المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌17 - باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع واتباع العورات - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٥

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النَّعَال

- ‌4 - باب التَّرجيلِ

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتابُ الطَّبَّ وَالرُّقى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهَانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤيَا

- ‌23 - كِتَابُ الآدَابِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشَّعرِ

- ‌10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوَعْدِ

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البرِّ والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنَّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرَّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البُكاءِ والخَوْفِ

- ‌8 - باب تَغيُّرِ النَّاسِ

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌تَتِمَّة المَفَاتِيح فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

- ‌6 - باب نزولِ عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصُّورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشَّفاعَةِ

الفصل: ‌17 - باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع واتباع العورات

3903 -

عن أبي هُرَيرةَ قال: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المَرْءُ على دينِ خليلِه، فلْيَنظرْ أحدُكم مَن يُخَالِلْ" غريب.

قوله: "من يخالل"؛ أي: مَن يجري بينه وبينك خلةٌ؛ أي: محبةٌ، إن اتخذ صالحًا خليلًا يكون هو صالحًا، وإن اتخذ فاسقًا يكون هو فاسقًا، فإذا كان كذلك فلا يجوز أن يتخذ الرجل فاسقًا خليلاً؛ كي لا يصير بسببه فاسقًا.

* * *

3904 -

عن يزيدَ بن نَعَامَةَ أنه قال: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فلْيَسأَلْهُ عن اسمِه واسمِ أبيهِ وممَن هوَ، فإنَّه أَوْصَلُ للمَوَدَّةِ".

قوله: "إذا آخى الرجل"؛ أي: اتخذ الرجلُ أخًا.

"فليسأل عن اسمه واسم أبيه وممن هو"؛ أي: ومن أيِّ قبيلة؟ أو: من أيِّ قرية وبلد هو؟

"فإنه أوصل"؛ أي: فإنه أشدُّ وأكثر صلةً في المودة، والله اعلم.

* * *

‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

(باب ما يُنهَى من التهاجُرِ والتقاطُعِ واتباعِ العوراتِ)(1)

قوله: (واتباع العورات)، (العورات): جمع عورة، وهي ما في الرجل من عيب وخلل؛ يعني: لا يجوز أن يطلب الرجل عيوب الناس حتى يطَّلع على عيوبهم فيعيبَهم.

(1) في "م": "باب ما ينهى من التهاجر"، وفي "ش":"باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع".

ص: 234

مِنَ الصِّحَاحِ:

3905 -

قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيْرُهما الذي يبدَأُ بالسَّلامِ".

قوله: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" وقال الخطابي في شرح هذا الحديث: رخَّص لمسلم أن يغضب على أخيه ثلاثة أيام؛ لقلة الثلاثة، ولا يجوز فوق ثلاثٍ لكثرته.

ويجوز للوالد أن يغضب على ولده، وللزوج أن يغضب على زوجته، ومَن كان في معناهما كالوالدة وجميعِ الأصول والسيد، فوق ثلاثة أيام للتأديب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على زوجاته وتركهن شهرًا، واعتكف في المسجد.

روى هذا الحديث أبو هريرة.

* * *

3906 -

وقالَ: "إيَّاكم والظَّنَّ! فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنَاجَشُوا، ولا تَحَاسدُوا، ولا تَبَاغضوا، ولا تَدَابروا، وكونوا عبادَ الله إِخْوانًا".

ويُروَى: "ولا تَنَافَسُوا".

قوله: "إياكم والظن"؛ يعني: احذروا من أن تظنوا بأحد ظنَّ سوء، فإن ظن السوء في حق المسلم إثمٌ كالحديث الكاذب، بل هو أشد.

وإنما قال: "أكذب الحديث" لأن الظن حديث النفس، كما أن التكلُّم حديث الإنسان، وحديث النفس أكذبُ من حديث الإنسان؛ لأن حديث النفس يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان.

"التحسس" بالحاء المهملة: طلبك أن تطَّلع على خيرِ أحدٍ، و"التجسس"

ص: 235

بالجيم: طلبك أن تطلع على شر أحد، وكلاهما منهيٌّ؛ لأنك لو اطلعت على خيره ربما يحصل لك حسد بأن لا يكون فيك ذلك الخير، وإن اطلعت على شره تُعيبه وتفضحه.

"ولا تناجشوا"، (التناجش): أن يطلب رفعةً وعلوًا على أحد؛ يعني: لا يجوز لأحد أن يرى نفسه أشرف من غيره.

