المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيها عبد اللطيف البغدادى صاحب «الإفادة والاعتبار» وأبو شامة صاحب - المقتطف من أزاهر الطرف - جـ ١

[ابن سعيد المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌1- العصر:

- ‌2- الرجل:

- ‌3- التحقيق:

- ‌4- الدراسة:

- ‌الخميلة الأولى المشتملة على الكلمات القصيرة

- ‌الطبقة الأولى: من النثر والتقصير

- ‌الطبقة الثانية: من النثر القصير

- ‌الطبقة الثالثة: من النثر القصير

- ‌الطبقة الرابعة: من النثر القصير

- ‌الخميلة الثانية المشتملة على النثر المتوسط

- ‌الطبقة الأولى: من نثر الدر

- ‌الطبقة الثانية: من النثر المتوسط من الكوكب الدرى

- ‌الطبقة الثالثة: من النثر المتوسط من الكمائم

- ‌الطبقة الرابعة: من النثر المتوسط

- ‌الخميلة الثالثة المشتملة على النثر الممتع

- ‌الطبقة الأولى: [ترسيل القدماء من كتاب المشرق) ]

- ‌الطبقة الثانية: المجتمع فى أسلوب ترسيل القدماء من كتاب الأندلس

- ‌الطبقة الثالثة: [ترسيل كتاب المشارقة والمغاربة]

- ‌الطبقة الرابعة: [ترسيل كتاب مصر والشام والأندلس]

- ‌الخميلة الرابعة المشتملة على‌‌ الأبيات المفردةوالمزدوجة والمثلثة والمربعة

- ‌ الأبيات المفردة

- ‌ابناء الخلفاء والمنتسبون الى الشرف الفاطمى

- ‌الملوك وأبناؤهم

- ‌أرباب رئاسة السيف

- ‌أرباب رئاسة القلم

- ‌أعيان الحسباء والأدباء والشعراء

- ‌الأبيات المزدوجة

- ‌[أبناء الخلفاء والمنتسبون إلى الشرف الفاطمي]

- ‌شرفاء السادة

- ‌الأبيات المثلثة

- ‌الأبيات المربعة

- ‌الخميلة الخامسة المشتملة على‌‌ الأبيات المخمسةوالمسدسة والمسبعة والمثمنة

- ‌ الأبيات المخمسة

- ‌الأبيات المسدسة

- ‌الأبيات المسبعة

- ‌الأبيات المثمنة

- ‌الخميلة السادسة المشتملة على‌‌ الأبيات المتسعةوالمعشرة والاحدى عشرية والاثنى عشرية

- ‌ الأبيات المتسعة

- ‌الأبيات المعشرة

- ‌أ- العراق:

- ‌ب- الشام

- ‌ج- إفريقية:

- ‌الأبيات الاحدى عشرية

- ‌الأبيات الاثنى عشرية فى محاسن أمداح عصرية

- ‌الخميلة السابعة المشتملة على الحكايات القصيرة

- ‌الطبقة الأولى: [من الحكايات القصار]

- ‌الطبقة الثانية: من الحكايات القصار

- ‌الطبقة الثالثة: من الحكايات القصار- نثر الدر

- ‌الطبقة الرابعة: من الحكايات القصار- نثر الدر

- ‌الخميلة الثامنة المشتملة على الحكايات المتوسطة

- ‌الطبقة الأولى: من الحكايات المتوسطة

- ‌الطبقة الثانية: من الحكايات المتوسطة»

- ‌الطبقة الثالثة: من الحكايات المتوسطة

- ‌الطبقة الرابعة: من الحكايات المتوسطة

- ‌الطبقة الأولى: من الحكايات الممتعة

- ‌الطبقة الثانية: من الحكايات الممتعة

- ‌الطبقة الثالثة: من الحكايات الممتعة

- ‌الطبقة الرابعة: من الحكايات الممتعة

- ‌الخميلة العاشرة المشتملة على الدوبيتيات والمربعات والمخمسات

- ‌ملح الدوبيتيات:

- ‌الموافق من ساذج/ الدوبيتى:

- ‌المخالف من ساذج الدوبيتى:

- ‌محاسن الدوبيتى المرصع:

