الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخميلة الثانية عشرة «1» المشتملة على ملح الموشحات والأزجال
هذان طرازان كان الابتداء بعملهما من المغرب، ثم ولع بهما أهل المشرق.
وسيذكر ما يسع المكان من ذلك
فأما الموشحات
فقد ذكر الحجارى «2» فى كتاب المسهب فى غرائب المغرب أن المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدّم بن معافى القبرى «3» من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المروانى، وأخذ عنه ذلك أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد.
ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر، وكسدت موشحاتهما، وكان أول من برع فى هذا الشأن بعدهما:
ا، ب عبادة القزّاز «4» : شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المريّة وقد ذكر الأعلم البطليوسى أنه سمع أبا بكر بن زهر يقول: كلّ الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله:
بدرتمّ شمس ضحى
…
غصن نقا مسك شمّ
ما أتمّ ما أوضحا
…
ما أورقا ما أنمّ
لا جرم من لمحا
…
قد عشقا قد حرم
وزعموا أنه لم يشقّ غباره وشاح من معاصريه الذين كانوا فى زمن الطوائف، وجاء مصليّا خلفه منهم:
ا، ب ابن أرفع رأسه «1» !: شاعر المأمون بن ذى النون صاحب طليطلة: قالوا وقد أحسن فى ابتدائه فى الموشحة التى طارت له حيث يقول:
العود قد ترنّم
…
بأبدع تلحين
وشقّت المذانب
…
رياض البساتين
وفى انتهائه حيث يقول
تخطر وليس تسلّم
…
عساك المأمون
مروّع الكتائب
…
يحيى بن ذى النون
ثم جاءت الحلبة التى كانت فى مدة الملثّمين، فظهرت لهم البدائع، وفرسا رهان حلبتهم الأعمى التّطيلى «2» ويحيى بن بقىّ «3» . سمعت غير واحد من أشياخ هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الوشّاحين اجتمعوا فى مجلس بأشبيلية فكان كل واحد منهم قد وضع موشحة وتأنق فيها، فقدموا الأعمى للانشاد.
فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله:
ضاحك عن جمان
…
سافر عن بدر
ضاق عنه الزمان
…
وحواه صدرى «4»
خرّق ابن بقىّ موشحته وتبعه الباقون ا، ب وسمعت الأعلم البطليوسى «5» يقول أنه سمع ابن زهر «6» يقول:
ما حسدت وشّاحا على قول إلا ابن بقىّ حين وقع له:
أما ترى أحمد فى
…
مجده العالى لا يلحق
أطلعه المغرب فأرنا
…
مثله يا مشرق
وكان فى عصره من الوشّاحين المطبوعين الأبيض «1» . وكان فى عصرهم أبو بكر بن باجة «2» صاحب التلاحين المشهورة. ومن الحكايات المؤرخة أنه لما ألقى على احدى قينات ابن تيفلويت «3» موشحة فيها:
جرّر الذّيل أيّما جرّ
…
وصل السّكر منك بالسّكر
طرب الممدوح. ولما اختتمها بقوله، وطرق سمعه فى التلحين
عقد الله راية النّصر
…
لأمير العلا أبى بكر
صاح: واطرباه! وشق ثيابه وقال: ما أحسن ما بدأت به وما ختمت. وحلف بالأيمان المغلظة أن لا يمشى فى طريق إلى داره إلا على الذهب فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا فى نعله ومشى عليه. وأخبرنى أبو الخصيب بن زهر أنه جرى فى مجلس أبى بكر بن زهر ذكر لأبى بكر الأبيض الوشاح المتقدم الذكر، فغض منه أحد الحاضرين، فقال: كيف تغضّ ممن يقول:
ما لذّ لى شرب راح
…
على رياض الأقاح
لولا هضيم الوشاح
…
إذا ينثنى فى الصباح «4»
أو فى الأصيل
…
أضحى يقول
ما للشّمول
…
لطّمت خدّى
وللشّمال
…
هبت فمال
غصن اعتدال
…
ضمّه بردى
واشتهر بعد هؤلاء فى صدر دولة الموحدين- أعزهم الله- محمد بن أبى الفضل ابن شرف «1» قال المسن بن دوّريده «2» : رأيت حاتم ابن سعيد «3» يقبل رأسه على هذه البدأة.
شمس قارنت بدرا
…
كأس «4» ونديم
وابن هرودس «5» الذى له
يا ليلة الوصل والسّعود
…
بالله عودى
وابن مؤهل «6» الذى له
ما العيد فى حلّة وطاق
…
وشمّ طيب
وإنما العيد فى التلاقى
…
- مع الحبيب
ا، ب وأبو اسحق الزويلى «7» . سمعت أبا الحسن سهل بن مالك «8» يقول انه دخل على ابن زهر وقد أسن، وعليه زى البادية، إذ كان يسكن بحصن استبّة، فلم يعرفه، فجلس حيث وجد، وجرت المحاضرة أن أنشد لنفسه موشحة وقع فيها:
كحل الدّجى يجرى من مقلة
…
الفجر على الصّباح
ومعصم النّهر فى
…
حلل خضر من البطاح
فتحرك ابن زهر وقال: أنت تقول هذا؟ قال: اختبر. قال: ومن تكون؟
فعرّفه. فقال: ارتفع، فو الله ما عرفتك.
