الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحاب عيسى بن مريم، حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير، ما دون لحمهم وعظامهم، ما صدهم ذلك عن دين الله.
السمة العشرون
إعلان التحدي ودور الشخصيات القيادية فيه
ونلاحظ ثانيا ذلك التحدي الشخصي للجاهلية من عمر رضي الله عنه في ذهابه لخاله أبي جهل وإعلانه إسلامه، وفي بحثه عن جميل بن معمر الجمحي أنقل قريش للخبر لينقل خبر إسلامه للناس وفي مواجهته المشركين وقد سال بهم الوادي يضربهم ويضربونه.
إن هذه الشخصية الفذة لا تعرف الحلول الوسطى، ولا يناسبها إلا المواجهة والمجابهة، وهذه هي فطرتها. ولكننا نخطىء كثيرا حين نقيس الناس جميعا بعمر، إن حادثة إسلام عمر فيها شخصية سعيد رضي الله عنه الذي كتم إسلامه عن قومه وهو من العشرة المبشرين، وفيها شخصية خباب رضي الله عنه الذي اختبأ عند سماعه صوت عمر، وهو من السابقين الأولين من المهاجرين. ولم يكن المسلمون يعيبون على خباب وسعيد، أو يتهمونهما بالجبن.
فالإندفاع الأعمى وراء شخصية معينة في الإسلام أو حادثة معينة، يعني الحكم الأهوج والأعوج على الناس. فليس كل الشخصيات الإسلامية عمر والحمزة، وليست كلها سعيد وخباب، والإسلام يقبل هذه النماذج جميعا، وكل واحدة منها لها دورها ومسؤوليتها ورسالتها.
إن الشخصية الوحيدة التي تصدت لعمر رضي الله عنه هي شخصية الحمزة التي كانت تملك من المؤهلات المكافئة لمواجهة التحدي من عمر. فلا غرو إذن أن يكون لهما الدور الأكبر والحاسم في إنهاء مرحلة معينة وابتداء مرحلة جديدة.
وهذا ما نلاحظه ثالثا. فعندما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلان جهرية العبادة والقيام بتظاهرة علنية جماعية في مكة. ورأى رسول الله أن الظروف غدت مواتية استجاب لرغبة الفاروق رضي الله عنه، وخرج المسلمون في صفين على رأس أحدهما عمر، وعلى رأس الثاني الحمزة، وأعلنا في مكة صوت الإسلام الداوي، ودخلا الكعبة بالمسلمين، ومضى المسلمون في صلاتهم ما بين قائم وراكع وساجد، ولم يكن الأمر عبارة عن حدث عارض. بل كان خطأ جديدا في تاريخ هذه الدعوة كما ذكر ابن مسعود رضي الله عنه:(ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم (1) عمر). وقول صهيب بن سنان رضي الله عنه: (لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقا، وظفنا بالبيت وانتصفتا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به (2)). وقول عبد الله بن مسعود: (ما زلنا أعزة منذ أن أسلم عمر (3)).
وتشير النصوص - كما أسلفنا إلى أن هذه الخطوة الحاسمة. أعطت حرية الدعوة والعبادة للمسلمين جميعا. وعجز المشركون بعدها أن يحولوا دون ذلك. واستطاعت بعض الشخصيات التي كانت محافظة على سريتها في العبادة والدعوة أن تظهر علانية لا تخاف في الله لومة لائم. وكان إسلام عمر والحمزة منعطفا جديدا من منعطفات الدعوة الإسلامية.
إن إسلام الحمزة وعمر رضي الله عنهما هو بمثابة انقلاب عسكري في وقتنا الحاضر، يهيء للدعوة الإسلامية مناخا جديدا للدعوة والعبادة. وهذه النقطة بحاجة إلى أن نقف عندها قليلا لنراعي المرحلية في هذا المنهج الخالد. إننا نجد ثورة عارمة من الشباب الإسلامي اليوم، لو أن انقلابا عسكريا قام وهيأ الحرية المتاحة للدعوة والعبادة. كمرحلة إلى الهدف النهائي - إقامة دولة الإسلام في الأرض - والحكم بشريعة الله عز وجل.
(1) و (2) و (3) الرحيق المختوم للمباركفوري ص 121، نقلا عن مصادر متعددة في الحديث والسيرة ذكر تخريجها من قبل.
