الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب حِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ
(باب حفظ اللسان من الغيبة والشتم)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3740 -
قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَن كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فلْيقُلْ خَيْرًا، أو لِيَسْكُتْ".
قوله: "فليَقُلْ خيرًا أو ليسْكُتْ"؛ يعني: إن تكلَّمَ فليتكلَّمْ بما له منه ثوابٌ، وإنْ لم يتكلَّمْ خيرًا فليَسْكُتْ؛ لأنَّ السكوتَ خيرٌ من كلامٍ فيه إثمٌ.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3741 -
وقَال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ومَا بينَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ".
قوله: "من يَضْمَنْ لي ما بين لَحْييه وما بين رِجْلَيه أَضْمَنْ له الجنة"، (لحييه): أصلُه: (لَحْيَينهِ) فسقطت النونُ للإضافة، وهي تثنيةُ لَحْية.
واللَّحْيَةُ - بفتح اللام -: العَظْمُ الذي نبتَ عليه الأسنانُ من السُّفْل والعُلُوِّ؛ يعني: مَن حَفِظَ لسانَه وفَرْجَه فأنا ضامنٌ له الجَنَّةَ.
روى هذا الحديثَ سهلُ بن سَعْدٍ.
* * *
3742 -
وَقَال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِن رِضْوانِ الله لا يُلْقي لَهَا
بَالاً يَرْفعُهُ الله بِها دَرَجَاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالكَلِمةِ مِن سَخَطِ الله لا يُلْقِي لَهَا بالاً يَهوي بِهَا في جَهَنَم".
ويُروى: "يَهْوِي بِهَا في النَّارِ أَبْعدَ مَا بَيْنَ المَشْرقِ والمَغْربِ".
قوله: "لا يُلْقِي بها بالاً"، (لا يُلْقِي)؛ أي: لا يَرَى، (بها)؛ أي: بتلك الكلمة، (بالاً)؛ أي: بأسًا، هذا لغتهُ، ومعناه: إنه ليتكلَّمُ بكلمةٍ حقًّ وخيرٍ لا يعرِفُ قَدْرَه؛ يعني: يظنُّها قليلاً، وهو عند الله عظيمُ القَدْر، فيحصلُ بها رضوانُ الله.
وكذلك ربما يتكلَّمُ بشرًّ وهو لا يظنه ذنبًا، وهو عند الله ذنبٌ عظيم، فيحصُلُ له سُخْطُ الله؛ يعني: لا يجوزُ أن يظنَّ الخيرَ حقيرًا، بل ليعملِ الرجلُ بكلِّ خيرٍ، وليتكلَّمْ كلَّ خيرٍ.
وكذلك لا يجوزُ أن يَعُدَّ الشرَّ حقيرًا، بل ليتركِ الرجلُ كلَّ شَرًّ كي لا يصدُرَ منه شَرٌّ، فيحصل له به سُخْطُ الله.
"يهوي"؛ أي: يَسْقُطُ.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3743 -
وقَالَ: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وقِتَالُه كُفْرٌ".
قوله: "سِبابُ المسلم"؛ أي: شَتْمُ المُسْلِم.
"وقتالهُ"؛ أي: مجادَلَتُه ومحاربَتُه بالباطل.
"كُفْرٌ"، وذِكْرُ الكفرِ هنا تهديدٌ ووعيدٌ إن اعتقدَ قتالَ المُسْلِمِ حرامًا، وإن اعتقدَه حلالاً فقد كَفَر.
روى هذا الحديثَ عبدُ الله بن مسعود.
* * *
3744 -
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: كَافرٌ، فَقَد باءَ بِهَا أَحَدُهُمَا".
قوله: "أيُّما رجلٍ قالَ لأخيه: كافر، فقد باء بها أحدُهما"؛ أي: رَجَعَ، "بها"؛ أي: بتلك الكلمة؛ يعني: إذا قال زيد مثلاً لعمرو: يا كافر، أو أنت كافرٌ فقد باءَ بالكفر أحدُهما؛ يعني: إن كان عمرٌو كافرًا فقد صدقَ زيدٌ فيما قال، وإلا صارَ زيدٌ كافرًا إن اعتقدَ كونَ عمرٍو كافرًا بسبب حصولِ ذنب منه، لأن المسلمَ لا يصيرُ بالذنب كافرًا ومن اعتقد صيرورةَ مسلمٍ بذنْبٍ كافرًا فقد اعتقدَ تحريم حلالٍ، ومن اعتقد تحريم حلالٍ فقد كَفَر.