"ولا تدابروا" أصله: ولا تتدابروا، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا، ومعناه: لا تقاطعوا، (التدابر): التقاطع، و (المُدابرة): المعاداة.

"التنافس": مثل التناجُش.

روى هذا الحديث أبو هريرة.

* * *

3907 -

وقالَ: "تُفتَحُ أبوابُ الجَنَّةِ يومَ الاثنينِ ويومَ الخَميسِ، فيُغفَرُ لكلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بالله شيئًا، إلا رَجُلاً كانَتْ بينَهُ وبينَ أخيهِ شَحْناءُ، فيقالُ: أَنْظِروا هذَينِ حتَّى يَصْطَلِحا".

قوله: "شحناء"؛ أي: عداوة.

"أنظروا هذين"؛ أي: انتظروا في مغفرة هذين اصطلاحَهما؛ أي: أُخِّرت مغفرتُهما إلى أن يصطلحا.

روى هذا الحديث أبو هريرة.

* * *

3908 -

وقالَ: "تُعرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ في كلِّ جُمُعَةٍ مرَّتينِ، يومَ الاثنينِ

ويومَ الخَميسِ، فيُغفَرُ لكُلَّ عبدٍ مؤمنٍ، إلا عَبْدًا بينَه وبينَ أخيهِ شَحْناءُ، فيقال:

ص: 236

اُترُكُوا هذَينِ حتَّى يَفيئَا".

قوله: "حتى يفيئا"؛ أي: حتى يرجعا عن الغضب إلى الصلح.

روى هذا الحديث أبو هريرة.

* * *

3909 -

وقالَ: "إنَّ الشَّيطانَ قد أَيسَ أنْ يَعبُدَه المُصَلُّونَ في جَزيرةِ العَرَبِ، ولكنْ في التَّحريشِ بينَهم".

قوله: "إن الشيطان قد أيس" ذُكر هذا الحديث في (باب الكبائر وعلامات النفاق).

* * *

3910 -

وعن أُمِّ كلثومَ بنتِ عُقبةَ بن أبي مُعَيطٍ قالت: سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ليسَ الكذَّابُ الذي يُصلِحُ بينَ الناسِ ويقولُ خيرًا وَينْمِي خيرًا"، قالت: ولَمْ أَسمَعْهُ - تَعني النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُرَخَّصُ في شَيءٍ مِمَا يقولُ النَّاسُ كَذِبًا، إلا في ثلاثٍ:"الحَرْبُ، والإصلاحُ بينَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امرأتَه وحَديثُ المَرْأةِ زَوْجَها".

قوله: "وينمي"؛ أي: يُوصل حديثَ خيرٍ من أحد العدوَّين إلى الآخر ليوقع بينهما صلحًا، ولا إثم في الكذب فيما يقول بين العدوين مما يوقع بينهما محبةً وصلحًا.

قوله: "والحرب"؛ يعني: يجوز الكذب في الحرب، بأن يقول المسلم للكافر الذي يحاربه: جيش الإِسلام كثير لا طاقة لكم به، لا إثم في هذا وإن لم يكن جيش الإِسلام كثيرًا، أو مثل أن يقول: قد جاءنا مددٌ كثير، أو يقول له: انظر إلى خلفك فإن جيشًا قد أتاك من خلفك، وأراد المسلم بهذا القول أن

ص: 237

يلتفت الكافر إلى خلفه؛ ليضرب هذا المسلمُ عنقه.

قوله: "وحديث الرجل امرأته"؛ يعني: يجوز أن يكذب الرجل فيما يحدِّث به امرأته مما يتعلق بإيقاع الألفة بينهما، مثل أن يقول لها: لا أحدَ أحبُّ إليَّ منك، وكذلك يجوز للمرأة أن تقول لزوجها مثل ذلك.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3912 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يكونُ لِمُسْلِمٍ أنْ يهجُرَ مُسْلِمًا فوقَ ثلاثةٍ، فإذا لقِيَهُ سَلَّمَ عليهِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، كلُّ ذلكَ لا يَرُدُّ عليهِ فقد باءَ بإثمِهِ".

قوله: "فقد باء بإثمه": باء، أي: رجع، يعني إذا سلَّم أحد المهاجِرَيْنِ على الآخر ثلاث مرات ولم يرد فقد خرج المسلِّم من إثم المهاجَرة ورجع الإثم على الذي لم يرد على المسلِّم السلام.

* * *

3914 -

عن أبي خِراشٍ السُّلَمِيَّ: سَمِعَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ هَجَرَ أخاهُ سَنَةً فهوَ كسَفْكِ دمِهِ".

