الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية
جهرية الدعوة وسرية التنظيم
ويمكن أن نلاحظ أن هذه الجهرية نفسها قد مرت بمرحلتين:
المرحلة الأولى: جهرية الوسول صلى الله عليه وسلم.
المرحلة الثانية: جهرية المسلمين.
وحيث إن الفارق الزمني بينهما فارق ضئيل وهو أقل من سنتين. فلا نرى داعيا لإفراد كل واحدة منهما في مرحلة.
وتبتدىء المرحلة الثانية إذن بنزول قول الله عز وجل: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (1)} ، وقوله:{وأنذر عشيرتك الأقربين (2)} {وقل إني أنا النذير المبين (3)} .
يقول المباركفوري في كتابه - الرحيق المختوم:
وأول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية: {وأنذر عشيرتك
(1) سورة الحجر الآية 94.
(2)
سورة الشعراء الآية 264.
(3)
سورة الحجر الآية 89.
الأقربين} أنه دعا بني هاشم فحضروا، ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا خمسة وأربعين رجلا فبادره أبو لهب وقال:
وهؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تكلم في ذلك المجلس.
ثم دعاهم ثانية وقال:
الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم قال:
إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة. والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما ستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا.
فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به. فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
فقال أبو لهب: هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم.
فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا (1).
على جبل الصفا: وبعدما تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه قام يوما على الصفا فصرخ: يا صباحاه. فاجتمع إليه بطون
قريش، فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر، وقد روى البخاري طرفا من هذه القصة عن ابن عباس. قال: لما نزلت {وأنذر
(1) الرحيق المختوم ص 90. نقلا عن ابن الأثير.
عشيرتك الأقربين} صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر!. يا بني عدي! لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش. فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟. قالوا:
نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت {تبت يدا أبي لهب (1)).
وروى مسلم طرفا آخر من هذه القصة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:
لما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعم وخص، فقال: يا معشر قريش انقدوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب!
أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا، إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها (2).
هذه الصيحة العالية هي غاية البلاغ، فقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم. وإن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي من عند الله (3).
وننتقل بعد عرض بداية هذه المرحلة من خلال النصوص إلى عرض مواصفاتها العامة. علما بأن هذه المرحلة تنتهي بعد عام الحزن. حيث اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج مكة ساعيا لإقامة دولة الإسلام، ومدة هذه المرحلة على هذا الأساس سبع سنين.
(1) صحيح البخاري 2/ 702 - 743.
(2)
صحيح مسلم 1/ 114.
(3)
الرحيق المختوم ص 89 - 91.