روى هذا الحديث ابن عمر.
* * *
3745 -
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بالفُسُوقِ، ولا يَرْمِيْهِ بالكُفْرِ، إِلَّا ارتَدَّتْ عَلَيْه إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كذَلَك".
قوله: "لا ارتدَّتْ عليه"؛ أي: إلا ارتدَّتْ تلكَ الكلمةُ إلى قائلها، إن كانتْ تلك الكلمةُ فِسْقًا صار قائلُها فاسقًا، وإن كانت كفرًا صار كافرًا، إنْ لم يكنِ المَقُولُ له فاسقًا وكافرًا.
وتأويل هذا الحديث ما ذُكِرَ قُبيل هذا.
روى هذا الحديثَ أبو ذَرًّ.
* * *
3747 -
وقَالَ: "المُسْتَبَّانِ مَا قَالا، فعلى البَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ".
قوله: "المستَبَّانِ"؛ أي: اللَّذان يشتُمُ كلُّ واحد منهما صاحبَه.
قوله: "ما قالا، فعلى البادئ"؛ يعني: إثمُ ما قالا يحصلُ للبادئ أكثرَ مما
يحصلُ للمظلوم؛ لأنه كان سببًا لتلك المُخَاصَمة؛ لأنه مَن سَنَّ سنةً سيئةً فله وِزْرُها ووِزْرُ من عَمِلَ بها من غير أن يَنْقُصَ مِن أوزارِهم شيءٌ.
قوله: "ما لم يَعْتَدِ المظلومُ"؛ يعني: إنما يكونُ وِزْرُ البادئ أكثرَ إذا لم يتجاوزِ المظلومُ حَدَّه، فإن تجاوزَ؛ أي: أكثرَ المظلومُ شَتْمَ البادي وإيذاءَه صار إثمُ المظلوم أكثرَ من إثم البادئ.
روى هذا الحديثَ والذي بعدَه أبو هريرة.
* * *
3749 -
وقَالَ: "إنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهدَاءَ ولَا شُفَعَاءَ يومَ القِيَامةِ".
وله: "إن اللَّعَّانِينَ لا يكونون شهداءَ ولا شُفَعاءَ"؛ يعني: مَنْ يَلْعَنُ الناسَ في الدُّنْيا فهو فاسقٌ، والفاسِقُ لا تُقبَلُ شهادتُه وشفاعتُه يومَ القيامة؛ يعني: تُكَذِّبُ الأممُ الماضية أنبياءَهم ويقولون: ما بَلَّغُونا رسالَتك يا ربنا، فيقول الله للأنبياء: هل لكم شاهدٌ على أنْ بلَّغتُم رسالتي؟ فيقول الأنبياء: أمةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شهداؤنا، فيُجاءُ بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيشهدُون أن الأنبياء بَلَّغوا رسالةَ الله أمتهم.
والمراد بهذا الحديث: أن اللَّعَّانينَ ليس لهم منزلةٌ عند الله تعالى حتى تُقبلَ شهادتُهم في جملة مَن يَشْهدُ للأنبياء.
روى هذا الحديثَ أبو الدرداء.
* * *
3750 -
وقَالَ: "إذَا قَالَ الرَّجُلُ: هلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُم".
قوله: "إذا قالَ الرجلُ هلكَ الناسُ فهو أَهْلَكُهُم"، (أَهْلَكُهُم): أفعل التفضيل؛ يعني: مَنْ عابَ الناسَ وقال: فَسدَ الناس، أو فَسَقُوا، أو هلَكُوا، وما
أشبهَ ذلك، فقد حصلَ ذلك العيبُ له أكثرَ مما حصلَ لهم؛ لأن الغِيبةَ وإيذاءَ الناسِ أشدُّ من ذنبٍ لا يَتَعلَّقُ بحقوق الآدَمِيين.
ويُرْوى: (فهو أَهْلَكَهم) - بفتح الكاف - على أنه فِعْلٌ ماضٍ، قيل: معناه: أنَّ مَنْ جَعَلَ المسلمينَ قانِطين من رحمةِ الله فقد جعلَهم كافِرين خالدين في النار، فإذا كان فهو الذي جَعلَهم كافرين فقد أهلَكَهم.
وقال مالك: إذا قال أحد: فسدَ الناس حزنًا وتأسُّفًا لما يَرَى في الناس؛ يعني: في أمرِ دينهم، فلا أرى به بأسًا. وإذا قال ذلك عُجْبًا بنفسه وتَصَاغُرًا للناس، فهو المَكْرُوه الذي نَهَى عنه.