ا، ب وسابق الحلية التى أدركت هؤلاء أبو بكر بن زهر، وقد شرقت موشحاته وغربت. وسمعت أبا الحسن المذكور يقول لابن زهر: لو قيل لك: ما أبدع ما وقع لك فى التوشيح، ما كنت تقول؟
قال: كنت أقول مما استحسنه من قولى وأرتضيه من نظمى «1» :
هل تستعاد أيامنا
…
بالخليج وليالينا
إذ يستفاد من النسيم
…
الأريج مسك دارينا
وإذ يكاد حسن المكان
…
البهيج أن يحيّينا
نهر أظلّه دوح عليه
…
أنيق مورق فينان «2»
والماء يجرى وعائم
…
وغريق من جنى الرّيحان
واشتهر معه ابن حيون «3» الذى له «4» :
يفوّق سهم كلّ حين
…
بما شئت من يد وعين
وتنشد فى القضيّتين
خلقت مليح علمت رامى
…
فلس نخل ساع من قتال
وتعمل بذى العينين متاعى
…
ما تعمل إدى بالنّبال
واشتهر معهما فى العصر بغرناطة المهر بن الفرس «1» . ومن المشهور أن ابن زهر لما سمع قوله:
لله ما كان من يوم بهيج
…
بنهر حمص على تلك المروج
ثم انعطفنا على فم الخليج
…
نفضّ مسك الختام «2»
عن عسجدى المدام
…
ورداء الأصيل
تطويه كف الظلام
قال: أين كنا نحن عن هذا الرداء.
وكان معه فى بلده مطرّف «3» . أخبرنى والدى أنه دخل على ابن الفرس المذكور فقام له وأكرمه، فأشار عليه بألايفعل. فقال: كيف لا أقوم لمن يقول:
قلوب تصابت
…
بألحاظ تصيب
فقل كيف تبقى
…
بلا وجد قلوب
واشتهر بعد هؤلاء ابن حزمون «4» بمرسية. أخبرنى ابن الدارس «5» أن يحيى الخزرج «6» دخل عليه فى مجلس فأنشده موشحة لنفسه، فقال له
ابن حزمون، ما الموشح بموشح حتى يكون عاريا من التكلّف. قال: على مثال ماذا؟ قال: على مثال قولى:
يا هاجرى هل إلى الوصال
…
منك سبيل
أو هل يرى عن هواك سالى
…
قلبى العليل «1»
واشتهر فى أشبيلية أبو الحسن بن الفضل «2» . قال والدى: سمعت أبا الحسن ابن مالك يقول: يا ابن الفضل، لك على الوشاحين بقولك الفضل:
واحسرتا لزمان مضى
…
عشية بان الهوى وانقضى
وأفردت بالرّغم لا بالرّضى
…
وبتّ على جمرات الغضا
أعانق بالوهم تلك الطلول
…
وألثم بالفكر تلك الرّسوم
وسمعت أبا بكر الصابونى «3» ينشد للأستاذ أبى الحسن الدباج «4» موشحات له غير ما مرّة، فما سمعته قال لله درك إلا فى قوله:
قسما بالهوى لذى حجر
…
ما لليل المشوق من فجر
خمد الصّبح ليس يطرد
…
ما لليلى فيما أظن غد
صح يا ليل أنك الأبد
…
أو تقضّت قوادم النسر
أم نجوم السماء لا تسرى
واشتهر ببر العدوة ابن خلف الجزائرى «5» صاحب الموشحة المشهورة التى مطلعها:
يد الاصباح قد قدحت زناد الأنوار
…
فى مجامر الزّهر
ومنهم ابن خزر البجائى «1» صاحب الموشحة المشهورة:
ثغر الزمان الموافق
…
حياك منه بابتسام
وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات. وأحسن ما وقع لهم من ذلك موشحة ابن سناء الملك المصرى التى أولها، وقد اشتهرت فى الشرق والغرب
حبيبى ارفع حجاب النور
…
عن العذار
يقطر بمسك على كافور
…
فى جلّنار
وكان الملك الناصر رحمة الله تعالى مائلا إلى الموشحات والأزجال، وبما رزقه الله تعالى من الطبع الفاضل عانى الطريقتين، فوقع فى الموشحات مثل قوله:
نشوان مائس
…
من الصبا لم يسق راح
مرنّح القدّ
…
كالغصن هزّته الرّياح
لم يبق لى صبر
…
مذ لاح فى المكتب
فى خدّه سطر
…
مثل الطّراز المذهب
خيلانه النّثر
…
بها بدا كالعقرب
فى حرب داحس
…
أمسيت والوجد السلاح
وأدمعى جندى
…
يا حبّذاه من كفاح