الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إننا لنعلم أن المسلمين خاضوا حربا من أجل امرأة راودها يهودي على كشف وجهها عندما كانت المرحلة تقتضي ذلك. بينما لم يخوضوا تلك الحرب وأبو جهل يطعن سمية في قبلها فيقتلها. فالأمر في كلا الحالتين منطلق من توجيهات القيادة المسلمة التي تعرف طبيعة المرحلة وتخطط لها وعلى الجنود الالتزام بها. أما العواطف الثائرة التي لا تعرف الإنضباط والتي لا تستجيب للالتزام فلتبحث لها عن مكان خارج الحركة الإسلامية.
السمة الثانية والثلاثون
الاستفادة من العناصر المشتركة بين الإسلام والعقائد الأخرى
لقد كان هناك هدنة -إذا صح التعبير- بين الإسلام وبين النصرانية واليهودية في هذه المرحلة، وعقائد اليهود لم تتغير، وعقائد النصارى لم تتغير، ولكن المعركة في هذه المرحلة مفتوحة مع الوثنية. ونلحظ هذا الموقف في جانبين:
الجانب الأول مع الوفد القادم من المدينة، من مشركي مكة الذين مضوا إلى اليهود في يثرب يسألونهم عن دين محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: سلاه عن ثلاث. فإن أجابكم عنها فهو نبي مرسل وإلا فهو متقول كذاب. سلاه عن رجل طواف في الآفاق ماذا كان خبره، وسلاه عن فتية في الدهر الأول ماذا كان خبرهم، وسلاه عن الروح. وقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الثلاث.
وبذلك شعر المشركون على الأقل أن اليهود، ومحمدا صلى الله عليه وسلم في معسكر واحد. وكان هذا واضحا لديهم لأنهم عندما انتصر الفرس على الروم فرحوا بذلك بينما حزن المسلمون حتى ليتراهن أبو بكر رضي الله عنه، وأحد المشركين على نصر الروم على الفرس خلال بضع سنين. {الم غلبت الروم
في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله صلى الله عليه وسلم -نصر من يشاء وهو العزيز الرحيم (1)}.
والجانب الثاني كان من الناحية العملية مع وفد النصارى الذي حضر إلى مكة كما ذكر خبره ابن إسحاق: (ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه فكلموه وسألوه، ورجال من قريش في انديتهم حول الكعبة. فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليهم القرآن. فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابو له وآمنوا به وصدقوا وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم منأهل دينكم ترتادون لهم وتأتونهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال. ما نعلم ركبا أحمق منكم. أو كما قالوا لهم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نسأل أنفسنا خيرا (2).
والرواية تؤكد إسلام هذا الوفد. غير أن هذا لا ينفي هذا التقارب بين الإسلام والنصرانية واليهودية في ذلك الوقت. خاصة وأن بقايا النصارى الموجودين في مكة قد شهدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. والحركة الإسلامية من حقها أن تهادن من ترى مهادنته دون أن تقر لمبطل بباطل أو تعلن موافقة على عقيدة كافرة. أما نقطة اللقاء بين هذه العقائد فهي كونها من عند الله - بغض النظر عن الخلاف في جزئياتها - وعن التحريف الذي أصابها - ما عدا الإسلام الذي تكفل الله تعالى بحفظه.
(1) الروم 1 - 5.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 32.