روى هذا الحديثَ والذي بَعْدَه: أبو هريرة.
* * *
3752 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ".
ويروى: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ".
قوله: "لا يدخلُ الجَنَّةَ قَتَاتٌ"، (القَتَّاتُ): النَّمَّامُ.
روى هذا الحديثَ حُذَيفةُ.
* * *
3753 -
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُم بالصَّدْقِ، فإنَّ الصَّدْقَ يَهدِي إِلَى البرِّ، وإنَّ البرَّ يَهْدِي إِلَى الجَّنةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصدُقُ ويَتَحَرَّى الصَّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدَّيقًا، وإِيَّاكُمْ والكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويتحَرَّى الكَذِبَ حتَى يُكْتَبَ عِندَ الله كَذَّابًا".
وفي رِوَايَةٍ: "إنَّ الصِّدقَ بِرٌ، وإنَّ البرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الكَذِبَ فُجُورٌ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ".
قوله: "عليكم بالصَّدْقِ"؛ يعني: الزموا الصِّدْقَ.
"يَهْدِي"؛ أي: يَدُلُّ ويحصل.
"ويتحرَّى"؛ أي: ويطلبُ ويجتهدُ في الطلب.
روى هذا الحديث ابن مسعود.
* * *
3754 -
وقَالَ: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، ويَقُولُ خَيْرًا، ويَنْمِي خَيْرًا".
قوله: "ليس الكذَّابُ الذي يُصْلِحُ بين الناس"؛ يعني: مَنْ كذبَ لأجل أن يُصْلِحَ بين عَدُوَّين لم يكنْ عليه بذلك الكذبِ إثمٌ، بل ثبتَ له فيه أجرٌ.
مثاله: أراد زيدٌ أن يُصلِحَ بين عمروٍ وبَكْرٍ، يجيء زيدٌ إلى عمر ويقول: يسلِّمُ عليك بَكْرٌ ويمدحك، ويقول: أنا مُحِبُّه، وهكذا يجيءُ إلى بَكْرٍ ويبلغُه من عمرو السلامَ، فلا إثمَ على زيدٍ فيما يقول بين عمرو وبَكْرٍ مع أنه يسمَعُ مِنْ كلِّ واحدٍ منهما شَتْمَ الآخر.
نَمَى يَنْمِي نميًا: إذا بَلَّغَ أحدٌ حديثَ أحدٍ على وجْهِ الإصلاح، ونَمَّى تنميةً: إذا بلَّغه على وجه الإفساد.
روى هذا الحديثَ أمُّ كلثوم بنت عقبة.
* * *
3755 -
وقَالَ: "إِذَا رَأيْتُم المَدَّاحينَ فاحثُوا في وُجُوهِهِمُ التُّرابَ".
قوله: "إذا رأيتم المَدَّاحِين فاحثُوا في وجوههم الترابَ"، (الحَثْوُ) في التراب بمنزلة الصَّبَّ في الماء؛ يعني: إذا رأيتم مَن يمدحُكم اجعلوهم محرومين عن العطاء، وامنعُوهم عن المدح، فإن مَن مَدَحَ أحدًا فهو عَدُوُّه؛ لأنه يجعلُه مغرورًا متكبرًا، ومن جعلَ أحدًا مغرورًا متكبرًا فلا يستحقُّ الإعزاز.
وقيل: معنى هذا الحديث الأمرُ بدفع المالِ إليهم؛ يعني: المالُ حقيرٌ كالتراب، فاقطَعُوا به ألسنةَ المَدَّاحين كي لا يهْجُوكم ويذمُّوكم إن لم تُعْطُوهم.
روى هذا الحديثَ مقدادُ بن الأسود.
* * *
3756 -
وعَنْ أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَال: أَثْنى رَجُلٌ على رَجُلٍ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "وَيْلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيْكَ - ثَلاثًا - مَن كَانَ مِنْكُم مَادِحًا لا مَحالَةَ فليَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا والله حَسِيْبُه، إِنْ كَانَ يَرَى أنَّه كَذَلِكَ، ولَا يُزَكِّي على الله أَحَدًا".
