الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
1- العصر:
ولد علىّ بن سعيد المغربى»
فى عام 610 هـ بقلعة يحصب أو قلعة بنى سعيد بغرناطة. وبهذا يكون قد عاش معظم سنى القرن السابع الهجرى.
ولم تكن الحياة في هذا القرن سهلة أو مستقرة بالنسبة للعرب أو المسلمين، بل تميز القرن السابع الهجرى بأحداث جسام هزت العالم العربى والاسلامى هزا عنيفا. ففى المشرق سقطت بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية فى عام 656 هـ.
على يد التتار بقيادة زعيمهم هولاكو. وفى الشام ومصر كانت الحرب سجالا بين الصليبيين بقيادة ملوك أوربا ورجال كنائسها وبين المسلمين بقيادة الأيوبيين، وفى المغرب أخذت الحواضر الأندلسية الكبرى تسقط فى يد نصارى الأسبان واحدة تلو أخرى. ففى عام 633 هـ تسقط. قرطبة، وتليها بلنسية فى عام 636 هـ.، ثم مرسية فى عام 641 هـ، ثم أشبيلية فى عام 646 هـ. وهكذا أخذت تسقط. الأندلس حاضرة بعد حاضرة، ورقعة بعد رقعة، وحصنا بعد حصن حتى لم يبق منها إلا مملكة غرناطة التى ظلت تقاوم فى عهد ملوكها من بنى الأحمر ما يقرب من قرنين
من الزمان إلى أن لقيت مصيرها المحتوم مثل أخواتها من الحواضر الأخرى فى عام 897 هـ.
وإذا كان ملوك شمالى أفريقية قد حاولوا أن يؤخروا هذا الارتداد فترة من الوقت فى عهد المرابطين والموحّدين إلا أن صراعاتهم وخلافاتهم وتطاحنهم ما كان يؤدى إلى غير النتيجة التى وصل إليها حال الأندلس حين أخذت البيوتات الكبيرة تخرج منها أول الأمر متجهة إلى شمالى أفريقية الممتد من المغرب حاليا إلى مصر، ثم تبعها معظم سكان تلك الجزيرة الخضراء كما كان يسميها أهلها. لذلك لا نعجب أن يقف الشاعر الأندلسى «ابن العسال» مناديا قومه بالإسراع فى الرحيل، فيقول:
يا أهل أندلس حثّوا مطيكم
…
فما المقام بها إلا من الغلط.
الثوب ينسلّ من أطرافه وأرى
…
ثوب الجزيرة منسولا من الوسط.
ونحن بين عدوّ لا يفارقنا
…
كيف الحياة مع الحيّات فى سفط.
ولست هنا فى مجال تعليل لما حدث فى المشرق أو المغرب، فهذا مجال بحث لمؤرخ مهتم بتاريخ هذه الفترة، غير أن ما يهمنى هو أن ابن سعيد عاصر بداية سقوط. المدن الأندلسية وأسهم فى بعض أحداثها قبل أن يغادر الأندلس مع والده فى عام 639 هـ راحلا إلى المغرب فتونس فمصر فالشام فالعراق والحجاز، كما توغل فى أقصى الشرق فى رأى من الآراء، كما عاصر حوادث سقوط. بغداد عام 656 هـ على يد التتار، وشاهد وسمع كثيرا من أهوال هذه الحوادث الجسام فى تاريخ القرن السابع الهجرى وتاريخ المسلمين فيه.
وكان من حسن حظ. ابن سعيد- فى الوقت نفسه- أنه وفى وسط غمرة هذه الأحداث المحزنة قد عاصر حدثا كان له أكبر الأثر فى تخفيف تلك الصدمات المتتابعة عليه وعلى المسلمين جمعيا، وهو إعادة فتح بيت المقدس نهائيا عام 642 هـ على يد الملك الصالح أيوب، كذلك عاصر هزيمة الصلبيين فى حملتهم بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا عام 648 هـ بسيوف المصريين حين أراد هذا الملك
غزو مصر، وكانت نتيجة الحرب خسرانه نحو ثلاثين ألف جندى من جنوده وقعوا بين قتيل وغريق فى مياه النيل وأسر الملك نفسه وسجن فى دار ابن لقمان بالمنصورة إلى أن افتدى بمبلغ عظيم من المال.
