الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن لم يتمكنوا من صد هجوم قريش فلا أقل من أن يرصدوه، ويرصدوا كل التحركات المعادية ضد رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولقد كان سرور رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيما بدخول هذه القاعدة في الإسلام إذ قال:(أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، أما والله ما أنا قلته، ولكن الله قاله (1)) ويشير هذا المعنى إلى أن قوة المسلمين، وظهور تجمعهم قد جعل القبائل المجاورة على استعداد لقبول الإسلام والانضمام إليه.
كما يشير المعنى كذلك إلى أن الدعوة إلى الله تعالى تبقى هي الهدف الرئيسي للمسلمين، فرغم أن الظروف على الطريق إلى المدينة. لم تكن ظروفا مؤهلة للخوض في تفاصيل الإسلام. لكن الهدف الرئيسى دائما تتجاوز الظروف من أجله، وعلى الدعاة إلى الله أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد للدعوة إلى الله على بصيرة.
السمة التاسعة عشرة
(أول إعلان رسمي لشعائر العبادة)
(قال عروة بن الزبير: فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول).
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم .. وأقام بقباء أربعة أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة (2)).
فبعد مرور ثلاثة عشر عاما ليس للمسلمين مركز علني ثابت يصلون فيه، لا تقام فيه إلا شعائر التوحيد، إذ كانوا يصلون أحيانا في الكعبة، لكن بيت الله الحرام قد أحاط به ثلاثمائة وستون صنما، وكل شعائر الشرك تقام حوله.
(1) الإمام أحمد الطبراني والحاكم في مستدركه.
(2)
الرحيق المختوم عن البخاري وزاد المعاد ص 189 - 191.
لقد كان مسجد قباء كما ذكر القرآن الكريم أول مسجد أسس على التقوى، وكان رواده أول ركب مؤمن خالص الإيمان يعلنون التوحيد ويرفعون راية لا إله إلا الله، دون خوف من سلطة قاهرة تفرض عليهم غير شعائر الإيمان. لقد كانت الصلاة في مسجد قباء نقطة تحول في التاريخ الإسلامي بين عهد المحنة والخوف والمعاناة، وبين عهد التميز والمفاصلة، والعبادة الخالصة لله وحده دون أثر للشرك والمشركين.
{.. لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله صلى الله عليه وسلم حب المطهرين (1)} . ولعل الهدف الأول للحركة الإسلامية اليوم حين تقيم دولة الإسلام أن تعود إلى المساجد روح التوحيد الخالص البعيدة عن مظاهرة الطاغوت والتسبيح بحمده، دون خوف أو وجل. {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا .. (2)} . وهو الهدف الذي حدده الإسلام للمؤمنين عند التمكين. {.. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور .. (3)} .
وكان تجمع قباء ليس خاصا بأهل قباء وحدهم. فكما يقول ابن القيم: وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحا بقدومه، وخرجوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة (5)). وكان هذا التجمع
(1) التوبة 108.
(2)
سورة الجن الآية 18.
(3)
سورة الحج الآية 41.
(4)
سورة النور الآية 36 - 38.
(5)
الرحيق المختوم ص 191.