- ‌محاسن المربعات:

- ‌الصنف الموافق من ساذج المربعات:

- ‌ومثال الصنف المخالف من [ساذج] المربعات

- ‌ومثال المرصع من المربعات قول القائل

- ‌محاسن المخمسات:

- ‌الخميلة الحادية عشرة المشتملة على ملح كان وكان ومواليا، كلاهما مخصوص بأهل العراق، وأكثر ما يأتى بلفظ العامة

- ‌[مثال كان وكان]

- ‌مثال مواليا:

- ‌[الموافق من مربع المواليا]

- ‌ومن مواليا المخالف:

- ‌ومما تتصل فيه الأبيات

- ‌غيره مما يتصل فيه الكلام دون قوافى النظام:

- ‌فأما الموشحات

- ‌ملح الأزجال:

- ‌1- الأعلام

- ‌2- شعر القصيد

- ‌3- شعر الدوبيت

- ‌شعر المربعات

- ‌شعر المخمسات

- ‌4- كان وكان

- ‌5- المواليا

- ‌6- الموشحات

- ‌7- الأزجال

- ‌8- آيات القرآن الكريم

- ‌9- الحديث الشريف

- ‌10- ثبت بالمحتوى

الفصل: فيها عبد اللطيف البغدادى صاحب «الإفادة والاعتبار» وأبو شامة صاحب

فيها عبد اللطيف البغدادى صاحب «الإفادة والاعتبار» وأبو شامة صاحب «الروضتين» وابن العديم- صديق ابن سعيد- صاحب «زبدة الحلب، وجمال الدين بن واصل صاحب «مفرّج الكروب فى أخبار بنى أيوب» وعز الدين ابن الأثير صاحب «الكامل فى التاريخ» وسبط بن الجوزى صاحب «مرآة الزمان» .

هذا إلى جانب كتب ابن سعيد نفسها وهى ما سوف نعرض لها فيما بعد.

وكان لكثرة الشعراء فى هذا القرن كثرة مفرطة أن ازدحمت كتب ابن سعيد بأسمائهم، منها ما هو معروف ومنها ما لا نعلم عنه إلا اسمه، وكذلك كانت كتب معاصريه.

‌2- الرجل:

لست أول من يعرّف بابن سعيد الرجل، فقد سبق ابن سعيد نفسه إلى التعريف بأمره فى كتاب «المغرب» «1» وعرض علينا نماذج من شعره، ولكنه تعريف مختصر وناقص: مختصر لأنه صاحب الكتاب ومعروف لأهل عصره والكتاب ليس سيرة حياة بقدر ما هو تراجم لشعراء عديدين سبقوه أو عاصروه، وناقص لأنه كتبه وعمره سبع وثلاثون سنة. فقد ذكر أن مولده كان عام 610 هـ وأنهى تعريفه بنفسه فى العام الذى كان يكتب فيه مؤلفه وترجمته، وهو العام الذى سافر فيه من مصر إلى حلب فى صحبة كمال الدين بن أبى جرادة، واعتزامه لحج فى نفس السنة. وقد أرخ هذا الوقت بسنة 647 هـ.

غير أن مؤرخين آخرين لحقوا بعصر ابن سعيد قد عرفوا به تعريفا أشمل، إذ كانت حياته كاملة أمامهم، وشهرته المدوية تشغل أذهانهم، وكتبه العديدة

ص: 13

أمام أنظارهم. وأهم هؤلاء المقرى فى «نفحه» «1» وابن شاكر الكتبى فى «فواته» «2» وجاء المحققون المعاصرون «3» ليعتمدوا على ما كتبه الأوائل وعلى كتب ابن سعيد نفسها ليعرضوا أمامنا سيرة حياة هذا الرجل وقيمة مؤلفاته من ناحيتيها التاريخية والأدبية. وبهذا أصاب ابن سعيد شهرة فى عصرنا لا تقل عن شهرته أيام معاصريه. وأصبحت كتبه عمدة فى النصوص الأندلسية وتراجم رجالها ممن ضاعت مع الزمن دواوين أشعارهم، وجوهر موشحاتهم وأزجالهم.