قوله: "أحسبُ فلانًا"؛ يعني: لا يقلْ جَزْمًا: إنَّ فلانًا رجلٌ صالح، بل ليقلْ: أحسَبُه؛ أي: أظنُّه صالحًا، وإنما نهاهم عن أن يمدَحُوا أحدًا كيلا يغترَّ الممدوحُ فيصيرَ متكبرًا، وحينئذٍ يرى نفسَه أفضلَ من غيره، والله تعالى يغضَبُ على مَن هذه صفتُه.
قوله: "والله حسيبُه"؛ أي: محاسِبُه؛ أي: حسابُ كلَّ شخصٍ إلى الله تعالى يعلمُ كونَه صالحًا أو غيرَه، فإذا كان الله عالمًا بجميعِ الأشياء، فلا يحتاجُ إلى أن يُزَكِّيَ عندَه أحدٌ أحدًا.
* * *
3757 -
عن أَبي هُريْرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُوْنَ مَا
الغِيْبَةُ؟ " قَالُوا: الله ورَسَولهُ أَعلَمُ، قَال: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بَما يَكْرَهُ"، قِيْل: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ في أَخِيْ مَا أَقُولُ؟ قَال: إنْ كَانَ فيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغتبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيهِ فَقَد بَهَتَّهُ".
ويُرْوَى: "إِذَا قُلْتَ لأَخيْكَ مَا فيهِ فَقْد اغْتبْتَهُ، وإِذَا قُلْتَ مَا لَيْسَ فيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ".
قوله: "بَهَتَّه"، أصله: بَهَتْتَه؛ أي: قلتَ فيه بُهْتانًا؛ أي: كذبًا عظيمًا.
* * *
3758 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ رَجُلاً اسْتأذَنَ على النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "ائْذَنُوا لَهُ، فبئسَ أَخُو العَشِيرَةِ هُوَ"، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في وَجْهِهِ، وانْبَسَطَ إِليْه، فلمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَت عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ الله! قُلْتَ لهُ: كَذا وكَذا، ثُمَّ تَطلَّقتَ في وجْهِهِ، وانبسَطْتَ إليه! فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنَدَ الله مَنْزلةً يَومَ القِيَامةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتقَاءَ شَرِّه".
ويُرْوَى: "اتّقاءَ فُحْشِهِ".
قوله: "أخو العشيرة"، العشيرةُ: القبيلة؛ أي: بئس هو في قومه.
"تَطَلَّقَ"؛ أي: أظهرَ عن نفسه البشاشةَ والفرحَ في وجهه.
"وانبسطَ إليه": أي: تقرَّبَ منه وجعلَه قريبًا من نفسه، وتبسَّمَ في وجهه.
"متى عاهدتني"؛ أي: متى رأيتنَي.
"فحَّاشًا"؛ أي: سَبَّابًا؛ يعني: هو رجل سَوْء، ولكن لم أؤذِهِ؛ لأن إيذاءَ المسلمين ليس من خُلُقي.
"مَنْ تركَه الناسُ اتقاءَ شَرِّه"؛ يعني: تركتُ إيذاءه وتطَّلقْتُ في وجهه كي لا يؤذِيَني بلسانه.
و"شر الناس"؛ من تواضعَ إليه الناسُ من خوفِ لسانهِ لا لصلاحِه، وهذا الحديث رخصةٌ منه صلى الله عليه وسلم في التواضُعِ إلى أحدِ لدفع ضَرَرِه عن نفسِه.
* * *
3759 -
عَنْ أبي هُريْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى إلَّا المُجاهِرِينَ، فإنَّ مِن المُجَاهَرةِ: أنْ يَعمَلَ الرَّجُلُ باللَّيلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصبحُ وقد سَتَرَهُ الله فَيَقُولَ: يَا فُلانُ! عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذا وكَذا، وقد بَاتَ يسْترُه رَبُّه، ويُصبحُ يكشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ".
قوله: "كلُّ أمتي معافًى إلا المجاهِرُون"، (معافًى) يشتركُ فيه المصدَرُ والزَّمان والمكانُ، مِن (عافَى): إذا أعطى الله أحدًا العافية، والعافيةُ: السلامةُ من المكروه.
و (معافَىَ) هنا منصوبٌ على أنه مفعولٌ مطلق، وتقديرُه: كل أمتي عوفوا مُعَافًى؛ أي: رُزِقُوا العافية، (إلا المجاهرون)؛ يعني: الذين يُعْلِنُون الذنوبَ ويُظْهِرونها بين الناس. مَن أسرَّ ذنبَه سَلِمَ من ألسنة الناس وأيديهم، لا يعلمون حالَه حتى يغتابوه أو يقيموا عليه الحدود فلما أظهرَ ذنبَه وقعَ في ألسنة الناس وأيديهم.
