الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السمة الأولى
الدعوة سرا
يقول المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع:
(والتحقيق أن جبريل عليه السلام لما جاءه بغار حراء وأقرأه: {إقرأ باسم ربك الذي خلق} ورجع إلى خديجة، مكث ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئا. وفتر عنه الوحي؛ فاغتم لذلك وذهب مرارا ليتردى من رؤوس الجبال شوقا إلى ما عاين أول مرة من مشاهدة وحي الله إليه. فقيل: إن فترة الوحي كانت قريبا من سنتين، وقيل كانت سنتين ونصفا. وفي تفسير عبد الله ابن عباس كانت أربعين يوما، وفي كتاب معاني القرآن للزجاج كانت خمسة عشر يوما، وفي تفسير مقاتل ثلاثة أيام، ورجحه بعضهم وقال: ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه لم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسي، وثبته وبشره أنه رسول الله، فلما رآه فرق منه، وذهب إلى خديجة رضي الله عنها. فقال: زملوني زملوني فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثياب فطهر} فكانت الحالة الأولى بغار حراء حالة نبوة وإيحاء، ثم أمره الله تعالى في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله عز وجل.
فكان - فيما قاله عروة بن الزبير، ومحمد بن شهاب، ومحمد بن اسحاق - من حين أتت النبوة وأنزل عليه {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وقوله {وأنذر عشيرتك الأقربين} {وقل إني أنا النذير المبين} ثلاث سنين (1).
ونلاحظ أن المقريزي رجح الآراء التي تعتبر فترة انقطاع الوحي فترة قصيرة حول الأربعين والخمسة عشر والثلاثة من الأيام (2). بينما ساق الأقوال الأولى عن السنتين والسنتين والنصف دون إسناد.
وفي الرأي الثاني يزول الإشكال الكبير حول هذه الفترة التي لا نجد لها ذكرا أو تاريخا. ولو حسبت هاتان السنتان والنصف من المرحلة السرية لكانت مرحلة الدعوة فيها لا تعدو سنة أو نصف سنة، ومن المستبعد جدا أن يكون ذلك.
ننتهي بهذا إلى أن السمة الأولى لهذه المرحلة: هي امتدادها الزمني ثلاث سنوات وإن كنا في واقع الأمر لا نبني شيئا على هذه المدة. ولا نفهم أن الحركة الإسلامية اليوم لا بد أن تمر بمرحلة سرية هي ثلاث سنوات. فهذا أمر لا نص فيه يدعونا إلى الاقتداء به ولا نحجر واسعا. إنما نفهم أن انتهاء هذه المرحلة قد كان لأنه قد صار للمسلمين قاعدة صلبة مستعصية على الإفناء إذا قيست، بنوعياتها من جهة، ونسبتها إلى المجتمع المكي آنذاك من جهة ثانية. ومن هذا الجانب تكون القدوة. فليس المهم حساب الزمن. إنما المهم الحصيلة العملية للدعوة، وقدرتها على المواجهة للمجتمع القائم من خلال أشخاصها ورجالاتها ومؤسساتها.
(1) إمتاع الأسماع للمقريزي ج 1 ص 15 تحقيق محمود محمد شاكر، ونشر عبد الله إبراهيم الأنصاري وطبع على نفقته إدارة الشؤون الدينية بدولة قطر.
(2)
وقد ورد في الصحيحين (اشتكى رسول الله صل الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت إمرأة (وهي أم جميل بنت حرب) فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك! لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله عز وجل: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى} .