ونكتفى بتعريف مختصر لابن سعيد كما فعل لنفسه، غير أن ما هو أكثر أهمية الآن قيمة ما سجل ابن سعيد من تاريخ وأدب، وقيمة ابن سعيد نفسه كمؤرخ وأديب.

ولد علىّ بن موسى بن سعيد فى قلعة يحصب أو قلعة بنى سعيد بغرناطة عام 610 هـ. من أسرة عريقة فى النسب والمجد والرئاسة، أما نسبه فينتهى إلى عمار بن ياسر الصحابى الجليل، وأما جده الأكبر عبد الملك فكان مواليا للمرابطين حتى ثارت عليهم الأندلس عام 539 هـ فامتنع فى قلعته واستمر ممتنعا بها حتى خضع لدولة الموحدين التى حلت محل المرابطين. وقد اتخذ عثمان بن عبد المؤمن ابنه أبا جعفر أحمد وزيرا له وكان شاعرا مرموقا. وكان محمد أخوه مقدما عند يحيى ابن غانية آخر ولاة المرابطين ثم استوزره الموحدون بعد أن خضع لهم وولوه أعمال اشبيلية وغرناطة. وشب ابنه موسى على مثاله يعمل مع الموحدين وتحت لوائهم، ثم خرج عليهم وتولى أعمال الجزيرة الخضراء من قبل بنى هود.

غير أن اضطراب الحياة فى الأندلس صعّب على موسى الحياة بربوعها وهو سليل الأسرة القوية، فخرج متجها إلى المشرق عام 636 هـ يصحبه ابنه علىّ بنيّة أن

ص: 14

يحجا بيت الله، ويمرا بالمغرب ثم بتونس، وفى الأخيرة يكرمهما حكامها وأدباؤها وخاصة أبا العباس التيفاشى، ثم يرحلان إلى الإسكندرية عام 639 هـ ويظلان بها لتعذر حجهما هذا العام. ويتوفى موسى عام 640 هـ، ويبقى علىّ وحيدا يشقى بغربته ووحدته، وكان يخفف منها صلاته القوية برجال مصر وخاصة بجمال الدين ابن يغمور نائب السلطان الأيوبى فى مصر وحلب، ويؤلف له ابن سعيد كتابه «رايات المبرزين» .

وحين يفد القاضى والعالم والمؤرخ والوزير كمال الدين بن العديم عام 644 هـ رسولا من الملك الناصر يوسف الأيوبى صاحب حلب والشام إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين الأيوبى سلطان مصر يجمع الحظ بين الرجلين ويعجب كل منهما بالآخر، فيعرض ابن العديم على ابن سعيد السفر معه إلى حلب، ليقدمه إلى الملك الناصر الذى كان محبا للأدب والأدباء وكان شاعرا.

ويسافر ابن سعيد إلى دمشق، ومنها إلى الموصل وبغداد، ثم يعود إلى دمشق عام 648 هـ ليلقى الملك توران شاه وهو فى طريق عودته إلى مصر ليخلف أباه الملك الصالح على عرشها، وقد أدناه توران شاه منه وأكرمه. ويؤدى ابن سعيد فريضة الحج التى كان قد خرج من الأندلس مع والده كى يؤدياها أول الأمر، ثم يعود إلى تونس عام 652 هـ ويتصل بخدمة أميرها المستنصر الحفصى، إذ كان صديقا له منذ مروره عليه فى أول رحلته مع والده، ويبقى بها حتى عام 666 هـ، ولكنه يرحل ثانية إلى المشرق، ولا نعلم الدافع إلى هذه العودة، وهى التى يذكر فيها بعض المؤرخين أنها ربما كانت التى دخل فيها إيران وأوغل فيها نحو الشرق «1» ولكن سرعان ما يعود إلى تونس مرة ثالثة فيبقى فيها حتى يوافيه أجله عام 685 هـ «2» وقد ترك ابن سعيد وراءه مؤلفات عديدة وصل إلينا بعضها، وفقد البعض

ص: 15

الآخر. وقام بحصرها محققوا ما نشر منها «1» ولا نستطيع أن نتعرض بتقويم لما لم يصل من كتبه على الرغم من وجود بعض إشارات إلى محتواها فى المصادر المختلفة؛ لأنها إشارات لا تدل على تقويم لهذه المؤلفات بقدر ما تدل على الموضوع الذى نتناوله.