قوله: "وإنَّ مِن المَجَانَةِ"، (المجانة): مثلُ المُجُون، وهو عَدَمُ المبالاة بالقول والفِعْل؛ يعني: من أظهرَ ذنبَه بين الناسِ فهو الذي لا يبالي بأن يغتابَه الناسُ ويذمُّوه وينسِبُوه إلى الفاحشة، وهذا غير مَرْضيٍّ عند الله وعند الناس.
* * *
مِنَ الحِسَان:
3760 -
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَرَكَ الكَذِبَ وهُوَ بَاطِلٌ بنيَ لَهُ في رَبَضِ
الجَنّةِ، ومَن تَرَكَ المِراءَ وهُوَ مُحِقٌّ بنيَ لَهُ في وَسَطِ الجنَّةِ، ومَن حَسَّنَ خُلُقَه بنيَ لَهُ في أَعْلَاهَا".
قوله: "من تركَ الكذبَ وهو باطلٌ"، الواو في (وهو) للحال؛ يعني: من تركَ الكذبَ في حال كونهِ باطلًا يستحقُّ الأجرَ وإن لم يكنِ الكذبُ كما ذكر في الإصلاح بينَ الخَصْمَين، فالإتيانُ بمثلِ ذلك الكذبِ يوجبُ الأَجْرَ، فلا يُستَحبُّ تركُه.
"رَبَض الجنة"، - بفتح الباء -: حوالَيها من داخِلها لا مِن خارجها.
"ومن تركَ المِرَاءَ وهو مُحِقٌّ"، (المِرَاءُ): المجادلة، و (المُحِقُّ): الصادقُ والمتكلِّمُ بالحق؛ يعني: من ترك المجادلةَ مع أنَّ ما يقولُه حَقٌّ فقد استحقَّ أن يَسْكُنَ في وَسَطِ الجَنَّة؛ يعني: إذا تكلمتَ بكلامٍ فتكلَّمْ به عن اللُّطْفِ والرِّفْقِ لا عن العنف والمجادلة.
روى هذا الحديثَ أنس.
* * *
3761 -
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَدْرُوْنَ مَا أكثرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ؟ تَقْوَى الله وحُسنُ الخُلُقِ، أَتَدْرُوْنَ مَا أكثرُ مَا يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ الأَجْوَفانِ: الفَمُ والفَرْجُ".
قوله: "الأَجْوفان"؛ يعني: الفَمُ والفَرْجُ يُوْقِعان الناسَ في الإِثْم؛ لأن الرجلَ ربما لا يَقْنَعُ بقليلٍ من الحلال، ويطلُبُ الكثيرَ من الحرام، وكذلك الفَرْجُ ربما يستعمِلُه الرجلُ في الحَرَام، فيدخلُ بسببه النار.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3762 -
وقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِن الخَيْر مَا يَعْلمُ مَبْلَغَها، يَكْتُبُ الله لَهُ بِهَا رِضْوانَه إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكلَّمُ بالكَلِمةِ مِن الشَّرِّ مَا يَعْلَمُ مبلَغَها، يَكْتُبُ الله بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَه إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ".
قوله: "ما يعلمُ مَبْلَغَها"؛ يعني: لا يعلمُ قَدْرَ تلك الكلمةِ؛ يعني: رُبَّما يتكلَّمُ الرجلُ بكلمةٍ من الخيرِ وهو يظنُّها قليلًا، وهي عظيم عند الله، فيحصُلُ له بها رضوانُ الله إلى يومِ يَلْقَاه، وربما يَتَكلَّمُ بكلمةٍ من الشَّرِّ يَظُنُّها قليلًا ولا يبالي بها، فيحصُلُ له بها سُخْطُ الله "إلى يوم يلقاه"؛ أي: إلى يوم القيامة.
روى هذا الحديثَ بلالُ بن الحارث المُزَني.
* * *
3763 -
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ويْلٌ لِمَنْ يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضحِكَ بهِ القَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وُيْلٌ له".
قوله: "ويلٌ لمن يحدِّثُ فيكذِبُ ليُضْحِكَ به القومَ، ويلٌ له"، هذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ مَن حَدَّثَ بحديثِ صِدْقٍ في المزاح فَيَضْحَك بذلك الحديثِ الحاضرون ليس عليه بأسٌ؛ لأنه قد ذُكِرَ في (باب المصافحة): أن أُسَيْدَ بن حُضَيْرٍ يُضْحِكُ القومَ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ويلٌ له)؛ أي الهلاكُ حاصلٌ، وقيل (الويلُ) اسمُ وادٍ في جهنَّم.
