الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السمة الحادية عشرة
تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب
يقول المباركفوري:
وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتخاب اثنى عشر زعيما يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عليهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. (فقال للقوم: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومكم بما فيهم (1)). فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس
…
ولما تم انتخاب هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقا آخر بصفتهم رؤوساء مسؤولين. قال لهم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا: نعم.
لم تنته القضية بعد فلن يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصل بكل فرد من هؤلاء المبايعين كل مرة. ولن يستطيع أن يبايع كل أفراد الأمة المسلمة على ذلك فلا بد من انتخاب قيادة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه القواعد.
وتم الأمر بانتخاب تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
1 -
إن مفهوم الاختيار والانتخاب في نظام الحكم الإسلامي مفهوم أساسي، والغريب في الأمر أن يوجد من يناقش في هذا المبدأ في صفوف الحركة الإسلامية. ومن يناقشون في هذا الأمر يقوم تصورهم على أن الأمير في الإسلام هو الحاكم المطلق الذي لا يناقش إلا إذا عصى الله تعالى، ولا يقيمون وزنا لرأي القواعد الإسلامية في اختيار قيادتها الحاكمة. وهو تصور مخطىء ولا شك. وإن كان في هذه الأرض من يحق له أن يستعمل رأيه دون الرجوع إلى القواعد المسلمة، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه المؤيد بالوحي من الله تعالى، والناطق به. وكان بإمكانه عليه الصلاة والسلام وهو يقوم على اختيار المسؤولين لديه أن يختار الذين بايعوا في بيعة العقبة
(1) الرحيق المختوم ص 169 و 170.
الأولى وكانوا اثني عشر رجلا، وقد خبرهم وخبر صدقهم وحسن ولائهم، ومع ذلك لم يفعل هذا عليه الصلاة والسلام، وكان تصرفه هذا درسا بليغا للمسلمين في الأرض عن كيفية اختيار الحاكم، وعن اعتبار رغبة الأمة أو أهل الرأي فيها هي الأساس الذي يقوم عليه الاختيار ولم يتدخل عليه الصلاة والسلام من قريب أو بعيد بهذا الاختيار، وما أحرانا أن نتعلم من هذا العمل النبوي قواعد الحكم الشوري، والتنفيذ العملي له.
2 -
والمسؤولية على قدر الصلاحية، فلقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسؤولية لهؤلاء النقباء الأثنى عشر. بعد أن اعتبرهم القادة المسؤولين. وواجبهم أن يكونوا كفلاء على قومهم من المسلمين، الذين بايعوا في العقبة، والذين أقاموا في يثرب، هم مسؤولون عن تصرفاتهم وانضباطهم وطاعتهم، والتزامهم بأوامر هذا الدين الجديد، وبعدم الإخلال في أحكامه، وهم محاسبون أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخطاء القاعدة تحاسب عنها القيادة، طالما أن لها صلاحيات الحكم والتوجيه فيها.
3 -
وتبدو العظمة النبوية بأجلى صورها حين لم يعف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من المسؤولية. بل أعلن التكافؤ فيها فقال: "وأنا كفيل على قومي".
فهم - وهم الجنود المؤمنون - من حقهم أن يناقشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخطاء وتصرفات المسلمين في مكة. ولا يوجد إذن في الدنيا من هو فوق المساءلة والمحاسبة إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفل بقومه من المسلمين.
4 -
وتظهر خطورة المسؤولية لهذه الحكومة المنتخبة حين نذكر أن حرب بعاث بين الأوس والخزرج لم تجف دماؤها بعد. فإمكانية اشتعال الحرب بينهم قائمة في كل لحظة. فلا بد أن تتمكن هذه الحكومة الائتلافية من الأوس والخزرج أن تضمن استقرار الأوضاع في المدينة، ومعالجة الأوضاع الصعبة فيها، والحيلولة دون اندلاع الحرب من جديد، ويبدو الأمر أشق وأعسر حين نتصور أنه لا بد من تكوين التحام كامل بين المسلمين أوسهم وخزرجهم، فليس المهم أن تخف البغضاء بينهم فقط، بل لا بد