الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الثانية: من الحكايات الممتعة
ا، ب الشّعبى:«1» دخل على عبد الملك فقال: أتشتهى/ الطعام فقد اشتهيته. فقال: أمير المؤمنين أحق بقول قيس بن عاصم منه
إذا ما صنعت الزّاد فالتمس
…
له أكيلا فانى لست آكله وحدى
فارتاح وقال: لله أبوك يا شعبى: ما تشوّفت بخاطرى إلى شىء لا أقدر عليه إلا وجدته عندك، ثم واكله فى ثريدة عليها خضرة ولحم، مكان خصبها لما يلى الشّعبى.
فقال أمير المؤمنين: تخلّق فى هذا بخلق حاتم [حيث يقول]«2»
وإنى لأستحيى أكيلىّ أن يرى
…
مكان يدى من جانب الزّاد أقرعا
فقال: لا عدمتك يا شعبى. ثم بصق عبد الملك فقصّر فوقعت البصاقة على البساط، فمسحها الشعبى. فقال عبد الملك: أربعة لا يستحيى من خدمتهم:
السلطان والوالد والضّيف والدّابة. فقال: يا أمير المؤمنين، أنفقت أنا من أشعار العرب، وأنفق أمير المؤمنين من آداب الملوك فأحسن له «3» .
ا، ب الأصمعى قال: قال الرشيد أول يوم عزم فيه على تأنيسى: يا عبد الملك أنت أحفظ منا
ونحن أعقل منك، لا تعلّمنا فى ملاء ولا تسرع إلى تذكيرنا فى خلاء، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإذا بلغت من الجواب قدر استحقاقه فلا تزد، وإياك والبدار إلى تصديقنا، وشدّة العجب بما يكون منّا/ وعلّمنا من العلم ما نحتاج إليه على عتبات المنابر، وفى فواصل المخاطبات، ودعنا من رواية حوشىّ الكلام وغرائب الأشعار، وإياك وإطالة الحديث إلا أن تستدعى ذلك منك، ومتى رأيتنا صادفين عن الحق فأرجعنا إليه من غير تقرير بالخطإ، ولا اضّجار بطول التّرداد. قال الأصمعى:
فقلت له: أنا إلى حفظ هذا الكلام أحوج منى إلى كثير من البرّ.
ا، ب الواقدىّ «1» رفع إلى المأمون قصّة يشكو فيها غلبة الدّين، وقلّة الصبر فوقع عليها: أنت رجل فيك خلتان، السخاء والحياء، فأما السّخاء فهو الذى أطلق ما فى يدك، وأما الحياء فهو الذى بلغ بك ما أنت عليه. وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، فإن كنا أصبنا إرادتك فازدد فى بسط يدك، وإن كنّا لم نصبها فجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدّثتنى وأنت على قضاء الرشيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للزبير: يا زبير، إن مفاتيح الأرزاق بإزاء العرش ينزل الله للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم. فمن كثّر كثّر له- ومن قلّل قلّل له. قال الواقدى، وكنت أنسيت هذا الحديث. فكانت مذاكرته إياى به أعجب إلىّ من صلته.
اابن سريج: إمام أصحاب/ الشافعى «2» تذاكر عند الوزير على بن عيسى مع محمد بن داود الظاهرى. فقال له ابن سريج أنت بكتاب الزهرة أمهر منك بهذه الطريقة. فقال: أتعيّرنى به والله ما تحسن أن تستتمّ قراءته قراءة من يفهم، وإنه لإحدى المناقب حيث أقول فيه، وأنشد أبياتا منها
أكرّر فى روض المحاسن مقلتى
…
وأمنع نفسى أن تنال محرّما
قال ابن سريج: أو علىّ تفخر بهذا، فأنا أقول
ومسامر بالغنج من لحظاته
…
قد بت أمنعه لذيذ سناته
ضنّا بحسن حديثه وعتابه
…
وأردّد اللّحظات فى وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده
…
ولىّ بخاتم ربّه وتراته
فقال ابن داود: قد أقررت بالمبيت، فعليك إقامة البيّنة بالبراءة. فقال ابن سريج: من مذهبى أن المقرّ إذا أقرّ اقرارا ناطه بصفة كان إقراره موكولا لصفته.
قال الوزير: لقد ملّيتما ظرفا ولطفا وفهما وعلما.
ا، ب أبو الفرج الجوزى «1» كانت «شهدة» الكاتبة آية فى حسن الخطّ وحسن الصّورة والأدب والظّرف وكانت كثيرا ما تحضر مجلس الجوزى وتكتب له فى جملة من يسأله بالبطائق على منبر الوعظ. فكتبت إليه مرة ورقة فيها إن سيدنا الإمام العالم المتفنن/ أعزه الله بطاعته وأمدّه بتوفيقه- رأيته قد صنّف فى كل فنّ من فنون الشريعة وغيرها إلا فى الطلب، وقد علم أنه توأم علم الأديان وأنا الآن قد أصابنى حكاك حرّقنى حرقة شديدة وذلك فى قبلى، فبأىّ شىء يكون دواوّه؟ فلما قرأ الرقعة قال: يا صاحب الرّقعة الطّبيّة، الجواب وبالله التوفيق
يقولون ليلى فى العراق مريضة
…
فياليتنى كنت الطبيب المداويا
ا، ب أبو الحسن بن أبى نصر «1» كان ببجاية فى عصرنا، قد جمع العلم والورع والأدب وحسن الخلق واللطافة:
وكان قد اقتصر على أمة سوداء ولدت له أولادا سودا. فخرج الأكبر منهم شديد التّخلّف لا يبقى ثوبا فى شرب الخمر، وما وقع بيده خفّت به وشرب بثمنه. وكان أبو الحسن «2» هذا قد أحدث جنانا فى موضع يعرف بالكدية. فخرج إليه يوما مع أولاده وبعض أصحابه، فعدا ذلك الابن الأسود الخلف وصعد الكدية بسرعة وهو ممسك أطراف ثيابه بفيه. فقال أحد أصحاب أبيه: شرب العبد الكدية فسمعه أبو الحسن أبوه. فقال: إذا متّ أنا، ترى كيف يشربها بالحق.