قوله: "فهو كسفك دمه"، (السفك): الإراقة والصب؛ يعني: إذا كان بين زيد وعمرو مثلًا غضب، فسلَّم زيد على عمرو ولم يردَّ عمرو على زيد السلام، خرج زيد من الإثم وبقي عمرو في الإثم، فإن لم يردَّ عمرو على زيد السلام، فكأنما سفك عمرو دم زيد.

يعني: المُهاجَرة عن الأخ المسلم حرامٌ كسفك دمه، وليس معناه: أن إثم سفك الدم وإثم المهاجرة سواء، بل إثمُ سفك الدم أعظم من جميع الكبائر بعد

ص: 238

الشرك، بل المراد اشتراكهما في حصول الإثم لا في قَدْرِ الإثم، ولا يلزم مساواة المشبَّه والمشبَّه به في جميع الأشياء، بل يكفي المساواةُ بينهما في شيء واحد.

* * *

3916 -

عن أبي الدَّرْداءِ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخبرُكم بأفضلَ مِن دَرَجةِ الصِّيامِ والصَّدَقةِ والصَّلاةِ؟ "، قال: قُلنا: بلى، قال:"إِصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ، وإفْسادُ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ"، صحيح.

قوله: "وفساد ذات البين هي الحالقة" أراد بـ (ذات البين): المخاصمةَ والمهاجَرةَ بين اثنين بحيث يحصل بينهما بينٌ، و (البين): الفُرقة؛ يعني: إيقاع الفُرقة والعداوة بين المسلمين، (حالقة)؛ أي: ماحية ومزيلة للثواب والخيرات؛ يعني: يمنعه شؤم هذا الفعل عن تحصيل الثواب والطاعات.

* * *

3917 -

وقالَ: "دَبَّ إليكُم داءُ الأممِ قبلَكم: الحَسَدُ والبغضاءُ، هي الحالِقَةُ، لا أقولُ: تحلِقُ الشَّعرَ، ولكنْ تحلِقُ الدَّينَ".

قوله: "دب إليكم داء الأمم"؛ أي: صار فيكم عادة الأمم الماضية، وتلك العادة هي الحسد والبغضاء. وضمير المؤنَّث في "هي الحالقة" ضمير البغضاء؛ لأنها مؤنث.

"ولكن تحلق الدين" والمراد بحلق الدين أنها تمنع الإنسان من فعل الخيرات، والحضورِ في الصلوات، والمحبة الكاملة في الله تعالى؛ لأن مَن امتلأ صدره بالحسد والبغضاء لا يكون له محبةٌ كاملة في الله، وذوقٌ من الطاعات.

و"الحسد" في الحقيقة: مُضادَّة الله؛ لأن الحسود لا يرضى بقضاء الله، فإن الله تعالى هو الذي رزق المحسود الرفعةَ والزيادة على الحاسد، والحاسد

ص: 239

لا يرضى بما رزق الله المحسود.

روى هذا الحديث الزبير بن العوام.

* * *

3918 -

عن أبي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُم والحَسَدَ! فإنَّ الحَسَدَ يأكلُ الحَسَناتِ كما تأكلُ النَّارُ الحَطَبَ".

قوله: "فإن الحسد يأكل الحسنات" يحتمل هذا أمرين:

أحدهما: أن يكفر الحاسد بسبب حسده، فإن الحاسد لا يرضى بحكم الله، فربما يغلب عليه حقد وعداوة المحسود بحيث يتكلم بكلمة كفر، أو يغضب على ربه لأجل أنه يعطي المحسود المال والمنصب ولا يعطي الحاسد، فإذا كفر بطلت حسناته.

والأمر الثاني: أن يكون قوله: "يأكل الحسنات" معناه: يمنع الحسد الرجل عن فعل الحسنات، كما ذكر قبيل هذا.

* * *

3920 -

عن أبي صِرْمَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن ضَارَّ ضارَّ الله بهِ، ومَن شاقَّ شَقَّ الله عليهِ".

قوله: "من ضار"؛ أي: من أوصل ضررًا إلى مسلم أوصل الله إليه الضرر، والضرر والمشقة متقاربان، إلا أن الضرر يستعمل في إتلاف مال أحد، والمشقة تستعمل في إيصال أذية إلى بدن أحد من تكليفه عملًا شاقًا.

