الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 - باب الأمر بالمعروف
(باب الأمر بالمعروف)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3983 -
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:"مَن رَأَى مِنكم مُنكَرًا فلْيُغيرْه بيدِه، فإنْ لم يستَطِعْ فَبلسانِه، فإنْ لم يستطِعْ فبقلبهِ، وذلكَ أضعفُ الإِيمانِ".
"فليغيره"؛ أي: فليدفع ذلك المنكر، و (المنكر): ما أنكره الشرع؛ أي: كرهه ولم يرضه.
* * *
3984 -
وقالَ: "مَثَلُ المُدْهِنِ في حُدودِ الله والواقِعِ فيها، مَثلُ قَوْمٍ استَهمُوا سَفينةً، فصارَ بَعضُهم في أَسْفَلِها، وصارَ بعضُهم في أعلاها، فكانَ الذي في أَسفَلِها يَمُرُّ بالماءِ على الذينَ في أعلاها فتَأَذَّوا بهِ، فأَخَذَ فَأْسًا فجعلَ ينقُرُ أَسْفَلَ السَّفينةِ، فأَتَوْهُ فقالوا: ما لكَ؟ فقالَ: تأذَّيتُم بي، ولا بُدَّ لي مِن الماءِ، فإنْ أَخَذُوا على يَدَيهِ أَنجوْهُ، ونَجَّوا أَنفُسَهم، وإنْ تَرَكُوه أَهْلَكُوه، وأهْلَكُوا أنفسَهم".
قوله: "مثل المُدْهِن"؛ أي: مثل المُداهن، (المداهنة): المساهلة في الأمر، والمراد بها في الشرع: أن يرى الرجل منكرًا ويقدر على دفعه ولم يدفعه؛ لمحافظةِ جانبِ أحد، أو لاستحياءٍ مِن أحد، أو لقلة مبالاته في الدين.
"والواقع"؛ أي: الفاعل للشر.
"استهموا"؛ أي: اقترعوا؛ أي: اقتسموا.
"الفأس": شيء من حديد يشق به الخشب.
"فجعل"؛ أي: فطفق، "ينقر"؛ أي: يثقب.
"فإن أخذوا على يديه"؛ يعني: فإن منعوه من نقر السفينة نجا ونجوا، وإن لم يمنعوه وتركوه حتى نقر أسفل السفينة خرج الماء من البحر إلى السفينة وغرقت السفينة ومن فيها.
فكذلك إن منع الناسُ الفاسق عن الفسق نجوا ونجا من عذاب الله، وإن لم يمنعوه وتركوه حتى يفعل المعاصي ولم يقيموا عليه الحدود لنزل عليه وعليهم العذاب بشؤمه.
روى هذا الحديث النعمان بن بشير.
* * *
3985 -
وقال: "يُجاءُ بالرَّجُلِ يومَ القيامةِ فيُلقَى في النَّارِ فتَندلِقُ أَقتابُه في النارِ، فيَطحنُ فيها كطحنِ الحمارِ بِرَحَاهُ، فيَجتَمِعُ أهلُ النَّارِ عليهِ، فيقولونَ: أَيْ فلانُ! ما شأنُكَ؟ أَليسَ كنتَ تأمرُنا بالمَعْروفِ وتنهانا عن المُنْكَرِ؟ قال: كنتُ آمرُكم بالمَعْروفِ ولا آتِيهِ، وأنهاكُم عن المُنْكَرِ وآتِيهِ".
قوله: "فتندلق"؛ أي: فتخرج.
"الأقتاب": الأمعاء، واحدها:(قِتْب) بكسر القاف وسكون التاء.
"فيطحن"؛ أي فيدور ويتردد فيها؛ أي: في أقتابه؛ يعني: يدور حول أقتابه، ويضربها برجله.
روى هذا الحديث أسامة بن زيد.
* * *
مِنَ الحِسَان:
3986 -
عن حُذَيفَةَ بن اليَمانِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمَعْروفِ ولتَنهَوُنَّ عن المُنْكرِ، أو لَيُوشِكَنَّ الله أنْ يَبْعَثَ عليكم عذابًا مِن عندِه، ثم لَتدْعُنَّهُ فلا يُستَجابُ لكم".
