المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب الفأل والطيرة - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٥

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌2 - باب الفأل والطيرة

3535 -

قالت عائشةُ رضي الله عنها: قالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هل رُئيَ فيكم المُغَرَّبُونَ؟ " قلت: وما المُغرِّبونَ؟ قال: "الذينَ يشتركُ فيهم الجِنُّ"، غريب.

قوله: "هل رُئِيَ فيكم المُغرِّبون؟ قيل: وما المُغرِّبون؟ قال: الذي يشترك فيهم الجنُ".

قد جاء في الحديث أن مَن لم يذكر اسمَ الله عند الجماع يُجامِعُ معه الجنُّ والشياطينُ، وذُكر في التفاسير هذا المعنى في قوله تعالى:{وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الإسراء: 64]، وفي قوله تعالى:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:"هل تحسُّ فيكنَّ امرأةٌ أن الجنَّ يُجامِعُها كما يُجامِعُها زوجُها؟ ". هذا ظاهر الحديث، ولعل المراد ما هو المعروف عند الناس: أن بعضَ النساء يعشق بها بعضُ الجن ويُجامعها ويَظهر لها، وربما يذهب بها مِن بين قومها إلى حيث شاء.

* * *

‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

(باب الفأل والطِّيَرة)

قال الخطابي: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الفألَ إنما هو أن يسمعَ الإنسانُ الكلمةَ الحسنةَ فيتفاءلَ بها"؛ أي: يتبرَّك بها ويتأوَّلها على المعنى الذي يوافق اسمها.

قال الأصمعي: سألت ابن عون عن الفأل، قال: هو أن يكون مريضًا فتسمع: يا سالم! أو تكون طالبًا فتسمع: يا واجد!

و"الطِّيَرة" ماخوذة من زجرهم بالطير، وهو أن عادةَ العرب أن الواحدَ

ص: 87

منهم إذا ذهب في حاجة؛ فإن طارَ طيرٌ أو جاء صيدٌ بحيث يكون جانب يسار ذلك الطير أو الصيد إليه يعدُّ ذلك السفر مشؤومًا، وإن كان جانب يمين ذلك الطير أو الصيد إليه يعدُّ ذلك السفرَ مباركًا؛ فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الطِّيَرة، ورخَّص في الفَأل.

يعني: لو رأى الشخصُ شيئًا يظنُّه حسنًا ويحرِّضه على طلب حاجته وإتمامه فَلْيقبَلْ ذلك، وإن رأى ما يعدُّه شؤمًا ويمنعُه عن المضي بحاجته فلا يجوز قَبولُه، ولا يرجع عن إتمام شغله، بل لِيَمضِ لشغله ولا يلتفتْ إلى ذلك.

* * *

مِنَ الصِحَاحِ:

3536 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طِيَرَةَ، وخيرُها الفألُ"، قالوا: وما الفألُ؟ قال: "الكلِمةُ الصَّالحةُ يسمعُها أحدُكم".

قوله: "لا طِيَرةَ"؛ يعني: لا يجوز العملُ بالطِّيَرة، وقد ذُكر شرح (الطِّيَرة).

"وخيرُها الفَأل"؛ يعني: الفألُ خير من الطِّيَرة، وليس معنى هذا الكلام: أن الطِّيَرةَ فيها خيرٌ، والفألَ خيرٌ منها، بل لا خيرَ في الطِّيَرة أصلًا، وهذا مثل قوله:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]؛ يعني: أصحاب الجنة خيرٌ من أصحاب النار، ومعلومٌ أنه لا خيرَ في أصحاب النار أصلًا.

قوله: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدُكم"؛ يعني: الفألُ أن يقصدَ أحدُكم، فيسمعَ كلمةً صالحةً يفرح بها وتحرِّضه على ذلك الأمر، كما ذُكر قُبيلَ هذا.

* * *

3537 -

وقال: "لا عَدْوَى، ولا طِيَرَةَ، ولا هامَةَ، ولا صَفَرَ، وفِرَّ مِن

ص: 88

المجذومِ كما تَفِرُّ مِن الأسدِ".