روى هذا الحديثَ معاويةُ بن حَيْدَة القُشَيْري.
* * *
3764 -
وقَالَ: "إنَّ العَبْدَ لَيَقُولُ الكَلِمَةَ لَا يَقْولُها إِلَاّ ليُضحِكَ بِهَا النَّاسَ يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مَمَّا بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، وإِنَّه لَيزِلُّ عَنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَزِلُّ عَنْ قدمِهِ".
قوله: "يَهْوِي"؛ أي: يسقطُ "بها"؛ أي: بسبب تلك الكلمة الكاذبة؛ يعني: يبعُدُ عن الخير والرحمة بسبب تلك الكذبة بُعْدًا أبعدَ ما بين السماء والأرض.
"ليَزِلُّ"؛ أي: لَيْسُقُطُ؛ يعني: السقوطُ عن لسانه أشدُّ من السقوط عن رجلهِ.
يعني: صدورُ الكذب والفاحشة من لسانهِ أضرُّ له مما يحصُلُ له من ضررِ سقوطهِ على وجهه.
روى هذا الحديثَ معاويةُ المذكور.
* * *
3765 -
وقَالَ: "كَفَى بالْمَرءَ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ".
قوله: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع"؛ يعني: لو لم يكن للرجل كذبٌ سوى أن يتكلَّمَ بكلِّ ما سمعَ لكفاه من الذنب؛ يعني: لا يجوزُ التحدُّثُ بكلَّ ما يسمعُه الرجلُ، بل يجبُ عليه الاحتياطُ في التجسُّس عن حالِ الراوي أنه عَدْلٌ أم لا، كما ذكر في ديباجة هذا الكتاب.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3766 -
وقَالَ: "مَن صَمَتَ نَجَا".
قوله: "من صَمَتَ نجا"؛ يعني: مَن سَكَتَ عن الشَّرِّ فقد خَلُصَ من جَهَنَّم، ومن شَرِّ لسانه، فإن الرجلَ ربما يتكلَّمُ بكلام يلحقُه ضررٌ عظيمٌ في الدنيا والآخرة.
روى هذا الحديثَ عبد الله بن عمرو.
3767 -
وقَالَ عُقْبَةُ بن عَامِر: لَقِيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: "املِكْ عَلَيكَ لِسَانَكَ، ولْيَسَعْكَ بيتُكَ، وابْكِ عَلَى خَطِيْئَتِكَ".
قوله: "أَمْلِكْ عليك لسانَك"؛ يعني: احفظْ لسانك عما ليس فيه خيرٌ.
قوله: "وليَسَعْكَ بيتُك"؛ يعني: اسكن في بيتك ولا تخرجْ منه إلا إلى أمرٍ ضروري، ولا تجالسِ الناسَ، فإنَّ في مجالسةِ أكثرِ الناس ضَرَرًا.
* * *
3768 -
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ رَفَعَهُ، قَالَ:"إِذَا أَصْبَحَ ابن آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللِّسانَ فتَقُولُ: اتَّقِ الله فيْنَا، فإنَّما نَحْنُ بِكَ، فإنْ استَقَمْتَ استَقَمْنا، وإنْ اعْوَجَجْتَ اعْوجَجْنَا".
قوله: "تُكَفِّرُ اللسانَ"؛ أي: تخضَعُ له.
"فتقولُ"؛ أي: فتقولُ الأعضاءُ لِلَّسان: "اتقِ فينا"؛ أي: اتق الله في حِفْظ حقوقنا.
"فإنَّا نحن بك"؛ أي: فإنَّا نتعلَّقُ بك، فإن كنتَ صالحًا تكون صالحة، وإن كنت فاسدًا تكون فاسدة.
"اعوَّج"، ضد استقام.
* * *
3769 -
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلام المَرءِ تَرْكُه مَا لا يَعْنيهِ".
قوله: "من حُسْنِ اسلامِ المرءِ تركُه ما لا يعنيه"؛ أي: ما لا ضرورةَ له فيه ولا ينفعُه؛ يعني: إسلامُ الرجل يحسُنُ ويكمُلُ بأن يتركَ من الأفعال والأقوال ما لا ينفعُه، ولا ضرورةَ له فيه.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
3770 -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: تُوفِّيَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابةِ فَقَال رَجُلٌ: أبشِرْ بالجنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَوَلا تَدْرِي، فلعَلَّه تكلَّمَ فيْمَا لا يَعْنِيهِ، أو بَخِلَ بِمَا لا يُنقِصُهُ".