أما ما وصل إلينا من مؤلفات فهى:

1-

المغرب فى حلى المغرب:

وقد حقق قسمه الأندلسى د. شوقى ضيف فى جزئين، وحقق قسما آخر يختص بمصر د. محمد زكى حسن ود. شوقى ضيف ود. سيدة الكاشف كما حقق قسما يختص بالقاهرة د. حسين نصار تحت عنوان «النجوم الزاهرة فى حلى حضرة القاهرة» .

2-

المشرق فى حلى المشرق:

وهو قسيم المغرب وإن كان اهتمامه برجال المشرق وأدبائهم. وما زال مخطوطا حتى الآن.

3-

الغصون اليانعة فى محاسن شعراء المائة السابعة:

حققه الأستاذ إبراهيم الإبيارى وترجم ابن سعيد فيه لستة وعشرين شاعرا.

4-

القدح المعلىّ فى التاريخ المحلّى:

وقد وصل إلينا مختصرا بعنوان «اختصار القدح» قام به: أبو عبد الله محمد ابن خليل، وحققه الأستاذ إبراهيم الإبيارى.

5-

رايات المبرزين وغايات المميزين:

وهو مختارات من المغرب قام بها ابن سعيد نفسه ليقدمها إلى جمال الدين

ص: 16

ابن يغمور نائب السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب فى مصر والشام وقد حققه للمزة الأولى المستشرق جارسياجومس، ثم حققه مرة أخرى د. النعمان القاضى 6- عنوان المرقصات والمطربات:

وقد نشر الكتاب مرة واحدة دون تحقيق بمطيعة جمعية المعارف بمصر عام 1286 هـ- 1869 م، وأقوم الآن بتحقيقه لأول مرة وإعداده للنشر. وهو مختارات من الشعر المشرقى والمغربى، تقوم على فكرة ابن سعيد فى المرقص والمطرب من الشعر «1» 7- المقتطف من أزاهر الطرف:

وكان ما يزال مخطوطا حتى الآن- وها هو يظهر لأول مرة محققا «2» ونستطيع أن نلاحظ على أعمال ابن سعيد أنها تتميز بصفة عامة بالآتى.

(1)

أنها جميعا مختارات من نصوص وتراجم تخضع لذوق ابن سعيد الأدبى الخاص فيما يختار، ولم يقتصر اهتمامه على الشعر القصيدى المألوف، بل عرض علينا نماذج من الموشحات والأزجال، وفنون الشعر الأخرى، مثل فن «كان وكان» «والمواليا» «والبليق» إلى جانب المزدوجات والمربعات والمخمسات، وجميعها من تلك الأشكال التى اهتم المغاربة بالنظم فيها دون تحرج أو تمسك بقديم، كما عرض علينا من نماذج المشارقة أيضا ما يثير الإنتباه والدراسة.

(ب) اهتم ابن سعيد أن تكون ترجماته ونماذج أدبائه وشعرائه لمتأخرين منهم، وأعنى من القرن الرابع إلى القرن السابع الهجرى وكان كثير منها من القرنين الأخيرين.

وكأنه أحسن أن شعراء القرون الثلاثة الأولى من الهجرة قد استوفوا حقهم من التعريف والانتشار وشيوع دواوينهم وكتابانهم. كما كان اهتمامه برجال الأندلس وشمالىّ أفريقيا ومنها مصر هو الغالب على مؤلفاته بغض النظر عن كتابه «المشرق»

ص: 17

الذى خصصه تخصيصا. وقد أراد بذلك أن يشارك فى تعريف أهل المشرق بقرنائهم من أهل المغرب، بل وإظهار تفوقهم التفوق الذى يضعهم فى مجال المقارنة والفوز.