* * *

3922 -

عن ابن عُمَرَ قال: صَعِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المِنْبرَ فنادَى بصَوتٍ

ص: 240

رفيعٍ فقال: "يا مَعْشرَ مَن أَسْلَمَ بلِسانِه ولم يُفْضِ الإِيمانُ إلى قلبهِ! لا تُؤْذُوا المُسلمينَ ولا تُعَيروهم، ولا تَتَّبعُوا عَوْراتِهم، فإنَّه مَن يَتَّبعْ عَوْرَة أخيهِ المُسلمِ يتَّبعِ الله عَوْرتَه، ومَن يتبع الله عورتَهُ يفضَحْهُ ولو في جَوْفِ رَحْلِهِ".

قوله: "ولم يفض الإيمان إلى قلبه"، (أَفْضَى يُفضي): إذا وصل.

* * *

3923 -

عن سعيدِ بن زَيدٍ، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ مِن أربَى الرِّبَا الاستِطالةَ في عِرْضِ المُسلِمِ بغيرِ حَقًّ".

قوله: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"، (أربى): أفعل التفضيل من الربا، و (الاستطالة): إطالة اللسان في غيبةِ أحدٍ أو قذفه أو شتمه؛ يعني: غيبة الناس وقذفهم أشد من أكل الربا وأخذه وإعطائه؛ لأن نفس المسلم أشرف من ماله، فإيذاءٌ يتعلق بنفسه أشدُّ من ضررٍ يتعلق بماله.

* * *

3924 -

وعن أنسٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا عَرَجَ بي ربي مرَرْتُ بقومٍ لهم أَظْفارٌ مِن نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وجُوهَهم وصُدورَهم، فقلتُ: مَن هؤلاءِ يا جِبْريلُ؟ قال: هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ لحومَ النَّاسِ ويَقَعُونَ في أَعْراضهم".

قوله: "يأكلون لحوم الناس"؛ أي: يغتابونهم.

* * *

3925 -

وعن أنسٍ، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَن حَمَى مُؤْمِنًا مِن مُنافِقٍ يعيبُه، بعثَ الله مَلَكًا يَحْمي لَحْمَهُ يومَ القيامةِ مِن نارِ جَهَنَّمَ، ومَن قَفا مُسْلِمًا بشيءٍ يريدُ شَيْنَهُ بهِ حَبَسَهُ الله على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتى يَخْرُجَ ممَّا قالَ".

ص: 241

قوله: "من قفا مسلمًا"؛ أي: من تبع مسلمًا؛ يعني: مَن تجسَّس عن حال مسلم ليُظهر عيبه وليعيره حبسه الله على الصراط حتى ينقى من ذلك الذنب بإرضاء خصمه أو بالتعذيب.

* * *

3927 -

عن المُستَوْرِدِ بن شدَّادٍ: أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَكَلَ برجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فإنَّ الله يُطعِمُه مِثلَها مِن جَهَنَّمَ، ومَن كُسِيَ ثَوْبًا برجُلٍ مُسلِمٍ فإنَّ الله يكسوهُ مثلَه مِن جَهَنَّمَ، ومَن قامَ برجُلٍ مَقامَ سُمعةٍ ورِياءٍ فإنَّ الله يُقيمُهُ مَقامَ سُمْعَةٍ ورِياءٍ يومَ القيامةِ".

قوله: "من أكل برجل مسلم أكلة"؛ يعني: مَن ذم وعيَّر عدوًا عند عدوه لرضا العدو المستمع؛ ليطعمه شيئًا، وليقول هذا العدو: إن هذا القائل صديقه = أطعمه الله من غسلين جهنم، ومثله:"من كسا ثوبًا برجل مسلم"؛ أي: بسبب غيبة رجل مسلم وقذفه.

"ومن قام برجل مقام سمعة ورياء" الباء في (برجل) يحتمل أن تكون للتعدية، وأن تكون الباء للسببية:

فإن كانت للتعدية يكون معنى الحديث: مَن أقام رجلًا مقام سمعة ورياء؛ يعني: من أظهر رجلًا بالصلاح والتقوى ليعتقد الناس فيه اعتقادًا حسنًا؛ ليعطوه المال وليحصل له منهم جاء، وعلم الذي يظهره بالصلاح أنه ليس بصالح، "فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء يوم القيامة"؛ يعني: يأمر الله تعالى ملائكته بأن ينادوا: إن هذا الرجل كذاب قد أظهر في الدنيا رجلًا بالصلاح مع علمه بأنه غير صالح؛ ليشترك فيما حصل له من المال.

وإن كانت الباء باء السببية يكون معنى الحديث: أن من قام وأظهر من نفسه الصلاح والتقوى لأجل أن يعتقد فيه رجلٌ عظيمُ القَدْرِ كثيرُ المال الصلاحَ والتقوى؛

ص: 242