قوله: "أو ليوشكن الله"؛ يعني: فإن أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر نجوتم من العذاب، وإلا لَيَقْرُبُ أن يرسل الله عليكم عذابًا، ثم لتدعون الله ولا يستجاب دعاؤكم في دفع ذلك العذاب.
* * *
3987 -
عن العُرْسِ بن عَميرَةَ، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا عُمِلَتْ الخَطيئةُ في الأَرْضِ مَن شهِدَها فكرِهَها كانَ كمَن غابَ عنها، ومَن غابَ عنها فرَضيَها كانَ كمَن شَهِدَها".
قوله: "من شهدها"؛ أي: من حضرها.
* * *
3988 -
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال: يا أيُّها النَّاسُ! إنَّكم تَقْرؤونَ هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، فإنَّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إنَّ النَّاسَ إذا رَأَوْا مُنْكَرًا فلم يُغَيرُوه يُوشِكُ أنْ يعُمَّهم الله بعِقابهِ"، صحيح.
وفي رِوايةٍ: "إذا رَأَوْا الظَّالِمَ فلم يأخذُوا على يَدَيْه أَوْشَكَ
…
".
وفي رِوايةٍ: "ما مِن قَوْمٍ يُعمَلُ فيهم بالمَعاصي، ثم يَقْدِرُونَ على أنْ يُغَيروا، ثُمَّ لا يُغيرون، إلا يُوشِكُ أنْ يَعُمَّهم الله بعقابٍ".
وفي رِوايةٍ: "يُعمَلُ فيهم بالمَعاصي، هُمْ أَكْثَرُ ممَّن يَعْمَلُه
…
".
قوله: " {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} "؛ يعني: الْزَموا حفظَ أنفسكم عن المعاصي، فإذا حفظتم أنفسكم لا يضرُّكم معاصي غيركم، وإنما لا يضرُّ الرجلَ معاصي غيره إذا عجز عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
قوله: "هم أكثر ممن يعمله"؛ يعني: إذا كان الذي لا يعمل المعاصي أكثر من الذين يعملونها، ولم (1) يمنعوهم عن المعاصي، نزل على الجميع عذاب.
* * *
3989 -
عن جريرِ بن عبدِ الله البَجَلي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِن قومٍ يكونُ بينَ أظهرِهم رجلٌ يعملُ بالمعاصي، هم أَمْنَعُ منهُ وأَعَزُّ، لا يُغَيرُونَ عليهِ = إلا أصابَهم الله بعقابٍ".
قوله: "أمنع"؛ أي: أقوى، ومثله:"أعز".
* * *
3990 -
وعن أبي ثَعْلَبَةَ: في قولِهِ تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، فقال: أَمَا والله، لقد سَأَلْتُ عنها رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"بل ائتَمِروا بالمَعْروفِ، وتَناهَوْا عن المُنْكَرِ، حتى إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعًا، وهوًى مُتَّبعًا، ودُنيا مؤثَرَةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برَأْيهِ، ورأيتَ أَمْرًا لا بُدَّ لكَ منهُ فعليكَ نفسَكَ، ودَعْ أَمْرَ العَوَامِّ، فإنَّ وراءَكُم أيامَ الصَّبرِ، فمَن صَبَرَ فيهنَّ كانَ كمَن قَبَضَ على الجَمْرِ، للعاملِ فيهنَّ أَجْرُ خَمسينَ رَجُلاً يعمَلونَ مثلَ عَمَلِهِ"، قالوا: يا رسولَ الله! أجرُ خَمْسينَ منهم؟ قال: "أَجْرُ خَمْسينَ منكُم".
(1) في "ش": "فلم".
قوله: "بل ائتمروا"، (ائتمر) بمعنى أمر.
"شحًا مطاعًا"، (الشح): البخل، (المطاع): مفعولٌ مِن أطاع؛ يعني: حتى إذا بلغ الأمر إلى أن يطيع الناس البخل؛ أي: استعملوا البخل فلا يؤدون الزكاة والكفارات والنذور والفطرة، ولا يحسنون إلى الناس.