نشعر بفرحة ابن سعيد لهذا النصر حين طرب للقصيدة التى نظمها صديقه الشاعر المصرى جمال الدين بن مطروح مخاطبا ملك فرنسا المأسور ومسجلا حادث هزيمة الصليبيين فى قوله:
قل للفرنسيس إذا جئته
…
مقال حقّ عن قؤول نصيح
آجرك الله على ما جرى
…
من قتل عبّاد يسوع المسيح
دار «ابن لقمان» على حالها
…
والقيد باق والطواشى «صبيح»
وكان لرحلات ابن سعيد فى مختلف الأقطار فى العالم الإسلامى الفسيح وإقامته فى حواضره المتعددة ذوات الطوابع المختلفة، وعادات أهله المتنوعة أثر فى حنينه الدائم إلى موطنه الأصلى- أرض الأندلس، كما استطاع بثاقب نظره أن يسجل ما يراه من مشاهدات فى هذه المجتمعات «1» ويوازن بينها وبين ما عرفه عن مجتمعه الأندلسى، وكانت النتيجة التى يخرج بها دائما هى الوحشة الشديدة إلى موطنه الأندلسى. يقول «2»
أصبحت أعترض الوجوه ولا أرى
…
ما بينها وجها لمن أدريه
عودى على بدئى ضلالا بينهم
…
حتى كأنّى من بقايا التيه
ويح الغريب توحشت ألحاظه
…
فى عالم ليسوا له بشبيه
إن عاد لى وطنى اعترفت بحقّه
…
إن التغرّب ضاع عمرى فيه
ويقول معبرا عن هذا الإحساس أيضا:
هذه مصر فأين المغرب
…
مذ نأى عنى دموعى تسكب «3»
فارقته النفس جهلا إنما
…
يعرف الشىء إذا ما يذهب
ولا يعنى ذلك أن إحساسه بالغربة فى مصر كان نتيجة لسوء معاملة أهلها له.
بل العكس صحيح، فقد شعر فيها بالأمن والأمان، وأكرمه حكامها ورجالاتها، وصاحب شعراءها ومفكريها، ووصف استمتاعه بالعيش فيها، ويدل على ذلك الخبر الذى جاء فى النفح عن مطارحته للشعر مع جماعة من أصدقائه من الشعراء المصريين كان من بينهم الشاعر زكى الدين بن أبى الإصبع والشاعر جمال الدين أبو الحسين الجزار ونجم الدين بن اسرائيل «1» كان القرن السابع زاخرا بالعلماء فى كل تخصص، وبالأدباء فى كل فرع.
وكانت هجرة الأندلسيين منهم إلى شمالىّ أفريقية وإلى المشرق موضع ترحاب فى معظم الأحيان من زملائهم فى تلك المناطق. وقيض الله له بعض الاستقرار فى تونس أيام الأمير أبى زكريا يحيى الحفصى رابع حكام الدولة الحفصية فيها، وفى فترات من حكم الدولة الأيوبية فى مصر والشام مما أتاح الوقت لهؤلاء الحكام كى يشجعوا العلماء والأدباء المقيمين والوافدين على تأليف كتبهم ونظم قصائدهم وموشحاتهم، واتسم العصر كما هو معروف بظهور طبقة من مؤلفى الموسوعات الذين صانوا تراث سابقيهم من الضياع حين قاموا بجمعه وتلخيصه وشرحه والترجمة لمؤلفيه. وكان بعض هؤلاء الملوك والحكام من الأدباء والشعراء، وقد أورد لهم ابن سعيد مقتطفات من شعرهم ونثرهم فى كتبه، ومن بينها كتابه «المقتطف» «2» فهذا المستنصر بالله بن أبى زكريا الحفصى يفتح قصره للوافدين على أبيه من الأندلس من بين عالم وشاعر وأديب من أمثال حازم القرطاجنى الشاعر الناقد، وابن الأبّار القضاعى العالم المؤرخ صاحب «الحلة السيراء» والتيفاشى المؤرخ الأديب، وأبى العباس الغسانى لسان الدولة الحفصية وكاتبها ووزيرها وابن سعيد المغربى، وكذلك كان الأمر فى مصر والشام والعراق قبل سقوط بغداد. فقد ظهر