قوله: "لا عدوى": في زعم العرب أنه تَسرِي علةٌ من شخصٍ إلى شخصٍ، مثل: أن يَقرُبَ جَمَلٌ ليس عليه جَرَبٌ من جَمَلٍ عليه جَرَبٌ، فيجرب الجَمَلُ الذي ليس عليه جربٌ، فيعتقد صاحبه أن الجَمَلَ الصحيحَ جربَ بمقاربته الجَمَلَ الأجربَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الاعتقادَ باطلٌ، لا تأثيرَ لشيءٍ بغير أمر الله تعالى.

قوله: "ولا هامَةَ": اسم طير، يقال له بالفارسي: كوف ديوف، ويَتشاءم به الناسُ.

وكانت العربُ تزعم أن عظامَ الميت إذا بَليت تصير هامَةً، تخرج من القبر وتتردد في بلد ذلك الميت، وتأتي الميتَ بخبر أهله، فأَبطلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقادَ، ونفى صيرورةَ عظام الميت هامَةً أو غيرها من الحيوانات.

قوله: "ولا صَفَرَ": كانت العرب تزعم أن الصَّفَرَ حيةٌ تكون في البطن تصيب الإنسانَ أو الماشيةَ؛ أي: تلدغُه، وقيل: الصَّفَرُ هو الشهر المعروف، وكانت العرب يعتقدون شهر الصَّفَر مشؤومًا.

وقيل: الصَّفَر هو تأخير تحريم المحرَّم إلى الصَّفَر، كانوا يعتقدون تحريم القتال في رجب وذي القعدة وذي الحجة والمُحرَّم، فإذا حدثت لهم حرب مع قوم في المحرَّم كانوا يقولون: لم يُجعَل المُحرَّمُ شهرَ التحريم، بل نقلنا التحريم إلى شهر الصَّفَر؛ لنحاربَ أعداءنا ثم نترك الحرب في شهر الصَّفَر بدْلًا من شهر المُحرَّم، فأَبطلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الأشياءَ؛ يعني: كذَب مَن قال: كان في البطن حية، ومن قال: الصَّفَر مشؤوم، وكَذَبُوا أنَّ نقلَ التحريم من المُحرَّم إلى الصَّفَر يجوز.

قوله: "وفِرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد"، قال محيي السُّنَّة في "شرح السُّنَّة": قيل: هو رخصةٌ لمَن أراد أن يجتنب عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الطاعون: "مَن

ص: 89

لم يحترز عنه متوكلًا فحسنٌ"، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيدِ مجذومٍ فأكلَ معه.

روى هذا الحديثَ - أعني حديث: "لا عدوى" - أبو هريرة.

* * *

3538 -

وقالَ: "لا عَدوَى، ولا هامةَ، ولا صفَرَ"، فقالَ أعرابيٌّ: يا رسولَ الله! فمَا بالُ الإِبلِ يكونُ في الرَّملِ كأنَّها الظِّباءُ، فيخالطُها البعيرُ الأجربُ فيُجربُها؟ فقالَ صلى الله عليه وسلم:"فمَن أَعدَى الأَوَّلَ".

قوله: "فمَن أَعْدَى الأولَ"، (أعدى): إذا أَوصلَ شيئًا إلى شيءٍ فأَحدثَ شيئًا في شيءٍ؛ يعني: إن كان البعيرُ الأجربُ أَجربَ الإبلَ الصِّحَاحَ فمَن أَجربَ ذلك البعيرَ؟ يعني: كما أن الله تعالى أَجربَ ذلك البعيرَ، فكذلك هو تعالى أَجربَ الإبلَ الصِّحاحَ.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

3539 -

وقال: "لا عَدْوَى، ولا هامَةَ، ولا نَوْءَ، ولا صَفَرَ".