"وهوى متبعًا"؛ أي: يتبع كل أحدٍ هواه؛ أي: يفعل ما تأمره نفسه.
"ودنيا مؤثرة"، (مُؤْثَرة): مفعولة من الإيثار وهو الاختيار؛ يعني: يختار الناس الدنيا على الآخرة، ويحرصون على جمع المال، ويتركون الأعمال الصالحة.
"وإعجاب كل ذي رأي برأيه"، (الإعجاب): وجدان شيء حسنًا؛ يعني: يجد كلُّ أحدٍ فعلَ نفسه حسنًا وإن كان قبيحًا، ولا يراجع العلماء فيما فعل، بل يكون مفتيَ نفسه.
"ورأيتَ أمرًا لا بد لك منه"؛ يعني: رأيتَ بعض الناس يعملون المعاصي، ولا بد لك من السكوت من عجزك وقدرتهم، فإذا كان كذلك احفظ نفسك عن المعاصي، ولا تأمر أحدًا بالمعروف ولا تَنْهَه عن المنكر كي لا يقتلوك أو يؤذوك.
"فإن ورائكم"؛ أي: فإن قدَّامكم وتلقاءَكم. "أيام الصبر"؛ أي: لا طريق لكم في ذلك الوقت إلا الصبر.
"فيهن"؛ أي: في تلك الأيام.
"قَبَضَ على الجمر"؛ أي: تلحقه المشقةُ بالصبر، ويكون من غاية المشقة كمن أخذ النار بيده (1).
* * *
(1) جاء على هامش "ش": "والحديث التالي يدل على أنه كان يعلم الأمور المستقبلة التي علمه إياها {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} ".
3991 -
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قامَ فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَطيبًا بعدَ العَصْرِ فلم يَدَعْ شيئًا يكونُ إلى قيامِ السَّاعةِ إلا ذَكَرَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ ونَسيَهُ من نَسِيَهُ، وكانَ فيما قال:"إنَّ الدُّنيا حُلْوَةٌ خَضرَةٌ، وإنَّ الله مُستَخْلِفُكم فيها فناظِرٌ كيفَ تعملونَ؟ أَلا فاتَّقُوا الدُّنيا، واتَّقُوا النِّساءَ"، وذَكَرَ أنَّ لكلِّ غادرٍ لِوَاءً يومَ القِيامةِ بقَدْرِ غَدْرتِهِ في الدُّنيا، ولا غَدْرَ أكبرُ مِن غَدْرِ أميرِ العَامَّةِ، يُغرَزُ لِواؤُه عندَ استِهِ، قال:"ولا تَمنعَنَّ أَحَدًا منكم هيبةُ النَّاسِ أن يقولَ بحقِّ إذا عَلِمَه".
وفي روايةٍ: "إنْ رأى منكرًا أن يغيرَه"، فبكى أبو سعيدٍ وقال: قد رأيناهُ فمَنَعَتْنا هيبةُ النَّاسِ أنْ نتكَلَّمَ فيهِ، ثُمَّ قال:"أَلا إنَّ بني آدَمَ خُلِقُوا على طَبَقاتٍ شَتَّى؛ فمنهم مَن يُولَدُ مُؤْمِنًا، ويحيا مُؤْمِنًا، ويموتُ مُؤْمِنًا، ومنهم مَن يُولدُ كافِرًا، ويحيا كافِرًا، ويموتُ كافِرًا، ومنهم مَن يولدُ مُؤْمِنًا، ويحيا مُؤْمِنًا، ويموتُ كافرًا، ومنهم مَن يولدُ كافِرًا، ويحيا كافِرًا، ويموتُ مُؤْمِنًا"، قال: وذكرَ الغَضَبَ، "فمنهم مَن يكونُ سريعَ الغَضَبِ سريعَ الفَيْءِ، فإِحداهُما بالأخْرى، ومنهم مَن يكونُ بطيءَ الغَضَبِ بطيءَ الفَيءِ، فإحداهُما بالأخرى، وخِيارُكم مَن يكونُ بطيءَ الغَضَبِ سريعَ الفيء، وشرارُكم مَنْ يكون سريعَ الغَضَبِ بطيءَ الفَيءِ"، قال:"اتقوا الغَضَبَ، فانهُ جَمْرَةٌ على قَلْبِ ابن آدمَ، أَلا تَرَوْنَ إلى انتِفاخِ أوداجِهِ وحُمرةِ عَيْنَيهِ؟ فمَن أَحَسَّ بشيءٍ مِن ذلكَ فَلْيَضْطَجِعْ وليتلَبَّدْ بالأَرْضِ"، قال: وذكرَ الدَّيْنَ فقال: "منكم مَن يكونُ حَسَنَ القَضاءِ، وإذا كانَ لهُ أَفْحَشَ في الطلَبِ، فإحداهُما بالأُخْرى، ومنكم مَن يكونُ سيئَ القَضاءِ، وإنْ كانَ لهُ أَجْمَلَ في الطَّلَبِ، فإحداهُما بالأُخْرى، وخِيارُكم مَن إذا كانَ عليهِ الدَّيْنُ أَحْسَنَ في القَضاءَ، وإنْ كانَ لهُ أَجْمَلَ في الطَّلَبِ، وشِرارُكم مَن إذا كانَ عليهِ الدَّيْنُ أساءَ القضاءَ، وإنْ كانَ لهُ أَفْحَشَ في الطَّلبِ، حتى إذا كانَت الشَّمْسُ على رُؤوسِ النَّخْلِ وأَطْرافِ الحِيطانِ فقالَ: "أَما إنه لم يَبْقَ مِن الدُّنْيا فيما مَضَى منها إلا كما بقيَ مِن يومِكم هذا فيما مَضَى منه".
قوله: "إن الدنيا حلوة خضرة"؛ يعني: الدنيا طيبة مليحة، وعيون الناس وقلوبهم لا يشبعون من جمع المال ومن الجاه.
"مستخلفكم"، (الاستخلاف): إقامة أحد مقام مَن كان قبله؛ يعني: يُميت ويُهلك قومًا، ويقيم قومًا آخر مقامهم؛ ليختبرهم أيهم يعمل العمل الصالح، وأيهم (1) يعمل العمل السيئ.
"وذكر أن لكل غادر لواء"، ذُكر بحثُ الغدر في (باب ما على الولاة من التيسير).
قوله: "ثم قال"؛ أي: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"فإحداهما بالأخرى"؛ يعني: إحدى الخصلتين تقابل الخصلة الأخرى لا تستحق المدح والذم. "البطيء": ضد السريع.
"انتفاخ أوداجه"، (الانتفاخ): ظهور الريح في شيء حتى يعظم، (الأوداج): جمع وَدَجٍ، وهو عِرْقُ العنق.
"أحس"؛ أي: أدرك وعلم. "وليتلبد"؛ أي: وليلتصق "بالأرض" لتكسر نفسه ويذهب غضبه.
"وإذا كان له"؛ يعني: فإذا كان له دَينٌ على أحد، يؤذيه في طلب دَينه، ويعسر عليه في التقاضي.
"حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل"؛ يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس يحدِّث من بعد العصر حتى قربت الشمس من الغروب، ولم تبق الشمس إلا على رؤوس النخيل؛ يعني: ذهبت الشمس عن وجه الأرض.
"الحيطان": جمع حائط.
* * *
3992 -
وقال: "لن يَهلكَ النَّاسُ حتى يُعذَروا مِن أنفُسِهم".
(1) في "م" و"ش" و"ق": "فأيهم"، والصواب ما أثبت.
قوله: "حتى يُعذروا من أنفسهم": يجوز كسر الذال وفتحها:
فأما كسر الذال: فهو مِن (أَعْذَرَ): إذا كان ذا ذنبٍ كثيرٍ محتاجًا إلى العذر من كثرة ذنوبه؛ يعني: لن يهلك الناس حتى تكثر ذنوبهم، و (من) في (من أنفسهم) للتبيين؛ أي: حتى تكثر ذنوب أنفسهم لا ذنوبُ غيرهم.
