الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تضطر الحركة الإسلامية في موقع آخر أن لا تتدخل لحماية أحد أبنائها مباشرة. إما لعجز في الإمكانية، أو لمصلحة في التخطيط. فلا يكشف من خلال هذا التدخل علاقتها به. فهذا لا يضيرها ولا يدينها، بل تبقى دائما مصلحة الجماعة الإسلامية فوق مصلحة الفرد.
3 -
ونلاحظ أن الذي أنقذ سعدا قيم الجاهلية فكما يروي سعد: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى إلي رجلا ممن كان معهم فقال: ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟. قلت: بل والله. لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي تجاره، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن حرب بن أمية. قال: ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت وخرح ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف باسمكما، ويذكر إن بينكما وبينه جوارا. قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة. قالا: صدق والله إنه كان ليجير لنا تجارنا زيمنعهم أن يظلموا ببلده! قال: فخلصنا سعدا من أيديهم فانطلق (1)).
ولا يضير الحركة الإسلامية أن تنقذ شبابها أو ينقذهم غيرها تحت أية قيمة أو قانون أو عرف إذا كان هذا الأمر لا يؤدي بها إلى تنازلات على حساب مصلحتها العامة أو فكرتها المبدئية.
السمة الرابعة عشرة
ابتداء الحرب الإعلامية بين الدولتين
وإثر حادث إطلاق سعد بعد اعتقاله: قال ضرار بن الخطاب بن مرداس شاعر قريش:
تداركت سعدا عنوة فأسرته
…
وكان شفائي لو تداركت منذرا
(1) تهذيب السيرة ص 107 - 108.
ولو نلته طلت دماء جراحه
…
وكان حقيقا أن يهان ويهدرا (1)
فأجاب حسان بن ثابت ضرارا بقوله:
فلست إلى سعد ولا المرء منذرا
…
إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا
فلا تك كالشاة التي كان حتفها
…
بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
لقد أمسكت قريش بفتيل الحركة الإسلامية الذي أوشك على الانفجار، وكان من الممكن أن يقع صدام فعلي بين الفريقين لولا إطلاق سعد، غير أن التهديد والوعيد قد انطلق مؤذنا ببداية المواجهة، ولم يترك المسلمون الأمر دون رد. فكان شعر حسان إيذانا ببداية الرد في الحرب القائمة، وعلى رأسها الحرب الإعلامية:
فإنا ومن يهدي القصائد نحونا
…
كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا (2)
لقد كان الإعلام الإسلامي جاهزا منذ اللحظات الأولى، التي كان الإعلام فيها أشد من وقع السيف.
وقد تم كل هذا الأمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على الحياد دون أي تدخل أو إيحاء بالتدخل رغم أن الحلف معه، فلا يزال في جوار المطعم بن عدي، وبنيه جبير بن مطعم وإخوته، وجبير هو الذي أجار سعدا كذلك. ولا يريد أن يثير معركة جانبية قبل الإعداد الكامل لها، واستطاع عليه الصلاة والسلام أن يؤجل المعركة، ويؤجل الدماء حتى قامت الدولة الإسلامية.
فهل لدى الحركة الإسلامية أكبر من هذا الهدف في هذه المرحلة، أن تقيم دولة الإسلام في أقل ما تستطيع من دماء، ولا تدع حلفا سياسيا أو عرفا جاهليا أو قانونا أرضيا إلا وتستخدمه من أجل هذا الهدف.
(1) السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 93.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام ص 94.