(ح) كان لمعاصرة ابن سعيد لكثير من شعراء القرن السابع الهجرى الذين قابلهم فى جولاته الكثيرة وسمع منهم قيمة فى توثيق ما رواه من شعرهم وأخبارهم، كما كان لمشاهداته لبيئات هؤلاء الشعراء وإلمامه بطبيعة مجتمعاتهم قيمة فى إيجاد الرابطة بين هذا النتاج الفنى وبين هذه المجتمعات المتعددة والمختلفة فى تقاليدها وعاداتها، وتستطيع أن تضع الباحث أمام مختلف بيئات العالم الإسلامي فى أندلسه ومغربه ومصره وشآمه وعراقه، وعلى الرغم من أن ابن سعيد لم يكن مؤرخا بالمعنى العلمى الحديث كابن خلدون مثلا إلا أنه كان رحالة فطنا دقيق الملاحظة، شمولىّ البصيرة.

وكما كان لهذه المعاصرة أهميتها كذلك كان لقرب عهده من شعراء وكتاب سابقين عليه من القرنين الخامس والسادس الهجريين قيمة حين استطاع أن يطلع على دواوينهم ومؤلفاتهم قبل أن نفقدها خلال مرورها عبر الأجيال. كما كان لصلته برجال عرفوا هؤلاء السابقين أهمية فى توثيق نصوصهم وأخبارهم.

ولهذا اكتسبت مؤلفات ابن سعيد قيمتها الحقيقية، لا من ناحية كمية النصوص التى احتوتها، ولكن من حيث نوعيتها وتعدد بيئتها وأهمية توثيقها وثبوت الأخبار التى ارتبطت بها.

(د) تغلب على شخصية ابن سعيد شخصية الرجل المسامر والنديم المحبب إلى قلوب سامعيه، فقد كان حلو المعاشرة خفيف الظل، فكه الروح، إلى جانب معرفته بأخبار الندماء وحكايات مجالس المسامرة، وقدرته على جذب المستمعين إلى حديثه، مما جعله محبوبا عند مسامريه سواء كانوا من أصحاب السلطة والنفوذ أو من أقرانه من رجال العلم والأدب، وأخباره فى مجالسه بتونس عند أمرائها الحفصيين أو رجالها مثل أبى العباس الغسانى، أو أحمد بن يوسف التيفاشى تدل

ص: 18

على ذلك، كذلك أخباره فى مصر والشام مثل اتصاله بابن يغمور وابن العديم أو بقرنائه من الشعراء والأدباء مثل الجزار والبهاء زهير وابن مطروح وابن أبى الاصبع وابن سابق، فكلها يؤكد ما قلناه عن هذه الشخصية المحببة إلى نفوس عارفيها، وقد سجل ابن سعيد فى كتبه أخبار من تلك المسامرات، ويكفى أن يقبل عليه رجل فى مثل شخصية السلطان توران شاه حين كان فى طريقه إلى مصر ليتولى السلطة بعد وفاة أبيه فيجعل من ابن سعيد نديما من ندمائه بعد هذا اللقاء القصير العابر.

(هـ) لم تكن شخصية ابن سعيد وهى ما تصورها حياته ومؤلفاته متزمتة أو متكلفة للوقار، فهو أديب يأخذ من أسباب اللهو والطرب أوفى نصيب، عاكف على مجالس الأنس ومجامع الشراب، يقتنص ساعات السرور ويحرص عليها ويعبر فى شعره عن كل ذلك. يقول «1» : دخلت تونس مع أبى العباس الغسانى حماما، فنظرنا إلى غلمان فى نهاية الحسن ونعومة الأبدان. فقلت مخاطبا له:

دخلت حمّاما وقصدى به

تنعيم جسم فغدالى عذاب

فقلت لظى فاعترضت حوره

وقلت عدن فنهانى التهاب

وأنت فى الفضل إمام فكن

فى الحكم ممن حاز فصل الخطاب

فقال:

لا تأمن الحمّام فى فعله

فليس ما يأتيه عندى صواب

فما أرى أخدع منه ولا

أكذب إلا أن يكون السراب

يبدى لك الغيد كحور الدّمى

ويلبس الشيخ برود الشّباب

ظنّ به النار فلا جنة

للحسن إلا ما حوته الثياب

كذلك نجد له أبياتا أخرى تدل على عدم تحرجه مثل تلك التى قالها فى افتضاض بكر «2» :