قوله: "ولا نوَءَ"، قال أبو عبيد: هي ثمانيةٌ وعشرون نجمًا معروفةَ المَطَالعِ في أزمنة السَّنة، يسقط منها في ثلاثَ عشرةَ ليلةً نجمٌ في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخرُ مقابله من ساعته، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء سَنَةٍ، وكانت العربُ في الجاهلية إذا سقط منها نجمٌ وطلعَ آخرُ قالوا: لا بدَّ مِن أن يكون عند ذلك مطرٌ، فينسبون كلَّ غيثٍ عند ذلك إلى النجم، فيقولون عند ذلك: مُطِرْنا بنوءِ كذا، فأَبطلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الحكمَ ومنعَ الأُمةَ أن ينسبوا نزولَ المطر لحدوث نجم؛ فإنه لا يكون شيءٌ إلا بأمر الله تعالى.

ص: 90

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

3540 -

وعن جابرٍ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا عَدوَى، ولا صَفَرَ، ولا غُوْلَ".

قوله: "ولا غُولَ".

(الغُول) بضم الغين: الجن الذي يسخِّر الناس، وجمعه: غِيلان، وليس معنى الحديث نفي الغُول، بل الغُولُ موجودٌ، قد يوجد في الفَلَوات والصحارى، وإنما نفى الشارعُ أن الغِيلان لا يقدرون على إضلالِ أحدٍ ولا إهلاكهِ ولا خطفِه ولا سرقتِه إلا بأمر الله، وكانت العرب تزعم أن الغِيلانَ تُضلُّ الناسَ عن طرقهم وتخطفُهم، وكانت العربُ يخافون من المسافرة وطلب حوائجهم، فنفى الشرعُ هذا الاعتقادَ.

وقد جاء في الحديث: "إذا تغوَّلَتِ الغِيلانُ فبادِرُوا بالأذان"؛ يعني: إذا ظهرت لكم الغِيلانُ فأذِّنوا بالأذان في وجوههم؛ فإنهم يفرُّون من الأذان.

* * *

3541 -

عن عَمْرِو بن الشَّريدِ، عن أبيه قال: كانَ في وفدِ ثَقيفٍ رجلٌ مجذومٌ فأرسلَ إليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّا قد بايعناكَ فارجعْ".

قوله: "إنا قد بايعناك فارجِعْ"، أراد ذلك الرجلُ أن يأتيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويبايعَه، فأرسلَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تأتينا؛ فإنه لا حاجةَ إلى إتيانك، فإنَّا قد بايعناك، وهذا رخصةٌ من النبي لمَن لم يكن له توكُّلٌ من أُمته في الاحتراز عن المجذوم.

* * *

ص: 91

مِنَ الحِسَانِ:

3543 -

عن قَطِن بن قَبيصَةَ، عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "العِيَافةُ والطَّرْقُ والطِّيرَةُ مِن الجِبْتِ".

قوله: "العِيَافةُ والطَّرْقُ والطِّيَرةُ من الجِبْتِ".

(العِيافة): هي الطِّيَرة، إلا أن العِيافةَ تختص بزجر الطير، مثل أن يطيرَ طائرٌ فيعتقد الرجلُ أن سفرَه أو شغلَه مباركٌ إنْ طارَ وجانبُ يمين الطير إليه، ومشؤومٌ إن كان جانبُ يساره إليه، فلذلك يتشاءمون بأصوات بعض الطير ويتيمَّنون بأصوات بعضها.

والطِّيَرة: كلُّ ما يعدُّ الرجلُ مشؤومًا من رؤية طيرٍ أو حيوانٍ غيرِ الطيرِ أو شجرٍ أو غيره.

و (الطَّرق): الضرب بالحصا، كما هو عادة الكَهَنة.

(الجِبْت) ها هنا: السِّحر؛ يعني: هذه الأشياءُ مُحرَّمةٌ كالسِّحر.

