الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العَبْدُ عَبْدٌ عَتا وطَغَى، وَنَسيَ المُبتدَأَ والمُنتَهى، بِئْسُ العَبْدُ عبد يَخْتِلُ الدُّنْيا بالدِّينِ، بِئْسَ العَبْدُ عبدٌ يَخْتِل الدِّينَ بالشُّبُهاتِ، بئسَ العَبْدُ عبدٌ طَمَعٌ يقودُه، بئسَ العَبْدُ عبدٌ هَوى يُضلُّه، بئسَ العَبْدُ عبدٌ رَغَبٌ يُذِلُّه"، غريب.
قوله: "تخيَّل"؛ أي: تكبَّر واعتقد نفسه عظيمةً، "اختال"؛ أي: تبختر، "اعتدى"؛ أي: جاوز قَدْرَه بأن تكبر وأعرض عن أوامر الله، "سها"؛ أي: صار غافلًا، "لها"؛ أي: اشتغل باللعب والهذيان.
"البلى": الخلوقة، وأن يصير الشخص في القبر رميمًا ورفاتًا.
"عتا وطغى" معناهما: تجاوَزَ الحدَّ، "ونسي المبتدأ والمنتهى"؛ يعني: نسي كونه نطفةً ثم علقةً، فأنعم الله عليه فصوَّره صورةً حسنة، ورَزَقه من أنواع النعم، فلم يشكر هذه الأنعم، ولم يعمل لمنتهاه؛ أي: للقبر والقيامة.
قوله: "يختل الدنيا بالدين"، (الختل): التغرير والمكر؛ يعني: يغرُّ أهل الدنيا بالدِّين؛ يعني: يعمل عمل أهل الصلاح، لا لله بل لأنْ يعتقده الناس صالحًا ويبذلون له المال والجاه.
"يختل الدين بالشبهات"؛ يعني: يُفسد دينَه بأكل الشبهات.
"عبد رغبٌ"؛ أي: عبد كثير الأكل، الرغب: واسع البطن، والله أعلم.
* * *
21 - باب الظُّلمِ
(باب الظلم)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3975 -
عن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "اتَّقوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ
ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَن كانَ قبلَكم، حَمَلَهم على أنْ سَفَكُوا دِماءَهم واستَحَلُّوا مَحارِمَهم".
قوله: "اتقوا الشح"، (الشح): منعُ الواجب، وقيل: أكلُ مال الغير، وقيل:(الشح): أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له، وقيل: العمل بمعاصي الله، وقيل: الشح بما يزيد غيرك، والبخل بما في يدك.
قوله: "حملهم على أن يسفكوا دماءهم"؛ يعني: يحرضهم على جمع المال الحرام، وقتل بعضهم بعضًا لأخذ أموالهم.
"واستحلُّوا محارمهم"؛ أي: اتخذوا ما حرَّم الله من نسائهم حلالًا؛ أي: فعلوا بهن الفاحشة.
* * *
3976 -
وقال: "إنَّ الله لَيُملي للظَّالِمِ حتى إذا أخذَهُ لم يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} الآية".
قوله: "يملي للظالم"؛ يعني: يمهلهم ويطوِّل أعمارهم؛ يعني: يُكثروا من الظلم والفواحش، ثم يأخذهم أخذًا شديدًا.
"لم يفلته"؛ أي: لم يخلَّصه، أفلت: إذا خرج من ضيقٍ، وفرَّ وخلص من حبس.
" {إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} "؛ أي: إذا أخذ أهلَ القرى من الظالمين، وأراد بالقرى: بلاد ومساكن الكافرين.
* * *
3977 -
عن ابن عُمَرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَرَّ بالحِجْرِ قال: "لا تَدخُلوا
مَساكِنَ الذينَ ظَلَموا أنفسَهم إلا أنْ تَكُونُوا باكِينَ، أنْ يُصيبَكم مِثْلُ ما أصابَهم"، ثم قَنَّعَ رأسَه، وأَسْرَعَ السَّيْرَ حتى اجتازَ الوادِيَ.