قوله: "أَبْشِرْ بالجَنَّة"؛ يعني: افرح بحصولِ الجَنَّةِ لك بأن صَحِبْتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
"أوْلا تدري"، بسكون الواو؛ يعني: أتدري أنه من أهلِ الجَنَّةِ؟ أو لا تدري بأيِّ شيءٍ علمتُ أنه مِن أهل الجنة؟
"فلعلَّه تكلَّمَ فيما لا يعنيه"؛ أي: تكلَّمَ بكلامٍ يضُّره في الآخرة.
"أو بَخِلَ بما لا يَنْقُصُه"؛ أي: بالتكلُّم في الخير، فإنه لا ينقصُ من لسانه شيءٌ بأن يُعَلِّمَ الناسَ ما يحتاجون إليه، ويُرْشِدَهم وينصحَهم، ويتلطَّفَ بهم باللسان، ويعينَهم بيديه، ويمشيَ برجليه في حاجةٍ لهم.
* * *
3772 -
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا كَذَبَ العَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ المَلَكُ مِيْلًا مِن نَتْنِ مَا جَاءَ بهِ".
قوله: "مِيلًا"؛ أي: ثُلُثَ فَرْسَخٍ.
"مِن نَتْنِ" أي: من خُبْثِ "ما جاء به"؛ أي: من الكذب الذي تكلَّم به.
روى هذا الحديثَ ابن عمر.
* * *
3773 -
وقَالَ: "كَبُرَتْ خِيَانةً أنْ تُحدِّثَ أَخَاكَ حَدِيْثًا، هُوَ لَكَ بهِ مُصَدِّقٌ، وأَنْتَ بهِ كَاذِبٌ".
قوله: "كَبُرَ خيانةً"؛ يعني: إذا تُحَدِّثُ أخاك بحديثِ كذبٍ وهو يظنُّ أنك صادقٌ في كلامك، ويغترُّ بكلامك فهذا خيانةٌ عظيمة.
روى هذا الحديث سفيان بن أُسَيد الحَضْرمي.
* * *
3774 -
وقَالَ: "مَن كَانَ ذا وَجْهَينِ في الدُّنيا، كَانَ لَهُ يَومَ القِيامةِ لِسَانَانِ مِن نَارٍ".
قوله: "من كانَ ذا وجهين"؛ يعني: من كانَ مع كلَّ واحدٍ من العَدُوَّين كأنه صديقُه، ويذمُّ عند هذا ذلك، وعند ذلك يذمُّ هذا؛ لتزدادَ بينهما العداوةُ، وليحسِنَ إليه كلُّ واحدٍ منهما بأن يظنَّه ناصرًا له.
روى هذا الحديثَ عمار بن ياسر.
* * *
3775 -
وقَالَ: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، ولا باللَّعَّانِ، ولا الفَاحِشِ، ولا البَذِيء"، غريب.
قوله: "ليس المؤمنُ بالطَّعَّان"؛ أي: ليس المؤمنُ الكاملُ طَعَّانًا، وهو الذي
يعيبُ الناس، "اللَّعَّان": من يُكْثِرُ اللَّعْنَ، "الفاحش": الشاتم، "البذيء": الذي ليس له حياءٌ.
روى هذا الحديثَ ابن مسعود.
* * *
3776 -
وقَالَ: "لا يَكُونُ المُؤْمِنُ لَعَّانًا".
وفي رِوَايةٍ: "لا يَنْبَغِي للمُؤْمنِ أنْ يَكُونَ لعَّانًا".
قوله: "لا يكون المؤمنُ لَعَّانًا"؛ أي: ليس من صفة المؤمنِ الكاملِ أن يَلْعَنَ أحدًا.
روى هذا الحديثَ ابن عمر.
* * *
3777 -
وقَالَ: "لا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ الله، ولا بِغَضَبِ الله، ولا بِجَهَنَّم".
وفي رِوَايَةٍ: "ولا بالنَّارِ".