* * *

3544 -

عن عبدِ الله بن مسعودٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الطِّيرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، قاله ثلاثًا - ما مِنَّا إلا - ولكنَّ الله يُذهِبُه بالتوكُّلِ" قيل: قوله: "وما مِنا" قولُ ابن مسعودٍ.

قوله: "الطِّيَرةُ شِرْك"؛ يعني: النافعُ والضارُّ والمُيسِّر والمُعسِّر هو الله تعالى، فمَن اعتقد أن أحدًا أو شيئًا سوى الله تعالى ينفع أو يضرُّ أو ييسِّر أو يعسِّر فقد اتخذ لله شريكًا.

قوله: "وما منا إلا"، قال البخاري: إن سليمان بن حرب قال: هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو كلامُ ابن مسعود؛ يعني: ليس منَّا إلا كان في قلبه

ص: 92

الطِّيَرة؛ يعني: نفوسُنا كانت كنفوس أهل الجاهلية في اعتقاد الطِّيَرةِ مثيرةً، ولكن لمَّا توكَّلنا على الله وقَبلْنا حديثَ رسوله واعتقدنا صدقَه أَذهَبَ الله عنا اعتقادَ أهل الجاهلية، وأقرَّ في قلوبنا السُّنَّةَ واتِّباعَ الحقِّ.

* * *

3545 -

وعن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخذَ بيدِ مَجذومٍ فوضعَها معَهُ في القَصْعَةِ وقال: "كُلْ ثِقَةً بالله وتَوَكُّلًا عليهِ".

قوله: "كُلْ ثقةً بالله"، (ثقة): منصوبة على الحال، والثقة: الاعتماد؛ يعني: كُلْ معي من قصعةٍ واحدةٍ؛ فإني توكَّلتُ على الله ألا يصيبني إلا ما قضى الله لي، وهذا درجةُ المتوكلين، فإن لم تحترز من المجذوم فهو متوكِّل، وإن احترزتَ فقد جاءت الرخصةُ فيه.

* * *

3546 -

وعن سعدِ بن مالكٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا هامَةَ، ولا عَدْوَى، ولا طِيَرَة، وإنْ تَكُن الطِّيَرةُ في شيءٍ ففي الدَّارِ والفَرَسِ والمرأةِ".

قوله: "وإن تَكُنِ الطِّيَرةُ في شيءٍ ففي الدار والفَرَس والمرأة"، قيل: الطِّيَرةُ هنا بمعنى: الكراهية، لا بمعنى: التشاؤم؛ يعني: كراهيتكم شغلًا قصدتُمُوه بسبب رؤيةِ طيرٍ أو صيدٍ لا يجوز، ولكن يجوز في الدار والفَرَس والمرأة؛ يعني: إذا كرهتُم دارًا لضيق مكانها أو لسببٍ آخرَ فاتركوها، وكذلك إذا كرهتُم فَرَسًا أو امرأةً لسوء خلقها أو لسببٍ آخرَ فاتركوهما؛ يعني: كراهيةُ شيءٍ للحوقِ ضررٍ منه إلى صاحبه - لا للتشاؤم - جائزٌ، وأما للتشاؤم فلا يجوز.

* * *

ص: 93

3547 -

عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُعجبُه إذا خرجَ لحاجةٍ أنْ يسمعَ: يا راشدُ، يا نجيحُ.

قوله: "يا راشد"؛ أي: يا واجد الطريق المستقيم.

"النجيح": الذي قضيت حاجته يعني إذا سمع أحدًا يقول لأحد: يا راشد أو يا نجيح فقال صلى الله عليه وسلم بسماع هذين اللفظين وما أشبههما يعني ستحصل وستقضى حاجتنا إذا سمعنا هذين اللفظين.