"لما مر بالحجر"، (الحجر) هنا: ديار قوم ثمود.
"قنَّع" بتشديد النون؛ أي: ستر، وعلَّةُ سترِه صلى الله عليه وسلم رأسَه تحذيرُ الناس من دخول مساكن الكفار الذين أهلكهم الله بعذابه؛ يعني: أستر رأسي حتى لا يصل إلى غبار ديار الكفرة، حتى لا ينزل عليَّ بلاءٌ من شؤم أهل هذه الديار، وغرضُه صلى الله عليه وسلم بهذا تنبيهُ أصحابه ومَن بعدهم.
"اجتاز"؛ أي: قطع وخرج من ذلك الموضع.
* * *
3980 -
وقال: "لَتُؤَدُّنَّ الحُقوقَ إلى أَهْلِها يومَ القِيامةِ حتى يُقادَ للشَّاةِ الجَلْحاءِ مِن الشَّاةِ القَرْناءِ".
قوله: "حتى يقاد"؛ أي: حتى يُقتص.
"الجلحاء": الشاة التي لا قرن لها، و"القرناء": ضدُّها؛ يعني: لو نطح شاةٌ قرناءٌ شاةً جلحاءَ في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة يؤخذ القرن من الشاة القرناء وتُعطى الجلحاءُ قرنًا حتى تقتصَّ لنفسها من الشاة القرناء.
فإن قيل: الشاة غير مكلَّفة فكيف يُقتص منها؟
قلنا: الله تعالى فعَّالٌ لِمَا يريد لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
والغرض من هذا: إعلام العباد أنه لا تضيع الحقوق، ويُقتص حق المظلوم من الظالم، وتوفَّى كل نفس ما كسبت.
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
3981 -
عن حُذَيفة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمَّعةً؛ تقولونَ: إنْ أحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنا، ولكنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكم: إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أنْ تُحْسِنُوا، وإنْ أساؤُوا فلا تَظْلِموا".
قوله: "لا تكونوا إمعة"، (الإمعة) في اللغة: هو الذي يقول لكل أحد: أنا معك، والمراد به ها هنا: أن الذي يقول: أنا أكون مع الناس كما يكونون معي، فإن أحسنوا إليَّ أحسنت إليهم، وإن أساؤوا أسأت إليهم، جاء النهي عن هذا الفعل، بل قال صلى الله عليه وسلم:"أحسن إلى مَن أساء إليك".
"وطِّنوا": هذا أمرُ مخاطبٍ من التوطين، وهو العزم الجازم على الفعل.
* * *
3982 -
كتبَ مُعاوِيةُ إلى عائِشَةَ رضي الله عنها: أنْ اكُتُبي إليَّ كتابًا تُوصِيني فيهِ ولا تُكْثِري، فكتَبَتْ: سلامٌ عليكَ، أمَّا بعدُ: فإنَّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن التَمَسَ رِضا الله بسَخَطِ النَّاسِ كفاهُ الله مَؤُونَةَ النَّاسِ، ومَن التَمَسَ رِضا النَّاسِ بسَخَطِ الله وَكَلَهُ الله إلى النَّاسِ، والسَّلامُ عليكَ".
قوله: "من التمس رضا الله بسخط الناس"؛ يعني بهذا الحديث: أن الرجل إذا عَرَضَ له أمر في فِعْلِه رِضَى الله عنه وغضبُ الناس، أو يكون في فعله رضى الناس وغضبُ الله، فإنْ فعل ما فيه رضى الله وغضبُ الناس؛ رضي الله عنه ودفع عنه شر الناس، وإن فعل ما فيه رضى الناسِ وغضبُ الله وَكَلَه الله إلى الناس؛ يعني: سلَّط الله الناس عليه حتى يؤذوه ويظلموا عليه أو يهلكوه (1)، ولم يدفع عنه شرَّهم.
* * *
(1) في "ق": "ويهلكوه".