وأما فتح الذال: فهو مضارعٌ مجهولٌ من (أَعْذَر): إذا أزال عُذْرَ أحد؛ يعني: حتى يجعلهم الله بحيث لا يقدرون على العذر بأن يبعث عليهم الرسل، ويبينوا لهم الرشاد من الضلال، والحرام من الحلال، والحق من الباطل، فإذا عرفوا الحق من الباطل ولم يؤمنوا، أو آمنوا ولكن أكثروا المعاصي ولم يتوبوا، فحينئذ أهلكهم الله.
روى هذا الحديث أبو البَخْتَري، عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
* * *
3993 -
وقال: "إنَّ الله تعالى لا يُعذِّبُ العَامَّةَ بعَمَلِ الخاصَّةِ حتى يَرَوُا المُنْكَرَ بينَ ظَهْرانَيْهِم، وهم قادرونَ على أن يُنكِرُوهُ فلم يُنْكِروهُ، فإذا فعلُوا ذلكَ عذَّبَ الله العَامَّةَ والخَاصَّةَ".
قوله: "لا يعذب العامة" أراد بـ (العامة): أكثر القوم، وبـ (الخاصة): أقلَّهم.
"بين ظهرانيهم"؛ أي: بينهم.
روى هذا الحديث أنس.
* * *
3994 -
وعن عبدِ الله بن مَسْعودٍ قال: قالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا وَقَعَتْ بنو
إسرائيلَ في المعاصي نَهَتْهُم عُلَماؤُهُم فلم يَنْتَهُوا، فجالسُوهم في مجالِسِهم، وَواكلُوهُم وشارَبُوهم، فَضَرَبَ الله قلوبَ بعضهم ببَعْضٍ، ولعنَهم على لسانِ داودَ وعيسَى بن مريمَ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} "، قال: فجَلَسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكانَ مُتَّكِئًا فقال: "لا وَالذي نَفْسي بيدهِ، حتى تَأْطِرُوهم أَطْرًا".
وفي رِوايةٍ: "كلا والله، لتأمُرُنَّ بالمَعْروفِ، وَلَتنهَونَّ عن المنكرِ، ولتأخُذُنَّ على يَدَي الظالمِ، ولَتَأْطِرُنَّهُ على الحقِّ أَطْرًا، أو لَتَقْصُرُنَّه على الحَقِّ قَصْرًا، أو ليَضْرِبن الله بقلوبِ بعضكُم على بعضٍ، ثم لَيَلْعَنَنَّكُم كما لَعَنَهُم".
قوله: "فضرب (1) الله قلوب بعضهم ببعض"؛ يعني: سوَّد الله قلوبَ مَن لم يَعْصِ بشؤمِ مَن عَصَى، فصارت قلوب الجميع قاسيةً بعيدةً من قبول الخير والرحمة بسبب المعاصي، وبسبب مخالطة بعضهم بعضًا.
قوله: "لا والذي نفسي بيده"؛ يعني: لا يخلصون من العذاب.
"حتى تأطروهم"، (الأطر): الإمالة والتحريف من جانب إلى جانب؛ يعني: حتى تمنعوا الظَّلَمةَ والفَسَقةَ عن الظلم والفسق، وتُميلوهم عن الباطل إلى الحق.
* * *
3996 -
عن عَمَّارِ بن ياسرٍ قال: قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "أُنزِلَتْ المائِدَةُ مِن السَّماءِ خُبْزًا ولَحْمًا، وأُمِروا أنْ لا يَخُونوا ولا يَدَّخِرُوا لغدٍ، فخانُوا وادَّخَروا ورَفَعُوا لِغَدٍ، فمُسِخُوا قِرَدَةً وخنازِيرَ".
قوله: "فمسخوا"؛ أي: تغيَّرت صورهم" قردةً وخنازير" منصوبتان على التمييز، و (القردة): جمع القرد، وهو حيوان معروفٌ كنيته أبو زَنَّة.
° ° °
(1) جاء على هامش "ش": "أي: خلط، ضرب الجص بعضه ببعض؛ أي: خلطه".