الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الشاب المسلم الذي يمضي مراهقته وفتوته - هائما بالعبادة والطاعة، مواظبا على تلاوة القرآن، ناصبا قدميه في الليل في طاعة الله، يذكر الله خاليا فتفيض عيناه، قلبه معلق بالمساجد مستغرق في الأذكار المطلقة والمأثورة يئز قلبه أزيزا بالقرآن في جوف الليل كأزيز النحل، طبع القرآن في قلبه وفكره، هو الشاب النموذج الذي يجب أن تحرص الحركة الإسلامية على بنائه، وما لم تعط هذا الأمر حقه من العناية، فسيكون البناء هشا ينهار تحت الضربات الأولى للطاغوت.
هذا هو منهج البناء الأول. من خلال سورة المزمل. وتكون حرارة المواجهة مع الطاغية تذوب أمام حرارة العبادة والتبتل لله، والثقة بنصر الله وانتقامه من الكافرين.
{وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا
…
(1)}.
السمة العاشرة
الدفاع عن النفس عند الضرورة
فإذا كان العدو يريد أن يؤذي المسلمين، وكان بإمكان المسلم أن يرد هذا الاعتداء عن نفسه فلا ضير في ذلك، وخاصة حين يكون الأذى منصبا على الجسد.
يؤكد هذا المعنى ما ورد عن سعد رضي الله عنه في قصة الصلاة في الشعاب الآنفة الذكر (.. فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون. فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب
(1) سورة المزمل الآية 10 - 14.
سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه. فكان أول دم هريق في الإسلام) (1).
وكذلك قصة عثمان بن مظعون يوم عاد من الحبشة، ودخل في جوار الوليد بن المغيرة، ثم ترك جواره إلى جوار الله، ورد على الشاعر لبيد مقالته. فثار الناس إليه وضربهم وضربوه حتى اخضرت عينه من الضرب (2).
ولعلي أؤكد معنى في ذلك هو ما ورد في قصة إسلام عمر بن الخطاب من أنه مكث يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم (3).
لكن هذا الأمر لم يكن على إطلاقه. فلم يكن يقدر على هذا الأمر إلا من كان ذا شكيمة قوية ومنعة من قومه. أما الضعفاء فلم يتمكنوا من هذا الموقف.
ونفقه من هذه السمة أن رجال الحركة الإسلامية ليسوا على مستوى واحد في المواجهة، فيمكن أن يكون فيهم الممتنع بقوته أو عشيرته أو مركزه.
ويمكن لأمثال هؤلاء أن يتحملوا المواجهة ويواجهوا الاعتداء بالمثل. كما أكد القرآن الكريم في وصفهم في معرض الئناء عليهم:
{والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (4)} .
ولرد الاعتداء دور إيجابي في رفع معنويات العامة، الذين يقدرون القوة ويعجبون بها بل في ذلك تشجيع لهم للانضمام إلى صف الدعوة تأثرا بمثل هذه المواقف.
فجواب عثمان بن مظعون للوليد بن المغيرة يدل على مدى الثقة النفسية العميقة لديه:
(إنني في جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس، وإن عيني
(1) تهذيب السيرة لابن هشام ص 57.
(2)
ذكر ابن هشام الحادثة في السيرة ج 2 ص 9 و 10.
(3)
امباركفوري في الرحيق المختوم ص 120 عن ابن الجوزي ص 8.
(4)
سورة الشورى الآية 39.