قوله: "لا تلاعَنُوا بلعنة الله"، (لا تلاعَنُوا): أصلُه: لا تتلاعَنُوا، فحذَفَ إحدى التاءين للتخفيف؛ يعني: لا تقولُوا لمسلم: عليكَ لعنةُ الله، ولا تقولوا: عليك غضبُ الله، ولا تقولوا: لك جهنمُ، أو لك النارُ، أو أدخلكَ الله جهنَّمَ، وما أشبَه ذلك؛ لأن التكلُّمَ بهذه الألفاظ لأحدٍ، فإن أراد المتكلِّم الإخبارَ - يعني: حصولَ هذه الأشياء له - فقد أخبرنا عن الغيب، ولا يعلمُ الغيبَ أحدٌ إلا الله، وإن قال هذا الكلام له على طريق الدعاءِ عليه، فقد ضادَّ الله ورسوله؛ لأنه لا يحصل له لعنةُ الله وغضبُه إلا أن يصيرَ كافرًا، أو يفعلَ كبيرةً من الذنوب، وكأنه أرادَ الكفر، أو فعلَ كبيرة لأحد، وإرادةُ الكفرِ وفعلُ الكبيرة مضادَّةٌ الله ورسوله.
روى هذا الحديثَ سُمُرَةُ بن جُنْدُب.
* * *
3778 -
وقَالَ: "إنَّ العَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعنةُ إلى السَّماءِ، فتُغلَقُ أبْوَابُ السَّماءَ دُوْنَها، ثُمَّ تَهْبطُ إلى الأَرضِ فَتُغْلَقُ أبوابُها دونَها، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمْيَنًا وشِمَالًا فإذا لَمْ تَجِدْ مَساغًا رَجَعَتْ إلى الَّذي لُعِنَ، فإنْ كَانَ لِذَلكَ أَهَلًا، وإلَاّ رَجَعَتْ إلى قائِلِها".
قوله: "أخذ يمينًا وشمالًا"؛ أي: طَفِقَ يتردَّد يمينًا وشمالاً.
"مَسَاغًا"؛ أي: مَدْخَلاً وطريقًا.
"إلى الذي لُعِن"، بضم اللام وكسر العين؛ أي: إلى الملعون إن كانتْ اللعنةُ عليه بالحقَّ، فإن كان مظلومًا.
"رجعت" اللعنة "إلى قائلها".
روى هذا الحديثَ أبو الدَّرْدَاء.
* * *
3780 -
وقَالَ: "لا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إليْكُمْ وأَنَا سَلْيمُ الصَّدرِ".
قوله: "لا يُبَلِّغُني أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا"؛ يعني: لا يبلِّغُني أحدٌ عن أصحابي أنه شَتَمَ أحدًا أو آذى، أو فيه خَصْلَةُ سوءٍ؛ لئلَاّ أغضبَ عليه، فإني أريد أن أكونَ معكم صادقَ النية، وليس في قلبي غضبٌ وحقدٌ لأحد، وهذا تعليمٌ للأمة؛ يعني: لا يجوزُ لأحدٍ أن ينقُلَ من أحدٍ إلى أحد شَتْمًا أو لَعْنًا وغيرَها؛ لئلَاّ يقعَ بينهما عداوةٌ، وهذا هو النَّميمة.
روى هذا الحديثَ ابن مسعود.
* * *
3781 -
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قلتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِن صَفِيَّةَ كَذَا وكَذَا، تَعِنْي: قَصِيْرةً، فَقَال:"لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَ بِهَا البَحْرُ لَمَزَجَتْهُ"، صَحَّ (1).
قوله: "حَسْبُك من صَفِيَّةَ كذا وكذا"؛ يعني: قِصَرُها.
"لمَزَجَتْه"؛ أي: لغلبَتْ كلمتُكِ على البَحْر، وكَدَّرَتْ ماءَه من غاية قُبْحِها.
* * *
3782 -
وقَالَ: "مَا كَانَ الفُحْشُ في شَيْءٍ إلَاّ شَانَهُ، ومَا كَانَ الحَيَاءُ في شَيْءٍ إلَاّ زَانَهُ".
قوله: "إلا شانَه"؛ يعني: إلا كدَّرَه وجعلَه قبيحًا.
روى هذا الحديثَ أنسٌ.
* * *
3783 -
وقَالَ: "مَن عيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يعمَلَهُ"، منقطع.
قوله: "من عَيَّرَ أخاه"، (التَّعْييرُ) - بالعين المهملة -: اللَّوْمُ.
روى هذا الحديثَ معاذٌ.
* * *
(1) كذا وردت في الأصل، ولعلَّها: صحيح.