* * *

3548 -

وعن بُرَيْدَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ لا يتطيرُ مِن شيءٍ، فإذا بعثَ عامِلًا سألَ عن اسمِهِ؟ فإذا أعجبَهُ اسمُه فَرِحَ به ورُئيَ بِشْرُ ذلكَ في وجهِهِ، وإنْ كَرِهَ اسمَهُ رُئيَ كراهيةُ ذلكَ في وجهِهِ، وإذا دخلَ قريةً سألَ عن اسمِها؟ فإنْ أعجبَهُ اسمُها فَرِحَ بها ورُئيَ بِشْرُ ذلكَ في وجهِهِ، وإنْ كَرِهَ اسمَها رُئيَ كراهيةُ ذلكَ في وجهِهِ.

قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطيَّر في شيءٍ، فإذا بعثَ عاملًا سأل عن اسمه؛ فإذا أعجبَه اسمُه فرحَ به

" إلى آخره، قال محيي السُّنَّة في "شرح السُّنَّة" في شرح هذا الحديث: ينبغي للإنسان أن يختارَ لولدِه وخَدَمِه الأسماءَ الحسنةَ، فإن الأسماءَ المكروهةَ قد تُوافق القَدَرَ؛ يعني: لو سمَّى أحدٌ ابنه بـ (خَسَار) فربما جرى قضاء الله بأن يلحق خَسَار ذلك المسمى بـ (خَسَار)، فلما لحقه ذلك الخَسَار المقدَّر يعتقد بعضُ الناس أن لحوقَ ذلك الخَسَار بسبب اسمه، فيتشاءم الناس به، فيحترزون مجالستَه ومواصلتَه، ويصير معروفًا بالشؤم؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن يُسمِّيَ ابنه أو غيرَه باسمٍ يصير بسبب ذلك الاسم مبغوضًا مشؤومًا بين الناس، وكراهيةُ رسولِ الله الاسمَ القبيحَ لأجل هذا، فإن الاسمَ الحسنَ محبوبٌ في طباع الناس، والاسمَ المكروهَ مبغوضٌ في طباع

ص: 94

الناس، فاختيارُ المحبوبِ على المبغوضِ من غاية كمال عقل الإنسان.

ورُوي عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمُك؟ قال: جَمْرَة، قال: ابن مَن؟ قال: ابن شهاب، قال: ممَّن؟ قال: مِنَ الحُرَقة، قال؛ أين مسكنُك؟ قال: بحَرَّةِ النار، قال: بأيها؟ قال: بذات لَظًى، فقال عمر: أَدرِكْ أهلَك فقد احترقوا، فكان كما قال عمر.

* * *

3549 -

عن أنسٍ قال: قال رجلٌ: يا رسولَ الله! إنَّا كنا في دارٍ كثيرٌ فيها عَدَدُنا وأموالُنا فتحوَّلنا إلى دارٍ قلَّ فيها عددُنا وأموالُنا؟ فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذَرُوها ذَمِيمَةً".

قوله: "إنَّا كنَّا في دارٍ كثيرٍ فيها عددُنا وأموالُنا

" إلى آخره، هذا ليس من العدوى ولا من الطِّيَرة، بل من الطِّبِّ؛ فإن الماءَ الهواءَ والنباتَ مختلفةٌ، فبعضُها يُوافق الطباعَ وبعضُها يُخالفها، فالأرضُ الأولى كان هواؤُها وماؤُها ونباتُها موافقةً لهم، والأرضُ الثانيةُ التي انتقلوا إليها وقلَّ عددُهم وأموالُهم فيها كان هواؤُها وماؤُها ونباتُها مخالفةً لهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتركوا الأرضَ التي لم يوافقهم هواؤُها وماؤُها ونباتُها.

قوله: "فتحوَّلنا"؛ أي: انتقلنا.

"ذَرُوها"؛ أي: اتركوها.

"ذميمةً": فعيلة بمعنى مفعولة، وهي منصوبة على الحال؛ أي: في حال كونها مذمومةً؛ يعني: اتركوها فإنها مذمومةٌ؛ لأن هواءَها غيرُ موافقٍ لكم.

* * *

3550 -

ورُوِيَ عن فَرْوَةَ بن مُسَيْكٍ أنَّه قال: يا رسولَ الله! أرضٌ عندَنا

ص: 95