الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الرابعة: من النثر المتوسط
ابن الحصين «1» : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب فقال:
الحمد الله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونؤمن به، ونتوكل عليه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، والذى بعثنى بالحق إنهم لحزب الشيطان، يحدثونهم فيكذبونهم، ويمنّونهم فيغمدونهم، ويعدونهم فيخلفونهم، اللهم اضرب وجوههم ولا تبارك لهم فى مقامهم، اللهم مزّقهم فى الأرض تمزيق الرياح الجراد، والذى بعثنى بالحق لئن أمسيتم قليلا لتكثرنّ، وإن كنتم أذلة لتعزن حتى تكونوا نجوما يقتدى بواحدكم، فيقال قال فلان، وقال فلان الصديق رضى الله عنه: خطب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
وقد ارتدت العرب وقالت نصلى ولا نزكىّ-: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت أيها الناس: إن أكثر أعداؤكم وقل عددكم ركب الشيطان منكم هذا المركب؟ والله ليظهرنّ الله هذا الدين على الأديان كلها ولو كره المشركون، قوله الحق ووعده الصدق. ثم تلى:«بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ»
«2» وقوله تعالى: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ.
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»
«3» . ثم قال: والله أيها الناس، لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهرتهم فى الله عليه واستعنت بالله وهو خير معين.
عثمان رضى الله عنه: عندما أحيط به وعظم الخطب من الكوفيين والمصريين قام خطيبا فقال: ألا فقد والله عبتم علىّ ما أقررتم ابن الخطاب بمثله، ولكن وطئكم برجله، وضربكم بيده، ومنعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم؛ ولنت لكم ووطأت لكم كنفى، وكففت عنكم يدى ولسانى فاجترأتم علىّ.
أما والله لأنا أعز نفرا، وأقرب ناصرا، وأكثر عددا. ولقد أعددت لكم أقرانكم، وأفضلت عليكم فضولا كثيرا، وكثرت لكم غرمانى وأخرجتم منى خلقا لم أكن أسنه، ومنطقا لم أكن أنطق به على رضى الله عنه: لما بلغه ما فعل بسر «1» من قبل معاوية فى اليمن قال فى خطبته:
ما هى إلا الكوفة أقبضها وأبسطها إن لم تكونى إلا أنت، تهبّ أعاصيرك، فقبّحك الله، أنبئت أن بسرا قد أطلع على اليمن، وإنى والله لأظن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وافتراقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم فى الحق، وطاعتهم إمامهم فى الباطل، وبأدائهم إلى الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم. فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلّاقته. اللهم إنى قد سئمتهم وسئمتمونى فأبدلنى بهم خيرا منهم، وأبدلهم بى شرا منى.
معاوية رضى الله عنه: خطب وقد وفدت عليه وفود العرب فأعظم جوائزها، فلما دخلت عليه لتشكره سبقهم بالكلام فقال «2» : جزاكم الله معاشر العرب عن قريش خير ما يجزى به فى تقديمكم إياهم فى الأمن، وتقدمكم إياهم فى الحرب، وحقنكم دماءهم بسفكها منكم، أما والله لا يؤثرن عليكم منهم إلا حازم كريم، ولا يرغب عنكم منهم إلا عاجز لئيم، شجرة قامت على ساق. تفرع أعلاها وثبت أصلها، عضد الله من عضدها، فيالها ألسنا لو اجتمعت. وأيديا
لو امتنعت، ولكن كيف بإصلاح ما أراد الله فساده. معشر العرب: أحبّونا فو الله ما أبغضناكم، وأبرّونا فو الله ما أترنا عليكم، وانكم للشعار المستبطن» .
فاستعبر القوم حتى علا بكاؤهم.
يزيد بن الوليد بن عبد الملك: لما خرج على ابن عمه الوليد بن يزيد وقتل الوليد وحصلت له الخلافة قام خطيبا فقال «1» : أيها الناس، والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا، ولكن خرجت غضبا لله ولدينه، وداعيا إلى الله وإلى سنة نبيه وسلم لما هدمت معالم الهدى، وأطفىء نور أهل التقوى، وظهر الجبار العنيد المستحل بكل حرمة، والراكب لكل بدعة، وإنه لابن عمى فى النسب وكفئى فى الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله فى أمره، وسألته ألا يكلنى إلى نفسى، ودعوت إلى ذلك من أجابنى من أهل ولايتى حتى أراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد بحوله وقوته لا بحولى وقوتى.
عتبة بن أبى سفيان «2» : قال لمعلم ولده: ليكن أول إصلاحك لولدى إصلاح نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تستقبحه، علّمهم كتاب الله تعالى، وروّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تكرههم على علم فيملوه، ولا تدعهم فيهجروه، ولا تخرجهم من علم إلى علم، فازدحام العلم فى السمع مضلة للفهم، وعلّمهم سير الحكماء، وهدّدهم بى، وأدّبهم دونى، ولا تتكل على عذر منّى، فإنى قد اتكلت على كفاية منك.