لم يستطع الانقلاب الذي قام به حمزة وعمر رضي الله عنهما أن يحقق دولة الإسلام في الأرض. لقد بقيت الأصنام والأوثان، وبقي الخمر والزنا، وبقيت معالم الجاهلية كاملة لم يزل منها معلم واحد، ومع ذلك اعتبر إسلامهما فتحا إسلاميا، وعزة عظيمة. لأنه خطا بالدعوة من مرحلة الخوف والاضطهاد والتعذيب إلى مرحلة العلنية والحرية في العبادة والدعوة، بل سمي عمر رضي الله عنه فاروقا - من أجل ذلك.
إن الشباب المتحمس اليوم يرى في هذه الخطوة تخاذلا وتخليا عن حاكميه الله في الأرض، حيث أنه يقدم الدماء اليوم للوصول إلى هذا الهدف. بل يتهم قيادة الحركة الإسلامية بالتواطؤ، والجهل، والخيانة. لأنها لم تحقق هذا الهدف، إقامة شريعة الله في الأرض.
وحين تكون الظروف لا تهيء أكثر من هذه الخطوة على الهدف، تهيئة الجو الملائم لانتشار الدعوة، وانتصارها لتصل إلى الحكم النهائي. يتشنج بعض الشباب، ويثير الحرب على قيادته. بل يتهمها في دينها وعقيدتها.
ما أحوجنا إلى أن نتأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدب سيرته، ونلحظ هذه المرحلية المتتالية للوصول إلى الهدف النهائي، والهدف النهائي مرتبط بالقوة والقدرة على تحقيقه، وليس جهلا أو غباء أو انحرافا عن دين الله عز وجل.
فقد تكون الحركة الإسلامية غير قادرة على إنهاء الجاهلية كلها من جذورها، بل تقتضي الظروف السياسية والاجتماعية والدولية أن يكون الوصول للحكم من خلال مؤسسات دستورية عن طريق الحرية والانتخابات. ولا تملك القوة العسكرية للمسلمين أكثر من حماية هذه الحرية.
لم يقم المسلمون بعد إسلام عمر رضي الله عنه بتكسير الأصنام
والأوثان، ولم يقوموا بإحراق حانات الخمر، ولم يقوموا بتدمير مواخير الزنا، لم يقوموا بشيء من ذلك. إنما قاموا بالدخول إلى الكعبة والصلاة فيها، وحق التجمع حولها، ودعوة الناس للإسلام، وكان هذا نصرا عظيما للإسلام وخطوة على الطريق للهدف النهائي.
ما أحوج شبابنا أن يفقهوا هذه المعاني، وأن يتعلموا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الخطوات العملية والأهداف المرحلية للوصول منها إلى الهدف العظيم، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. غير أننا نلاحظ كذلك أن المسلمين لم يشتركوا في حكم مكة مع المشركين لأن الحكم مسؤولية.
ولم يقبلوا الحلول الوسطى التي عرضت عليهم. لقد قاد هذا الانقلاب الأمور إلى زيادة في التميز، وزيادة في المفاصلة، وصار المسلمون قادرين على إعلان عباداتهم، وإعلان حقيقة مبادئهم للناس جميعا، بينما لم يكن لهم هذا الحق من قبل، وهذا يعني أن بعض الشباب المسلم لم يكن قادرا قبل إسلام عمر رضي الله عنه على إعلان هويته الإسلامية، ومبادئه الإسلامية، واعتناقه الإسلام، وظفر بهذا الحق بعد ذلك.
إنه ما لم يعلن أن الحركة الإسلامية أو الجبهة الإسلامية، هي التي تحكم الأمة فلا ضير من أي مظهر سياسي يحقق مكاسب أكبر وأضخم لهذه الحركة أو هذه الجبهة. إنها لم تصل بعد إلى الحكم، وبالتالي لا تحمل مسؤولية أي خطأ فيه.
وفرق بين أن يعلن قادة انقلاب عسكري إسلامية الدولة، فهم مسؤولون عن هذا الإعلان. كما جرى اليوم مثلا في باكستان أو غيرها، والمسؤولية على صدق هؤلاء في ادعائهم أو كذبه ودعوتهم لفريق من الناس أو لكثير منهم في ذلك، وبين أن يعلن أن الحركة الإسلامية هي صاحبة الحكم والمسؤولية عنه، وبالتالي فسوف تحاسب على كل خطوة فيه، وسعيها الحثيث لجعله محل التطبيق الفعلي.