - وأَحْسِبُه قال: - لا يُحدِّثُ إلا حَبيبًا أو لَبيْبًا".

وفي رِوَايةٍ: "الرُّؤيا على رِجْلِ طَائرٍ ما لم تُعَبَّرْ، فإذا عُبرت وقعَتْ، - أَحْسِبُه قال: - ولا تَقُصَّها إلَّا على وادٍّ أو ذيْ رَأْيٍ".

قوله: "وهي على رِجلِ طائرٍ ما لم يحدث بها": هذا مَثَلٌ؛ يعني: الطائرُ إذا كان يطير في الهواء لا قرارَ له؛ يعني: الرُّؤيا قبلَ التعبير لا يثبت شيءٌ من تعبيرها على الرائي، ولا يلحقه منها ضررٌ، بل تحتمل تلك الرُّؤيا أشياءَ كثيرةً، فإذا عُبرَتْ ثبتَ للرائي حكمُ تعبيرها خيرًا كان أو شرًّا، وهذا تصريحٌ منه صلى الله عليه وسلم بأن التعبيرَ لا ينبغي لكل أحد، بل ينبغي لعالِمٍ بالتعبير؛ لأنه إذا عبَّر يلحق الرائي حكمُ تعبيره، فإن كان جاهلًا ربما يُعبر على وجهٍ قبيحٍ، فيلحق مِن تعبيره ضررٌ بالرائي.

قوله: "وقعت"؛ أي: وقعت تلك الرُّؤيا على الرائي؛ يعني: يلحقه حكمُها.

"لا يحدِّث إلا حبيبًا أو لبيبًا"، (اللبيب): العاقل؛ يعني: إن كان مَن حدَّثته برؤياك حبيبًا لك يعبرها كما يعبر الحبيبُ للحبيب، يعني: يعبرها على وجهٍ حسنٍ، وإن لم يكن مَن حدَّثته بها حبيبًا لك، ولكنه لبيبٌ يعبرها من غاية عقله وعلمه على وجهٍ ينفعك ولا يضرُّك ولا يغمُّك.

قوله: "إلا على وادٍّ": هذا اسم فاعل، أصله: وادِد، فأُسكنت الدال الأولى وأُدغمت في الثانية، ومعناها: الحبيب، وأراد بـ (ذي الرأي): العالِم، كذا قاله الزجَّاج.

* * *

ص: 113

3575 -

عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن وَرَقَةَ، فقالَت لهُ خَدِيْجةُ: إنَّه كَانَ صَدَّقَكَ، ولكنْ مَاتَ قبلَ أنْ تظهرَ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أُرِيتُهُ في المَنامِ وعَلَيْهِ ثيابٌ بيضٌ، ولو كَانَ مِن أهلِ النَّارِ لكانَ عليهِ لِباسٌ غيرُ ذلكَ".

قوله: "عن وَرَقَةَ"؛ أي: عن حال وَرَقَةَ بن نَوفل: أنه من أهل النار أم لا؟

"قبل أن تظهرَ"؛ يعني: قبل أن يظهر بالنبوة، وسيأتي بحث ورقة في (باب المبعث).

قوله: "عليه ثيابٌ بِيضٌ": هذا الحديثُ تصريحٌ بأن ثياب البيض من لباس أهل الجنة وأهل الخير.

* * *

3576 -

عن أبي بَكْرةَ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال ذاتَ يَوْمٍ: "مَن رَأَى مِنْكُم رُؤيا؟ " فقال رَجُلٌ: أنا رَأَيْتُ كأنَّ ميْزَانًا نزلَ مِن السَّماءِ، فوُزِنْتَ أَنْتَ وأبو بَكْرٍ فرجَحْتَ أَنْتَ بأبي بَكرٍ، ووُزِنَ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ فرجَحَ أبو بَكْرٍ، ووُزِنَ عُمرُ وعُثْمَانُ فرجَحَ عُمرُ، ثم رُفِعَ الميزانُ، فرأيتُ الكَراهيةَ في وَجْهِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.

ورُويَ: أنَّ خُزيمةَ بن ثابتٍ رَأَى فيما يَرَى النَّائمُ أنَّه سَجدَ على جَبْهةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبرَهُ، فاضطَجَعَ له وقَال:"صَدِّقْ رؤُياكَ"، فسَجدَ على جبهتِهِ.

قوله: "فرأيتُ الكراهيةَ في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، علة ظهور الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه علمَ صلى الله عليه وسلم أن استقرارَ الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته إلى زمان عثمان، ثم تظهر الفتن والاختلاف بين أصحابه، ومعنى ترجيح كل واحد من الذين وُزِنُوا: أن مَن رجح في الميزان هو أفضلُ من المرجوح؛ يعني: النبي أفضلُ من أبي بكر، بل من أهل السماء والأرض، ثم بعده أبو بكر أفضلُ من

ص: 114

عمر، ثم عمرُ أفضلُ من عثمان، وإنما رُفع الميزانُ ولم يُوزَن عثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهم؛ لأن خلافةَ عليٍّ تكون مع افتراق الصحابة فرقتَين: فرقة معه وفرقة مع معاوية، فلا تكون خلافتُه مستقرةً متفقًا عليها.

قوله: "صدِّقْ رؤياك": هذا تصريحٌ منه صلى الله عليه وسلم بأن مَن رأى رُؤيا يُستحَبُّ أن يعملَ بها في اليقظة إن كانت تلك الرُّؤيا شيئًا فيه طاعةٌ، مثل أن يرى أحدٌ أن يصلِّي أو يصوم، أو يتصدَّق بشيءٍ من ماله، أو يزور صالحًا وما أشبه ذلك، وإنما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك الرجلَ أن يسجدَ على جبهته صلى الله عليه وسلم؛ لأن السجودَ على جبهته طاعةٌ؛ لأن في هذا السجود تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أن السجودَ نحو الكعبة تعظيمُ الكعبة، وتعظيمُ النبي صلى الله عليه وسلم أفضلُ القُرَبِ، وفيه تشريفٌ لذلك الرجل؛ لأنه تشرَّف وتبرَّك بوصول جبهتِه جبهةَ النبي عليه الصلاة والسلام والتحيةُ.

° ° °

ص: 115