ص: 19

وخريدة ما إن رأيت مثالها

حيث من الألحاظ بالايماء

فسألتها سمع الشّكاة فأفهمت

أن الرّقيب جهينة الأنباء

وتبعتها وسألت منها قبلة

فى خلوة من أعين الرقباء

فثنت علىّ قوامها بتعانق

أحيا فؤادا مات بالبرحاء

ووجدتها لما ملكت عنانها

عذراء مثل الدّرة العذراء

جاءت إلى كوردة محمرّة

فتركتها كعرارة صفراء

وسلبتها ما احمرّ منها صفوه

فجرى مذابا منجحّا لرجانى

(و) وتتحقق فى شخصية ابن سعيد كمؤرخ أنه كان أمينا فيما ينقل من سابقيه، وهى صفة أساسية فى المؤرخ الثقة، فلم يكن ينقل عن المصادر التى بين يديه ثم يخفى منقولاته كأنه كلامه الخاص؛ بل كان ينصف من نقل عنهم فيذكر أسماءهم، ويسجل نصوصهم بعباراتهم دون تدخل منه فى أسلوبها، فكان لمؤلفاته- وخاصة المغرب- قيمة تاريخية عظيمة لما احتوت من نصوص فقدت مصادرها وجهل أصحابها. وبلغ من أمانته انه إذا نقل نصا من كراريس لم يعرف مؤلفها أو نسى صاحبها قال:«ووقعت على كراريس فى تاريخ مصر» ، وبهذا لم تخل صفحة من المغرب لم يذكر فيها العلماء الذين أخذ عنهم أو الكتب التى نقل منها.

(ز) ولما كان ابن سعيد قد عاصر من ترجم لهم واختار النماذج من نصوصهم شعرية أو نثرية، فقد كان لروايته الشفوية قيمة فى توثيق الأخبار والنصوص.

والرواية الشفوية مصدر قيم من مصادر الكتابة التاريخية فى علم التاريخ الاسلامى، كما فعل فى روايته عن المؤرخ المصرى ابن عبد العظيم معاصره وصاحب تاريخ مصر «1» ، وكان أحيانا يروى بصيغة البناء للمجهول فقول: أخبرت- بضم الهمزة- أو ذكر لى «2» .

ص: 20

وكان والده ممن روى عنهم ابن سعيد، فيقول مثلا: قال والدى أو أخبرنى أبو عمران بن سعيد «1» وهو اسم والده أو كنيته، كما كان ينقل نصا قائلا إنه «من تقييد سلفه» «2» ، والسلف هنا هم أبوه ومن سبقه فى تأليف المغرب من أسرته.

وكان يلجأ أحيانا إلى سؤال أناس عاصروا من يريد أن يترجم لهم، فيأخذ الأخبار منهم، كما فعل مع الشاعر المصرى ابن العصار من شعراء الدولة الأيوبية، إذا أخذ أخباره عن الشاعر المصرى أبى الحسين الجزار وجماعة من فضلاء مصر كانوا فى صحبته «3» فيقول ابن سعيد:«وقد أثبت فى هذا المكان ما اخترته من ذلك، وما استفدت بعده من ألسن أصحابه الذين سمعوا منه. «4»

وإذا لم يكن النص الذى يستدل به ابن سعيد مسعفا له فى استظهاره لنتيجة ما، فإنه كان يلجأ إلى الاستنتاج معتمدا على قرينة لديه، كما فعل فى ترجمته لأبى الفتح بن البيتى، إذا لم يجد أن القرطبى قد حدد عصره فقال ابن سعيد «ودلت قرينة الكلام أنه من شعراء الفسطاط. فى المائة الرابعة» «5» فإذا لم يجد القرينة فإنه يغلب الظن كما فعل فى ترجمته لعلي بن يونس المنجم المصرى حين قال عنه:«يغلب على ظنى أنه من شعراء المائة الرابعة» «6» وقد بلغ من أمانة ابن سعيد فى روايته الشفوية أنه كان يروى النكتة اللاذعة حتى لومست أحد أقاربه كما فى نكتة ابن قادم القرطبى مع عمه «7»

ص: 21