الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله (1)).
لكن لا بد من الملاحظة أن هذا الدفاع لا يأخذ أبدا طابع التحرش والاعتداء. أو طابع الاستفزاز إنما كان محدودا بأطر رد الاعتداء على الحقوق المشروعة للإنسان العادي في كل مجتمع. لضمان حق العقيدة وحق العبادة الشخصي، والذي يؤذي المسلم في هذا الحق يرد أذاه عنه.
السمة الحادية عشرة
تحمل الأذى والاضطهاد في سبيل الله
فلقد انكفأت كل قبيلة على أبنائها ومواليها تذيقهم ألوان العذاب وصنوف لتصرفهم عن دين الله وتصدهم عنه ونذكر بعض النماذج في ذلك:
(كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال والجاه، وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به.
وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته.
ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشا فتخشف جلده تخشف الحية.
وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، حتى يظهر أثر الحبل في عنقه، وكان أمية يشده شدا ثم يضربه بالعصا، وكان يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع، وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول؛ لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو
(1) السيرة لابن هشام ج 2 ص 10.
تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى فيقول وهو في ذلك أحد أحد، حتى مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك فاشتراه بغلام أسود، وقيل بسبع أواق أو بخمس من الفضة وأعتقه.
وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون - وعلى رأسهم أبو جهل - يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها، ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، فمات ياسر من العذاب، وطعن أبو جهل - سمية أم عمار - في قبلها بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة، وبوضع الصخر أحمر على صدره أخرى، وبالتغريق أخرى، وقالوا: لا نتركك حتى تسب محمدا، أو تقول في اللات والعزى خيرا
…
وكان أبو فكيهة - واسمه أفلح - مولى لبني عبد الدار. فكانوا يشدون في رجله الحبل، ثم يجرونه على الأرض.
وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سباع الخزاعية، فكان المشركون يذيقونه أنواعا من التنكيل، يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذبا، ويلوون عنقه تلوية عنيفة، وأضجعوه مرات عديدة على فحام ملتهبة، ثم وضعوا عليه حجرا حتى لا يستطيع أن يقوم. وكانت زنيرة والنهدية وابنتها وأم عبيس إماء أسلمن وكان المشركون يسومونهن من العذاب أمثال ما ذكرنا. وأسلمت جارية لبني مؤمل - وهم حي من بني عدي - فكان عمر بن الخطاب - وهو يومئذ مشرك - يضربها حتى إذا مل قال: إني لم أتركك إلا ملالة.
وابتاع أبو بكر هذه الجواري فاعتقهن، كما أعتق بلالا وعامرا بن فهيرة.
وكان المشركون يلفون بعض الصحابة في إهاب الإبل والبقر، ثم يلقونه في حر الرمضاء، ويلبسون بعضا آخر درعا من الحديد، ثم يلقونه على صخرة ملتهبة.